اتفاقات روسيا وتركيا.. لهذه الأسباب نجحت في "قره باغ" وفشلت بسوريا

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، البدء بمسيرة سلام في سوريا على غرار ما حدث بإقليم "قره باغ"، والتي وضعت حدا للحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا، وذلك من خلال نشر "قوات حفظ سلام" من روسيا وتركيا على طول خطوط التماس الفاصلة بين البلدين.

وخلال تصريحات صحفية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، رهن الرئيس التركي تحقيق ذلك بـ"إقصاء النظام السوري والتنظيمات الإرهابية، وأن تركيا مستعدة للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية الفاعلة من أجل إنشاء سوريا جديدة تلبي تطلعات شعبها بشكل مباشر".

وأعرب أردوغان عن ثقته بإمكانية الإقدام على خطوات في سوريا وليبيا، مماثلة لتلك التي جرى الإقدام عليها في قره باغ، لافتا إلى أن قوات بلاده ستشارك في "قوة حفظ السلام" مع الجانب الروسي لمراقبة تطبيق الاتفاق في إقليم قره باغ.

غياب الإرادة

وعلى صعيد القضية السورية وإمكانية تطبيق مقترح أردوغان، رأى المحلل السياسي السوري ياسر النجار في حديث لـ"الاستقلال" أن "الدروس والعبر المستقاة من معركة قره باغ، تفيد بأن "الحقوق لا تضيع إذا كان وراءها مطالب احتلال أرمينيا للأراضي الأذرية طال نحو 30 عاما، ولكن في النهاية عادت الحقوق لأصحابها".

ولفت إلى أن "المسار السياسي مسار لازم ومهم، ولكن في حال وجود إرادة دولية للحل وهذا غير موجود حتى هذه اللحظة في الحالة السورية، والمسار العسكري هو الحاضر الأكبر على طاولة المسار السياسي".

وأكد النجار أن "مصالح الدول قابلة للتبديل والتغيير في حالة تغير المعطيات على الأرض مما يؤثر على مسار الحل السياسي"، مشيرا إلى أن "سياسة الاستقطاب في حال توازن القوى هو الأمر السائد والمعتاد، لكن لا يوجد من يقف مع الخاسر والجميع في النهاية لا يحبون أن يكونوا مقترنين بالخاسر على عكس الطرف الرابح يزداد عدد مؤيديه".

وتابع: "وجود شريك قوي وفاعل أمر مهم على الصعيد العسكري والسياسي، وهذا أمر يجب أن يستثمر بالشكل الصحيح والأمثل"، في إشارة إلى تركيا.

من جهته، قال الكاتب والناشط السياسي، مصطفى النعيمي: "الباب لا يزال مفتوحا أمام إعادة تركيا وروسيا للخطوات التي تم الاتفاق عليها جنوب القوقاز، في سوريا".

وأضاف النعيمي خلال تصريحات صحفية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: أن "تطبيق ذلك ميدانيا يقع على عاتق الروس، ومن الواضح أن الأخيرة لا تمتلك الإرادة نحو محاسبة من يقوم بالهجمات على مناطق المعارضة السورية، وكذلك إيران التي تستخدم النظام كواجهة سياسية لتمرير جرائمها في سوريا".

ورأى النعيمي أن "الموقف العسكري التركي في أذربيجان، يحظى بغطاء سياسي دولي، بدرجة أكبر من الموقف في سوريا، وهذا ما يجعل الملف السوري أكثر تعقيدا".

وعقدت روسيا وتركيا 3 اتفاقيات أساسية بخصوص سوريا، الأولى كانت في سبتمبر/ أيلول 2018 وعرفت باتفاق "سوتشي"، ونصت على إقامة منطقة آمنة في إدلب بالشمال السوري ونشر نقاط مراقبة عسكرية. إلا أن روسيا أخلت بالاتفاق ودعمت حملة عسكرية لقوات الأسد في المنطقة مطلع 2020، وسيطرت على مساحات واسعة من ريف حماة وريف إدلب الشرقي.

وعقب تقدم قوات الأسد، اتفقت تركيا وروسيا مجددا في مارس/ آذار 2020، على وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على طول الطريق الدولي حلب- اللاذقية، لكن قوات الأسد وروسيا يخرقان الاتفاق من خلال التصعيد المستمر.

أما الاتفاق الثالث، فكان شرق الفرات، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ونص على انتشار الشرطة العسكرية الروسية على طول الحدود السورية – التركية، خارج منطقة "نبع السلام" بعمق 30 كلم، إلى جانب تسيير دوريات مشتركة على طرفي منطقة العملية في الشرق والغرب بعمق 10 كلم، بعد انسحاب "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من الحدود التركية.

معوقات أساسية

وبخصوص المعوقات التي تحول دون تطبيق ما جرى في قره باغ على الحالة السورية، قال المحلل السياسي ياسر النجار: إن "رسالة الرئيس رجب طيب لإعادة الأمور إلى حالة الاستقرار، تستوجب التخلص من المعوقات الأساسية، وفي حالة سوريا فإن المعوق الأساسي هو نظام الاستبداد والتنظيمات الإرهابية".

وأشار إلى أن "التوافق الدولي والإقليمي أمر لازم ومهم لضمان الاستقرار، لكن البداية تكون مع الأطراف ذات المصلحة المباشرة".

وأوضح النجار أن "تفاؤل أنقرة تجاه تفاهمات روسية - تركية انعكست بشكل إيجابي على حل الأزمة في إقليم قره باغ، ويمكن لهذه التفاهمات أن تأخذ مجراها على المسار السوري، لكن حتى تكون مضمونة العواقب ومستقرة بشكل دائم تحتاج إلى التخلص من المسبب الحقيقي للوضع في سوريا وهو نظام الحكم والتنظيمات الإرهابية التي استدعاها وخلق من خلالها حالة توتر واشتباك معقدة".

