الجارديان: تسريبات من الديوان الملكي تؤكد تعذيب السعودية للمعتقلين

كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن تقارير طبية مسرّبة يُعتقد أنها كانت مُعدَّة للملك سلمان عن حالة المعتقلين السياسيين في سجون السعودية. وأفادت التقارير الطبيّة يأن السجناء "يعانون من سوء التغذية كما أنهم تعرضوا لجروح وكدمات وحروق".

وتعتبر هذه التقارير أول دليل موثق من داخل الديوان الملكي على سوء معاملة المعتقلين السياسيين وتعرضهم للأذى الجسدي، على الرغم من نفي الحكومة تعرض الرجال والنساء بالسجون للتعذيب.

مراجعة داخلية

وعلمت الصحيفة البريطانية أن "التقارير الطبية سيتم تقديمها إلى الملك سلمان مع توصيات تتضمن عفوا محتملا لجميع السجناء، أو على الأقل الإفراج المبكر عن أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة".

وذكر مصدر  للجارديان أن "هذه القرارات جاءت  كجزء من مراجعة داخلية جوهرية أمر بها الملك، حيث وافق على إجراء فحوصات طبية لما يصل إلى 60 سجينًا، كثير منهم من النساء، وقد تم تداول  التقرير على نطاق ضيق في الديوان الملكي".

ووصلت صحيفة الجارديان إلى بعض التشخيصات الطبية، طلبت من الحكومة السعودية التعليق عليها قبل أكثر من أسبوع، ولكن المتحدث باسم الديوان رفض مناقشة الأمر رغم تكرار المحاولات، بحسب تقرير الصحيفة التي شددت على أن المسؤولين لم يطعنوا في صحة التقارير الطبية. 

وذكرت الجارديان بأنها استطاعت بشكل مستقل أن تتحقق من دقة ومحتوى أحد التشخيصات، إذ تتوافق ظروف الأفراد الذين تذكرهم الوثائق مع التقارير التي أشارت عن مزاعم التعذيب، على الرغم من أن الصحيفة لم تتمكن من تأكيد التفاصيل.

تزايد الصغط

وترى الجارديان أن "الضغط تزايد على السعودية فيما يتعلق بقضية احتجاز ومعاملة السجناء السياسيين في الأشهر الأخيرة وسط مزاعم بأن بعض الناشطات تعرضن للصدمات الكهربائية والجلد في المعتقل".

وفي الوقت الذي مازالت تعاني فيه المملكة من آثار مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بحسب الصحيفة، يقال إن الملك سلمان أمر بمراجعة قرار اعتقال واحتجاز حوالي 200 رجل وامرأة في حملة قمع أمر بها وريثه؛ ولي العهد محمد بن سلمان. 

وبحسب ما ذكره مصدر مطلع على التقارير للجارديان فإن الديوان الملكي تجاهل اعتراضات مساعدي بن سلمان وطلب إجراء فحوصات طبية سريعة على عدد من المحتجزين للحصول على موجز عن صحتهم.

وأفاد تقرير الجارديان، أنه من بين الرجال الذين يُعتقد أنه تم فحصهم عادل أحمد باناعمة ومحمد سعود البشر وفهد عبد العزيز السنيدي وزهير كتبي وعبد العزيز فوزان الفوزان وياسر عبد الله العياف، وبالنسبة للنساء، سمر محمد بدوي وهتون أجواد الفاسي وعبير عبد اللطيف النمنكاني. 

وعلمت الصحيفة بأن الفحوصات والتقارير الطبية تمت في يناير/ كانون الثاني، وبطريقة سريّة، ثم تم تضمينها في ملخص تضمن ثلاث توصيات عامة للملك حول ما يجب القيام به بعد ذلك.

أشكال التعذيب

وفقًا للتقارير الطبية التي وصلت إلى الجارديان، تشير الملاحظات عن المعتقلين إلى أن "الكثير منهم تعرضوا لسوء المعاملة الشديدة ويعانون من مجموعة من المشكلات الصحية". وفي جميع الحالات تقريبًا، طالبت التقارير بنقل السجناء بشكل عاجل من الحبس الانفرادي إلى مركز طبي لتلقي الرعاية الصحية.

ونشرت الصحيفة البريطانية ما تشمله الملاحظات المتعلقة بالمحتجزين التالي:

