أزمة مالي.. ساحة جديدة من الصراع الدبلوماسي بين المغرب والجزائر

إسطنبول - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في سبتمبر/ أيلول 2020، حل وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، في العاصمة المالية باماكو، في ثاني زيارة له خلال أقل من شهر، بصفته موفدا من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

عبّر بوقادوم، في زيارته الأولى التي دامت لساعات، عن استعداد بلاده مرافقة مالي في الظروف الخاصة كما فعلت دائما، وتباحث الوزير لساعات تطورات الأزمة المحلية مع مسؤولي المجلس العسكري الذي يقود البلاد.

على الجانب الآخر، حل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، في العاصمة باماكو، لبحث الوضع بعد شهر من أحداث أغسطس في مالي، وأدى إلى إطاحة حكم الرئيس السابق بوبكر كيتا.

واعتبرت الزيارة استكمالا للوساطة المغربية التي يباشرها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، لإنهاء التوتر بين أطراف النزاع المالي، على خلفية المظاهرات العنيفة التي أعقبها الإطاحة بالنظام السابق.

التسارع نحو إيجاد الحل في مالي بين الجارتين الجزائر والمغرب عكس التوتر الذي يعيشه البلدان، والذي لا يخمد في ساحة حتى يندلع في ساحة أخرى جديدة.

سباق نحو الحل

في 18 من أغسطس/ آب 2020، اعتقل عسكريون متمردون في مالي، رئيس البلاد إبراهيم أبو بكر كيتا، ورئيس الوزراء وعددا من كبار المسؤولين الحكوميين.

غداة ذلك أعلن كيتا، في كلمة متلفزة مقتضبة، استقالته من رئاسة البلاد وحل البرلمان كما غادر بعدها نحو الإمارات للعلاج، وفق وسائل إعلام مالية.

أجرى وزير الخارجية الجزائري لقاءات مع عدد من كبار مسؤولي مالي وشخصيات دولية للوقوف على تطورات الوضع في هذا البلد الذي يمر بفترة اضطراب سياسي، اعتبرته الجزائر انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس كيتا.

وأعلنت الجزائر، التي تعتبر أمن واستقرار مالي من أمنها واستقرارها، في رد فعلها الفوري بـ:"رفض أي تغيير للحكم خارج الدستور" بمالي، ودعت إلى "تحكيم العقل للخروج سريعا من الأزمة".

وسبق أن توسطت الجزائر بين الفرقاء الماليين عامي 2014 و2015 لتكلل جهودها بتوقيع اتفاق سلام فيما بينهم، تتابع الجزائر باستمرار تنفيذه.

وتخشى الجزائر من انهيار دولة مالي (غربا) وتكرار السيناريو الليبي (شرقا) على حدودها، لتصبح تحت ضغط بؤرتي توتر وانفلات أمني في منطقة يكثر فيها المتنافسون الإقليميون والدوليون على النفوذ والموارد في منطقة إفريقيا، جنوب الصحراء وشمالها.

وساطة سرية

يعتبر المغرب من الداعمين الأساسيين لجهود الاستقرار وتحقيق المصالحة في دولة مالي ومحاربة التنظيمات المتطرفة شمال البلاد.

كذلك مكنت وساطة سرية قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس، بين الإمام المالي محمود ديكو والرئيس المالي السابق إبراهيم بوبكر كيتا، من تهدئة الأوضاع في أعقاب المظاهرات العنيفة التي شهدتها العاصمة باماكو في 10 يوليو/ تموز 2020.

شارك المغرب، ضمن مجموعة من الدول، في مواكبة مسلسل انتقال الحكم في مالي، بعدما كان قد حظي سفيره في باماكو بأول استقبال من طرف المجلس الانتقالي العسكري الذي يقود البلاد بعد الإطاحة بالرئيس السابق.

وفي 19 أغسطس/ آب 2020، دعا المغرب إلى انتقال مدني سلمي يتيح عودة سريعة ومؤطرة إلى النظام الدستوري بمالي، بعد عزل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.

صراع النفوذ

مجلة "جون أفريك"، قالت في تقرير لها: إن المعركة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر بخصوص عروض الوساطة في البلد الجار، مالي تعكس "صراعا على النفوذ في الاتحاد الإفريقي".

