مفوضية الانتخابات.. لماذا أعلن الائتلاف السوري تشكيلها ثم تراجع؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 4 أيام فقط، قرر الائتلاف السوري المعارض التراجع عن تشكيل مفوضية للانتخابات، بعد أن واجهت سيلا من الانتقادات، لأنها جاءت قبل الانتخابات الرئاسية للنظام في أبريل/ نيسان 2021.

"الائتلاف" قال خلال بيانه في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "بناء على ملاحظات قدمتها قوى ثورية ووطنية حول قرار تشكيل المفوضية، وحرصا على احترام وجهات نظر السوريين، ووحدة صفوفهم، وبناء على أحكام نظامه الأساسي، قرر إيقاف العمل بالقرار".

خلافات ومعارضة

قرار "الائتلاف" بتشكيل مفوضية والتي أكد أنها خطوة في طريق مسارات الحل السياسي، لم تلق اعتراضا من أوساط سورية معارضة فحسب، وإنما كانت من الأساس محل خلاف داخلي بين الهيئة القيادية لـ"الائتلاف".

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال مصدر قيادي في "الائتلاف السوري المعارض" طلب عدم كشف هويته: "القرار الأخير بخصوص تشكيل مفوضية للانتخابات لم يجر الاتفاق عليه في الهيئة السياسية بهذا الشكل الذي صدر به"، مؤكدا وجود "خلاف داخل الائتلاف بخصوص الموضوع".

وفي معرض الانتقادات التي وجهت للائتلاف، كتب المحامي السوري المعارض ناصر حوشان، على صفحته بفيسبوك قائلا: "القرار (تشكيل مفوضية)، هو إقرار صريح وواضح بمشاركة النظام المجرم في الانتخابات، وهذه جريمة بحق الثورة. الائتلاف وقوى المعارضة وكل مكوناتها تندثر مع سقوط النظام لأنها حالة مؤقتة تنتهي بإسقاط النظام وبناء دولة جديدة ونظام حكم جديد".

وتابع حوشان: "أما إنشاء هيئات ومفوضيات للانتخابات وغيرها، فلا مبرر له لا ثوريا ولا شعبيا ولا قانونيا ولا دستوريا. من أراد مشاركة النظام لا يستحي ويتخفى وراء ستار الثورة، الباب مفتوح".

وفي السياق ذاته، تساءل الكاتب الصحفي المعارض فراس علاوي، عن المغزى من القرار (تشكيل مفوضية)، وهل يعني ذلك ذهاب الائتلاف نحو التطبيع مع النظام؟ وكتب على حسابه بفيسبوك قائلا: "مجموعة أسئلة يجب طرحها بعد هذا القرار، أهمها هل وافق الائتلاف على الدخول بانتخابات مع نظام الأسد؟ هناك لبس وعدم فهم وغموض في المادة 1 و6 التي توحي بأن الائتلاف ذاهب للتطبيع".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال مدير مركز "إدراك" للدراسات والاستشارات السوري المعارض، باسل حفار: إن "قرار الائتلاف الوطني بتشكيل المفوضية العليا للانتخابات، في التوقيت الذي تبدأ فيه استعدادات الأسد للانتخابات الرئاسية التي يزعم عقدها في 2021 يمكن أن يُفهم على أنه نوع من المجاراة أو الاعتراف المبكر بالانتخابات غير الشرعية لنظام الأسد".

ووصف حفار خلال تصريحات صحفية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، خطوة "الائتلاف" بأنها "استجابة للضغوط والمسارات التي تحيد القرارات الدولية وتلتف عليها عبر المضي في عمليات انتخاب (سلة الانتخابات) والقفز على الخطوات الأساسية التي من المفترض القيام بها قبل الانتقال للانتخابات وفي مقدمتها تشكيل هيئة حكم انتقالي وتشكيل البيئة الآمنة التي تسمح بعودة السوريين ومشاركتهم في المشهد السياسي وفق أسس متفق عليها".

تشكيك وتوضيح

وعلى نحو مماثل، قالت المعارِضة السورية ونائبة رئيس "الائتلاف" السابق سهير الأتاسي: "الخطوة مثيرة للشكوك، خاصة من ناحية التوقيت، كما أنها تخالف النظام الداخلي للائتلاف وتتعارض مع صلاحياته".

"الأتاسي" وفي قراءة سريعة للقرار، رأته "بمثابة بالون اختبار للشارع الثوري من أجل جس نبضه، ناهيك عن أنه مليء بالتناقضات".

واستغربت الأتاسي خلال تصريحات صحفية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، صدور هذا القرار عن الائتلاف الذي "يُفترض أنه يمثل قوى الثورة ومع ذلك لا يجرؤ على تعريف البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات التي يقول إنه سيشارك بها متى توفرت، ولا تحديد شروط هذه البيئة، وبدلا من ذلك اعتمد مصطلحات فضفاضة على مبدأ الغموض البناء، لكن في الواقع غموض النص هنا كان هداما".

وتابعت: "القرار الذي تم التراجع عنه يقوض اثنين من الأساسيات التي قام عليها الائتلاف، وهما أن جميع أعضائه لا يحق لهم الترشح في المرحلة الانتقالية، والثاني أن وثيقة تأسيس الائتلاف تقول بأن المؤسسة تعتبر منحلة متى تم البدء بالعملية الانتقالية، فكيف ستعمل هيئة الانتخابات هذه المنبثقة عنه في تلك المرحلة المنتظرة؟".

