كشفها اغتيال أبو محمد المصري.. كيف تطورت العلاقة بين إيران والقاعدة؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مؤخرا تم الإعلان عن مقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، عبد الله أحمد عبد الله، الذي يحمل اسما حركيا هو "أبو محمد المصري"، برصاص مجهولين في شوارع العاصمة الإيرانية طهران.

القصة كشفتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، والتي نقلت عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية قولهم: إن "عملاء إسرائيليين قتلوا المصري مع ابنته مريم أرملة حمزة نجل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن قبل 3 أشهر".

لكن إيران نفت في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ما أورده تقرير الصحيفة الأميركية، وقالت على لسان المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زادة: "لا يوجد إرهابيون من القاعدة على أراضيها".

وقال زادة: إن الولايات المتحدة وإسرائيل "تحاولان في بعض الأحيان ربط إيران بهذه الجماعات من خلال الكذب وتسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام، للتهرب من المسؤولية عن الأنشطة الإجرامية لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية في المنطقة".

نقطة البداية

الحادثة أحيت التساؤلات التي تثار دائما عن طبيعة العلاقة بين إيران والتنظيم،  والتي مرت بثلاث مراحل رئيسية، الأولى: 1992- 2001، وكان المنسق في حينها القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية، الذي اغتالته إسرائيل عام 2008 في العاصمة السورية دمشق.

وأثمر دور القيادي في حزب الله عن لقاء تاريخي جمعه مع زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، والمفكر والسياسي السوداني حسن الترابي، وممثل إيران محمد باقر ذو القدر، رئيس هيئة أركان الحرس الثوري آنذاك.

ونتجت عن المرحلة هذه، تكوين خريطة لتنظيم القاعدة مع التنظيمات الأخرى، واتسمت المرحلة بتبادل المصالح بين القاعدة وطهران، والسماح باستخدام الأراضي الإيرانية بمقابل مادي، إضافة إلى أن طهران نجحت في بناء علاقة ثقة مع القاعدة عبر وسطاء لابن لادن شخصيا.

وأفادت تقارير بأن الخلايا التي زرعها مغنية في أوروبا أصبحت فيما بعد تتولى إرسال مقاتلي القاعدة من أوروبا إلى العراق وأفغانستان خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واستمرت الشبكات نفسها في تمكين المقاتلين الأجانب من السفر إلى العراق عن طريق سوريا، وعاد هؤلاء المقاتلون إلى أوروبا لتنفيذ هجمات مثل اعتداءات باريس.

وحسب خبير الجماعات المسلحة حسن أبو هنية، فإن العام 2001 وما بعده شهد وصول زهاء 500 عائلة من التنظيم إلى إيران، بينهم بعض أبناء زعيم التنظيم أسامة بن لادن، والرجل الثاني حاليا محمد صلاح الدين زيدان، المعروف باسم "سيف العدل".

وأضاف أبوهنية خلال تصريحات صحفية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فإن السلطات الإيرانية لا تتعامل مع عناصر وقيادات تنظيم القاعدة على مسافة واحدة، إذ إن علاقتها الودية تقتصر على التيار الموالي لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، وجلهم من المصريين.

وذكر الخبير في شؤون الجماعات المسلحة أن هذا التيار هو تقريبا من بقايا جماعة "الجهاد" المصرية، التي برز منها الظواهري وآخرون، وهؤلاء ينظرون إلى العلاقة مع إيران على أنها علاقة مصلحة.

وأفاد أبو هنية بأن لإيران عدة مصالح من علاقتها مع القاعدة، أهمها هي: "منع أي هجمات محتملة من التنظيم الذي لا يخفي أنه يعتقد بكفر النظام الإيراني"، مشيرا إلى أن "طهران أيضا تعي ذلك الأمر". وأردف: "العلاقة كان هدفها المعلن، محاربة الولايات المتحدة".

وفي السياق ذاته، يقول المحلل الأمني العراقي، محمد الغزي، خلال تصريحات صحفية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "العلاقة بين إيران والقاعدة قديمة ومعروفة، ومقتل القيادي في طهران هو دليل آخر عليها".

