حميد شباط.. برلماني غادر المغرب فجأة ليعود بشكل مريب قبل الانتخابات

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد عامين من الغياب عن المغرب، إثر لجوئه إلى "المنفى الاختياري" بين ألمانيا وتركيا، عاد مؤخرا حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال (معارض)، وأحد الأصوات "الشعبوية" الشهيرة، إلى المملكة، تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، قائلا: إنه "يستعد للاستحقاقات المقبلة".

عودة "شباط" تأتي أيضا في سياق ضجة خلفتها تصريحات رئيس بلدية مدينة فاس، والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية إدريس الأزمي، داخل البرلمان حول "تصفية صندوق تقاعد البرلمانيين"، وما تلاها من هجوم إعلامي حاد على الأزمي الذي أطاح بـ"شباط" من رئاسة مدينة فاس.

"رجوع" "شباط" أثار استغراب المهتمين، خاصة أنه لا زال يحمل صفة "برلماني"، والتحق بجلسات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، دون محاسبة ولا مساءلة، عن "مغادرة مفاجئة" و"عودة مريبة".

بلا مشروع

يعتبر "شباط" من الشخصيات السياسية الجدلية في المغرب، عصامي، لم يثنه تواضع مستواه الأكاديمي ووسطه الاجتماعي، من التدرج عبر الهياكل السياسية والنقابية التي ينتمي إليها، حتى وصوله إلى أعلى المناصب التنفيذية بحزب الاستقلال (2012) ولثاني أكبر نقابة في المغرب (2009).

بالمقابل، يرى خصومه السياسيون أنه "مثال للفساد السياسي"، و"شعبوي عدواني متقلب المواقف"، ذو تاريخ مشبوه بخوض حروبا بالوكالة لصالح السلطة، على شاكلة الانقلاب الداخلي الذي قاده لزعامة نقابة "الاتحاد العام للشغالين"، وحروبه السياسية ضد حزبي "العدالة والتنمية" و"الاتحاد الاشتراكي" (مشاركان في الائتلاف الحكومي) .

وفي السياق، استحضر الإعلامي المغربي حسن الهيثمي مسار شباط بالقول: "المُسمى حَميد، هو الذي شتت الأسرة الاستقلالية، وهو نفس الشخص الذي حاول تشتيت الائتلاف الحكومي في بداياته الأولى (2011 برئاسة عبدالإله بنكيران)، لكنه لم يفلح".

وأوضح "لم يفلح، لأنه زعيم بدون مصداقية، بسبب وصوله آنذاك إلى رأس حزب الاستقلال عن طريق البلطجة التي يتقنها بطريقة جيدة مثل أي قرصان يعترض طريق السفن فيسلب ما تحمله قبل أن يحرقها ليغرقها".

وأضاف الهيثمي: "مثل هذه الكائنات الانتخابية، تحاول أن تدفع التهمة عنها، فتبدأ في رمي الحجارة بكل الاتجاهات من أجل أن تفقأ عيون الناس لكي لاينتبهوا إلى مجموعة من الأشياء أمامهم.. ولكي لا يتابعوا الملفات المفتوحة".

وأردف في تدوينة عبر حسابه بفيسبوك: "شباط يحاول لفت الانتباه إليه، ويفرح كثيرا كلما تم تداول اسمه في الصحف، (..) الزعيم المفبرك الذي يصاب بالجنون عند حلول كل موسم انتخابي، لأنه بدون مشروع سياسي حقيقي، واستعمال قاموس من السب والشتم بدعوى أنه يمارس دور المعارض والناصح الأمين".

من جانبها، كتبت جريدة "أخبار اليوم" (خاصة) مع عودته للمغرب قبل نحو شهر، "شباط عاد إلى البلاد كما غادرها قبل سنتين، سرا، لكن بجلبة كبيرة بين الطبقة السياسية. يوم رحل شباط، لم يكن هناك، على نحو دقيق، ما يفسر تلك الخطوة، فالرجل كان قد تعرض لسحل رسمي أبعده عن حزبه كما عن نقابته".

واستدركت: "لكن، ما ضير ذلك بالنسبة إلى سياسي كانت هوايته أن يتخلص من خصومه بأكثر الطرق تدميرا للشخصية. فعل ذلك في الاتحاد العام للشغالين، ولسوف يعيده في حزب الاستقلال، بل حاول أن يطبق ذلك الأسلوب حتى في مواجهة خصومه السياسيين في الحكومة".

وقالت: "لقد عاد الآن، دون أي شعور بالضعف، ودون أي تفسير، دخل كما خرج، هل عقد صفقته؟ في الواقع، سيكون المرء ساذجا في تحليل هذه العودة وكأنها مجرد مصادفة. لا مجال لذلك في السياسة".

وتساءلت "أخبار اليوم": "عودة شباط هل هي مؤشرات قابلة لتحليل مستقبلي عما سيحدث بعد عام مثلا؟" لتجيب: "يجب قولها بصراحة، الاستهتار بقيم السياسة، والاستخفاف بأقدار المسؤولين، والتحريك البهلواني للأحزاب والشخصيات ليست بوصفة قابلة للتجريب مجددا في 2021، لا ينبغي النصح بإعادة استعمال تلك الحيل الفجة التي لم تساعد بالمطلق على إحراز أي تقدم سياسي في المغرب".