وخلص الخبير السوري إلى أن "سوريا تحتاج إلى حل سياسي ينصف من خلاله الشعب السوري من أجل ضمان الأمن في سوريا جديدة، وهو أمر ينعكس بشكل إيجابي على الدول المجاورة والإقليم بعد أيام كانت عصيبة مرت على المنطقة كانت فيها سوريا مركزا لاستقطاب التنظيمات الإرهابية".

وتابع: "النظام سعى إلى استدعاء هذه التنظيمات من أجل خلط الأوراق وإثارة القلاقل والمخاوف لإعادة تسويقه على أنه الضامن الوحيد للاستقرار، لكن أصبح هذا الأمر أكبر من إمكانيات النظام الذي تورط مع تنظيمات إرهابية كان لها أثر وتداعيات سلبية على مستوى العالم".

وفي السياق ذاته، نقلت تقارير صحفية عن مصادر تركية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قولها: إن "موقف روسيا القوي في سوريا مقارنة بموقفها الضعيف في أذربيجان، نظرا لاعتراف العالم باحتلال أرمينيا لأجزاء من أذربيجان، وهو ما دفع موسكو للضغط للتوصل إلى حل نهائي للنزاع هناك".

وأوضحت المصادر التي لم تكشف عن هويتها أنه "في سوريا نلاحظ كثرة اللاعبين، من الإيرانيين والروس والأتراك والأميركان والنظام والأحزاب الكردية الانفصالية، وبالتالي لا يمكن حل الملف السوري في صفقة كالتي حصلت في أذربيجان"، مؤكدا: "الكل لديه مشروع واضح في سوريا يحارب لأجله".

وزادت المصادر، قائلة: "في سوريا نتحدث عن نظام متهالك لا يمكن له أن يستمر في حكم الدولة، ووجوده يقوض عملية إعادة الإعمار التي تسعى روسيا إلى تفعيلها لتستفيد من عائداتها، وفي المقابل لديك معارضة رخوة لا تستطيع أن تتحمل أعباء بناء دولة جديدة أبدا".

وتابع: "فضلا عن ذلك في حال حصلت اتفاقية مشابهة في سوريا ليس من المعقول أن تسلم روسيا مناطق للمعارضة كانت قد سيطرت عليها في السنة الماضية، بدليل الحشد والاستعداد لدخول معارك جديدة بداية السنة القادمة حسب تقدير قوات المعارضة في إدلب".

وبرأي المصادر، فإن "ملف سوريا أشد تعقيدا بكثير من باقي الملفات العالقة بين روسيا وتركيا، وهذا ما شهدناه في ليبيا وأذربيجان، حيث تم التوصل لحلول جذرية نوعا ما، مع عجز تام عن تقديم حل حقيقي في سوريا بعد 9 سنوات من الحرب وتقارب روسي تركي منذ 5 سنوات تقريبا".

مناقشات عسكرية

ورغم دعوة الرئيس التركي، موسكو لضرورة التوصل إلى سلام في سوريا على غرار ما حدث في قره باغ، إلا أن الجانب الروسي لم يصدر عنه أي تعليق رسمي حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

لكن وفدا روسيا عسكريا وصل إلى أنقرة في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وبحث مع وفد تركي تطبيق نظام وقف إطلاق النار المعلن في ناغورني قره باغ وتطورات الأوضاع في منطقة إدلب السورية.

وأفادت وزارة الدفاع التركية، في بيان، بأن الوفدين الروسي والتركي أجريا جولة أولى من المحادثات الفنية بين الطرفين في إطار زيارة المسؤولين الروس إلى أنقرة.

وذكرت الوزارة أن "المشاورات تناولت بحث الأعمال التي سيتم القيام بها بعد إعلان وقف إطلاق النار في ناغورني قره باغ وكذلك الأوضاع في سوريا وخاصة منطقة إدلب". 

من جانبه، رأى المحلل السياسي علاء العلي خلال مقال نشرته صحيفة "حبر" الإلكترونية، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن المقارنة صعبة بين الحالة الأذرية والسورية.

وأوضح أنه "في الوقت الذي تتنازع فيه دولتان متجاورتان (أذربيجان- أرمينيا)، فإن الساحة السورية تشهد صراعا بين نظام حاكم مجرم ومعارضة عسكرية وسياسية ضمن بلد واحد".

وبيّن العلي أن "القضية الأذرية تملك مقومات التحرير الفعلي لأراض احتلها بلد مجاور بدعم من دول غربية وتواطؤ دول الإقليم البلقاني، أما في سوريا ففيها نظام تراه شريحة واسعة من الشعب بأنه غير شرعي، وتعمل جاهدة لإسقاط مؤسساته الأمنية والعسكرية وانتزاعها منه، وشريحة أخرى تراه شرعيا، وهذا الصراع أفرز مساحات واسعة خارج نطاق سيطرة (النظام السوري) كالشمال السوري وشرق الفرات، وتقوقعه فيما تبقى من البلاد إداريا".

ورأى الكاتب أن "الدعوات التةكية لروسيا تُقرأ بروح الاتفاق، وليس حرفية التطبيق، فالأزمة السورية مختلفة جذريا عن قضية البلقان، لكن أشد ما يتوق له الطرف التركي هو بالحقيقة إعادة اللاجئين بشكل طوعي تسبقه أرضية آمنة تشجع على العودة والحفاظ على مصالح روسيا الاقتصادية".