بعد خسارته انتخابات الرئاسة.. ما أهداف ترامب من إقالة وزير الدفاع؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير الدفاع مارك إسبر، وهو الشخص الرابع الذي يشغل هذا المنصب خلال أربع سنوات شهدت تدهور العلاقات بين كبار أعضاء الجيش وساكن البيت الأبيض.

أثارت إقالة إسبر في هذا التوقيت بالتزامن مع الإعلان عن هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية وفوز جو بايدن العديد من التساؤلات حول أسبابها، وما إذا كان الرئيس الجمهوري يرنو إلى استخدام وزارة الدفاع (البنتاغون) في خلافه السياسي المتنامي وعدم اعترافه بالهزيمة وتمسكه بأنه الفائز في تلك الانتخابات. 

وتكهنت العديد من الصحف الأجنبية وخاصة الأميركية بأسباب إقالة إسبر ولعل أبرزها الحديث عن نية ترامب إحداث فوضى داخلية لجعل الفترة الانتقالية صعبة وهو ما أثار تخوفات الديمقراطيين الذين كانوا يأملون في أن يكون تسلم السلطة من الحزب الجمهوري أسهل من ذلك. 

كما قالت تكهنات أخرى: إن ترامب تصرف بدافع الانتقام من وزير دفاعه الذي خالفه في كثير من الأمور وخاصة تمسك إسبر بأن يظل البنتاغون بعيدا عن الأمور السياسية وخاصة الانتخابات الرئاسية.

خلافات عميقة

شغل مارك إسبر منصب نائب وزير الدفاع لأول مرة في عهد ترامب، بعد أن ترك جيمس ماتيس وباتريك شاناهان المنصب، وأصبح فيما بعد وزيرا في أغسطس/آب 2019، واتسمت العلاقة بينهما فيما بعد بالتوتر. 

اقتربت علاقة إسبر المتوترة مع ترامب من الانهيار الصيف الماضي خلال المظاهرات التي اجتاحت أغلب الولايات عقب مقتل الأميركي من أصل إفريقي جورج فلويد، والتي أثارت جدلا داخل الإدارة حول الدور المناسب للجيش في مكافحة هذه الاضطرابات. 

 

وأثارت معارضة إسبر لاستخدام قوات الجيش للمساعدة في قمع الاحتجاجات في واشنطن غضب ترامب وأدت إلى تكهنات بأن وزير الدفاع مستعد للاستقالة إذا واجه مثل هذه المشكلة مرة أخرى.

وأصدر إسبر أوامر لكتيبة من الفرقة 82 المحمولة جوا ووحدات الشرطة العسكرية بالعودة إلى القاعدة بعد نقلهم جوا إلى منطقة واشنطن استعدادا لنشرهم في مواجهة الاحتجاجات. 

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر في الإدارة الأميركية في ذلك الوقت أن مساعدي ترامب نصحوه بعدم إقالة وزير دفاعه كما تم حث إسبر من قبل مستشاريه على عدم تقديم الاستقالة بعد أن بدأ فعليا في صياغة خطاب استقالته. 

ولم يكن ذلك الخلاف الوحيد بين الرئيس ووزير الدفاع، حيث أشار تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إلى أن إسبر كان على خلاف كبير مع ترامب في مسألة سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان وسوريا. 

وقالت الغارديان في 10 نوفمبر/تشرين الثاني: إن إسبر كان يعمل مع الكونغرس على تشريع لإعادة تسمية قواعد الجيش الأميركي التي سميت على اسم الجنرالات الكونفدرالية بالمخالفة لسياسة ترامب واعتبرته مصدرا آخر للخلاف بينهما.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة يو إس نيوز الأميركية في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، كان إسبر يعمل مع أعضاء من لجنتي القوات المسلحة بمجلسي الشيوخ والنواب على صياغة ميزانية جديدة لوزارة الدفاع. 

