"عثمانية جديدة".. هكذا يرى إعلام روسي تحركات تركيا الخارجية

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تشكل فيه تحركات أنقرة بالمنطقة ضغطا سياسيا واجتماعيا على موسكو، يزداد اهتمام النخبة والخبراء والعسكريين الروس ومن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، في تحليل وتكهن الخطوات القادمة للقيادة التركية في المنطقة.

وفي السياق، كتب الصحفي أندريه زخارشينكو، مقالا في موقع "الصحافة الحرة" الروسي، شارك من خلاله في تحليل هذه التنبؤات والقراءات حسب وجهة نظره وآراء خبراء آخرين.

توتر في العلاقات

وقال زخارشينكو: إنه "قبل وقت قصير من توقيع رئيس روسيا فلاديمير بوتين، مع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، (اتفاقا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 حول إقليم قره باغ)، كتب مراقبون أميركيون في دراساتهم، أن التوتر الحالي في العلاقات الروسية التركية قد تؤدي إلى صراع عسكري مباشر بين البلدين".

وأشار إلى أنه "في نقاش لموقع (الصحافة الحرة) عن احتمالية تطور الأحداث وفقا لهذا السيناريو، اعتبر الخبير العسكري لمركز الظروف الإستراتيجية الروسي، أوليغ بونومارينكو، أن مثل هذا الخيار مستحيل عمليا، لأنه لا يلبي المصالح الإقليمية للدول المشاركة المحتملة".

وشدد بونومارينكو على أن "تركيا ليس لديها سبب للانخراط في صراع واسع النطاق في حين أنها تعلم أن العواقب المحتملة يمكن أن تكون أكثر من سلبية عليها". 

واستدرك قائلا: "لكن على أي حال، فإن إستراتيجية تركيا ستكون خطوة بخطوة في استعادة المواقع لنفسها كلما أمكن ذلك، هذه الإستراتيجية الزاحفة هي الخيار الوحيد الممكن لهذا البلد، بالنظر إلى حالة جميع موارده".

وتابع بونومارينكو: "مثل أي قوة في عملية نموها، ستحاول تركيا بشكل طبيعي أن تأخذ لنفسها أكبر قدر ممكن بكل معنى الكلمة، لأنه حيثما تنشأ الروابط السياسية، يتم بناء الخيوط الاقتصادية، والعكس صحيح:

وأوضح: "يتطلب الاقتصاد في بعض الأحيان غطاء لآلته العسكرية ودوائره السياسية، من أجل ربط بعض المناطق ثقافيا واقتصاديا، وهذا هو، على أي حال ما يسمى بالامتداد".

لاعب جيوسياسي

ونقل "زخارشينكو"  عن صحيفة "Advance" الكرواتية قولها: إن "روسيا قررت منح بعض الأراضي لأذربيجان من أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع باكو، وهو أمر مهم بشكل خاص في وقت أعلنت فيه تركيا نفسها كلاعب جيوسياسي جديد في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي".

كما نقل عن الموقع العربي "نون بوست" ما كتبه بأن "الدور الرئيسي لعبته تركيا من خلال تدخلها في الصراع إلى جانب الجيش الأذربيجاني، فلولا هذا الدعم، لما تمكنت باكو من اختراق التحصينات الأرمنية في الأراضي المحتلة"،

وأشار الموقع إلى أن "هذين البلدين (تركيا وأذربيجان) متحدان باللغة والدين والعرق، كما يتضح من الشعار السياسي المعروف لقادتهما  (أمة واحدة - دولتان)".

يشار أنه في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم "قره باغ"، وذلك عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مأهولة مدنية.

وبعد معارك ضارية استمرت لنحو 4 أسابيع، أعلن بوتين في 10 نوفمبر، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة أذربيجان السيطرة على محافظات كانت محتلة قبل نهاية العام الحالي.

من جانب آخر، أكد "زخارشينكو" أن "تركيا تواصل الضغط على اليونان، حيث إن العلاقات بين أثينا وأنقرة متوترة بالفعل بسبب قبرص، وقد تفاقمت الآن أكثر".

وأضاف: أن "الأتراك بدؤوا في التنقيب الجيولوجي لحقول النفط على الجرف البحري، وهو ما يعتبره اليونانيون وفقا للبنود الموقعة هذا الصيف، في الاتفاقيات بين اليونان وإيطاليا ومصر حول ترسيم حدود المناطق البحرية".

ولفت الصحفي الروسي إلى أن "أثينا وجهت لأنقرة إنذارا نهائيا، إما أن توقف الاستكشاف على الجرف البحري الأجنبي، أو يلجأ الجانب اليوناني إلى تدابير قصوى، ولكي يكونوا أكثر إقناعا، أجرى اليونانيون تدريبات عسكرية على أساس أساليب هجومية". 

وردا على ذلك، "استعرضت أنقرة بتحد عضلاتها العسكرية، وأوضحت أنها لم تعط هذا الإنذار أي سنت"، بحسب "زخارشينكو".

وقال: "يبدو أن فرنسا جاءت لمساعدة اليونانيين، فأرسلت مقاتليها وفرقاطة بحرية إلى منطقة البحر المتوسط ​​المتنازع عليها، ووعدت بحماية اليونان من الأعمال العدوانية لتركيا". 