وقال الغزي: "يبدو واضحا أن إيران تريد السيطرة على قيادة تنظيم القاعدة، الآن أبو محمد المصري ومن قبله حمزة بن لادن، بالتأكيد هناك آخرون يختبؤون فيها وقد يخلفون الظواهري الذي تقول الشائعات توفي. هذا يرفع كثيرا من قيمة القيادي القتيل، ويسحب ورقة من يد إيران".

احتواء وتوتر

خلال المرحلة الثانية من العلاقة بين إيران والقاعدة، والتي امتدت من 2001 وحتى 2011، استطاعت إيران احتواء التنظيم بعد خروج عناصره وقياداته من أفغانستان، وتعدى الأمر مسألة عبور مقاتلي القاعدة إلى حمايتهم، وإنما توفير معسكرات التدريب، فضلا عن تنفيذ عمليات خارجية من داخل إيران.

وفي هذه المرحلة يقول مفتي القاعدة السابق أبو حفص الموريتاني خلال مقابلة تلفزيونية في يناير/ كانون الثاني 2015: "العلاقة بين القاعدة وإيران لم تكن ممتازة في يوم من الأيام ولا حتى جيدة جدا".

وأضاف: "إيران حاولت مرات عدة أن تفتح علاقات مع القاعدة، لكن الأخيرة كانت تُعرض عن ذلك نتيجة لحساسية العلاقة مع إيران في منطقة الجزيرة العربية، والتي تشكل الرافد الأهم لعناصر القاعدة، إضافة إلى أن أسامة بن لادن كان يراعي ذلك".

وأوضح الموريتاني أن العلاقة بين الطرفين أوجدتها ظروف من الإكراه السياسي أو ما نستطيع أن نسميه "إكراه الجغرافيا السياسية"، لأنه بعد سقوط حركة طالبان اضطرت القاعدة للخروج من أفغانستان بعناصرها وعائلاتها وكانت مرغمة على الدخول إلى إيران.

وتابع: "هذه الظروف عند القاعدة حاولت إيران أن توظفها وتستغلها، فقدمت بعض التسهيلات الإنسانية، وأنا كنت المشرف على تنسيق هذا العمل مع الإيرانيين، وكانت حدود العلاقة في هذا الجانب فقط".

وأوضح الموريتاني أن "ذلك استمر لفترة من الزمن ثم نكث الإيرانيون واعتقلوا عناصر وقيادات التنظيم وسلموا بعضها لدولهم وبعض هؤلاء سلموا في النهاية إلى أميركا، والبقية المتبقية من القاعدة وضعتهم إيران في السجن وأنا كنت معهم في السجن لنحو 10 سنوات".

وأردف: "من خرج من هؤلاء كان نتيجة لتبادل بعض الدبلوماسيين الذين اختطفتهم القاعدة، ومنهم الملحق التجاري في القنصلية الإيرانية في بيشاور عام 2008، وأفرجت عنه بتعهد من إيران بالإفراج عن بعض عناصر وقيادات القاعدة وأسرة الشيخ (أسامة بن لادن) من بينهم".

وزاد الموريتاني، قائلا: "القاعدة اختطفت دبلوماسيا إيرانيا آخر في اليمن عام 2013، هذا الذي جرى الإفراج عنه مقابل بقية العناصر من القاعدة الذين بقوا في إيران أكثر من 10 سنوات".

شهادات ووثائق

أما المرحلة الثالثة من تطور العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، فقد كانت بعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011، حيث تشير التقارير إلى أن طهران استخدمت رموز التنظيم كورقة في المقايضات لتحقيق مصالحها مع دول العالم.

وحسب أبو هنية، فإن العلاقة الودية لا تشمل أتباع تيار "أبو مصعب الزرقاوي"، وهم غالبا من الأردنيين والعراقيين والسعوديين وغيرهم، والذين كان الغزو الأميركي للعراق، وتمويل إيران للمليشيات الشيعية نقطة فاصلة لعلاقتهم مع طهران.

