سلطة الحاخامات في إسرائيل.. كيف تدير الحرب الدينية ضد الفلسطينيين؟

محمد النعامي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تركت فتاوى الحاخامات اليهودية بشكل مباشر، تأثيرات على اتجاهات الجهد الحربي الإسرائيلي ضد "العرب"، ومثلت غطاء دينيا لمجازر جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.

فخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت بشكل ملحوظ، عدد الفتاوى التي أصدرتها مرجعيات دينية يهودية تحث على قتل "العرب" وسلبهم والمس بممتلكاتهم. 

وتشترك جميع المراجع الدينية اليهودية في اعتبار قتل العرب "عبادة" يؤجر عليها اليهودي وتعكس تميزه بـ"الورع"، حتى أن بعض المرجعيات الدينية اليهودية، تسوغ قتل الأطفال العرب، وأصدرت في سبيل ذلك العديد من الفتاوى التي تحث على ذلك.

لذا لم يكن من المستغرب أن يقتل جيش الاحتلال منذ العام 2000 أكثر من ثلاثة آلاف طفل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، بحسب مصادر فلسطينية.

فتاوى دموية

وفرت الفتاوى الحاخامية غطاء دينيا لمجازر الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، حيث أصدر الحاخام يسرائيل مئير لاو، الذي يعد من أهم مرجعيات الإفتاء اليهودي فتوى تسوغ التطهير العرقي بحق الفلسطينيين وإبادتهم بشكل جماعي.

وقد حظيت هذه الفتوى بإسناد من الحاخام إيدو إلبا، الذي يعد من مرجعيات الإفتاء المعدودة في إسرائيل، والذي وسع من دائرة الفتوى، حيث اعتبر أن الإبادة يجب أن توجه نحو العرب بشكل عام، حيث قال: "وفقا للتوراة، يجوز قتل أي شخص من الأغيار، أي من غير اليهود". وعندما تم  سؤاله عن "العرب الأبرياء"، قال: "لا يوجد عرب أبرياء". 

وفي فتوى مماثلة دعا الحاخام عوفاديا يوسف، أحد أبرز حاخامات اليهود الشرقيين إلى "إبادة العرب بالصواريخ"؛ وتمنى محوهم عن وجه الأرض. وأضاف: أن "قتل المسلم مثل قتل الدودة أو الثعبان"، وفق تعبيره.

وتعد محرقة رفح، التي أطلق عليها "يوم الجمعة الأسود"، إحدى أبشع المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة على غزة في صيف 2014، وتظهر كتجسيد حقيقي لتأثير فتاوى الحاخامين  "مئير" و"إيدو" و"عوفاديا"، وتطبيقا حرفيا لما جاء بتلك الفتاوى.

وارتكبت إسرائيل، مجزرة بحق سكان مدينة رفح في ذلك اليوم (الأول من أغسطس / آب 2014)، حيث نفذت عمليات قصف عشوائية واسعة للمدينة، عقب أسر الجندي الإسرائيلي هدار غولدين، أسفرت عن مقتل نحو 140 شخصا وجرح قرابة الألف.

ومما يعد دليلا واضحا على دور فتاوى الحاخامات في توفير بيئة تشجع الجيش والمستوطنين على ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين حقيقة أن العقيد عوفر فنتور، قائد لواء المشاة "جفعاتي"، الذي أصدر التعليمات بتنفيذ مجزرة "الجمعة الأسود" من الضباط المتدينين الذين تخرجوا من المدرسة الدينية العسكرية في مستوطنة "عيلي"، والتي حاضر فيها الحاخام إيدو.

يضاف إليهم الحاخام اليهودي الأكبر لمدينة صفد، شموئيل إلياهو، العضو في مجلس الحاخامية الكبرى، وهو من أبرز الحاخامات التي تقود حملات تحريض، حيث أفتى بأن قتل الفلسطينيين والانتقام منهم يعد "فريضة دينية تدعو إليها التوراة".

