اشتباكات "البطاحين والكواهلة".. صراع قبلي ينذر بتفتيت دولة السودان

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"تسييس القبيلة" مصطلح أطلقه باحثون على شرح العلاقة بين القبيلة والدولة في السودان، فالبنية القبلية في مسار العملية السياسية، لها قوتها ووجهتها ولا يمكن فصلها عن نمط الحكم في هذا البلد العربي الكبير، متعدد الثقافات والأعراق.

الصراعات والنزاعات العرقية بين القبائل السودانية، كالتي تحدث حاليا بين البطاحين والكواهلة، أو كما حدث في السابق بين البني عامر والهدندوة، والرزيقات والمعاليا، أو أهالي دارفور، تعد باعثا يتجاوز القلق المبدئي إلى التهديد المباشر للدولة ونظام الحكم، والتماسك المجتمعي في عموم البلاد.

البطاحين والكواهلة

في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نصبت قبيلة الكواهلة، عمر تاج الدين زعيما وناظرا، وأقامت مهرجانا ونحرت الذبائح (من مراسم التنصيب الرسمي)، وهو ما استفز البطاحين الذين ثاروا وتحركوا لوقف المراسم.

وفي اليوم التالي، اندلعت اشتباكات مسلحة طاحنة بين القبيلتين تسببت في وقوع إصابات متعددة، ما دفع الحكومة إلى التدخل وفرض حظر تجول شامل شرقي العاصمة الخرطوم، ما حال دون استفحال الأمر، حسب وسائل إعلام محلية.

وأصدر حاكم ولاية الخرطوم بيانه لتبرير الحظر قائلا: "الحظر يأتي حفظا على السلم والأمن الاجتماعي في مدينة أبو دليق بمحلية شرق النيل، شرقي العاصمة، وسلامة المواطنين".

أسباب النزاع يعود إلى تنصيب قبيلة الكواهلة ناظرا لها في مناطق نفوذ البطاحين وأراضيهم، الأمر الذي يعتبره "البطاحين" تعديا على ممتلكاتهم وسلطتهم القديمة على المنطقة وتجاوزا لحقهم.

الصراع القبلي الدائر منذ عشرات السنين بين قبائل البطاحين والكواهلة شمالي السودان، هدفه إحكام السيطرة والنفوذ بمنطقة شرق النيل، وهو الصراع الذي أخذ أشكالا متعددة بداية من السعي إلى منصب النظارات، وصولا إلى الاقتتال والاشتباك بين الأفراد.

استمرار هذا الصراع القبلي وتصاعده ينذر طوال الوقت بحرب أهلية في حالة انفلات الوضع وتدخل بطون القبائل الأخرى في الأزمة، وهو ما تخشاه السلطة المركزية في الخرطوم، ويؤثر بشكل سلبي على استقرار الدولة وتماسكها.

منصب النظارة

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نفى المكتب التنفيذي لنائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في بيان، المعلومات المتداولة في بعض وسائل الإعلام، حول حضوره احتفال الكواهلة.

كما أعلن قائد المنطقة العسكرية المركزية بالخرطوم، أن "أي وثائق صدرت بشأن الموافقة على قيام احتفال لتدشين ما يسمى نظارة الكواهلة لاغية، وعلى الجميع الحفاظ على الأمن الاجتماعي والاستقرار في المنطقة".

ويشير بعض أبناء قبيلة البطاحين، الذين يشعرون بالغبن تجاه ما حدث، إلى قوات الدعم السريع، عندما اتهموها بالتدخل في شؤون الإدارة الأهلية منذ عام في مناطق البطاحين والكواهلة.

"البطاحين" ذكروا عبر منشورات لهم بمواقع التواصل الاجتماعي بأن القبيلتين جيران وأهل، لكن "الدعم السريع" لسبب أو آخر تريد خلق جيوب لها بغض النظر عن قواعد الإدارة الأهلية الدارجة في تلك المناطق بين البطاحين والكواهلة. 

والكواهلة قبائل عربية تعيش في السودان منذ القدم، ويعود نسبها إلى بني كاهل، الذين هاجروا إلى السودان كغيرهم من القبائل العربية من شبه الجزيرة.

ويوجد الكواهلة في مساحة واسعة من أرض السودان، حيث تقع ديارهم بمحاذاة النيل حتى النيل الأبيض وشمال كردفان، وما بين النيلين منطقة الجزيرة ومنطقة النيل الأزرق، حتى حدود الحبشة و منطقة البطانة حتى نهر عطبرة.