ونوهت الأتاسي إلى أن هذه الهيئة "لن تكون شرعية قانونيا وقتها، وبالتالي فالقرار مليء بالتناقضات وأنا لا أستطيع أن أقرأه بشكل بريء، وأكرر أنني أنظر إليه كبالون اختبار، خاصة وأن هناك دولا بدأت تدفع باتجاه سلة الانتخابات بذريعة أن سلة الدستور تشهد استعصاء، ناهيك عن عامل التوقيت، فمن الغريب جدا أن يتزامن صدور القرار مع تحضير النظام للانتخابات الرئاسية صيف العام المقبل".

وردا على ذلك، قال قتيبة إدلبي ممثل "الائتلاف" في واشنطن: "الهدف من إنشاء الهيئة هو تهيئة الأجواء وتمرين السوريين على موضوع الانتخابات والمشاركة السياسية في استحقاقات المرحلة الانتقالية، إن كان من غير المستغرب التشكيك بهذه الهيئة وتوقيتها في غياب أي أجواء للثقة ما بين السوريين بشكل عام وما بينهم وبين الائتلاف بشكل خاص".

"إدلبي" أكد خلال تصريحات صحفية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أنه "رغم ذلك، لا أرى أي مانع في البدء بتأسيس بنية للتفاعل السياسي بيننا، إذ لسنوات طويلة وإلى اليوم نلوم المعارضة بأنها تعمل دون إستراتيجية ودون خطة عمل، وهذه الهيئة، إن قامت بما يجب عليها القيام به، هي خطوة جيدة للعمل بشكل إستراتيجي للتحضير لاستحقاقات القرار 2254".

وبخصوص توقيت القرار، قال إدلبي: "جزء من إستراتيجية الائتلاف لتعزيز تواصله مع السوريين، بدءا من نقل ما يمكن من مؤسسات الائتلاف إلى الداخل، وعقد أول اجتماع للهيئة العامة في ريف حلب، وتشكيل المفوضية هو جزء من هذا التوجه وهذه الخطوات، فمن جهة نحضر لمرحلة قادمة استعدادا لتنفيذ القرار 2254 عاجلا أم آجلا، ومن جهة أخرى نتيح المجال أمام السوريين لاختيار ممثليهم في مؤسسة الائتلاف".

ووفقا للمتحدث، فإن "القرار قانوني، وأن الائتلاف يحل نفسه فور البدء بالمرحلة الانتقالية وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي من صلاحياتها الإشراف على كل جوانب المرحلة الانتقالية، والائتلاف يدرك ذلك وعليه إصدار البيان التوضيحي بهذا الشأن".

أهداف ومهام

القرار الداخلي الذي صدر عن "الائتلاف" بتوقيع رئيسه نصر الحريري، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قضى بإنشاء "المفوضية العليا للانتخابات"، على أن تقوم بأعمالها بعد تأمين البيئة المحايدة والآمنة، وتحت إشراف الأمم المتحدة، وفقا لمقتضيات بيان "جنيف 1" و"القرار 2254".

وحدد "الائتلاف" الهدف من "المفوضية العليا" بـ"تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من خلال ممثلها الشرعي، من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية"، ومن ضمن الأهداف أيضا: "تهيئة الشارع لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي".

بموجب القرار ذاته، فقد حدد مهام وآلية عمل "المفوضية العليا"، ولعل أبرزها: "تعزيز شرعية قوى الثورة والمعارضة السورية، وتعزيز مبدأ المشاركة الفاعلة من خلال الترشح والانتخاب، وإيجاد آليات من أجل مشاركة واسعة من السوريين في الداخل والخارج".

أما بخصوص آليات اللجنة، فكان من المقرر أن تدرّب كادرا فنيا متفرغا وفرق عمل في جميع المناطق بالداخل السوري، وفي دول اللجوء الأساسية، تركيا والأردن ولبنان وألمانيا وفرنسا، وأيضا تحددت الآليات بـ "تشبيك ودعم كيانات الثائرين والمعارضين في دول الاغتراب، بحيث تتمكن هذه الكيانات من دعم الائتلاف في ملف الانتخابات وتمكنه من تمثيل الشعب السوري بشكل حقيقي".

وتوضيحا للقرار الداخلي، أفاد عبد المجيد بركات عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف" بأنه قرار يهدف إلى إحداث "المفوضية العليا للانتخابات"، بمشاركة خبراء سوريين من أجل "تعرية انتخابات النظام السوري والتأكيد على عدم شرعيتها، والعمل على بناء وعي المشروع الانتخابي وطرقه وأدواته وشرعيته".

وأضاف بركات خلال تصريحات صحفية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "نحن في الائتلاف نؤمن أن العملية السياسة ليست فقط لجنة دستورية، بل هي عملية مؤلفة من 4 سلال، والعملية الانتخابية متكاملة فيها".

وأشار إلى أن "المعارضة السورية مقبلة على عمليات تعطيل من جانب النظام للجنة الدستورية، وهذا متوقع في أي لحظة، وإمكانية فتح السلال الأخرى متوقعة بشكل كبير".

والسلال الأربع كان المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان ديمستورا، قد أعلن عنها في عام 2017، والأولى منها هي إنشاء حكومة جديرة بالثقة، وشاملة للجميع غير طائفية خلال 6 أشهر، والسلة الثانية تتمثل في بدء عملية صوغ دستور جديد خلال 6 أشهر.

أما السلة الثالثة فتتضمن مناقشة "إجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل أعضاء من الجالية في المهجر التي يحق لها التصويت، وتكون بعد وضع الدستور في غضون 18 شهرا"، في حين تناقش السلة الرابعة "إستراتيجية مكافحة الإرهاب".

وأوضح بركات أن "الهدف من تشكيل المفوضية العليا للانتخابات يكمن في أن يكون هناك فريق كامل يعمل على تعرية انتخابات النظام، وبناء وعي المشروع الانتخابي الحقيقي في المرحلة التي تلي حكم النظام".