ولم تتردد بعض المرجعيات الدينية اليهودية في تسويغ قتل الأطفال العرب، وشرعت في سبيل ذلك بإصدار العديد من الفتاوى التي تحث على ذلك على اعتبار أن الشريعة اليهودية مستندة إلى ما تعتبره "مسوغات فقهية" تزخر بها المصادر الدينية، وتحديدا التوراة والتلمود.

ولعل أكثر الفتاوى مثارا الجدل، تلك التي تضمنها المصنف الفقهي "شريعة الملك"، الذي أصدره الحاخامان  يوسيف التسور وإسحك شبيرا، واللذان يديران مدرسة "عود يوسي حاي" في مستوطنة "هاربرخاه"، بالقرب من مدينة نابلس، وسط الضفة الغربية.

وقد جاء في الفصل الثاني من المصنف: "يتوجب قتل الأطفال العرب الرضع في إطار عمليات الانتقام، علينا أن نوجد معادلة رعب في مواجهة العدو، بحيث نقنع الأشرار بأن سلوكهم لن يجديهم".

وفي موضع آخر من نفس الفصل، جاء: "يجوز قتل الطفل العربي في حال اعتقدنا أنه سيضر بنا عندما يترعرع، لذا يتوجب مهاجمة هذا الطفل وإن أدى الأمر إلى الإضرار بغيره، فإن كنا سنقتله عندما يكبر فلماذا لا نقتله وهو طفل".

ولعل أهم تجسيد لتطبيق الفتاوى التي تم تضمينها في مصنف "شريعة الملك"، جريمة قتل الحاخام اليهودي يوسف بن دافيد برفقة بعض طلابه، الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير ( 16 عاما) فجر الثاني من يوليو/ تموز عام 2014.

خطفوه وهو في طريقه إلى المسجد ثم بدؤوا بتعذيبه بشكل وحشي قبل أن يجبروه على شرب البنزين وسكبوه على جسده أيضا وأشعلوا النار فيه ليحترق حيا؛ لتكتشف جثته في اليوم التالي متفحمة في أحراش قرية دير ياسين، إلى الغرب من مدينة القدس المحتلة.

كما تم إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية من قرية دوما في 30 أغسطس/آب 2015، حيث تبين أن منفذ الجريمة عميرام بن أويل، طالب في المدرسة التي يديرها مؤلفا مصنف "شريعة الملك".

ويذكر أن وزيرة القضاء الإسرائيلي إياليت شاكيد قد حرضت قبل يوم من هذه الجريمة على الأطفال الفلسطينيين، حيث وصفتهم بـ"الثعابين الصغار".

سلطة الحاخامات

ويتمتع الحاخامات اليهود بسلطة سياسية وشعبية كبيرة في إسرائيل. ويقول أكرم عطا الله الخبير في الشأن الإسرائيلي: إن زيادة كبيرة طرأت على تأثير الحاخامات على دوائر صنع القرار والفضاء العام مع زيادة انزياح المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين القومي الديني، منوها أن هذا التحول انعكس على الجيش.

 إذ أصبحت سلطة الحاخامات موازية للقيادة العسكرية للجيش، بحيث لم يعد هناك اختلاف كبير بين التوجهات العقدية بين الجانبين.

وأضاف عطا الله لـ"الاستقلال": "أصبح قطاع كبير من الجنود والضباط في الجيش الإسرائيلي يأخذون تعليماتهم من الحاخامات، أو على الأقل ينفذون المهام العسكرية الموكلة إليهم على ضوء فتاوى الحاخامات التي تبيح الدم الفلسطيني"، على حد تعبيره.

وأوضح أنه في حال تعارضت التعليمات العسكرية مع أفكار الحاخامات، يقدم بعض الضباط والجنود الدين على الجيش.

