تداركها قاآني.. لماذا تخشى إيران استئناف الهجمات ضد أميركا بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور 24 ساعة على سقوط وابل من الصواريخ على السفارة الأميركية في العراق، وصل قائد فيلق القدس الإيراني العميد إسماعيل قاآني، إلى العاصمة بغداد، حيث طالب المليشيات الشيعية بضرورة الالتزام بالهدنة وإيقاف الهجمات على القوات الأميركية.

وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال المتحدث باسم "حزب الله" العراقي محمد محيي: إن مجموعة تضم جميع فصائل وصفها بـ"المقاومة المناهضة للولايات المتحدة" قد اتفقت فيما بينها على وقف الهجمات التي تستهدف السفارات والمعسكرات والقوات الأميركية.

الهدنة التي أعلنتها المليشيات الموالية لإيران كانت من طرف واحد، وذلك بعد تهديد الولايات المتحدة الأميركية بالرد على هجمات المليشيات الشيعية، على الهجمات الصاروخية واستهداف البعثات الدبلوماسية، حسبما كشفت وسائل إعلام محلية في 25 سبتمبر/ أيلول 2020.

وتثير هذه السياسة الجديدة مع وصول قاآني إلى بغداد على وجه السرعة تساؤلات ملحة، عن أسباب خشية إيران من استمرار الهجمات الصاروخية ضد أميركا بالعراق؟ ولماذا خرقت المليشيات الموالية لها الهدنة، والتي كانت بتوجيه من المرشد الأعلى علي خامنئي؟

خرق واضح

في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، سقطت 7 صواريخ على مناطق مختلفة في المنطقة الخضراء، بهدف استهداف السفارة الأميركية، أسفرت عن مقتل طفلة عراقية، وجرح آخرين، بعد أن تولت المنظومة الدفاعية "سي رام" داخل السفارة تشتيتها.

وعلى إثر ذلك، أعلنت كبريات الفصائل المسلحة المقربة من إيران عدم مسؤوليتها عن إطلاق مثل تلك الصواريخ، فقد عدتها "كتائب حزب الله" بأنها "عمل هواة".

كما أعلن زعيم "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، هو الآخر عدم مسؤولية فصيله عن تلك الصواريخ، لكنه أكد أن الهدنة مع الأميركيين قد انتهت" رغم أنه لم تحدد المليشيات العراقية مدة للهدنة في بيانها.

وجاءت بيانات الشجب والرفض لعملية إطلاق صواريخ الكاتيوشا في خضم مواقف رسمية تتبناها في العادة الكتل السياسية داخل البرلمان والحكومة، ومن بينها الكتل الشيعية التي ترفض عملية إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء، لكنها في الغالب تندد بما تسميه عدم جدية الولايات المتحدة في الانسحاب من العراق.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني عن قائد إحدى الفصائل المسلحة قوله: إن الفصائل لم تنتهك الهدنة المعلنة. لكنه استدرك قائلا: قلنا سابقا إن الهدنة ستستمر لمدة شهرين فقط، وانتهى الموعد النهائي.

وكانت "كتائب حزب الله" العراقي، قد أكدت أن الفصائل اتفقت فيما بينها على تعليق هجماتها الصاروخية على القوات الأميركية، شريطة أن تقدم الحكومة العراقية جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأميركية، حسبما قال محمد محيي المتحدث باسم المليشيا الأقرب لإيران في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

ووفقا للموقع البريطاني، فإن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وجه الفصائل العراقية المدعومة من إيران بالدعوة إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد، وهو ما أعلن عنه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

أضاف: "قادة بعض الفصائل لديهم وجهة نظر خاصة بشأن كيفية إخراج القوات الأميركية من العراق، لكنهم أيضا لا يخرجون عن إجماع الآخرين ويأخذون في الاعتبار المصالح العليا للمنطقة".

