توقيف وشبهات فساد.. لماذا طالت الاتهامات أبناء رئيس موريتانيا السابق؟

12

طباعة

مشاركة

أوقفت الشرطة الموريتانية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، "بدر" نجل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، قبل أن تطلق سراحه بعد يومين.

التهمة التي وجهت لنجل ولد عبد العزيز لم تكن لها علاقة بقضايا الفساد، بل جاءت إثر تقديم المستشار الرئاسي أحمد ولد اباه الملقب "احميده"،  شكوى شخصية ضده.

قبلها، وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، استدعت شرطة جرائم الاقتصاد والمالية في موريتانيا، نجل الرئيس السابق للتحقيق معه في شبهات فساد، وهو ما وصفه بدر ولد عبد العزيز في تصريحات صحفية، بأنه "تصفية حسابات سياسية".    

السيارة الفارهة

يوم 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اعتقلت الشرطة في ولاية نواكشوط الغربية، بدر ولد عبد العزيز، بناء على شكوى قدمها ضده المستشار الرئاسي أحمد ولد اباه الملقب "احميده".

ويشغل ولد اباه منصب المستشار الأمني للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، وهو المنصب ذاته الذي شغله مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز غالبية حكمه.

وقالت وكالة الأنباء الموريتانية المستقلة "الأخبار"، نقلا عن مصادر على علاقة بالملف: إن "أساس الشكوى معاملة مالية يدعيها نجل الرئيس السابق على المستشار احميده".

صحف محلية أفادت، بأن العلاقات قوية بين المستشار وعائلة ولد عبد العزيز، لكن الأخيرة ترى أن "احميده خانهم"، فيما "بقي بدر على اتصال دائم بعدد من الجنرالات والمسؤولين، ومنهم احميده، وكان يُهاتفهم مطولا لإبداء امتعاضه من بعض مواقف والده، وللتأكيد على سيره في فلك النظام الجديد".

وصلت مجاملة نجل الرئيس السابق لاحميده إلى حد "إهدائه سيارة فارهة بقيمة 7 ملايين و500 ألف أوقية قديمة (1 دولار= 37 أوقية)"، حسب تقارير محلية نقلا عن التحقيق الابتدائي للشرطة.

اشتد الخلاف بين العائلة والمسؤول فقرر نجل الرئيس السابق المطالبة بثمن السيارة من المستشار، قبل تهديده بشكل صريح، بحسب الشكاية التي قدمها للشرطة.

لم يدم احتجاز بدر ولد عبد العزيز سوى يومين، وأفادت مواقع محلية أن منزل ولد اباه شهد اجتماعا قبليا لتسوية القضية، ولم تكشف المصادر عن طبيعة التسوية، أو ربط الإفراج عنه بسحب شكوى المدعي.

منظمة "الرحمة"

قبلها بأيام قلائل وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تم استدعاء بدر ولد عبد العزيز، بعد ساعات من وصوله نواكشوط قادما من أوروبا حيث استجوبته شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية بشكل مطول، بعد اشتباهها حول أموال منظمة "الرحمة" غير الحكومية التي يرأسها نجل الرئيس.

دخل الاستجواب ضمن التحقيق الابتدائي الذي تجريه شرطة الجرائم المالية منذ عدة أشهر حول شبهات "فساد وغسيل أموال" تضمنها تقرير محال للعدالة من الجمعية الوطنية الموريتانية، والتي مست أيضا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعددا من أقربائه وأعوانه السابقين.

ويرأس بدر ولد عبد العزيز "هيئة الرحمة" الخيرية المحسوبة على عائلة الرئيس السابق، ونشطت بقوة خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ 2016.

وخلف بدر، أخيه أحمد في رئاسة "هيئة الرحمة"، التي ورد اسمها في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، كما تعرضت مخازنها للتفتيش من طرف المحققين، وأوقفت الشرطة في وقت سابق محاسبها.

رواية راجحة

لا يرى الصحفي الموريتاني والمحلل السياسي، محمد عبد الله ولد لحبيب، أي رابط بين الاعتقالين وشدد في حديث مع صحيفة "الاستقلال" على أن الرواية التي أتت بها الصحافة المحلية هي الأرجح.

لحبيب قال: إن تهديد نجل الرئيس السابق لمستشار الرئيس الحالي، هو سبب الاعتقال، إذ يعتقد الأول أن ولد اباه تنكر للعلاقة التي جمعته بالعائلة خلال فترة حكمها.     

من جهته، قال الإعلامي والمحلل السياسي، محمد عالي عبادي: حتى الآن وحسب المعطيات الأولية، فإن مشادات كلامية وقعت بين بدر ولد عبد العزيز ومستشار رئيس الجمهورية، ادعى الأخير أنه اعتدى عليه لفظيا.

وزاد عبادي في حديثه مع "الاستقلال" قائلا: "بعد تقديم المستشار شكوى، قامت الشرطة باعتقال بدر في عين المكان الذي حدثت فيه الواقعة، لكن لم تخرج نتيجة التحقيقات الأمنية ولم تكيف التهم بعد".

