"مهاجرو الكناري".. قصة آلاف الهاربين من جحيم إفريقيا إلى أحلام أوروبا

12

طباعة

مشاركة

تروي صحيفة إسبانية، شهادة حية لشاب سنغالي، في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، انطلقت من العاصمة داكار مرورا عبر موريتانيا فالمغرب في اتجاه جزر الكناري، لينتقل بعدها إلى فرنسا؛ هربا من "جحيم" وطنه.

وبدأت رحلة "عبدول" بالسيارة، ثم عبر القارب والطائرة والحافلة وأخيرا عبر القطار، خلال فترة دامت أكثر من 6 أشهر للهروب.. هكذا كانت رحلة عبدول؛ أو بالأحرى رحلة آلاف المهاجرين. 

وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية: إنه إلى "غاية هذا التاريخ من هذه السنة، وصل أكثر من 18 ألف شخص إلى جزر الكناري (أرخبيل إسباني في المحيط الأطلسي قبالة سواحل المغرب) عبر آلاف القوارب أو الزوارق، من السنغال أو موريتانيا أو إقليم الصحراء بالمغرب". 

وبالأرقام، سجلت الهجرة نحو جزر الكناري زيادة بنسبة تزيد عن ألف بالمئة مقارنة بعام 2019، ووصل أكثر من ألفي شخص في عطلة نهاية أسبوع واحدة إلى الجزر الإسبانية، واستضافت البلاد 6 آلاف شخص في فنادق الجزر. 

هروب من الإساءة

وأوضحت الصحيفة أنه "يمكن فهم هذه الأزمة من خلال تصريحات وسياسات المسؤولين في إسبانيا؛ على رأسها تصريح وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، الذي قال: لن تصبح جزر الكناري طريق الدخول غير النظامي إلى أوروبا". 

وأضافت: "يمكن الحديث عن هذه المعضلة أيضا عبر قصص مثل قصة عبدول، الذي انتقل من تعرضه للتعذيب في السنغال إلى عامل بناء في فرنسا، وفي هذه الرحلة، أو غيرها من القصص المشابهة، أصبحت جزر الكناري الآن نقطة رئيسية على الطريق الإقليمي للهجرة". 

وأوضحت الصحيفة أن "أزمة كورونا، التي ألحقت الضرر بقطاع السياحة، دفعت بالكثير من السنغاليين إلى الهجرة عبر قوارب صغيرة للوصول إلى وجهتهم النهائية".

واستدركت قائلة: "لكن الأسباب التي دفعت بعبدول إلى الهجرة مختلفة نوعا ما، لقد كان الشاب جنديا في داكار، إلى أن أصبحت هذه الوظيفة مستحيلة، نظرا لتعرضه في الجيش لسوء المعاملة والتلاعب والتهديد، والإساءة الجسدية والنفسية التي وصلت إلى التعذيب". 

وعبر الهاتف من باريس، أكد عبدول في حديثه للصحيفة، عدم رغبته "في سرد تفاصيل تلك الفترة من حياته والتعذيب الذي تعرض له في السنغال".

وقال عبدول: "في السنغال، كان من الواضح بالنسبة لي أنه يجب مغادرة البلاد إلى إسبانيا للحصول على الحماية".

من السنغال إلى المغرب

وأوضحت "الكونفدنسيال" أنه "الطريق المؤدي إلى جزر الكناري انطلاقا من الساحل السنغالي، عبر قوارب تسمى (كايكو)، يبلغ أكثر من ألف كيلومتر، ويعبر هذا الطريق البحري أولا ساحل موريتانيا وجنوب المغرب ثم الاتجاه إلى المحيط الأطلسي المفتوح".

ووفقا لأرقام المنظمة الدولية للهجرة، يعتبر هذا الطريق "واحد من أخطر طرق الوصول البحري إلى أوروبا، وبشكل عام، عادة ما تكون وجهة المهاجرين هي جزيرة تينيريفي (تابعة لجزر الكناري)، حيث يسترشدون بقمة جبل تيد". 

وشددت الصحيفة على أن "أزمة الهجرة لسنة 2020 نحو الجزر الإسبانية، مختلفة عن الأزمات السابقة".

من جانبها، قالت المتحدثة باسم المفوضية الإسبانية لمساعدة اللاجئين، تكسيما سانتاماريا: إن الطريق نحو جزر الكناري قد "فوجئ" بإضافة "عامل المغرب".