ولفت إلى أن "الزرقاوي على سبيل المثال لم يمكث في إيران بعد خروجه من أفغانستان سوى عدة شهور، إذ خرج هاربا منها إلى العراق، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية".

وأوضح أبو هنية أن "أتباع الزرقاوي لم ترق لهم العلاقة الودية بين قيادة القاعدة وطهران، ما دفع بالأخيرة إلى فرض شبه إقامة جبرية عليهم، بخلاف الآخرين الذين كانوا يتنقلون بحرية داخل إيران".

ولفت إلى أنه أواخر العام 2015، تمت صفقة بين "القاعدة" وإيران، أثبتت وجود تيار داخل التنظيم معاد لطهران، إذ قام الفرع اليمني من التنظيم باختطاف دبلوماسي إيراني، في فترة كانت فيه الأخيرة تعتقل بعض قيادات "تيار الزرقاوي" من القاعدة.

حقيقة العلاقة بين إيران والقاعدة، ظهرت عقب الخلاف بين القاعدة وتنظيم الدولة والقاعدة، حيث كشف المتحدث باسم الأخير أبو محمد العدناني، في تسجيل صوتي في مايو/ أيار 2014، حمل اسم "عذرا أمير القاعدة"، كشف علاقة القاعدة بإيران، وأن طهران كانت تساعد القاعدة في تسهيل إيصال الإمدادات لمقاتليها.

وقال العدناني في تسجيله: إن تنظيم الدولة لم يضرب في إيران تلبية لطلب القاعدة وللحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها، مضيفا: "سيسجل التاريخ أن للقاعدة دينا ثمينا في عنق إيران، وتنظيم الدولة تغاضى عن إيران، وكبح جماح جنوده، امتثالا لتوجيهات وطلب قادة القاعدة، رغم قدرته على تحويل إيران إلى بركة من الدماء".

بعد ذلك، خرج نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي في مقابلة تلفزيونية في يناير/ كانون الثاني 2017، قال: إنه "التقى بقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وواجهه بحقائق عن دعم إيران لتنظيم القاعدة والمليشيات الشيعية بالعراق".

وأضاف الهاشمي: "تحدثت معه عن امتلاكي معلومات قاطعة بدعم إيران للقاعدة والمليشيات الشيعية لإثارة الفوضى بالعراق، وفي بداية الأمر أنكر ذلك، لكن عندما هممت بالمغادرة ترجاني بالبقاء، وقال: نعم لدينا علاقة بالقاعدة ونحن أيضا ندعم جيش المهدي (الذراع العسكري للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر)، وعندما سألته عن الأسباب؟ قال: نحن نتخوف من وجود الأميركان".

الوثائق التي كشفتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والتي قالت إنها حصلت عليها من منزل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، عقب مقتله في مدينة آبوت آباد بباكستان 2011، أثارت أيضا المزيد من اللغط بشأن العلاقة بين القاعدة وإيران.

من أبرز المراسلات تلك التي بعث بها ابن لادن إلى "الأخ توفيق"، الذي يُعتقد أنه قيادي من جماعة "الجهاد" المصرية، حيث كان من اللافت تركيز عدد كبير منها مما تضمنته الوثائق - التي كتبها ابن لادن أو قيادات بالتنظيم - عن إيران وطرق التعامل معها، باعتبارها ممرا آمنا للرسائل والأموال والأسرى.

وثائق الاستخبارات الأميركية، ومنها الوثيقة التي كتبها أسامة بن لادن إلى "الأخ توفيق"، أثبتت أن التعاون بين إيران والقاعدة طال لسنوات، وأن ابن لادن حث على عدم فتح جبهة ضد إيران، حيث طلبت الأخيرة من القاعدة حماية المراقد الشيعية في العراق.

وأكدت الوثائق أن (المراقد) ليست ضمن الأهداف المراد ضربها، وما يحدث هو نتيجة التخبط الحاصل هناك، وأن "العمدة" ويقصد به ابن لادن وأصحابه "غير راضين عن استهداف تلك المراقد، وأن الإيرانيين أصبحوا غير راضين عن أي شيء في العراق، ويريدون التعاون ولكن بعد الحصول على تطمينات".