وأفاد الإعلامي بأن "العلاقة بين بدر والمستشار متشابكة، وهي ممتدة على امتداد أكثر من 10 سنوات حكم فيها والده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، كان فيها المستشار المكلف بالملف الأمني وكان الأقرب من العائلة، وربما تكون لدى بدر مبرراته الخاصة، لما صدر من تجريح لفظي".

استغلال النفوذ

حسب التحقيقات البرلمانية، التي لا زالت قائمة، يقول عبادي: "فقد تم اتهام أسرة الرئيس السابق باستغلال النفوذ والحصول على أموال طائلة، ولا شك أن بدر كان له نصيبه من ذلك، خاصة أنه رئيس لهيئة الرحمة، المشتبه في ضلوعها بعمليات فساد واسعة".

عبادي أشار إلى أن "الجميع يراقب مآلات التحقيق البرلماني الذي أكد وزير الدفاع حنن ولد سيدى أن القضاء ماض في التحقيق فيه".

لجنة التحقيق البرلمانية جرّت عددا من أفراد أسرة ولد عبد العزيز إلى القضاء، وفي أغسطس/ آب 2020، أوقفت الشرطة الموريتانية، حمزة نجل ولد عبد العزيز من أمام منزل والده. 

جرى توقيف حمزة، واقتياده للتحقيق، في الوقت الذي كان فيه والده بالحجز الاحتياطي، ما جعل السؤال يطرح إن كانت محاكمة رئيس موريتانيا السابق انتقام سياسي أم محاربة للفساد؟.

شبهات فساد

في أغسطس/ آب 2020، تم توقيف والد بدر وحمزة، الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بناء على تقرير صدر عن لجنة تحقيق برلمانية تضمن اتهامات بوجود شبهات فساد.

وأفرجت السلطات عن الرئيس السابق (63 عاما)، مع وضعه تحت المراقبة المباشرة لشرطة الجرائم الاقتصادية، وسحب جواز سفره، ومنعه من مغادرة العاصمة نواكشوط.

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، صادق البرلمان على لجنة للتحقيق في ملفات فساد خلال حكم ولد عبد العزيز (2009 - 2019)، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 2008، وبعد عام أجرى انتخابات رئاسية فاز فيها.

وتحقق اللجنة في أنشطة تخص صندوق العائدات النفطية، وبيع عقارات للدولة، إضافة إلى الشركات الوطنية وصفقات بنية تحتية، وغيرها.

وقال أغلب من استمعت إليهم اللجنة من وزراء ومسؤولين سابقين: إنهم كانوا ينفذون أوامر تلقوها مباشرة من الرئيس آنذاك، ولد عبد العزيز، خلال تسييرهم للملفات التي تحقق فيها اللجنة.

واستمعت اللجنة خلال الأشهر الماضية، إلى مسؤولين، بينهم وزراء سابقون في عهد ولد عبد العزيز، الذي حكم لولايتين رئاسيتين.

"تصفية حسابات"

بعد أيام من إطلاق سراحه، قال ولد عبد العزيز: إن ما يتعرض له "تصفية حسابات سياسية، وهو مع ذلك يعتبر خرقا سافرا لدستورنا، والمادة 93 منه التي تنص على أن رئيس الجمهورية لا يمكن مساءلته عن أفعاله ولا يمكن أن يحاكم إلا من طرف المحكمة السامية".

الكاتب والإعلامي الموريتاني عبد الله ولد سيديا أكد أن "شبهة الانتقام السياسي غير واردة نظرا لأن الرئيس السابق متهم بفساد وتجاوزات مالية تناهز ملياري دولار في بلد ميزانيته السنوية مليار دولار فقط".

مضيفا: "ولد عبد العزيز سخر الدولة طيلة فترة حكمه لجمع المال له ولعائلته حتى راكموا ثروات طائلة على حساب قوت وعرق شعب فقير مغلوب على أمره".

وأضاف ولد سيديا في حديث لـ"الاستقلال: "المعارضة الموريتانية تعول كثيرا على هذه المحاكمات، وكانت سباقة للمشاركة في لجنة التحقيق البرلمانية التي كانت الشرارة التي أوصلت فساد الرئيس السابق إلى القضاء".

وتابع: "رغم ضعف وترهل الجهاز القضائي إلا أن المسار الذي تأخذه القضية حتى الآن يشي باحترام المساطر (الأطر) القانونية واتخاذ طريق العدالة سبيلا لمواجهة الفساد الذي أهلك الحرث والنسل".

وأكد الإعلامي من خلال متابعة أطوار التحقيق مع ولد عبد العزيز وشركائه السابقين في الحكم، هو "وجود إرادة سياسية من أجل توفير كافة الأدلة الكافية لإدانة المتهمين، ومصادرة جميع الأموال التي اكتسبوها من غير وجه حق".

وينتظر الموريتانيون نتائج التحقيقات مع الرئيس السابق وأسرته ومعاونيه، ويتطلع الرأي العام لمعرفة ما إذا كان الملف سيغلق لعدم وجود ما يدعو للمتابعة، أم أن المتورطين سيحاكمون، وعلى رأسهم ولد عبد العزيز الذي يتمسك ببراءته.