"تصريحات مستفزة".. رسائل بومبيو بزيارة الجولان السوري المحتل

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في سابقة هي الأولى لوزير أميركي، زار وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو، هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل برفقة نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي، وسط إجراءات أمنية مشددة، مطلقا من هناك تصريحات وصفها مراقبون بأنها "استفزازية".

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، خرج بومبيو أمام وسائل الإعلام من على هضبة الجولان المحتلة، ليقول: "لا يمكن الوقوف هنا (في الجولان) والتحديق عبر الحدود، وإنكار أمر أساسي يكمن في أن الرئيس الأميركي ترامب اعترف بأن هذا الجزء من إسرائيل".

واستنكر باستهزاء ما وصفه بدعوات من "الصالونات في أوروبا ومؤسسات النخبة في أميركا" لإسرائيل بإعادة الجولان إلى سوريا بعد حرب العام 1967. وأضاف: "تخيلوا مع سيطرة الأسد (رئيس النظام)، على هذا المكان، الخطر الذي يلحق الضرر بالغرب وإسرائيل".

زيارة بومبيو إلى الجولان المحتل، استبقتها إسرائيل بشن غارات على 8 مواقع تتبع "فيلق القدس" الإيراني بالقرب من دمشق، لتؤكد مجددا أنها لن تسمح بمواصلة التموضع الإيراني في سورية عامة، وعلى الحدود مع الأراضي المحتلة خاصة، وأيضا تحميل النظام مسؤولية هذا التموضع.

إدانة شكلية

النظام السوري من جانبه، أدان زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المستوطنات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل واعتبرها "انتهاكا سافرا لسيادتها".

ونقلت وكالة "سانا" الرسمية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 عن مصدر مسؤول في خارجية النظام، قوله: إن حكومته "تدين بأشد العبارات" الزيارة "في خطوة استفزازية قبيل انتهاء ولاية إدارة ترامب وتعتبرها انتهاكا سافرا لسيادة الجمهورية العربية السورية في الوقت الذي تتزامن فيه هذه الزيارة مع اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على سوريا، وآخرها العدوان الذي شنته بتاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني".

وأضاف: أن دمشق تؤكد أن "مثل هذه الزيارات الإجرامية هي التي تشجع على استمرار (إسرائيل) في نهجها العدواني الخطير الذي ما كان ليتم لولا الدعم اللامحدود والمستمر الذي تقدمه لها بشكل خاص الإدارة الأميركية والحصانة من المساءلة التي توفرها وتفرضها هذه الدول".

الوزير في الحكومة السورية المؤقتة سابقا اعتبر خلال تصريحات صحفية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن إدانة النظام زيارة بومبيو "شكلية، إذ إن عائلة الأسد مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات مقابل البقاء في الحكم".

هدية الوداع

تقاربت تفسيرات الخبراء بخصوص أسباب زيارة بومبيو إلى الجولان، فقال الخبير العسكري السوري أحمد رحال، لـ"الاستقلال": "من حيث المبدأ فإن الزيارة تخالف كل القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، لأن منطقة الجولان أرض سورية ومحتلة من إسرائيل".

وأعرب العميد ركن المنشق عن النظام السوري عن اعتقاده بأن "الزيارة عبارة عن هدية إلى نتنياهو أراد ترامب وبومبيو تقديمها إليه قبل مغادرتهم للبيت الأبيض، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي دعهم للوصول إلى ولاية ثانية لكنهم لم يستطيعوا الحصول على ذلك".

ورأى الخبير في الشأن السوري أن "تصريحات وزير الخارجية الأميركي أثناء الزيارة كانت مستفزة، ولا يمكن لواشنطن أو تل أبيب القول إن الجولان ليست أراض سورية".

من جهته، قال الكاتب محمد سلامة: "أغنية البجعة، عبارة تطلق على أي عمل أخير يسبق التقاعد أو الموت، وفي إسقاطات الفن على السياسة نجدها مناسبة وبشكل شبه متطابق مع دعاوى وقضايا الطعون في الانتخابات الرئاسية للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لقلب نتائج الانتخابات على منافسه جو بايدن، وبذات الأمر على وزير خارجيته ماك بومبيو الذي أنهى زيارته إلى إسرائيل برزمة هدايا جديدة".

وأضاف سلامة خلال مقال نشرته صحيفة "الدستور" الأردنية في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: أن "أغنية البجعة سترافق ترامب ليس خلال فترة الطعون وخروجه من البيت الأبيض، بل سترافقه بأقل صخب إعلامي إلى المحاكم. القضايا مرفوعة ضده منها جنائي ومنها مدني وكلها مرتبطة بفساده المالي وتحايله على قانون الضرائب وقد دقت الصهيونية العالمية مزامير نعشه الأخيرة وأوصلته إلى النهاية".

ورأى الكاتب أن "ترامب يصارع من أجل البقاء لا لشيء آخر، وقد قدم أفضل وصلاته وهداياه إلى إسرائيل التي أهداها كل ما يملك وما لا يملك من القدس والمستوطنات وصفقة القرن وغيرها الكثير، ثم زاد وأطلق سراح جاسوسها المعتق جوناثان بولارد".