مواجهة "المصباح"

بعد "الضوء الأخضر" لعودته، بعد هروب إثر انتكاسات متتالية، بإزاحته من زعامة حزب الاستقلال عام 2017، وفقدان رئاسة نقابة "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" في 2012، ونهاية لمسار دام 12 عاما كعمدة لمدينة فاس عام 2015، يتساءل المتابعون "ما هي الصفقة بين السلطة وشباط" لعودته للمشهد قبل أشهر من الانتخابات التشريعية.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الباحث في العلوم السياسية أمين الإدريسي: إن "المتابع لتاريخ شباط السياسي، سيخلص إلى أن عودته لم تكن اعتباطا، بل جاءت بضوء أخضر جراء تفاهمات مع الدولة في أفق انتخابات 2021، وإعادة هيكلة الحقل الحزبي في المغرب".

وأضاف: "رغم غياب شباط لعامين من الزمن عن المشهد السياسي إلا أنه ما زال رقما مهما داخل حزب الاستقلال بشكل خاص وفي العملية الانتخابية بشكل عام".

الإدريسي "لم يستبعد أن تكون عودة شباط تندرج في سياق معطيات، أهمها الحد من تصدر حزب العدالة والتنمية (شعاره المصباح/إسلامي) لانتخابات 2021، فالسلطة لا تريد أن توقف المصباح بالقوة الخشنة، لكن يمكنها تقنين وتقليص الانتصار الذي سيحققه، عبر توظيف مجموعة من الآليات، منها القاسم الانتخابي، ورجوع بعض الأسماء التي يمكن أن تشكل مناكفة له".

وشدد على أن "عودة شباط مرتبطة بالاستحقاقات القادمة والدور الذي يجب أن يلعبه حزب الاستقلال في الانتخابات وما بعدها، وتحديدا في إمكانية مشاركته في الائتلاف الحكومي المقبل".

وأكد الإدريسي أن "شباط ليس قادرا على وضع حد لاستمرار المصباح لولاية ثالثة، لأن المشهد السياسي مرتبط بشكل عام بضعف الأحزاب المغربية، وتصدر المصباح ليس لقوته ولكن لضعف منافسيه".

استرجاع فاس

من جهته، اعتبر الكاتب المغربي نور الدين اليزيد، أن "الحاجة إلى شباط، أصبحت أكثر إلحاحا، في ظل المشهد الحالي، خاصة أن حزبه العتيد (الاستقلال) الذي طرد منه وتم تجييش أبنائه ضده، لم يزد من بعد شباط إلا نكوصا".

وأضاف عبر صفحته على "فيسبوك": "إن كانت الدولة تنوي بصدق إعادة التوزان إلى المشهد السياسي، فعليها أن ترفع عن شباط أوراق الضغط وتؤجل أو تعلق –كما عادتها- القضايا التي يتابع بها (قضائيا) هو وأفراد من عائلته، ليتحرر الرجل ويواجه هذا الأخطبوط البيجداوي (العدالة والتنمية)".

بدورها، كشفت جريدة الصباح أن "أنصار شباط، ومع عودته للبلاد، روجوا خوضه لمعركة استرجاع مدينة فاس، من يد إدريس الأزمي، القيادي في العدالة والتنمية".

وأضافت: أن "أنصاره دعوا إلى التعبئة لخوض معركة انتخابية حامية الوطيس، لتقليص حجم هيمنة حزب العدالة والتنمية على فاس، وإعادتها إلى حضن الاستقلاليين، بعد عودة زعيمهم".

فوق القانون

عودة شباط، مع انطلاقة آلته الإعلامية عبر الترويج له والإطراء في حقه من خلال مقالات وتقارير تقول: إن "أهل فاس يحنون لعهده"، اعتبرها ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، "نهاية لمصداقية السياسة بالمغرب".

وقال الباحث، عيسى داوود: "كيف يمكن للمواطن أن يصدق السياسة في البلاد، بعد رجوع شباط للمغرب وحضوره جلسات البرلمان، دون حسيب ولا رقيب، إنه الاستثناء المغربي، هناك من هم فوق القانون والمحاسبة".

وأضاف عبر حسابه بفيسبوك: "هناك أمور يتم الإعداد لها بعيدا عن وسائل الإعلام، الموسم الانتخابي هذه المرة سيكون بالضربات القاضية".

من جهته، قال الباحث، الإدريسي: "للأسف، الريع السياسي والبرلماني لا أحد يحاسب عليه في المغرب، وهناك أفراد دائما يستغلون المشهد كواجهة لمقاومة القوى السياسية التواقة إلى التغيير".

وأعرب في حديث لـ"الاستقلال" عن تخوفه من "الاعتماد من جديد على القيادات الشعبوية، ومن بينها شباط، للتحفيز على المشاركة السياسية، تجنبا لعقاب الشعب للأحزاب السياسية التي أصبحت أضعف مما كانت عليه سابقا، وذلك من خلال مقاطعة الانتخابات".

وختم تصريحه بالقول: "ما يدبر له في الأمتار الأخيرة لانطلاق الانتخابات التشريعية، يفرض على المتابع أن يتوقف عنده وينبه له، ووجب على الأحزاب السياسية أن ترتقي لمستوى تطلعات المواطن بدلا من العودة لنفس حلقة الاعتماد على الشخصيات الشعبوية والصراعات الكلامية".