وأشار إلى أن حركات التمرد التي حدثت داخل الجيش على مدى العقدين الماضيين كانت نتيجة لعدم انصياع عدد كبير من الضباط والجنود المتدينين لبعض أوامر القيادة العسكرية بإخلاء المستوطنات. 

فعلى الرغم من أن إسرائيل تحاول جاهدة إظهار جرائم المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين على أنها أحداث فردية ولا تمثل الصورة الحقيقية لها؛ فإن الحروب التي شنتها على غزة ولبنان وغيرها تظهر جليا إصرار الجيش الإسرائيلي على ارتكاب مجازر جماعية واستخدام أسلحة محرمة دوليا. 

فقد استخدم جيش الاحتلال الفسفور الأبيض خلال حرب غزة 2008 والذي خلف ضحايا أحرقت أجسادها. ومنذ عام 2006 حتى اليوم ارتكبت إسرائيل في حروبها ضد غزة مجازر بحق 133 أسرة فلسطينية، مسح بعضها من السجل المدني.

يعد القانون الدولي جرائم الاغتصاب أثناء الحروب جريمة يعاقب فاعلها بأشد العقوبات، ولكن الأمر مختلف في إسرائيل، حيث تنتشر فتاوى الحاخامات لتشريع الاعتداء الجنسي على النساء العربيات. فقد أفتى الحاخام الأكبر للجيش الجنرال إيلي كريم بجواز اغتصاب نساء الأغيار (غير اليهود) خلال الحروب.

وسبقتها بأيام تصريحات للمحاضر في جامعة "بار إيلان" المستشرق مردخاي كيدار، الذي ينتمي إلى التيار الديني القومي، دعا فيها إلى ردع الفلسطينيين من خلال "اغتصاب نساء وأخوات وبنات" رجال المقاومة الفلسطينية بغزة، معتبرا أن الاغتصاب يمثل مركبا مهما لنجاح المعركة"، على حد قوله.

واستنادا لفتاوى التطهير العرقي أصدر "مجلس حاخامات المستوطنات" فتوى تجيز للمستوطنين تسميم مياه الشرب المغذية للقرى والبلدات الفلسطينية في أنحاء الضفة الغربية المحتلة".

وحسب مؤسسة "يكسرون الصمت"، فالهدف من تسميم المياه "يتمثل في دفع السكان المحليين الفلسطينيين إلى ترك قراهم وبلداتهم ليتسنى للمستوطنين السيطرة على أراضيهم، أو تسممهم".

إلى جانب ذلك، دعت مرجعيات يهودية إلى المس بدور العبادة الإسلامية، حيث دعا الحاخام مئير بينتسكوبتشين خلال مقابلة مع قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية إلى حرق المساجد، ومحو الآثار الإسلامية في مدينة القدس؛ لتقويض حركة غير اليهود في المدينة.

ويقول أستاذ المذاهب المعاصرة في الجامعة الإسلامية بغزة الدكتور صالح الرقب: إنه لم يسبق لديانة سماوية أن أجازت قتل الأبرياء من الأطفال والنساء وحتى الرجال ما لم يشتركوا في المعركة، مشيرا إلى أن فتاوى الحاخامات التي تحث على القتل تمثل نتاجا لتحريف التوراة.

وأضاف الرقب لـ"الاستقلال": "ظهرت العديد من المرجعيات اليهودية التي أباحت القتل والحرق والتعذيب دون التمييز بين رجل وامرأة وطفل كما استحدثت مصطلح الأغيار، وهم غير اليهود إذ نفت عنهم صفة الآدمية وسوغت سفك دمائهم"، على حد تعبيره. 

ويضيف الرقب: "عندما سئل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عن المجازر التي ارتكبها في أولى الحروب مع غزة عام 2008، قال إنه اقتفى في ذلك أثر النبي إشعيا، حيث ربط بين أوامره بقتل الفلسطينيين وبما تبيحه العقيدة اليهودية التي تم تحريفها".