وكشف الموقع أن قاآني، الذي جاء مباشرة من لبنان بعد لقائه زعيم حزب الله حسن نصر الله، عقد عدة اجتماعات خلال زيارته التي استمرت يومين كان أبرزها الذي عقد في منزل هادي العامري رئيس كتلة فتح النيابية وقياديها، مع منظمة بدر، أقدم وأكبر فصيل مسلح شيعي.

وحضر اللقاء ممثلون عن أبرز الفصائل الشيعية المسلحة، ومن بينها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وحركات حزب الله النجباء، إضافة إلى أبو فدك المحمداوي رئيس أركان جماعة الحشد الشعبي شبه العسكرية، وعدة قيادات سياسية من كتلتي فتح ودولة القانون النيابية.

 

وقت عصيب

وبخصوص أسباب هلع إيران من انتهاك الهدنة، قال تقرير الموقع البريطاني: إن قاآني حذر خلال اجتماعاته مع قادة المليشيات الموالية لإيران من أن "الصراع مع القوات الأميركية يمكن أن ينتقل بسرعة إلى ما وراء العراق".

وأفاد الموقع بأن قاآني قال للمجتمعين: "إذا اندلعت حرب بين إيران وأميركا فلا يمكن احتواء تداعياتها، وسيكون العراق وسوريا ولبنان واليمن والسعودية والكويت وإيران ساحة معركة للطرفين".

ونقل الموقع البريطاني عن قائد كبير لفصيل شيعي مسلح قوله: إن قاآني أوضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد جر المنطقة إلى حرب مفتوحة قبل مغادرته، للانتقام من خصومه لخسارته الانتخابات، وليس من مصلحتنا إعطاءه أي مبرر لبدء مثل هذه الحرب.

من جهته، رأى العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع ببرلمان العراق حامد المطلك أن "طلب قاآني من الفصائل المسلحة بوقف الهجمات ضد القوات الأميركية، يعود إلى نظرة إيران المختلفة لترامب، وأن الأخير اليوم يمر بوقت زمني عصيب وحرج بسبب ما أفرزته نتائج الانتخابات الأخيرة".

وأضاف المطلك في حديث لـ"الاستقلال": "سبق لترامب ووزير خارجيته أن هددوا إيران إن لم يتوقفوا عن الهجمات فإن الولايات المتحدة ستلجأ إلى خيارات أخرى، لذلك فإن طهران تتحسب للفترة الحرجة المتبقية من ولاية ترامب".

وتابع: "ربما يقدم ترامب خلال ما تبقى من ولايته على توجيه ضربة قوية إلى إيران، لذلك فإن تحرك قاآني لإيقاف الهجمات ضد القوات الأميركية هو لعدم إعطاء مبرر في مهاجمتها".

ولفت المطلك إلى أن "خرق المليشيات للهدنة مع الولايات المتحدة لا يعني خروجها عن السيطرة الإيرانية، فرغم التزامها بتوجيهات المرشد الإيراني علي خامنئي، لكن ربما كانت لديها تقديرات مختلفة للموقف في وقتها، لهذا قاموا بهذه الأعمال".

وأردف: "لا نستطيع أن نحكم فيما إذا كانت هذه المليشيات ستلتزم بوقف التصعيد أم لا، لكن على الأرجح أنهم سيستمعون لهذه التوجيهات بشكل جدي، أما تلبيتهم لها مئة بالمئة فلا يمكن تقديره حاليا".

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز"، قد كشفت في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن ترامب بحث مع مستشاريه إمكانية ضرب موقع نووي إيراني خلال الأسابيع المقبلة، لكنهم أثنوه عن فكرة تنفيذ ضربة عسكرية.

لكن مصادر أكدت في حديثها للصحيفة الأميركية أن "ترامب ربما لا يزال يدرس سبلا لمهاجمة مصالح إيران وحلفائها بما في ذلك المليشيات العراقية".

تمديد الهدنة

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله، تعليقات من مصدر قيادي في "الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية" على زيارة قائد فيلق القدس الإيراني وتداعياتها.

