عودة التنسيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.. هل ينهي آمال المصالحة؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لم تكن متوقعة في ظل استمرار حوارات المصالحة الداخلية، أعلنت السلطة الفلسطينية استئناف التنسيق الأمني مع تل أبيب بعد مرور نحو 6 أشهر على قرارها، وقف العمل بالاتفاقات معه على خلفية قرار ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن. 

وعلى حسابه بـ"تويتر" أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ استئناف التنسيق مع إسرائيل، موضحا أن القرار يأتي عقب إعلان تل أبيب استعدادها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقا مع السلطة برسالة رسمية وصلت الرئاسة الفلسطينية. 

وتابع الشيخ في 17 نوفمبر/تشرين الثاني: أن "السلطة أمام رؤية سياسية وموقف سياسي واضح وهو أن الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية وهذا يعني بالجوهر أن كل مشروع آخر يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية لم يعد موجودا على الطاولة".

واعتبر خلال لقاء مع فضائية "فلسطين" القرار بمثابة انتصار عظيم للشعب الفلسطيني، وأن الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل يعني أن صفقة القرن لم تعد موجودة على الطاولة.

أفسد المصالحة

قرار السلطة أثار استياء واسعا في أوساط الفصائل الفلسطينية التي كانت تسعى إلى إنجاز المصالحة بين حركتي التحرير الوطني "فتح" والمقاومة الإسلامية "حماس" عبر الحوار المباشر خلال الأسابيع الأخيرة. 

وعبرت أغلب الفصائل الفلسطينية ومنها حركات حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيانات منفصلة عن إدانتها القرار ووصفته بأنه يمثل طعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية، وإستراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال والضم والتطبيع وصفقة القرن.

وقالت حماس في بيانها: إن السلطة بهذا القرار ضربت بمخرجات الاجتماع التاريخي للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية عرض الحائط، وتعطي المبرر لمعسكر التطبيع العربي. وطالبت السلطة بالتراجع الفوري عنه وترك المراهنة على الرئيس الأميركي المنتخب حديثا جو بايدن وغيره. 

وشددت على أنه لن يحرر الأرض ويحمي الحقوق ويطرد الاحتلال إلا وحدة وطنية حقيقية مبنية على برنامج وطني شامل ينطلق من إستراتيجية المواجهة مع الاحتلال المجرم.

من جانبها دعت حركة الجهاد للاصطفاف الوطني في مواجهة القرار والتمسك بالثوابت وبحق المقاومة ورفض كل أشكال العلاقة مع الاحتلال وتجريمها وتجريم كل من يشارك فيها.

كما اعتبرت الجبهة الشعبية إعادة العلاقات مع الاحتلال نسفا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي بالتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.

ورأت الجبهة الشعبية أن تسويق السلطة لقرارها على أنه انتصار هو تضليل بهدف العودة لرهان المفاوضات ووهم إمكانية الوصول إلى حل سياسي.

 ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور ناجي الظاظا في تصريح لـ "الاستقلال" أن مواقف الفصائل الفلسطينية متناسبة مع طبيعتها، مشيرا إلى أن من يقف في مشروع المقاومة يرى أن عودة العلاقة العلنية مع العدو هو قتل للروح الوطنية الأخيرة التي نتجت عن لقاء الأمناء العامين.

وفي 3 سبتمبر/ أيلول 2020، عقد الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية اجتماعا بين رام الله وبيروت بالتزامن عبر تقنية الفيديو كونفرنس، توافقوا خلاله على إجراء انتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية.

ونص البيان الختامي للاجتماع على ضرورة تشكيل لجنة تقدم رؤية إستراتيجية، خلال 5 أسابيع، لتحقيق إنهاء الانقسام، وتشكيل لجنة وطنية لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة.

واعتبر القيادي في حركة حماس أحمد يوسف أن قرار السلطة كشف نواياها غير الصادقة من ملف المصالحة، مشيرا إلى أنه في اللحظة التي تستمر فيها الحوارات لإنهاء الانقسام يأتي الحديث عن عودة التنسيق الأمني. 

وأكد يوسف في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية أن توجه السلطة لم يكن حقيقيا أو صادقا تجاه المصالحة وأن ما كانت تفعله السلطة من محاولة الاتفاق على موعد للانتخابات التشريعية والرئاسية كانت مجرد ألاعيب سياسية لتضييع الوقت انتظارا للانتخابات الأميركية ولا علاقة لها بالمصالحة.

ضربة قاصمة

المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف عبر عن اعتقاده بأن الأجواء قبل عملية الإعلان عن إعادة العلاقات مع إسرائيل كان فيها تفاؤل كبير لإمكانية التوصل إلى اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية. 

وأضاف في تصريحات لقناة تي آر تي عربي: "لكن جاء إعلان السلطة ومندوبها حسين الشيخ ليشكل ضربة قاصمة لإمكانية الوصول إلى مصالحة وتفاهمات وهو يشكل أيضا ضربة للجهود الفلسطينية السابقة سواء كان اجتماع الأمناء العامين أو غير ذلك".

