صراع الصحراء بالمغرب.. لماذا فشلت وساطة الأمم المتحدة طوال 36 عاما؟

الرباط ــ الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

36 عاما من الوساطة الأممية لملف إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، دون إيجاد حل لأحد أطول النزاعات في القارة الإفريقية، فتح سهام النقد على الأمم المتحدة لـ"فشلها" في إنهاء هذا الصراع الشائك، خاصة مع أزمة "معبر الكركرات" الأخيرة.

وأدرجت الأمم المتحدة عام 1963، "الصحراء الغربية" في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، فيما منظمة "الوحدة الإفريقية" (الاتحاد الإفريقي حاليا) هي الهيئة التي بادرت إلى إيجاد حل تصالحي بين المغرب وجبهة "البوليساريو" منذ بدء النزاع فعليا في 1975.

لكن المغرب انسحب عام 1984 من "الوحدة الإفريقية" عندما اعترفت بـ"الجمهورية العربية الصحراوية" عضوا فيها.

بعد ذلك، تدخلت الأمم المتحدة محل المنظمة الإفريقية، عام 1984، وجاءت باقتراح تطبيق الاستفتاء الذي نصت عليه خطة تسوية 1988 بين المغرب و"البوليساريو"، غير أنها قوبلت برفض الجانبين، لتؤول الخطة في النهاية إلى خيارين، إما انضمام إقليم الصحراء للمغرب وإما الاستقلال عنه.

إثر ذلك، أعلنت الهيئة الأممية، وقف إطلاق النار بين المغرب و"البوليساريو" عام 1991، من أجل حل نزاع الصحراء، وصدر في 25 يوليو/تموز 2000 قرار مجلس الأمن رقم 1309 المتضمن للمبادرة الفرنسية الأميركية التي تقترح حلا سياسيا لمشكلة الصحراء، فدعا ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بنزاع الصحراء، جيمس بيكر، الطرفين إلى حل تفاوضي يستبعد خطة الاستفتاء.

هذا ما دفع بالأمم المتحدة إلى تقديم "حل ثالث" ينص على أن تمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا، مع البقاء تحت الحكم المغربي في غضون 5 سنوات يمكن بعدها إجراء الاستفتاء.

ووصف هذا الحل بـ"الثالث" لأنه جاء لينضاف إلى خيارين سابقين هما، الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب.

الفرق بين "الحل الثالث" وبين الانضمام إلى المغرب هو "الثالث" يمنح الصحراء استقلالية ذاتية موسعة دون دمجها الكلي في المغرب.

ويقترح مشروع "الاتفاق الثالث" أن تكون الجزائر وموريتانيا بمثابة شاهدتين عليه، وفرنسا والولايات المتحدة بمثابة ضامنتين لتعزيز التسوية وتنفيذ الاتفاق، وقد قبل المغرب الحل الثالث لكن رفضته "البوليساريو" والجزائر.

حياد سلبي

في عام 2000، أجرت الأمم المتحدة تقييما شاملا لتسع سنوات من محاولة تنفيذ مخطط التسوية، وخلص تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، في فبراير/ شباط 2000 إلى أن كافة الجهود التي بذلت من أجل التوفيق بين الجانبين "باءت بالفشل".

وصرح الأمين العام الأممي آنذاك، أنه بناء على المشاورات التي أجراها مع مبعوثه إلى الصحراء، فإن تنفيذ خطة التسوية شهدت عراقل على مدى السنوات التسع الماضية؛ بفعل خلافات أساسية بين الطرفين.

مع استحالة تنظيم الاستفتاء فإن "الحل الثالث" مرفوض من طرف الجزائر والبوليساريو، وكذلك خيار التقسيم كمقترح جزائري مرفوض مسبقا من المغرب، ولذلك يرى "أنان" أنه أمام الوصول إلى الطريق المسدود، يصبح خيار خروج الأمم المتحدة من الأزمة مطروحا، خاصة وأن الأزمة قد كلفت منظمته 1.5 مليار دولار في 11 عاما.

