دعمت المغرب دبلوماسيا بإقليم الصحراء.. هكذا تحاصر الإمارات الجزائر

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بمجرد أن أعلنت المغرب في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تحركا عسكريا لوقف ما سمته "الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة" لجبهة البوليساريو في معبر "الكركرات" على الحدود الجنوبية مع موريتانيا، سارعت الإمارات بإعلان دعمها للرباط.

عدد من المسؤولين في الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو في صراعها مع المغرب، ربطوا بين تحرك الجيش المغربي في الجنوب وافتتاح الإمارات مؤخرا قنصلية في مدينة العيون بإقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط والبوليساريو.

ورأى سياسيون وناشطون جزائريون في اعتراف الدولة الخليجية بمغربية الصحراء، في هذا الوقت تحديدا، تأزيما للأوضاع في المغرب العربي ومحاولة للضغط على الجزائر من أجل التطبيع مع إسرائيل.

التصريحات ليست مدفوعة بتحرك الجيش المغربي فحسب -والذي اعتبرته الجزائر اعتداء وخرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الأممي- بل أيضا بالعلاقات المتوترة بين الجزائر والإمارات.

استهداف الجزائر 

بعد يوم واحد من تحرك الجيش المغربي جنوبا، اتهم عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، دولة الإمارات بقيادة مشروع زعزعة استقرار منطقة المغرب العربي.

علق مقري في منشور على صفحته بموقع فيسبوك، على أزمة معبر "الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا، تحت عنوان "الإمارات في مدينة العيون.. أينما حلت الإمارات تعقدت الأزمات.. وسالت الدماء".

وقال مقري: "لا يجب أن نعتقد في الجزائر بأنه حين يحط حكام دولة الإمارات رحالهم في المغرب العربي، ويدخلون في مشكلة معقدة بين بلدين شقيقين جارين سيتفقان يوما ما"، في إشارة إلى الجزائر والمغرب.

وأضاف: "هم (حكام الإمارات) أهون وأضعف من أن يقدروا على مواجهة الجزائر، إنما يفعلون ذلك ضمن مشروع صهيوني مسنود أميركيا وفرنسيا لابتزاز الجزائر وإخضاعها".

وقال المستشار الأمني السابق للرئيس الجزائري والمدير الحالي لمعهد الدراسات الإستراتيجية الشاملة (حكومي)، عبد العزيز مجاهد: "خطوة الإمارات بفتح قنصلية لها في منطقة العيون أمر غير معقول، لأن المنطقة لا يوجد فيها أي مواطن إماراتي".

وأشار إلى أن "الأزمة الأخيرة كشفت المستور، وأظهرت لنا الطرف الذي يمكن الاعتماد عليه، ومن هو الحليف والشريك ومن هو خلاف ذلك". 

وربط مجاهد، في تصريحاته للإذاعة الجزائرية الرسمية في 16 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بين المواقف الإماراتية والموقف الجزائري المعلن من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، والذي اعترض فيه على موجة التطبيع الأخيرة في المنطقة العربية بقيادة الإمارات، ووصفها بـ"الهرولة".

مجاهد قال: "الجزائر هي من أدخلت فلسطين إلى الأمم المتحدة. كنا نعلم أننا سندفع الثمن لبعض مواقفنا، لكن للحرية ثمن وللاستقلال ثمن، إما أن نكون أحرارا وأصحاب سيادة وإما نخضع ونركع". 

خبير بالقانون الدولي والأكاديمي، محمود رفعت، غرد على تويتر، قائلا: "الإمارات تسعى لإشعال النار بين المغرب وجبهة البوليساريو بهدف ضرب المملكة المغربية بجارتها الجزائر".

واعتبر رفعت أن "الإمارات دفعت لإشعال نيران الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو المتوقفة، من 30 سنة كخطوة أولى لتمزيق المغرب، كما مزقت مع دول أخرى المشرق العربي". وتوقع دكتور القانون الدولي: "احتواء المغرب والجزائر للأزمة بحنكة وكسر أصابع الشر المتطاولة".

توتر قديم

عرفت العلاقات بين المغرب والإمارات توترا شديدا في الفترة الأخيرة، كانت آخر مظاهره في أبريل/ نيسان 2020، عندما شنت حسابات وهمية على موقع "تويتر" هجوما على رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، متهمة إياه بـ"التقصير في تنفيذ تعليمات الملك محمد السادس لإدارة أزمة جائحة كورونا داخل البلاد".

لكن هذه العلاقات سرعان ما تحسنت إلى أن افتتحت الإمارات، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قنصلية عامة لها في مدينة العيون، كبرى مدن إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، كأول دولة عربية تقوم بهذه الخطوة

في المقابل، ومنذ توليه الحكم لم يجمع أي لقاء، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فيما زار نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الراحل أحمد قايد صالح، الإمارات في فبراير/ شباط 2019، والتقى عدة مسؤولين هناك.

بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ووفاة قايد صالح، الذي كان يعتبر من الشخصيات المقربة لأبوظبي، حاولت الإمارات جعل الاقتصاد مدخلا لتوسيع نفوذها وهيمنتها على الجزائر.

ربطت الإمارات علاقة قوية بالنظام السابق في الجزائر، وكان للسعودية دور في قدوم عبد العزيز بوتفليقة للحكم.

بدأت أبوظبي بإقامة قاعدة عسكرية في منطقة إستراتيجية قريبة من الحدود بين موريتانيا ومالي من جهة، وبين موريتانيا والجزائر من جهة أخرى، وهو ما اعتبرته أصوات في الجزائر "مطامع سياسية". 

حضر اسم الإمارات في مظاهرات الحراك الشعبي بالجزائر، واعتبرت صحيفة "الوطن"، هتاف الجزائريين ضد الدولة الخليجية مرتبط في أذهانهم بـ" الغموض والثورة المضادة واللوبيات المشبوهة".

وانطلق النقاش حول تدخل إماراتي مزعوم في الاحتجاجات الجزائرية بعد لقاء ابن راشد بقايد صالح، رغم أن الإمارات لم تعلن عن أي موقف رسمي من الحراك الجزائري، إلا أن تغطية وسائل الإعلام الإماراتية للحراك كانت تظهر ذلك.

من جهتها أكدت صحيفة "لومند أفريكا" الفرنسية أن الهدف الوحيد الذي تسعى الإمارات إلى تحقيقه في الجزائر هو إيقاف الحراك الشعبي، والعمل على إرساء نظام "ذي عضلات"، تماما كما فعلت في مصر.

بوابة الاقتصاد

تصل استثمارات الإمارات في الجزائر إلى 10 مليارات دولار، وتحدثت الإمارات عن رفعها إلى 20 مليار دولار.

أحكمت الإمارات سيطرتها على الشركة العمومية للتبغ والكبريت، وتقاسمت أسهمها مع الحكومة الجزائرية، واحتكرت في عهد بوتفليقة ميناء "جنجن" من خلال شركة "موانئ دبي العالمية"، وحصلت على 70% من موارد الميناء، قبل أن تسترجعه الجزائر مؤخرا، بحسب تقرير لمركز الإمارات للدراسات والإعلام.

وقالت صحيفة "لومند أفريكا": إن مظاهر تغلغل الإمارات في مفاصل الدولة الجزائرية، تتمثل في إيداع أثرياء الجزائر ثرواتهم في بنوك الإمارات.

بسطت الإمارات نفوذها داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية في عهد بوتفليقة، وحصلت على صفقات تزويد الجيش الوطني الشعبي بأسلحة متطورة، واشترت الجزائر من الإماراتيين أسلحة تم صُنعها في دول أخرى.

وفي عام 2012، وقعت الجزائر عقد شراء سفينتين حربيتين من نوع "ميكو" من المصنع الألماني "تي.كا.إم .إس"،  بقيمة 2.2 مليار يورو، لكن الشراء لم يكن صفقة مباشرة بين الجزائر والمجمّع الألماني، بل كانت بواسطة شركة إمارتية هي "أبوظبي مار" التي باعت السفينتين واستقبلت أموال الصفقة في حساباتها دون أن يكون لها أي دور في صنع السفينتين.

وفي تحقيق خاص، نشر موقع "الجزيرة" معلومات عن مشروع بين الحكومة الجزائرية والطرف الإماراتي في شكل عقد امتياز يمتد لمدة 33 سنة ويسمح بتجديده 3 مرات، لتصل مدة العقد إلى 99 سنة.

تعلق الأمر بمشروع "دنيا بارك" وهو متنزه بمواصفات عالمية، كما جاء في تصريحات العديد من المسؤولين الجزائريين قبل أن يختفي بعد أن رصدت له ميزانية تقدر بـ5.2 مليارات دولار.

وشكك الخبراء، بحسب التحقيق، في الأرقام المعلنة للاستثمار من الإماراتيين في الجزائر، وأن هذه الأرقام تضخّم، لغايات سياسية وضريبية.

وفي حوار له مع صحيفة "الخليج أونلاين" قال الدبلوماسي الجزائري السابق العربي زيتوت: إن "الوجود الإماراتي والنفوذ في الجزائر ليس جديدا، ولكن هدفه إحداث خراب بها إلى جانب الدول العربية والإسلامية وتدميرها".

قواعد اللعبة

كانت الإمارات من الداعمين للنظام المستقيل في الجزائر، الذي كان يخدم مصالحها، لكن قواعد اللعبة تغيرت مع تولي السلطة الجديدة للحكم، والتي تتجنب أي احتكاك بالشارع، وقد أظهر الأخير عداء للإمارات خلال الحراك.

مظاهر التغيير بدت واضحة عندما قال الرئيس تبون: إن بلاده "لن تشارك أو تبارك اتفاقات تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، في معرض تعليقه على اتفاقي الإمارات والبحرين مع إسرائيل، في 15 سبتمبر/ أيلول 2020.

وصف تبون توقيع الاتفاقية بـ"الهرولة للتطبيع"، وشدد على أن القضية الفلسطينية مقدسة للشعب الجزائري برُمته".

أشارت لويزة حنون، زعيمة حزب العمال الجزائري، بأن  الراحل قايد صالح، أعطى أوامر بالتضييق على الحراك وهاجمه باستمرار بعد الإطاحة ببوتفليقة، وذلك بإيعاز من الإمارات بعد زياراته المتكررة لها.

وقالت حنون في ختام أعمال اللجنة المركزية لحزبها، مطلع أكتوبر تشرين الأول 2020: "يجب أن يكون السجن جزاء أولئك الذين مكنوا للشركات الإماراتية للحصول على مشاريع في الجزائر". 

ودعت الزعيمة المعارضة الإماراتيين إلى مغادرة الشركات، التي لهم وجود فيها في الجزائر، قائلة: "لا مكان لهم هنا لأنهم يقومون بالتطبيع بطريقة ملتوية، سوف يجلبون لنا منتجات من إسرائيل ويمارسون الضغط".

رأى عدد من الناشطين أن الإمارات تستغل غياب الرئيس تبون الذي يرقد في المستشفى منذ أسابيع للتضييق على الجزائر وجرها إلى صراع عسكري في الصحراء الغربية.

واعتبر آخرون أنها محاولة لترويض النظام الجديد الذي لم يبد أي استعداد لخدمة الأجندة الإماراتية، مثل ما فعل نظام بوتفليقة، بل إن تبون هاجم اتفاق التطبيع وجزم بعدم المشاركة فيه.

أسباب الاستياء

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال أستاذ العلاقات الدولية بالجزائر، عمر بغزوز: إن بلاده "تدرك أن الإمارات، شأنها شأن (ممالك الخليج) تشكل حليفا تقليديا للمغرب، ودعمها للرباط في ملف الصحراء الغربية ليس لغزا لها".

وأضاف: "بموجب الأعراف الدبلوماسية فإن الجزائر تحترم قرارات ومواقف البلدان الأخرى، لكنها لن تتخلى عن مبادئها كما أكد ذلك وزير خارجيتها (صبري بوقادوم)". 

وأوضح بغزوز، المتخصص في قضايا البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي، أن الجزائر ترى "فتح قنصليات أجنبية في الصحراء الغربية لا يمكن بأي حال من الأحوال إضفاء الشرعية على احتلال هذه الأراضي ولا يشكك في حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وفقا لعقيدة وممارسة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في هذا المجال".

وتابع الدكتور في جامعة جامعة "مولود معمري -تيزي وزو" بالجزائر: "رغم أن الجزائر ليست طرفا في النزاع القائم في الصحراء الغربية، إلا أنها تتابع باهتمام شديد التطورات في المنطقة بحكم موقعها المتاخم لهذا الإقليم والرهانات الجيوسياسية والأمنية المتعلقة بمنطقة المغرب العربي برمتها".

وأفاد بأن "الجزائر تعتقد على ضوء القانون الدولي أن الجمهورية الصحراوية عضو في الاتحاد الإفريقي ولها سيادة كاملة على أراضيها".

وموقف الجزائر الرسمي، يضيف الخبير، |تجاه فتح القنصليات في الصحراء الغربية، كما فعلت الإمارات وقبلها بعض الدول الإفريقية، "هو بطبيعة الحال الاستنكار من هكذا أفعال انفرادية تعيق مسار تصفية الاستعمار الجاري بالإضافة إلى أنه يشكل حسبها انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي المرتبطة بحق الشعوب في تقرير مصيرها".

وشدد بغزوز على أن "الجزائريين مستاؤون، شعبا وحكومة وطبقة سياسية، من تواطؤ الإمارات مع المغرب ضد مصالح الجزائر في منطقة المغرب العربي".

ومضى قائلا: "لقد صرح المتحدث الرسمي للدبلوماسية الجزائرية (بوقادوم) بأن الجزائر لا تخاف من أحد وهي تمضي قدما بغض النظر عن الآخرين، لكن تحرك الإمارات في منطقة المغرب العربي والبحث عن بسط نفوذها هناك، قد يشكل مصدرا للقلق بالنسبة للجزائرين وذلك لـ3 اعتبارات".

وأوضح بغزوز هذه الاعتبارات بالقول: "أولا، كل دعم للمغرب في قضية الصحراء الغربية هو محاولة لإضعاف دور الجزائر في المنطقة وإفشال المبادرات الجزائرية الرامية إلى التوصل إلى حل نهائي للنزاع وفق الشرعية الدولية".

ثانيا، "تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل من شأنه زعزعة الثقة بين الجزائر وأبوظبي في ظل دعم الجزائر التقليدي لفلسطين، ودعم تل أبيب ومن ورائها واشنطن للإمارات".

ثالثا، "قد تستعمل الإمارات ورقة علاقاتها المتميزة مع بعض أوجه النظام الجزائري السابق (الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة مكث لمدة طويلة في الإمارات في الثمانينيات) للتضييق على الجزائر، لاسيما وأن لديها مصالح اقتصادية متنامية مع هذا البلد".

واستدرك بغزوز: "لكن هذا السيناريو يبدو بعيد التحقيق في ظل القطيعة التي يرغب في إحداثها الحكام الجدد مع النظام القديم".

واستطرد الخبير في المنطقة المغاربية، قائلا: "على الصعيد الرسمي لا يظهر أي توتر في العلاقة بين الجزائر والإمارات منذ تولي النظام الجديد للحكم".

وتابع: "يلاحظ استمرار تبادل الزيارات على أعلى مستوى بين البلدين في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية والعسكرية".

وأشار إلى أن "العلاقة بين البلدين تتأرجح بين النفور والجاذبية، بحيث يعرف التعاون الاقتصادي والعسكري نموا سريعا في حين يعرف التعاون السياسي أزمة كامنة لا تستطيع المظاهر الدبلوماسية إخفاءها".

وأكد بغزوز أن "البلدين لهما مصالح اقتصادية وعسكرية مشتركة لم تتأثر كثيرا بتباين الرؤى والمواقف في السياسة الخارجية".

ولفت إلى أن "هناك 15 مؤسسة إماراتية تنشط في الجزائر مقابل نحو 200 مؤسسة جزائرية في الإمارات بينما الشراكة العسكرية في تطور مستمر، ناهيك عن كون الجزائر والإمارات أعضاء في المنظمات الدولية كالجامعة العربية، ومنظمة البلدان المصدرة للبترول ومنظمة المؤتمر الإسلامي".

وختم بغزوز تصريحه بالقول: "من مصلحة الجزائر والإمارات الحفاظ على علاقات هادئة من أجل تعظيم الربح المتبادل، غير أن الوضع في الميدان يبدو هشا في سياق التوتر الذي تعرفه منطقة المغرب العربي والأمر غير مستبعد أن ينعكس ذلك سلبا على العلاقات الجزائرية-الإماراتية".