واستدرك، قائلا: "لكنها (إسرائيل) قررت إحالته (ترامب) إلى الشطب والإتلاف وتوديعه بطريقتها وعلى أنغام أغنية البجعة بمزامير خاصة وعلى إيقاعات مدونة تؤرخ عصره بأسوأ مقاطع الموسيقى الخرافية وإلى مزبلة التاريخ".

رسائل متعددة

وفي قراءة للرسائل التي أراد بومبيو إيصالها عبر زيارته إلى الجولان، يقول المحلل السياسي السوري فريد سعدون: "الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي إلى الجولان السوري المحتل، تأتي ضمن إستراتيجية ترامب من خلال الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، واعتبارها جزءا من أراضيها، وهو المرسوم الذي وقع في مارس/آذار 2019".

وأشار سعدون خلال تصريحات صحفية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، إلى أن "هذه السياسة اتبعها الرئيس الأميركي لتمهيد انخراط إسرائيل كدولة معترف بها في المنطقة، وذلك من خلال عقد اتفاقات السلام التي تمت مع الدول العربية".

وبين المحلل السوري أن "ترامب يحاول التأكيد من هذه الزيارة أن المرسوم الذي أصدره في هذا الصدد يأخذ مجراه بشكل سياسي ودبلوماسي وواقعي على الأرض، لكن في الأساس هو يخرق القانون الدولي، حيث لم تعترف أي دولة بسيادة إسرائيل على هذه الأراضي، وصادقت أميركا على هذه القرارات خاصة قرار 497، وقرار 242 الذي يرفض ذلك".

وأشار سعدون إلى أن "زيارة بومبيو للجولان عملية استفزازية تصب في مصلحة إسرائيل، وتبعث رسالة للوبي اليهودي في أميركا بضرورة استمرار هذه السياسة، وهو ما يعني ضرورة أن يستمر ترامب في رئاسة الولايات المتحدة رغم خسارته الانتخابات".

من جهته، قال العميد اللبناني المتقاعد خالد حمادة: "لا يمكن النظر إلى زيارة بومبيو إلى الجولان بمعزل عن المشهد الإقليمي بشكل كامل، أولا هذه الزيارة تأتي بعد الاعتراف الذي صدر عن ترامب، أثناء زيارته للجولان واعتبارها أرضا إسرائيلية".

وتابع: "لكن كل ذلك لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي في المواجهة المفتوحة مع طهران وحلفائها، وكذلك فيما يعتبر استكمالا لمسار التطبيع والترسيم الذي ثبتته الإدارة الأميركية ونفذته مع عدد من دول الخليج والسودان والترسيم مع لبنان، وفي الوقت نفسه دعوة لسوريا لكي تنضم إلى هذا المسار".

وفي هذا الشق، يضيف حمادة: يأتي بومبيو ليؤكد أن "الخارجية الأميركية، حتى ما بعد الانتخابات، لا زالت مهتمة بإنهاء الصراع وتثبيت الحدود. قد لا يعني ذلك أن هذه المنطقة ستكون إسرائيلية في المستقبل، لكنها دعوة واضحة لسوريا للالتحاق بمسار عملية التطبيع وإنهاء الصراع، هذا في المدلول السياسي".

ضربات إسرائيل

أما في السياسة الخارجية وما تريده الولايات المتحدة، قال حمادة: "يجب ألا نغفل بأنه قبل هذه الزيارة بيوم واحد كانت هناك ضربات إسرائيلية كثيفة للعمق السوري، ولمراكز الحرس الثوري الإيراني، ومراكز الجيش السوري، وهذه كانت رسالة موجهة تزامنت مع الزيارة، وكذلك تأتي لتؤكد أن الإدارة الأميركية ما زالت ملتزمة بالحد من النفوذ الإيراني وإنهاء الوجود المليشياوي".

واتساقا مع ما طرحه حمادة، قال المحلل السياسي السوري سلمان فخر الدين: "زيارة بومبيو، وقبلها إعلان ترامب السيادة الإسرائيلية على الجولان، ليست استثناء عن سياسات الولايات المتحدة، وهي تتويج لمرحلة جديدة من الاستهتار بالقانون الدولي، لا سيما في ضوء الضعف العربي".

ورأى فخر الدين خلال تصريحات صحفية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أن إدانة النظام للزيارة "لا تحمل تأثيرا"، معتبرا أن "لا أحد يسأل النظام عن رأيه، وهو غير مهم في ظل تطورات السنوات العشر الماضية بشكل خاص. كما أنه ليس بعيدا عن القبول بالأمر الواقع، فما يهمه هو تثبيت حكمه".

وحسب قوله: فإن زيارة بومبيو "ليست بعيدة عن مخرجات لقاء القدس لمستشاري الأمن القومي بكل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل الذي عقد قبل نحو عام، وأقر خطوطا عريضة لمستقبل سوريا، انطلاقا من ضمان أمن إسرائيل، وإبعاد مليشيات إيران عن الحدود، استنادا إلى اتفاق الجنوب السوري عام 2018 والذي كانت إسرائيل طرفا فيه، بحسب ما أعلن نتنياهو".

أما السياسي السوري المعارض، محمد ياسين نجار، فرأى أن زيارة بومبيو إلى الجولان هي "لإنهاء توظيف الملف من قبل نظام الأسد كورقة تفاوضية تجعله مستمرا في الحكم، وفق سياسة تعتمد التصريحات العلنية ذات السقف المرتفع، ويقابلها إقرار ضمني بسيطرة إسرائيلية على المرتفعات".