ومن ضخامة هذه القبيلة أنها تمتلك 13 نظارة (النظارة المنطقة التي تخضع لحكم القبيلة)، ونظام الحكم في القبيلة يتكون من أمير عموم ثم أمين عام ثم لكل ولاية أمير (ناظر) لإمارة الكواهلة بالولاية وتتبعه عدد من العمد.

أما قبائل البطاحين فينتهي نسبهم إلى محمد البطحاني من آل الحسن بن علي "رضي الله عنه" وهم من بني قحطان، حيث هاجروا أيضا من الجزيرة العربية واستقروا بالسودان. 

تزاوجت قبيلة البطاحين وتصاهرت مع قبائل كثيرة، حتى صاروا جميعا من المكون الكلي لنظارة البطاحين، ومن تلك القبائل الحسانية والحسناب والمغاربة والعبابدة.

ويقع مقر النظارة في منطقة "أبودليق" بمحلية شرق النيل، شرقي العاصمة الخرطوم، ويطلقون عليها "عاصمة البطاحين".

الحكم القبلي

لا شك أن استخدام أنظمة الحكم في السودان للقبائل في الحروب والصراعات ساهم بقوة في تلك الأزمات، حتى أن قوات الدعم السريع ما هم إلا مليشيا الجنجويد، المنبثقة من القبائل العربية الموجودة في دارفور، والتي استخدمها نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في إخماد التمرد ضده في تلك المناطق.

وكثيرا ما كانت تستخدم القبائل ضد بعضها بهذه الطريقة، مع وفرة السلاح والأفراد، ما جعلها بمرور الوقت قنابل موقوتة، وجيوبا مسلحة متطورة يمكنها الانفجار مع مرور الوقت. 

وكما أورد المؤرخ اللبناني نعوم شقير في كتابه "تاريخ السودان": "يعيش في السودان 570 قبيلة، تنقسم إلى 57 فئة إثنية، على أساس الخصائص اللغوية والثقافية، 49% منهم عرب، و30% من أصول إفريقية، و10 من البجة".

تم تقسيم عموم القبائل السودانية إلى 9 مجموعات رئيسية: القبائل النوبية في أقصى شمال السودان، والعربية في الوسط والنيل الأبيض وجزء من الإقليم الشمالى، وقبائل البجا في الشرق، وقبائل كردفان وقبائل الفور في الغرب.

أما مجموعة قبائل المابات والأنقاسنا فتوجد جنوب النيل الأزرق، والقبائل النوباوية في النصف الأسفل لوسط السودان، والقبائل النيلية والزنجية (جنوبا)".

التركيبة الإثنية

الناشط السياسي السوداني محمد حمد، قال: "القبيلة في السودان ليست فقط من مكونات التركيبة الاجتماعية والإثنية في البلد الكبير، لكنها أيضا جزء من منظومة الحكم ولا تنفصل عن السياسة، والمؤسسات الحكومية، وحكم الولايات والمحافظات، فالقبيلة موجودة من العاصمة الخرطوم حتى أقصى القرى الحدودية، ولا يمكن فصل ذلك عن النظام السياسي". 

وأضاف الناشط السوداني لـ"الاستقلال": "خطورة العصبية القبلية في السودان، أنها تهدد الدولة وتماسكها، وقد سعت أنظمة سابقة إلى إعلاء النظرة القومية، أو الدينية لتتخلص من تلك العصبيات، لكنها فشلت فأبناء القبائل يدينون بالولاء الأساسي للنظارة والقبيلة، قبل الدولة والوطن".

حمد ضرب مثالا بما حدث بين قبائل المعاليا والرزيقات في دارفور عام 2005، وهي حرب كاملة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والقذائف والصواريخ، وسقط فيها عدد كبير من القتلى، فضلا عن نزوح نحو 100 ألف مواطن.

ووفق الناشط السوداني، "هذا السيناريو قابل للتكرار في أي لحظة، ومع قبائل أخرى في مناطق كبورتسودان، وسائر ولايات الشرق والبحر الأحمر، والاشتباكات الدائمة بين البني عامر والهدندوة، والتي يسقط على إثرها كثير من المواطنين".

وختم حمد حديثه بالقول: "العامل الوحيد الذي من شأنه إنقاذ السودان من شبح الحرب الأهلية والاقتتال القبلي، هو وجود دولة قوية، وحكومة قادرة على توحيد السودان وانتشاله من الخراب والفقر والدمار، وقتها ستشعر القبائل ومعهم المواطنون بقوة الدولة وسيطرتها، ما يجعلهم في حل من العصبية الجاهلية".