في مقال ترجمه معهد "كارنيجي" للشرق الأوسط، قال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية، جاك روسيلييه: إن "عجز المغرب والبوليساريو عن التفاوض حول حق الصحراء الغربية في تقرير المصير - سواء عبر اختيار الحكم الذاتي أو الاستقلال - تسبب في جعل دور الوساطة الذي تؤديه الأمم المتحدة يقتصر إلى حد كبير على أمور هامشية".

لكن النزاع على الصحراء الغربية تحول مع سعي كل من المغرب و"البوليساريو" المدعومة من طرف الجزائر، إلى الترويج لجدول أعمال يتعارض مع جدول أعمال الفريق الآخر حول دور بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) والغاية منها، لا سيما في ما يخص إذا كان يجدر بقوة حفظ السلام مراقبة حقوق الإنسان.

ولم يعد القرار السنوي الذي يصدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد مهمة البعثة، والذي لم تتغيّر لغته عمليا، خاضعا للتفاوض؛ بدلا من ذلك يركز فرقاء النزاع على التأثير في صياغة التقارير التي يرفعها أمين عام الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن.

يرى "روسيلييه"، أن هامش التحرك المتاح أمام الأمم المتحدة يتضاءل، في إطار سعيها إلى إرساء توازن بين إصرار المغرب على التزام بعثة "المينورسو" حصرا بمهمة المراقبة العسكرية من جهة، وبين مطالب "البوليساريو" المؤيدة للاستقلال بتركيز البعثة على مراقبة إجراء استفتاء حول تقرير المصير في المستقبل، ووضع تقارير عن الرعاية الاجتماعية وشؤون حقوق الإنسان في مختلف أنحاء إقليم الصحراء من جهة أخرى. 

لهذه الغاية، دعت الأمم المتحدة إلى إجراء تحليل شامل ومفتوح للأوضاع، وعمدت إلى توسيع دائرة المتحاورين، وهو ما دفع بالرباط إلى اتخاذ موقف دفاعي، خشية أن يكون هذا الأمر بمثابة مراجعة خلف الكواليس للتفويض الذي تضطلع به بعثة "المينورسو".

معطيات كلاسيكية

في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2020، صادق مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على تمديد مهام "المينورسو" سنة كاملة إلى غاية أكتوبر 2021، وتضمن القرار كل المعطيات الكلاسيكية السابقة من الترحيب بالحكم الذاتي والحديث عن تقرير المصير و"الحل البراغماتي" المتفق بشأنه، وشدد على ضرورة عودة مفاوضات السلام.

لكن القرار تفادى الحديث عن المعطى الذي يهدد الملف بالحرب وهو إغلاق عناصر من "البوليساريو" لمعبر "الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا في وجه حركة النقل منذ 21 أكتوبر الماضي واستمر لـ3 أسابيع، ويبدو أن القرار تجنب الحديث عن الكركرات بهدف "ترك المساعي للمينورسو والمساعي غير المعلنة"؛ لإيجاد حل "لم يصل".

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد إعلان الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، استئناف الصراع ضد المغرب بعد توقف دام منذ 1991، تأسف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لأن "الجهود باءت بالفشل"، وحذرت المنظمة الأممية من انتهاك وقف النار في إقليم الصحراء، لما يترتب عليه من عواقب وخيمة على أي تغييرات في الوضع الراهن.

وترى "البوليساريو" أن البعثة الأممية لم تواكب التطورات الميدانية و"لم تفرض هيبتها كبعثة مخول لها مراقبة الإقليم"، من بينها ما تسميه الجبهة، "انتفاضة الاستقلال في المناطق المحتلة في 21 مايو/ أيار 2005"، وتنطلق "البوليساريو" من هنا لتطلع من المجتمع الدولي أن يمنح الهيئة صلاحية مراقبة حقوق الإنسان كباقي بعثات حفظ السلام في العالم.

رغم أن الأمم المتحدة تراجعت عن الدعوة التي وجهتها في البداية لإجراء مراقبة مستمرة وحيادية لحقوق الإنسان، إلا أنها ناشدت الأطراف تعزيز التعاون مع الهيئات ضمن منظومة الأمم المتحدة والمعنية برصد التقارير عن حقوق الإنسان. 