واعتبرت المجلة الفرنسية المهتمة بشؤون إفريقيا، أن الصراع القائم منذ عقود عاد إلى الواجهة في الأشهر الأخيرة، في الساحل وليبيا، من خلال القضايا المشتعلة التي يسلط المجتمع الدولي عليها الضوء، ويعود ذلك إلى إحياء الدبلوماسية الجزائرية التي كانت خاملة في عهد بوتفليقة.

وزاد: "الجزائر تحاول منذ انتخاب عبد المجيد تبون في ديسمبر/كانون الأول 2019 تعويض ما يقرب من 3 عقود، لكن هذا التوجه الجديد أجبر أيضا الجار المغربي بدوره على استعادة ديناميته الإقليمية".

ووصل الصراع المغربي الجزائري إلى المؤسسات ذات التأثير النسبي، مثل المنظمة الدولية للفرانكفونية، حيث عينت المملكة، موحا والي تاجما، سفير المغرب في أبوجا والإيكواس، في سبتمبر/ أيلول 2020، ضمن الوفد المكلف من قبل المنظمة الدولية للفرانكفونية ”لدعم عملية استعادة المؤسسات الديمقراطية في مالي".

لم تتوقف الجزائر أبدا عن التذكير باتفاقيات عام 2015 التي كان من المفترض أن تضع حدا للأزمة السياسية في مالي.

فيما قال المغرب على لسان وزير خارجيته، ناصر بوريطة: "لم ننظر قط إلى القضايا الإقليمية جغرافيا، بل نأخذ بعين الاعتبار القضايا الجيوسياسية". وتابع: "المملكة تعمل على إحداث انتقال سلس للسلطة في مالي".

وعكس نظيره الجزائري صبري بوقادوم، الذي ذهب إلى مالي في اليوم التالي لبدء الأزمة العسكري، انتظر ناصر بوريطة تعيين الرئيس المؤقت باه نداو.

نداو حمل رسالة ملكية نصها: "الماليون لديهم القدرة على التعامل مع مشاكلهم ولا يحتاجون إلى تدويل الوضع"، وهو ما اعتبره تقرير جون أفريك "ردا غير مباشر على أطروحة الرئيس تبون الذي يقدر أن الحل في مالي سيكون 90٪ جزائريا".

وخلص التقرير إلى أن الهجمات الدبلوماسية والهجمات المضادة بين الرباط والجزائر بشأن القضايا الإقليمية ليست سوى جزء من المعركة الدبلوماسية الجارية بين الجارتين.

"حديقة خلفية"

ذهب الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية، تاج الدين الحسيني، إلى حد وصف الملف المالي بمثابة "الحديقة الخلفية" لصراع مكشوف بين المغرب والجزائر، فيما يتعلق بسياسة المكانة في هذه المنطقة من العالم، خاصة بعد الأحداث الأخيرة.

ولفت دكتور العلاقات الدولية في حديث مع "الاستقلال"، إلى أن العقيد، أسيمي غويتا، له ميول للمغرب أكثر من الجزائر، إذ ينتمي إلى "الطريقة التيجانية" التي يوجد مقرها في فاس بالمغرب، وزار الملك محمد السادس، مالي وعقد عدة توافقات فيما يتعلق بالعلاقات بينهما والتعاون الاقتصادي الذي يبدو أن له آفاقا مبشرة.

وأبرز الحسيني أن "المغرب بادر بتدشين عدة مشاريع هناك، سواء فيما يتعلق بصناعة الإسمنت، وهو مطلوب جدا في مالي، أو على مستوى التعاون الزراعي ونقل الخبرات المغربية إلى هناك، وكان هذا بادرة أمل في أن تدخل الدولتان في تعاون مندمج".

يبدو أن الجزائر دخلت بدورها على الخط، يتابع الأكاديمي المغربي، "وأجرى سفيرها اتصالا مع المسؤولين الماليين، ولا أظن أن الجزائر ستنجح إلى حد بعيد في اجتذاب الطبقة القائدة في مالي في الظرفية الحالية التي تعيشها المنطقة".