وقال المصدر: إن "الجنرال قاآني ليس في وارد زيارة بغداد لأجل تمديد الهدنة"، مشيرا إلى أن "الجانب الأميركي يبحث عن مخرج مقنع للانسحاب، ومن الخيارات المتاحة الانسحاب أثناء الهدنة، مع الحصول على موافقات حكومية لإبقاء قوات محدودة المهام والعدد والانتشار".

ولفت إلى أن "ثمّة تضارب داخل الحكومة العراقية بين من يؤكد الاتفاق على الانسحاب، ومن ينفيه مؤكدا البقاء، وهذا ما لن نقبله مطلقا"، لافتا إلى أن " استهداف قاعدة (الحرير) في أربيل (إقليم كردستان) أربك الحسابات، بعدما كان التصور الأميركي أن البقاء هناك، أو في قاعدة (عين الأسد) في الأنبار، هو بقاء آمن".

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2020 أعلن الجيش العراقي، أن "مجموعة إرهابية" استهدفت أربيل بعدد من الصواريخ، وأن توجيها صدر بتوقيت آمر القوة المسؤولة عن المنطقة، لكن حكومة الإقليم اتهمت، لواء 30 من الحشد الشعبي بالوقوف وراء ذلك.

وتابع المصدر، قائلا: "لسنا مقتنعين بأن الأميركيين لديهم قوات غير قتالية، مهما تعددت المسميات. وعليه، لن نقبل بوجود جندي أميركي، وسنعامله معاملة احتلال، ولن نرضى بهيمنة السفارة الأميركية على القرار السياسي، أو سيطرة الشركات الأميركية على مقدراتنا الاقتصادية، وسنواجه ذلك بكل قوة وحزم".

المصدر القيادي في "الهيئة التنسيقية" قال: إن "إيران لم تفرض علينا أو تطلب منا يوما موقفا معينا، وقضية الاحتلال الأميركي قضية عراقية، وكل الشكر لموقفها الداعم والمساند لنا".

وأوضح أن "الهيئة التنسيقية" أبلغت قاآني أنها ترحب بوجهة نظره، لكن القضية تفرض على الجميع الالتزام بالموقف الوطني الواجب، بعيدا من حسابات الاشتباك القائم في المنطقة.

ولفت المصدر إلى أن "الهيئة التنسيقية أبلغت قاآني أن الضغوط على الجانب الإيراني لكبح اندفاع الفصائل "لم تعد تجدي نفعا"، وبالتالي على طارقي أبواب طهران البقاء في بغداد وطرق أبواب معروفة للوصول إلى حلول ترضي الجميع.

وكان لافتا خلال زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني الأخيرة إلى بغداد، بأنه التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على مائدة إفطار في القصر الحكومي، وأنه جدد دعم الحكومة الإيرانية لحكومته.

وكتب السياسي العراقي عزت الشابندر على "تويتر" في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قائلا: "ابتدأ قاآني زيارته الأخيرة إلى العراق بوجبة فطور صباحية بنكهة إيرانية على مائدة الكاظمي، دون أن يعنيه كثيرا من يليه"، في إشارة لقاءات الجانب الأميركي مع الكاظمي. 

وأضاف النائب السابق في البرلمان العراقي، قائلا: "يبدو لي أن الزيارات الإيرانية إلى العراق لم تعد مثار اهتمام أو قلق الجانب الأميركي أو الإقليمي ولا الجانب العراقي أيضا".

وأعلن وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، كريستوفر ميلر، أن الرئيس دونالد ترامب سيخفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان من 4500 إلى 2500 قبل أن يترك منصبه، ليتراجع عن الانسحاب الكامل الذي هدد بتنفيذه بحلول عيد الميلاد.

 وأوضح كريستوفر ميلر خلال تصريحاته في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: أنه "بحلول 15 يناير/ كانون الأول 2021، سيكون حجم قواتنا في العراق 2500".