كما زاد من غضب ترامب بحسب الصحيفة بسبب قيام وزارة الدفاع بحظر رفع الأعلام الكونفدرالية على المنشآت العسكرية في سياسة جديدة مخالفة لترامب وصفتها الصحيفة بأنها تقيد جميع الأدوات التي تبدو لها مدلولات سياسية بما في ذلك أعلام الشواذ جنسيا التي لم يتم تضمينها صراحة في قائمة جديدة معتمدة مسبقا.

البنتاغون والانتخابات

"افعل الشيء الصحيح دائما" كانت هذه الجملة الأبرز في رسالة إسبر الأخيرة إلى القوات بعد تلقيه قرار الإقالة من منصبه.

وأوضحت رسالة إسبر الأخيرة التي نشرها موقع ميلتري تايمز الأميركي "أود أن أشكركم جميعا على الارتقاء إلى هذا المستوى، وعلى بقائكم غير سياسيين، وعلى احترام قسمكم بالدستور".

 

 ربما تفسر تلك الرسالة التكهنات التي أشارت إلى أن ترامب ربما يعمل على إشراك الجيش بطريقة ما في الانتخابات الرئاسية.

وربما تكون دوافع إسبر هي نفسها التي دفعت رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي لإجراء مكالمة غير رسمية بالفيديو مع كبار الجنرالات قبل يوم من الانتخابات التي جرت في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني لتبديد فكرة وجود دور للجيش في الفصل فيها أو اتخاذ أي قرار بشأن عزل رئيس، حسب ما نقلته وسائل إعلام أميركية.

وأعقب رحيل إسبر عن البنتاغون استقالات لكبار المسؤولين المشرفين على السياسة والاستخبارات وموظفي وزارة الدفاع، كرد على قرار ترامب، الذين استبدلهم بسياسيين موالين له بشدة، حسب وصف صحيفة بوليتيكو الأميركية. 

وقالت الصحيفة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني: إنه لا تزال المخاوف تدور حول ما سيفعله هؤلاء القادة الجدد في الوقت الذي يكافح فيه ترامب نتائج الانتخابات، وبعد أن أظهر استعداده لاستخدام القوات لحل المشاكل السياسية.

وربما يفسر ما ذهبت إليه الصحيفة بأن ترامب من الممكن أن يستخدم البنتاغون في نزاعه السياسي المستمر منذ إعلان فوز بايدن بالانتخابات.

 

وفي نهاية تقريرها قالت بوليتيكو: إن التحركات الأخيرة لترامب تثير المخاوف من أن أولئك الذين سيكونون بمثابة حواجز ضد قراراته المتهورة قد غادروا المبنى، على الرغم من أن الجنرال مارك ميلي قال مرارا وتكرارا: إن السياسة لا مكان لها في الجيش.

وبعد 48 ساعة من إقالة إسبر وخلال حفل افتتاح متحف للجيش قال ميلي: "نحن فريدون بين الجيوش، نحن لا نحلف اليمين لملك أو ملكة أو طاغية أو ديكتاتور، نحن لا نحلف اليمين على أي فرد".

الكلمات التي قالها رئيس هيئة الأركان المشتركة حملت رنينا مألوفا، وعبرت عن سياسات الجيش لكن الظروف المحيطة بالتصريحات وتوقيتها في خضم أسبوع وصفته وكالة أسوشيتد برس الأميركية بـ "الأسبوع الفوضوي في البنتاغون"، كانت مؤثرة بشكل خاص. 

وقالت الوكالة الأميركية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني: "رسالة ميلي في وقت رفض ترامب الاعتراف بخسارته في الانتخابات كانت واضحة: الجيش موجود للدفاع عن الديمقراطية ولا يجب استخدامه كأداة سياسية". 

وطرحت الوكالة العديد من التساؤلات حول إقالة وزير الدفاع قائلة: "هل كان ترامب ببساطة يهاجم إسبر والآخرين الذين يعتبرهم غير مخلصين بما فيه الكفاية؟ هل هناك خطة أوسع لسن تغييرات في السياسة يمكن أن يروج لها ترامب في أيامه الأخيرة كقائد أعلى؟ أو في السيناريو الأكثر تطرفا، هل سيحاول إقناع الجيش بمساعدته على البقاء في منصبه بعد يوم التنصيب؟".