وقال خبير العلاقات الدولية: "مالي تعاني تهديدا قويا بالإرهاب، تعاني معه نقصا في الموارد الأساسية، سواء بالنسبة للغذاء أو التطور الاقتصادي الداخلي، وبالتالي هي وجدت في المغرب سندا أساسيا من خلال الشعار الذي حمله داخل إفريقيا منذ بداية هذا التعاون منذ 2016 إلى الآن".

شعار المغرب يقوم على مبدأين: الأول أن "إفريقيا للأفارقة"، وعليها أن تساعد نفسها، والثاني أن التعاون يجب أن يقوم على سياسة "رابح رابح"، التي اعتبرها المغرب مؤشرا أساسيا على نجاح المفاوضات والتعاون المنتج بين كل الأطراف الإفريقية.

يعتقد تاج الدين الحسيني، أن سياسة المغرب "آتت أكلها"، واليوم، هناك شعار مرفوع في كل البلدان الإفريقية المجاورة، مفاده أن المغرب طرف أساسي في تحقيق التنمية الداخلية لتلك البلدان، خاصة من خلال أذرعته الاقتصادية القوية.

وتتمثل هذه الأذرع في "المكتب الشريف للفوسفاط" وفي تجربة المغرب الأخضر التي أعطت نتائجها، وكذلك في مؤسساتها العملاقة التي تشتغل في قلب إفريقيا، مثل بنك التجارة الخارجية المغربي، الذي يعتبر من بين البنوك المصنفة الأولى في إفريقيا.

لا يرى الحسيني أن الجزائر التي تحاول استرجاع عافيتها الدبلوماسية، قادرة في الفترة الحالية لعب هذا الدور، في الوقت الذي يعاني فيه رئيسها من وعكة صحية يلفها الغموض.

وأشار الأكاديمي إلى "تولي السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، شؤون البلد"، في إشارة إلى عودة الجزائر إلى الحكم العسكري مرة أخرى.

كما لفت الخبير إلى "الفوضى التي عمت البيت الداخلي لشهور في الجزائر، معتبرا أن الحراك الشعبي في الجزائر موقوف التنفيذ بسبب جائحة كورونا، لكن "الشارع سينتفض من جديد"، بحسب الحسيني. 

وختم دكتور العلاقات الدولية حديثه للاستقلال، بالقول: لا أظن أن الجزائر قادرة على حل أزمات دول الجوار، مع كل ما يجري في الداخل.

ملف حساس

الأستاذ بقسم العلوم السياسية جامعة عنابة بالجزائر، مراد بن قيطة، يرى أن الوساطة الجزائرية في الملف المالي، "تتقاطع فيه بشكل لافت مبادئ راسخة في السياسة الخارجية خاصة ما تعلق منها بعدم التدخل، وحسن الجوار الإيجابي مع مصالح حيوية للدولة الجزائرية بهذا العمق الإستراتيجي، وما يتصل به من معضلات إنسانية وأمنية تهدد أمن واستقرار الجزائر ووحدتها الترابية واقتصادها الوطني".

وقال خبير العلاقات الدولية، لـ"الاستقلال": "اعتبارات الأمن القومي قبل المنافسة الجهوية، لأن اعتبارات الأمن القومي وضمان الاستقرار في الإقليم هي المحرك للدبلوماسية الجزائرية في الملف المالي".

مضيفا: "الجزائر بحكم علاقات الجوار المباشر مع مالي هي الطرف الأكثر تأثرا بتداعيات هذه الأزمة إنسانيا وأمنيا، وهي الطرف الذي يمتلك مفاتيح التسوية السلمية لهذه الأزمة بالنظر لطبيعة مقاربتها التي ترتكز على مبدأين".

الأول وهو "الشمولية ويعني إشراك كافة أطراف الأزمة في المصالحة الوطنية، والثاني ويتمثل في العودة إلى المسار الدستوري، وهو ما ظهر جليا في زيارة وزير الخارجية بوقادوم لمالي بعد أحداث أغسطس وتأكيده على ضرورة الإسراع بتسليم السلطة للمدنيين"، وفق ابن قيطة.

وختم أستاذ العلوم السياسية حديثه بالقول: "الجزائر لها أيضا رصيدها المتميز في إطار الوساطات الخارجية والمرافقة الإنسانية والاقتصادية للدول التي تعيش أزمات داخلية معقدة مثل مالي".