المعارضة الأرمينية ترفض إنهاء حرب "قره باغ".. هل كان هناك خيارات أخرى؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، عقب اتخاذه قرارا بوقف إطلاق النار في قره باغ وتوقيعه اتفاقية للانسحاب من مناطق واسعة في الإقليم المتنازع عليه لصالح أذربيجان، في خطوة عدها معارضون أرمنييون "استسلاما" و"انهزاما" ما كان ينبغي أن يحدث.

وكان باشينيان أعلن في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وقف إطلاق النار والتوقيع على اتفاقية لانسحاب قواته من أجزاء واسعة من أراض كانت تحت سيطرتها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات، واصفا تلك الخطوة بالمؤلمة له ولشعبه، بعد ستة أسابيع من الحرب مع أذربيجان.

غير أن تلك الخطوة لاقت رفضا واحتجاجات شعبية غاضبة يقودها زعماء من المعارضة الأرمينية.

وأقدم محتجون على اقتحام مقري الحكومة والبرلمان في العاصمة يريفان، متهمين باشينيان بالخيانة، كما تمكنوا من الوصول إلى رئيس البرلمان ارارات ميرزويان واعتدوا عليه بالضرب، قائلين: إن باشينيان لم يستشر الشعب ولم يعقد جلسة مع مجلس النواب لمناقشة قرار  إيقاف الحرب.

ودعا المحتجون وأحزاب المعارضة لعقد جلسة في البرلمان من أجل إقالة رئيس الوزراء نزولا عند طلبات المتظاهرين، لكن فشل عقد الجلسة، لعدم اكتمال النصاب القانوني في البرلمان الذي يهيمن عليه أنصار باشينيان، في حين وعد قادة المعارضة المحتشدين خارج البرلمان باطلاعهم على خططهم المستقبلية.

محاولات للانقلاب

تلك الخطط المستقبلية التي وعد بها قادة المعارضة مناصريهم، يبدو أنها سرعان ما انكشفت خلال يومين من تلك الوعود.

ففي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن جهاز أمن الدولة الأرميني إحباط محاولة لاغتيال رئيس الوزراء ومخططا للانقلاب على السلطة.

وأضاف الجهاز في بيان له أنه تم اعتقال رئيس الجهاز السابق آرتور فانيتسيان، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية السابق سيرج سارغيسيان، وكذلك رئيس الحزب الجمهوري داشناق تسوتيون، وذلك بتهمة التآمر لاغتيال باشينيان والانقلاب على السلطة.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرت صحيفة إنترفاكس الروسية أن جهاز الأمن القومي الأرمني، داهم منزل نائب وزير الدفاع السابق غريغور غريغوريان، وقام بتفتيشه بالتزامن مع استدعائه إلى مقر الجهاز.

وأضافت الصحيفة الروسية أن جهاز الأمن القومي داهم منزل الرئيس السابق للجهاز ورئيس حزب الوطن المعارض أرتور فانيتسيان، بتهمة تحضيره لاغتيال رئيس الوزراء والانقلاب على السلطة.

تلك المحاولة وإن كان قد جرى إحباطها فإنها شكلت ضغوطا هائلة على رئيس الوزراء الأرميني، بالتزامن مع استمرار الاضطرابات والاحتجاجات المطالبة باستقالته ومحاكمته بتهمة الخيانة، واعتبار الخطوة التي قام بها مدعاة للعار والخجل.

وكان بيان مشترك صادر عن 17 حزبا معارضا في يريفان، أفاد أن "باشينيان" وبتوقيعه على الاتفاق، أقدم على "خطوة غير وطنية"، واصفا الاتفاق، بأنه "أكثر الصفحات مدعاة للعار والخجل في تاريخ أرمينيا".

وجاء في البيان: "لمنع الخسائر التي لا يمكن تعويضها، فإن الاستقالة الطوعية لرئيس الوزراء باشينيان وحكومته ضرورية، بالإضافة إلى الإنشاء العاجل لهيئة تنفيذية جديدة قادرة على تحقيق انفراج في الوضع وحل المشكلات العسكرية والسياسية".

وقد نجحت الاحتجاجات المتواصلة في الإطاحة بوزير الخارجية الأرميني زهراب مناتساكانيان، حيث قدم استقالته في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، داعيا رئيس الوزراء إلى العمل على وقف الاحتجاجات العنيفة.