ربما تسبب إحباط الأمم المتحدة العلني من عجز وسيطها (المينورسو) عن التحاور بصورة مستقلة مع أطراف المجتمع المدني في الصحراء الغربية، فضلا عن مخاوفها المعلنة من إقصاء سكان الصحراء الأصليين من العملية التفاوضية، بتعليق المغرب جزئيا لتعاونه مع الأمم المتحدة، بما في ذلك الدبلوماسية المكوكية التي يقوم بها الوسيط. 

ونقل معهد "كارنيجي" عن روسيلييه قوله: إن "الجزائر  تزعم أنها ليست طرفا في النزاع"، معتبرة أنه "يقع على عاتق جبهة البوليساريو والمغرب التفاوض لتسوية الخلاف".

واستدرك المعهد: "إلا أنه من شأن أي مراقبة شاملة لحقوق الإنسان في إقليم الصحراء ومخيمات اللاجئين أن يجعل من الجزائر - كبلد مضيف لمخيمات اللاجئين القادمين من الصحراء- المحاور المباشر للمغرب، وليس البوليساريو، الأمر الذي سيفرض على الجزائر الجلوس رسميا إلى طاولة المفاوضات". 

وفي هذا السياق، تكتفي الأمم المتحدة الآن بجعل موقفها من مراقبة حقوق الإنسان مقتصرا على الدعوات المتكررة إلى المغرب والبوليساريو؛ للتعاون مع آليات المنظمة وإجراءاتها المطبقة حاليا في مجال حقوق الإنسان. 

وتسعى المنظمة الأممية من خلال ذلك إلى إنقاذ ماء الوجه في ما يخص الدور الذي يؤديه الوسيط الأممي، في غياب أي مخرج واضح للإحباط الذي يشعر به كل من المغرب والجزائر، جراء عدم إحراز تقدم في البحث عن حل للنزاع.

موقف محرج

أشارت أصابع الاتهام في الأزمة الأخيرة بين "البوليساريو" والمغرب إلى الأمم المتحدة لـ"عدم احتوائها الوضع"، خصوصا وأن مجلس الأمن لم يعالج في قراره الأخير الصادر نهاية أكتوبر الماضي، مشكلة "معبر الكركرات"، ولم تدع الأمم المتحدة إلى اجتماع بين الأطراف لخفض التوتر، ولعل أكبر خطأ ارتكبته هو تأخرها في تعيين مبعوث خاص لنزاع الصحراء بعد استقالة المبعوث الأخير هورست كوهلر منذ عام ونصف.

وفي تقرير لها، اعتبرت صحيفة "القدس العربي" أن الأمم المتحدة تجد نفسها في "موقف محرج" بعدما بدا أن البوليساريو لا تأخذ بعين الاعتبار مطالب بعثة "المينورسو"، وتتهمها بالانحياز للمغرب، وترفض الجبهة أي دور لـ”المينورسو” في أزمة "الكركرات" الأخيرة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية، أن الأمم المتحدة طلبت من إسبانيا الاستعداد لاستقبال أغلبية موظفي "المينورسو" في حالة اندلاع الحرب بين المغرب والبوليساريو

ورأى مراقبون أن الأمم المتحدة، هي الطرف الذي يقع على عاتقه الآن عبء تحمل المسؤولية فيما يقع من خروقات، وذلك في إطار الصلاحيات المخولة لبعثة "المينورسو" كآلية دولية تشتغل في إطار قواعد القانون الدولي. 

واعتبرت تقارير مغربية أن بعثة الأمم المتحدة "فشلت في القيام بوظيفتها، إذ لمجلس الأمن، كامل الحق في اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن شرعية قراراته الرامية إلى استتباب السلم والأمن الدوليين في المنطقة (إثر إغلاق عناصر البوليساريو معبر الكركرات)". 

فيما دعت وزارة الخارجية الجزائرية، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الأمم المتحدة إلى التحرك، قائلة: "ننتظر من الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، وبعثة المينورسو، القيام بمهامهما بشكل دقيق، دون قيود أو عقبات، والتحلي بالحياد الذي تتطلبه التطورات الحالية".