واعتبر الصواف أن الرهان على الاحتلال والعودة للعلاقات يخدم مصالح بعض الأطراف التي كانت سببا في إفشال المصالحة "وهم لا يفرطون في مصالحهم، هناك تحقيق للمصالح بالعودة إلى الاحتلال الصهيوني".

وقال: إن "هذه الشخصيات أفشلت ما هو أهم من ذلك كله وهو عودة العلاقات الداخلية إلى وحدة وشراكة سياسية تتحقق من خلالها الأهداف الفلسطينية والصمود أمام التغول الصهيوني وكذلك تغول الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب"، مضيفا: "وسنرى ذلك أيضا في عهد بايدن". 

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني تيسير سليمان: إن التنسيق الأمني مع الاحتلال هو العمود الفقري للاتفاقيات التي تعتبر جزءا من حالة الانكسار الفلسطيني التي حدثت داخل حركة فتح ومنظمة التحرير. 

وشكك سليمان في تصريحات لـ"الاستقلال" في أن يكون التنسيق الأمني توقف خلال الشهور الستة الماضية وأنه كان مستمرا.

وأشار إلى أن حركة فتح أرادت فقط من إعلان وقف التنسيق الأمني أن تغازل الشعب الفلسطيني والفصائل المقاومة بوجود قاسم مشترك هو "أننا فلسطينيون ضد خطة ترامب وضد ما يفعله رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالتنسيق مع الإدارة الأميركية". 

ويشاركه الرأي الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إياد القرا الذي شكك أيضا في قطع العلاقة بين السلطة والاحتلال أو توقف الاتصالات فيما بينهما مؤكدا أن العلاقة قد تكون توقفت فقط في العلن.

عين على الاحتلال

شهدت السنوات الأخيرة محاولات وجهود لإنجاز المصالحة الفلسطينية إلا أنها كانت تصطدم بتعنت السلطة وفي بعض الأحيان تمسك الفصائل وخاصة حماس بموقفها. 

إلا أن الخطوة التي اتخذتها حركة حماس في 2017 بحل اللجنة الإدارية بغزة وهو ما كانت تطالب به السلطة وإعلانها الموافقة على إجراء انتخابات فلسطينية واستعدادها لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وضعت السلطة الفلسطينية في حرج وكشفت أنها هي من تقف عائقا أمام إنجاز المصالحة الداخلية.

ويرى كثيرون أن القرار الأخير للسلطة يؤكد استمرار موقفها السابق بالابتعاد أكثر من الفصائل الفلسطينية مقابل التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق سلام دائم.

الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إياد القرا ربط بين قرار السلطة إعادة العلاقات مع إسرائيل ومسار المصالحة الفلسطينية، مؤكدا أن ما حدث هو إعلان غير برئ ويعمل على تعزيز العلاقة مع الاحتلال وأن هذه العلاقة مقدمة على علاقة السلطة مع الفصائل الفلسطينية وبالتحديد مع حركة حماس. 

وقال القرا في تصريحات لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني: "السلطة جدية في علاقتها مع الاحتلال وغير جدية مع الفصائل الفلسطينية، ما حدث يكشف بوضوح أن السلطة كانت عينها الحقيقية على الاحتلال وإعادة العلاقة معه وليس على ترتيب الشأن الفلسطيني الداخلي". 

وأشار القرا إلى أن ذلك سيترتب عليه استمرار سياسات الاحتلال في الضفة الغربية ومواصلة عمليات الاعتقال السياسي التي لم تتوقف وأيضا التضييق على الفصائل وعدم الالتزام بما جاء في بيان الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية. 

ويؤكد ذلك ما ذهب إليه الكاتب الإسرائيلي دانيال سريوتي في مقال بصحيفة إسرائيل اليوم، والذي حدد ثلاثة عوامل كانت هي السبب وراء قرار السلطة الفلسطينية، هي فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية، والأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها السلطة بسبب جائحة كورونا، والخوف من جهود المصالحة بين حماس وفتح. 

وفي الوقت الذي تتداعى فيه المصالحة الفلسطينية يرى الظاظا أن المصالحة ستبقى خيارا إستراتيجيا ومسارا لا يمكن التراجع عنه لاستعادة الوحدة الوطنية وجمع الكل الفلسطيني على مشروع المقاومة، مشيرا إلى أن السلطة ربما تماطل في عقد اجتماع قادم للأمناء العامين كما تفعل منذ أكثر من شهر.

وأضاف: "من الطبيعي أن يحتفل حسين الشيخ وأبطال التنسيق الأمني بعودة العلاقات مع الاحتلال إلى العلن، فهؤلاء تتضرر مصالحهم وتتناقض مع أي مسار لاستعادة الوحدة على أساس المقاومة مهما كان شكلها أو اسمها".