ولفت زخارشينكو إلى أن "الرئيس أردوغان رد على ذلك وبشكل حازم، تركيا ليست دولة يمكن اختبار صبرها، وإذا نوت فعل شيء فهي تفعله وهي جاهزة للعواقب". 

وأشار إلى أن "فرنسا استدعت سفيرها لدى أنقرة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأمهلوا أردوغان شهرين لتسوية الخلافات مع أثينا، لكن بعد أيام قليلة من ذلك، أعلنت تركيا أنها ستواصل التنقيب الجيولوجي للجرف".

لا خطوط حمراء

أثناء مناقشة الوضع حول تركيا، قال الخبير في صراعات الشرق الأوسط والمؤرخ الروسي، ستانيسلاف خاتونتسيف: "أعتقد أن لا أحد سيعارض أردوغان بحزم وجدية".

وأضاف: أن "الأتراك إذا قرروا تجاوز الخطوط الحمراء، فأنا أخشى أن يضطر اليونانيون إلى مواجهتهم عمليا بمفردهم، بالطبع يمكن لإسرائيل مساعدتهم، لكن من فرنسا، على الأرجح، لا يمكن للمرء أن يتوقع أي شيء في هذا الصدد". 

واعتبر "خاتونتسيف" أن "الأتراك لديهم فرصة للانتشار، على كامل المساحة من شواطئ إيجة إلى شواطئ بحر قزوين".

وتابع: "أعتقد أنه ما دامت ظاهرة مثل أردوغان في السلطة، فإن هذه القومية التركية (العثمانية الجديدة) ستنمو وتزدهر وتنتشر، وفي المستقبل، قد تقع أذربيجان وشمال سوريا وشمال العراق وليبيا وجزء من بلغاريا وقبرص وجزر أخرى في بحر إيجة تحت السلطة التركية".

وفي سؤال طرحه موقع "الصحافة الحرة" على خاتونتسيف، مفاده بعد رحيل أردوغان ألن يرفع أحد "خلفائه" راية "توران العظيم"(مشروع تركي لدولة واحدة لجميع الأتراك العرقيين)؟، أجاب المؤرخ: "مع وجود خلفاء في تركيا، بالطبع، الأمور أفضل مما هي عليه في -على سبيل المثال- فنزويلا". 

وأوضح: "كان الرئيس الراحل هوغو تشافيز صاحب الشخصية الجذابة هناك، أما بالنسبة لخليفته نيكولاس مادورو، فهو في رأيي، مثل سرج البقرة". 

وأفاد "خاتونتسيف" بأن "في تركيا أردوغان، يوجد عدد كاف من الأشخاص الأكثر استعدادا وتطورا، على الرغم من حقيقة وجود عدد كبير جدا من أتباع (تنظيم فتح الله) غولن. لذلك، أنا متأكد من أنه سيكون هناك شخص ما في تركيا لقيادة البلاد على الطريق الذي اختاره أردوغان".

واستدرك قائلا: "إذا كان الرئيس التركي المقبل سيواصل عمل أردوغان، فسيواجه مقاومة جدية ليس فقط من الأتاتوركيين العسكريين، ولكن أيضا من قوى سياسية معينة داخل البلاد".

واختتم الكاتب مقاله بالقول: "من حسن الحظ أنه يوجد الآن درجة أو أخرى من النجاح بين الأيديولوجيين السياسيين الأتراك وبين السياسيين العمليين الأذكياء".

توران العظيم

وفي مقال نشرته الصحفية والمحللة في جريدة "إزفيستييا" الروسية، كسينيا لوجينوفا، قالت: إن "سفير لندن السابق لدى أنقرة، ريتشارد مور هو أحد المؤيدين النشطين لفكرة توران العظيم، التي ساهمت بريطانيا في تطويرها".

وأوضحت أن "جوهر هذه الإستراتيجية هو الحاجة إلى توحيد الشعوب التركية على أساس الهوية الثقافية والعرقية واللغوية".

وذكرت أنه "على مدار الثلاثين عاما الماضية، عملت تركيا بنشاط على الترويج لأفكار القومية التركية في بعض جمهوريات رابطة الدول المستقلة، والتي تعني ضمنا دمج (الفضاء التركي وفقا للقواعد التركية)". 

وتستكمل الكاتبة تحليلها، بأنه ولتحقيق هذه الأهداف، "غالبا ما تستخدم أنقرة القوة الناعمة أي الأعمال والتعليم والعلوم، وتشكيل مجموعات الضغط"، وفق زعمها.

واعتبرت لوجينوفا أن "انتقال كازاخستان إلى الأبجدية التركية أصبح أحد النجاحات الأخيرة في هذا الشأن، أما أذربيجان فهي مرتبطة بقوة بتركيا سياسيا واقتصاديا".

لكنها شددت على أن "روسيا، التي تعيش على أراضيها الشعوب الناطقة بالتركية، تمثل منافسا طبيعيا لتركيا في النضال من أجل العالم التركي". 

وادعت لوجينوفا أن "روسيا، وليس تركيا، هي مركز الفضاء الناطق بالتركية، لأن الشعوب التي تعيش في الاتحاد الروسي وفي منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي احتفظت بتقاليد وعادات أكثر بكثير من تركيا".