انعدام الخيارات

غير أنه يبدو أن تلك المطالب التي أظهرتها المعارضة كما لو كانت وطنية، ونتيجة لما اعتبرتها "خيانة باشينيان"،  تشير في واقع الأمر إلى أنها منافسة حزبية، حيث وجدت أحزاب المعارضة ذلك الحدث فرصة لإقالة زعيم الحزب الحاكم، عبر الأدوات الديمقراطية من خلال البرلمان، أو الإطاحة به من خلال انقلاب.

فبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن المعارضة تقوم بالتعبئة ضد رئيس الوزراء وتتهمه بالخيانة. وبالرغم من كون قرار إعلان الحرب وإيقافه يقع ضمن نطاق صلاحيات رئيس الوزراء إلا أن المعارضة تتهمه بخرق الدستور في إعلانه وقف إطلاق النار.

مما يقوي تلك المزاعم أن أحزاب المعارضة لم تتفهم تصريحات باشينيان ودوافعه في إنهاء الحرب، حيث أشار إلى أنه لم يعد يقوى على الاستمرار في المعركة، وأن مسارها كان يتجه لصالح أذربيجان، ولم يكن أمامه من خيار سوى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لمنع تكبد المزيد من الخسائر على الأرض.

وأوضح باشينيان في مؤتمر صحفي عقده في 16 نوفمبر/تشرين الثاني أنه وقع على الاتفاق تحت ضغط من جيش بلاده، مضيفا أن المعارك وصلت إلى حد المخاطرة بسيطرة أذربيجان على إقليم قره باغ بالكامل، بعد أن استولت على ثاني أكبر المدن.

وكشف أن المئات من جنود الجيش الأرمني فقدوا خلال القتال العسكري في مناطق المواجهات مع الجيش الأذري، قائلا: "لقد فقدنا المئات من المجندين ونأمل أن نجد بعضهم على قيد الحياة".

وكان رئيس دائرة الرقابة العسكرية السابق ورئيس هيئة الأركان العامة الأسبق موفسيس هاكوبيان قال في تصريح له في 19 نوفمبر/تشرين الثاني: إن أكثر من 1500 جندي فروا في بداية الحرب، مضيفا أن سبب هزيمتهم هو القيادة السياسية السيئة وعدم الجاهزية للحرب.
 
وبالرغم من أن الاحتجاجات في أرمينيا كانت قد نجحت في 2018 في الإطاحة برئيس الوزراء السابق سيرج ساركسيان، فإنه من المبكر القول: إن الاحتجاجات الحالية ستتمكن من الإطاحة برئيس الوزراء الذي وصل إلى الحكم عقب ثورة سلمية في 2018.

ويرجع البعض ذلك إلى أن البرلمان، الذي ينتمي معظم أعضائه لحزب رئيس الوزراء الحالي، قد فشل في الحصول على النصاب القانوني الذي يتم بموجبه عقد جلساته، بالإضافة إلى دخول أطراف دولية أبرزها روسيا لرعاية الاتفاق، وهو الأمر الذي قد يعزز موقف باشينيان. 

امتصاص الضغوط

وفي محاولة منه لامتصاص الضغوط وإيقاف الاحتجاجات، كتب رئيس الوزراء باشينيان في صفحته على فيسبوك يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أن لديه خطة عمل مدتها ستة أشهر، مصممة لضمان الاستقرار الديمقراطي لبلاده حتى مع تغير شكل الحكومة.

وأضاف أنه سيقدم تقريرا في مايو/أيار 2021 عن خريطة الطريق التي ستأخذ الرأي العام في الحسبان لتحديد الإجراءات المستقبلية، على حد قوله.

وأضاف أنه يريد محاولة استعادة عملية التفاوض الرسمية حول الإقليم المتنازع عليه تحت رعاية مجموعة مينسك (روسيا وفرنسا والولايات المتحدة)، وذلك لإعطاء الأولوية لعودة الناس إلى الأراضي التي لا تزال تسيطر عليها العرقية الأرمينية.


وتابع أن لديه خطة لمساعدة الناس على ترميم منازلهم التي تضررت بفعل الحرب، بالإضافة إلى البنية التحتية المتضررة، وتقديم المساعدة المالية لعائلات الجنود الذين قتلوا في الحرب، وتقديم الرعاية المناسبة للمصابين.

وأضاف أنه يريد معالجة الوضع القانوني للإقليم وإجراء إصلاح عسكري، وتعديل قانون الانتخابات والتركيز على التصدي لجائحة فيروس كورونا وانعاش الاقتصاد.

غير أنه ليس من المؤكد أن تكون تلك العروض قادرة على امتصاص غضب المحتجين، خصوصا أن قادة الأحزاب المعارضة ما زالت تدفع للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء.