لا تقترب.. ماذا تعرف عن أسرار "المكتبة الإسرائيلية" وأدوارها الخفية؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يعلن فيه ملايين العرب وبينهم الكثير من الباحثين والأكاديميين رفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، يقع بعضهم في فخ  التطبيع العلمي والثقافي الخفي مع "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" التي أصبحت بوابة التطبيع المجانية التي يقدمها محرك البحث العملاق "جوجل"، للباحثين في الوطن العربي. 

باحث وأكاديمي مصري، تحدث عن خطورة سيطرة مقتنيات "المكتبة الوطنية الإسرائيلية"، على نتائج البحث باللغة العربية في "جوجل"، واعتبر أن هذا نوع من التطبيع العلمي الخطير، يهدد التراث العربي ومستقبل البحث بالمنطقة العربية في ظل تراجع المكتبات العربية في هذا الإطار.

الأكاديمي المصري في علم الجغرافيا، الدكتور عاطف معتمد، قال عبر صفحته بـ"فيسبوك": إن جوجل يقترح اسم "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" عند البحث عن الكتب والمراجع في معظم التخصصات، موضحا أن "المكتبة الإسرائيلية تخطت جميع المكتبات العربية الرقمية حيث تضم فهرسة وأرشفة لكتب متنوعة بين القديم والحديث".

وأكد أن "المكتبة الوطنية الإسرائيلية، الناطقة بالعربية والتي توفر مقتنيات للكتب العربية؛ أحد الأسلحة المهمة جدا والناجحة جدا التي تتبناها إسرائيل للوصول إلى الجمهور العربي بلغته الأم، وبخدمات ربما دفعت بالبعض إلى الشكر والامتنان العلني، ولكن الأهم هو الامتنان النفسي المضمر الأكثر أثرا وأطول استدامة". 

معتمد، لفت إلى أن "قطاعا مهما من الجمهور العربي يشعر بأن الاتفاقيات التي توقعها حكوماته مع إسرائيل ليست ملزمة له ويراها في أحسن الأحوال اتفاقات اضطرارية لا تلزم الشعب ومن ثم فبوسعه أن يرفضها ولا يعترف بالتطبيع".

وحذر من أن "تطور المكتبة الوطنية الإسرائيلية الناطقة بالعربية لتصبح مصدرا للكتب الحديثة والقديمة ومرجعا للفهرسة والأرشفة العربية، فإنها بهذا تتسلل -عن استحقاق- لخدمات الباحثين والقراء العرب الذين يجدون إشكالات في خدمات المكتبات العربية".

الأكاديمي المصري، أشار إلى وجود "مكتبات عربية عريقة تحمل مسمى المكتبات (الوطنية) أقدمها وأعرفها (دار الكتب والوثائق القومية) المصرية وما لحق بها في بلاد  العالم العربي في شطريه المشارقي والمغاربي".

وتساءل: "كيف يمكن ملء الفراغ الإلكتروني في خدمات المكتبات العربية على الإنترنت؟، وإذا كان هناك بالفعل خدمات إلكترونية عربية شهيرة ولكنها غير معروفة للباحثين: كيف يمكن إقناع السيد (جوجل) عبر وسائل التسويق المختلفة المدفوعة الأجر بأن يقترحها للمتابعين والباحثين والقراء فورا على محرك البحث؟".

وأضاف: "حين يتحقق ذلك؛ كيف يمكن توفير الأرشفة الوطنية العربية لتكون متاحة في وعاء شامل جامع في بوابة واحدة تحفظ الثقافة العربية؟"، معتقدا أن "الأمر لا يحتاج إلى إمكانات مالية جديدة، فلا يخفى على أحد كم دفعت الدول العربية لمكتباتها الوطنية الإلكترونية من تمويل، خاصة في الدول الثرية حديثة النشأة".

وتحدث معتمد عن ممارسات إسرائيلية على الأرض تم فيها "تهويد" المسميات العربية لأغلب المواقع العربية في فلسطين، حتى اندثرت المسميات ولم تعد تظهر الأسماء العربية على أية خرائط في جوجل، التي على الأغلب تخفي اسم فلسطين من خريطة الأرض العربية المحتلة وتضع إسرائيل بدلا منها.

وختم معتمد بالقول: "الأمر يحتاج إلى نظام وتنسيق وترتيب ووعي وضمير، وأن الأمر جد خطير"، مطالبا بـ"توحيد نوافذ المكتبات الرقمية العربية".

ووفق "ويكيبيديا" فإن مكتبة إسرائيل الوطنية تعرف باسم مكتبة الجامعة العبرية، وتحتوي على ما يزيد عن 5 ملايين كتاب، وتعد أكبر مكتبة في العالم تحوي كتبا ووثائق ومخطوطات عبرية ويهودية، وتوجد في منطقة "غفعات رام" قرب القدس في الحرم الجامعي للجامعة العبرية.

 

وبمجرد مطالعة صفحة المكتبة بعد البحث عنها باللغة العربية عبر الإنترنت، تجد رسالة ترحيب ودعوة للمشاركة في استمارة استبيان ضمن ما تطلق عليه المكتبة "مشروع تطوير الإتاحة الرقمية لللغة العربية بالمكتبة الوطنية الإسرائيلية"، مؤكدة أن "الإجابة على هذه الأسئلة تساعد في تطوير الأدوات الرقمية باللغة العربية". 

اعتراف بالسرقة

وفي يناير/ كانون الثاني 2017، اعترفت المكتبة الإسرائيلية، بحصولها على مئات المخطوطات العربية والإسلامية النادرة، (نحو 2400 مخطوطة بينها 100 نسخة من القرآن الكريم)، دون أن تذكر الطريقة التي حصلت بها عليها، وهو ما اعتبره خبراء بأنه نوع من القرصنة الفكرية التي تمارسها دولة الاحتلال، حسب صحيفة "اليوم السابع" المصرية، التي تحدثت عن سطو المكتبة الإسرائيلية على 100 مخطوطة قرآنية نادرة.

وأعلنت المكتبة عبر موقعها بشبكة "الإنترنت"، في ذلك التاريخ، افتتاح معرض لنخبة من المخطوطات القرآنية النادرة أمام الزوار في شهر رمضان من كل عام، موضحة أن "أقدم هذه المخطوطات يعود للقرن الـ 3 هجري، وأحدثها للقرن الـ13 هجري (ـ19 ميلادي)، وتعود مصادرها لمختلف أرجاء العالم الإسلامي".

 

ومن بين تلك المقتنيات الإسلامية التي سطت عليها المكتبة الإسرائيلية: "مصحف يظهر في هوامشه ضبط لمختلف قراءات القراء السبعة، و كتب من القرن الـ14 في مصر، ومصحف آخر من مدينة تمبكتو المالية، تم نسخه سنة 1775م بالخط الإفريقي المشتق من الخط المغربي".

 

وإلى جانب قطعة من نسخة للقرآن الكريم تعود للقرن 9 الميلادي بالخط الكوفي، بها أجزاء من آخر سورة النحل وأول سورة الإسراء؛ مصحف مملوكي من القرن 13، ونسخة من القرآن بخط عماد الدين بن إبراهيم الشيرازي من عام 1614، بها أجزاء من سورة الفاتحة مكتوبة داخل شكلين للشمس، ومصحف مغربي تم نسخه عام 1734 ميلادية.

وأيضا، مصحف مكتوب بالخط المعروف بالبهاري نسبة لبلاد بهار شمال شرقي الهند كتب في القرن الـ9 هجري (15 ميلادي) قبل الدولة المغولية، إلى جانب كتاب توراة دون قبل أكثر 1000 سنة في فلسطين، وكتاب بخط يد الفيلسوف اليهودي المصري موسى بن ميمون. 

وفي يونيو/ حزيران 2020، فاجأت المكتبة الوطنية الإسرائيلية الأوساط العربية والإسلامية بإعلانها طرح أكثر من 2500 مخطوطة إسلامية نادرة، على الإنترنت بجودة عالية وشروحات باللغة الإنجليزية، والعبرية، والعربية، تعود للفترة بين القرن الـ9 والقرن الـ20، بحسب موقع مجلة "سميثسونيان" الأميركية.

المخطوطات التي تم جمعها من مكتبات ملكية مملوكية، ومغولية، وعثمانية، من أهمها كتاب "تحفة الأحرار" للشاعر الفارسي عبد الرحمن الجامي، إلى جانب تميمة وقائية من القرن العاشر، مصنوعة من قرآن مصغر، بجانب طبعات متنوعة من القرآن، وكتب مزينة بتطريز أوراق الذهب وأحجار شبه كريمة من اللازورد، فيما لم تذكر المكتبة كيف آلت إليها هذه المقتنيات العربية والإسلامية.

أول مقترح

باحثون ومتابعون، علقوا على تدوينة الأكاديمي معتمد، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، حول تغول المكتبة الإسرائيلية على نتائج بحث جوجل، مؤكدين أن نتائج البحث باللغة العربية تُظهر لهم بالفعل المكتبة الإسرائيلية، وبينهم الإعلامي المصري المعارض عبر فضائية "مكملين" محمد وريور.

بدوه، أكد الباحث أحمد صديق رزق، أن "جوجل" بالفعل "يقترح على الدوام ومنذ سنتين تقريبا صفحة المكتبة الإسرائيلية كمصدر فهرسة عن أي كتاب أبحث عن معلومات نشره، وتقريبا لا يوجد كتاب بحثت عنه إلا وظهرت هذه المكتبة بالمقترحات البحثية".

وذهب الباحث بقسم التاريخ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، عبد الرحمن آفاق، لأبعد من ذلك، مؤكدا أن "الأمر لا يقتصر على الكتب العربية القديمة والحديثة، ففي تخصصي تاريخ الهند الإسلامية؛ قابلتني العديد من المصادر المهمة والمراجع القيمة بالفارسية والإنجليزية، لا توجد نسخ منها بأي مكتبة عربية في الغالب".

"الموضوع خطير جدا"، كان هذا هو وصف الناشطة سارة عبد الرحيم، مشيرة إلى وجود إسرائيليات في التراث الإسلامي تشوهه وتضيف إليه وتحذف منه منذ القدم، متسائلة: "هل تمتد هذه الإسرائيليات لتشوه تراث الفكر العربي من تاريخ وجغرافيا وغيرهما عبر استخدام التقنيات الحديثة في الحذف أو الاضافة من أمهات الكتب العربية والفلسطينية؟".

تحذير سابق

الأكاديمي والباحث المصري أحمد محمد هويدي، علق بالقول: إن هذا الأمر تم التحذير منه عام 1981، في مقدمة كتاب (الحركة الصهيونية طبيعتها وعلاقتها بالتراث الديني اليهودي) لأستاذ الأدب بجامعة القاهرة ومدير مركز القرضاوي للوسطية والإسلامية والتجديد، الدكتور محمد خليفة حسن.

صاحب الكتاب، قال قبل 39 عاما، وبعد عامين فقط من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل: إن الصراع العسكري بين العرب وإسرائيل قد انتهى، وأن الصراع سيكون فكريا الغلبة فيه لمن يملك أدوات البحث العلمي، محذرا من سرقة التراث، ومدللا بسرقة الصهيونية للتراث الشعبي الفلسطيني والعربي وتقديمه للعالم على أنه تراث يهودي.

وتتغلغل دور النشر الإسرائيلية بمعارض الكتب العربية وخاصة في معرض "القاهرة الدولي للكتاب" منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولكنها توجد بشكل رسمي منذ سنوات في عهد الانقلاب العسكري الحاكم الآن.

كما أن طاقم السفارة الإسرائيلية زار معرض الكتاب لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2019، فيما زار سفير إسرائيل بالقاهرة، دافيد جوفرين، معرض القاهرة 2020، في يوبيله الذهبي، ما أثار ردود فعل غاضبة في أوساط الرافضين للتطبيع الثقافي. 

تعاون غائب

وحول أسباب تغول المكتبة الإسرائيلية على نتائج بحث "جوجل"، وتراجع المكتبات العربية في المقابل، لفت الأكاديمي المصري بقسم المكتبات والوثائق كلية الآداب جامعة القاهرة، حسام الزلباني، إلى "غياب ثقافة التعاون بين المكتبات الوطنية لكل دولة، وأيضا عدم التنسيق والتعاون بين المكتبات العربية والإقليمية".

وأكد في تعليقه على تدوينة الأكاديمي عاطف معتمد، أن "الأمر مهترئ على مستوى التنظيم؛ ووضع إستراتيجية وطنية لتبادل المعلومات مهمة عاجلة مؤجلة منذ سنوات"، ملمحا إلى مخاوفه من "التحريف والتزوير الممنهج للتراث"، عبر المكتبة الإسرائيلية.

من هذا المنطلق؛ دعا باحثون بينهم معد المناهج التعليمية‎ محمد مصطفى سليم، إلى دعم مواقع البحث العربية المليئة بالمراجع الرائعة والرائدة، ومنها "بنك المعرفة المصري"، معتبرا أنه "فكرة رائدة ورائعة وكنز من المراجع العربية والأجنبية يجب على الجميع دعمه وتطويره".

وأتاح "بنك المعرفة المصري"، خدمة عبر الإنترنت فيما يسمى "الكشّاف العربي للاستشهادات المرجعية، من خلاله يمكن للباحثين وضع أبحاثهم باللغة العربية، كما أوضح البنك في مقطع تعريفي بالخدمة أنه "أصبح الآن البحث العلمي باللغة العربية متاحا على الخريطة العالمية للبحث العلمي".

وفي نفس السياق، أشار الباحث محمد حبيب، إلى أن "مكتبة الإسكندرية تعمل على مشروع (Digital Assets Repository) الذي يحتوي العديد من المصادر الرقمية الممتازة"، موضحا عبر تعليق على تدوينة معتمد، أنه "يفتقر إلى التجديد في بعض الجوانب وربطها بالمشاريع الأكثر إنتشارا لضمان وصولها إلى أكبر عدد من الجمهور".

وحول خطورة تصدر المكتبة الإسرائيلية نتائج البحث عبر الإنترنت على البحث العلمي والباحثين العرب، وخاصة ما يحمله ذلك من تطبيع ثقافي وعلمي مستتر، قال المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي: إن "المسألة بسيطة؛ وعلى الباحثين والعلماء العرب عدم الاقتراب من هذا الموقع الإسرائيلي".

العميد السابق لكلية الآداب بجامعة "حلوان"، أوضح رؤيته في حديثه لـ"الاستقلال"، أن البدائل كثيرة، مشيرا إلى أن "عالم الإنترنت واسع وعريض؛ والمكتبات في كل بلد عربي لها موقع على الإنترنت".

وأكد الدسوقي أن "إسرائيل لا تيأس من تحقيق هدفها ولو على المدى البعيد؛ وهو فرض نفسها على كل الدول العربية، بسلطتها ومواطنيها"، خاتما حديثه بالقول: "والعاقل من يتعظ ولا يبرر الخطأ".

ليست منحة

المدير العام الأسبق لكلية التربية بجامعة بني سويف، الدكتور أحمد رشاد، حذر من خطورة الأمر على التاريخ والتراث الإسلامي، مؤكدا أن "الكيان الصهيوني لن يقدم للأمة العربية والإسلامية منحة مجانية، أو معلومات حقيقية، أو كتب بدون توجيه، أو دون تشويه للتاريخ الإسلامي".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، قال: إن "الأمم لا يمكن أن تنهض بغير تاريخ، أو أن تقوم بغير ذاكرة؛ والتاريخ الإسلامي أشد خطورة في حياة المسلمين من التاريخ في حياة أية أمة؛ وتشويهه، وطمسه، وتمزيقه بالنسبة للمسلمين أسوأ وأفظع منه بالنسبة لأية أمة أخرى".

وأوضح رشاد أن "التاريخ الإسلامي بشكل خاص؛ هو الإسلام مطبقا، منفذا على أرض الواقع، منزلا على حياة الناس اليومية، فهو في حقيقة الأمر حركة الأمة -التي رباها محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وحركة الإسلام بالأمة".

وأضاف: "ومن هنا كان تشويه التاريخ الإسلامي معناه القضاء على النموذج، والمثال الذي يمكن أن يقدّمه الدعاة؛ النموذج الذي تتطلع إليه الأجيال لتهتدي به، ولتنسج على منواله".

"لو تتبعت المناظرات التي جرت بين عتاة العلمانيين وغلاتهم مع كبار الدعاة والعلماء، وجدتهم يعتمدون وقائع التاريخ المكذوبة وصورته المشوهة؛ بمباركة مادية أو إعلامية أو توجيهية من أسيادهم الصهاينة"، هكذا يوضح الأكاديمي المصري رؤيته.

وختم رشاد تصريحه بالقول: إن "الأمر يزيدنا حزنا على الأمة الإسلامية، ومخاوفنا على طمس هويتها وعقيدتها؛ خاصة وأنهم يعملون ليلا ونهارا من أجل هدفهم المنشود؛ وهو تشويه وتغيير معالم التاريخ والحضارة الإسلامية، أما نحن في سبات عميق وفرقة كبيرة".