وأوضحت في تصريحات للصحيفة الإسبانية: "خلال السنوات السابقة، كان المهاجرون من سكان الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء (السنغاليون والغينيون والغامبيون، ولا سيما في أوائل عام 2020)، يهاجرون بسبب الانقلابات وتصاعد العنف، دفعت أزمة كورونا بآلاف المغاربة للهجرة أيضا". 

وأشارت سانتاماريا، إلى أن "غالبية المهاجرين المغاربة هم، مرشدون سياحيون، وسائقو سيارات أجرة، وباعة متجولون، صعدوا إلى القوارب لأن اقتصاد بلادهم قد غرق بسبب جائحة كورونا".

ثمن "الشامان"

أوردت الصحيفة الإسبانية أن عبدول غادر داكار بالسيارة، عابرا موريتانيا، وصولا إلى مدينة الداخلة المغربية.

وفي هذا الصدد، قال عبدول: "لم أكن أعرف أحدا، كنت وحيدا تماما في الرحلة، لم أقابل الأشخاص الذين أخذوني إلى جزر الكناري حتى وصلت إلى المغرب وسألت عمن يجب أن أتحدث معه للذهاب إلى إسبانيا". 

ونقلت "الكونفدنسيال" أنه "في الداخلة، التي أصبحت الآن المركز الذي تنطلق منه رحلات القوارب إلى جزر الكناري، وجد عبدول من يحتاج إليه. وقد كان يطلق عليه عبدول وغيره من المهاجرين السنغاليين لقب (الشامان) أي المهرب". 

لكن لكل رحلة ثمن، يشرح المهاجر السنغالي قائلا: "كان هناك أشخاص دفعوا ألفا، أو ألفين، أو ثلاثة آلاف يورو للوصول إلى إسبانيا بدا الأمر مكلفا للغاية بالنسبة لي.. لكن إذا لم أدفع فلن يأخذوني إلى الجانب الآخر من البحر".

وأضاف عبدول: "اتصلت بأسرتي في السنغال لإرسال النقود لي، لكن كان علي العمل لعدة أشهر في المغرب من أجل دفع ثمن الرحلة". 

ولفتت الصحيفة إلى أن "حالة عبدول منتشرة وشائعة بكثرة؛ حيث إن الداخلة هي منطقة صناعة لصيد الأسماك، وينتهي الأمر بالعديد من المهاجرين الذين ليس لديهم أموال للرحلة إلى قضاء أسابيع أو حتى أشهر في العمل بالمدينة".

وأضافت: "أخيرا، تمكن عبدول بهذه الطريقة من جمع أموال كافية لدفعها إلى (الشامان)". 

وأشارت "الكونفدنسيال" إلى أنه "بعد وصول عبدول إلى إسبانيا، ومروره بالسجن، أمضى عدة أشهر بين مراكز استقبال مختلفة على الجزيرة، من تلك التي يديرها الصليب الأحمر وصولا إلى خدمات مؤسسة كاريتاس (إغاثية دولية)؛ التي ساعدته كثيرا". 

وقال عبدول: "عندما كنت تحت رعاية كاريتاس، كانت الفترة التي تناولت فيها طعاما جيدا، وحصلت على ملابس جيدة، وكل ما أحتاجه. لكن بعد شهرين، رفضت الحكومة مواصلة تحمل كاريتاس مسؤوليتنا، ثم انتقلت عمليات الاستقبال إلى وزارة الاندماج والضمان الاجتماعي والهجرة وأيضا الصليب الأحمر".

وأضاف: "نظرا لعدم إتقاني للغة الإسبانية، أيقنت أن فرص العيش في إسبانيا ضئيلة؛ فقررت المغادرة نحو فرنسا، عبر بلدة إرون". 

وأشارت الصحيفة إلى أن "الحدود بين إرون ومدينة هندايا الفرنسية لم تعد سهلة العبور بالنسبة للمهاجرين القادمين من المغرب؛ نظرا لرفع باريس مستوى التأهب ضد الإرهاب منذ هجمات باتاكلان عام 2015، كما أن غلق الحدود بسبب جائحة كورونا جعل الأمر أكثر صعوبة".

واستدركت قائلة: "لكن، تمكن عبدول من العبور بعد شراء تذكرة عبر تطبيق (بلابلاكار)، وإجمالا، من داكار إلى باريس، قدرت تكلفة رحلة عبدول بحوالي 6 آلاف يورو؛ هربا من التعذيب في وطنه".