وفي ردها على تلك التساؤلات أشارت الوكالة إلى معارضة ميلي هذا الاحتمال الأخير، حيث قال للكونغرس: إنه "في حالة وجود نزاع حول بعض جوانب الانتخابات، بموجب القانون، يتعين عليكم وعلى المحاكم الأميركية حل أي نزاعات، وليس الجيش" وقال أيضا: "إن أعضاء الخدمة يجب ألا يتورطوا في نقل السلطة".

تخوفات الديمقراطيين

أثارت خطوة ترامب تخوفات لدى الديمقراطيين من أن يكون الهدف من هذه الإقالة هو إثارة الفوضى ووضع عقبات وعراقيل أمام ساكن البيت الأبيض القادم.

وقالت رئيسة مجلس النواب الأميركي: إن الإقالة المفاجئة لإسبر دليل مقلق على أن ترامب عازم على استغلال أيامه الأخيرة في المنصب لنشر الفوضى في ديمقراطيتنا وحول العالم".

وأضافت في تصريحات لها عقب الإطاحة بإسبر: "إن الاستمرارية والاستقرار مهمان دائما خلال الفترة الانتقالية الرئاسية، وهما أمران ضروريان للغاية في هذه اللحظة، حيث تستعد هذه الإدارة غير المنتظمة تاريخيا لرحيلها".

وتعتبر الفترة الانتقالية حرجة بالنسبة للولايات المتحدة، كما وصف العديد من الديمقراطيين الخطوة بأنها تشكل خطرا على الأمن القومي وحقدا على زعيم البنتاغون الذي يعتقد ترامب أنه لم يكن مخلصا له بما فيه الكفاية.

ومن بين المشرعين الذين حذروا من الإجراء، رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الديمقراطي آدم سميث الذي اعتبر أنه سيضخ مزيدا من عدم اليقين والمخاطر في الانتقال الصعب للبلاد إلى الرئيس المنتخب جو بايدن. 

وقال سميث في بيان: "استبعاد قادة الأمن القومي المعينين سياسيا خلال فترة انتقالية هو تحرك مزعزع للاستقرار من شأنه فقط أن يشجع خصومنا ويعرض بلادنا لخطر أكبر. قرار الرئيس ترامب ليس طفوليا فحسب، بل إنه أمر طائش أيضا".

كما أثارت الخطوة تخوفات أخرى داخل الحزب الديمقراطي من أن يقدم ترامب على خطوات مماثلة قبل تسليم السلطة في 20 يناير/كانون الثاني 2021، والتي عبر عنها عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب سيث مولتون. 

وأوضح مولتون في تصريحات نقلها موقع "ديفينس نيوز": "آمل ألا يفعل الرئيس ترامب شيئا في الأسابيع الـ 11 المقبلة التي تضع الجنرال ميلي والرؤساء المشتركين في موقع يحتاجون فيه إلى اتخاذ قرار حزبي بشأن مسألة مدنية وسياسية".

ووصف كبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، السيناتور جاك ريد، تصرفات ترامب بأنها كانت "مسرحية لجذب الانتباه" تضر بالأمن القومي.

وقال في بيان: "جو بايدن هو الرئيس المنتخب، وقد حان الوقت للقادة الجمهوريين لتصعيد وتوضيح هذا الواقع لترامب قبل أن يتخذ مزيدا من الأعمال المتهورة التي تسعى إلى جذب الانتباه والتي تضر بأميركا".

كما أعرب زعيم الأغلبية في الكونغرس، الديمقراطي ستيني هوير، عن ثقته في أن إعلان بايدن في نهاية المطاف عن فريقه للأمن القومي، سيطمئن الجيش والحلفاء ويضع خصوم الولايات المتحدة على علم بأن بلاده مستعدة لمواجهة أي تهديد.