  • "يعاني المريض من نقص حاد في الوزن مع القيء الدموي المستمر، هناك أيضًا عدد من الجروح والكدمات المنتشرة في مناطق عدة من الجسم ".
  • "هناك أيضًا عدد من الإصابات الظاهرة في الصدر وأسفل الظهر"
  • "يجب نقل المريض من الحبس الانفرادي إلى العيادة المتخصصة لتلقي العلاج الفوري والفحوص الطبية الإضافية"
  • "يعاني المريض من صعوبة في المشي بسبب وجود عدد من الكدمات الظاهرة على منطقة الساقين، وهناك عدد من الإصابات واضحة أيضًا على الساعد ومنطقة أسفل الظهر. سوء التغذية وجفاف واضح على الجلد "
  • "يعاني المريض من عدد من الكدمات الظاهرة على الجسم، خاصة في مناطق الظهر والبطن والفخذين، كما يبدو أنه يعاني من سوء التغذية بسبب قلة الأكل وشحوب الوجه وضعف عام في الجسم".
  • "لا يمكن للمريض أن يتحرك على الإطلاق بسبب جروح في الساقين وكذلك ضعف شديد في الجسم ناتج عن سوء التغذية ونقص السوائل"
  • يعاني المريض من حروق شديدة في جميع أنحاء الجسم. لم يتم التئام الجروح القديمة بالكامل بسبب الإهمال الطبي "
  • "يعاني المريض من صعوبة في الحركة بسبب سوء التغذية الحاد ونقص السوائل بشكل عام. هناك أيضًا عدد من الكدمات والجروح والقروح في جميع أنحاء الجسم.

هل يستجيب الملك؟

وذكرت الصحيفة أن توصيات بعض مستشاري الملك تتضمن عفواً عن جميع السجناء السياسيين، والإفراج عن الأفراد المسجونين منذ عام 2017، بالإضافة إلى إطلاق سراح السجناء الذين يعانون من مشاكل صحية.

وقال التقرير إن الحكومة السعودية أفرجت يوم الخميس الماضي عن ثلاث نساء: عزيزة اليوسف وإيمان النفجان والدكتورة رقية محارب، وقد اتصلت الجارديان بالسلطات السعودية في 21 مارس/ آذار للتعليق على هذا القرار ورغم أن المتحدث الرسمي قد وعد بالرد، لكنه لم يقدم أي تعليق إلى الآن، بحسب الصحيفة.

وأشارت الصحيفة إلى أنها تلقت  تحذيرات من قبل العديد من خبراء حقوق الإنسان أثناء إعداد تقريرها بأن محاولة الاتصال بأفراد أسر الأشخاص المحتجزين من شأنه أن يشكل مخاطر جسيمة على أفراد الأسرة الذين يعيشون في السعودية. كما أكدت منظمات حقوقية ونشطاء متابعين لعمليات الاعتقال أن الأفراد التسعة الذين وردت أسماؤهم في التقارير الطبية كانوا تحت الرعاية في يناير/ كانون الثاني. 

ودعت هيومن رايتس ووتش المملكة، بحسب التقرير، إلى "الإفراج الفوري عن جميع نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السلميين، ودعوة المراقبين الدوليين لإجراء تحقيق شامل وشفاف عن معاملة السجناء في السعوية".

وقال أحد الناشطين الحقوقيين، الذي تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الأوصاف الواردة في التقارير، بما في ذلك احتجاز الأفراد في الحبس الانفرادي، تتفق مع الأدلة التي جمعها النشطاء. 

وأوضح الناشط للجارديان، أن الطريقة الوحيدة للتحقق من التقارير بشكل كامل هي منح المراقبين المستقلين إمكانية الوصول إلى الأفراد الذين تم تحديد هويتهم، ونشر نتائج تحقيقاتهم للجمهور.

التعذيب لم يستثن النساء

كما أضاف الناشط في حديثه للصحيفة بأن "السجينات تعرضن للصعق بالكهرباء  وتم ربطهن بالكراسي وضربهن على الفخذين والظهر والأرداف ب"العِقال" (الذي يرتديه الخليجيون على رؤوسهم لتثبيت الشماغ أو الغترة). كما أنتج تعرضهن للجلد إلى كدمات عميقة ودائمة. وذكرت السجينات بأنهن يعانين من نقص حاد في الوزن، إذ فقدت إحداهن نصف وزنها.

وقال الباحث في قسم الشرق الأوسط والذي يعمل في لجنة حماية الصحفيين، جاستن شيلاد، إن "قضية فهد السنيدي، وهو صحفي، تظهر مدى تعسف الحملة التي أمر بها ولي العهد".

وأضاف شيلاد، حسب الصحيفة، "فهد ليس ذلك الشخص الذي أثار مسائل حساسة فيما يتعلق بالمواضيع التي غطاها، حقيقة هو محتجز بدون سبب واضح، كما أنه لم يكن معروفًا بكونه شخصية مثيرة للجدل، وهذا يوضح لنا حقيقة حملة بن سلمان على حرية الصحافة، وعلى الصحافة المستقلة أو أي تعليق ذو طابع نقدي مستقل".

وزاد الباحث، "فيما يتعلق بالبحث في السعودية وخاصة ما يتعلق بـ[الاعتقالات السياسية]، فإن حالة الصمت الرهيبة لا تشبه أي شيء شاهدته في حياتي، لقد علمت في ليبيا وسوريا واليمن والعراق ومستوى الخوف والتخويف والتكتم على المعلومات بشكل كامل يتجاوز جميع ما نراه في مناطق الحرب في ذلك الإقليم حيث يعمل تنظيم الدولة".