القمّة الثلاثون.. ملفات سقطت عن أجندة القادة العرب

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

للمرّة الثلاثين منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، يجتمع رؤساء وملوك وأمراء الدول العربية الـ24، هذه المرّة في تونس للنظر بجملة من الملفات والقضايا، انطلاقا من القضية الفلسطينية التي تمرّ بأخطر منعرج في تاريخها مع تزايد الإجراءات الأمريكية لتغيير واقع الأراضي المحتلة وسط تزايد الحديث عن "صفقة القرن" التي تبشّر بها إدارة ترامب، مرورا بالوضع في سوريا والأزمة الخليجية.

إلا أنّ الخلافات العربية- العربية، والملفات المحرجة للبعض يبدو أنّها قد سحبت عددا من الملفات عن طاولة البحث، ودفعت بعدد من قادة الدول للتغيب عن حضور أشغالها، ما يوحي بمصير مشابه لمصير سابقاتها، والتي لم تكن سوى رقما جديدا في قائمة القمم.

غيابات بالجملة 

في الوقت الذي بدأت فيه وفود القادة العرب تتوافد على العاصمة التونسية، حيث سبق إليها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، فقد اعتذر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عن الحضور، لكنه فاجئ الجميع بتواجده في الجلسة الافتتاحية، وأعلن كل من ملك المغرب محمد السادس، وسلطان عمان قابوس بن سعيد، والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن غيابهم.

كما غاب عن الحضور الرئيس السوداني عمر البشير، إضافة إلى أن الوفد الإماراتي ترأسه حاكم إمارة الفجيرة حمد بن محمد الشرقي، في وقت يتواصل فيه شغور المقعد السوري، والذي لم يقرر بعد إسناد تمثيله سواء إلى المعارضة أو النظام، على الرغم من توجّه عدد من الدول لإعادة علاقاتهم مع دمشق وفتح سفاراتهم بها.

وعلى الرغم من كل هذا التمثيل الضعيف، إلا أن قمّة تونس تعتبر الأكثر حضورا على مستوى القادة العرب، حيث صرّح المتحدّث الرسمي باسم القمّة محمود الخميري أنّ "هذه القمّة سجلت حضور 12 رئيسا وملكا وأميرا عربيا، لمناقشة 20 ملفا أقره اجتماع وزراء الخارجية العرب"، إلا أن هذه الملفات أسقطت قضايا قد تعتبر ذات أولوية وتأثير بالغ.

انسحاب مفاجئ

شهدت الجلسة الافتتاحية للقمة العربية، انسحاب أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني المفاجئ، بالتزامن مع إلقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط لكلمته، وفتح الانسحاب جملة من التأويلات والتساؤلات حول أسبابه الحقيقة، حيث اكتفى الجانب القطري ببعث برقية شكر للرئيس التونسي، دون ذكر أسباب الانسحاب. لكن وسائل إعلام محليّة مواكبة لأشغال القمة، تحدثت أن أمير قطر انزعج من مضمون كلمة أبو الغيط التي وجهت رسائل مبطنة لقطر وتعاونها العسكري مع تركيا.

في المقابل، فقد قالت المتحدثة باسم الرئاسة التونسية سعيدة قراش، لإذاعة "شمس أف أم" المحلية، إنّ "رئاسة الجمهورية  كانت على علم بمغادرة الأمير القطري قبل الدعوة، والحضور للقمة العربية كان إكراما ومحبة في شخص رئيس الجمهورية".

وأشارت المسؤولة التونسية إلى أن "تميم بن حمد آل الثاني، أعلمهم مسبقا أنه سيحضر في الافتتاح ثم يواصل وزير الخارجية القطري تمثيل دولة قطر في القمة، وأنه لم يكن مطروحا أن يلقي كلمة".

على الرغم من نجاح قمّة تونس في جمع الفرقاء الخليجيين، وذلك بمشاركة العاهل السعودي وأمير قطر فيها، إلا أن الأزمة الخليجية لم تجد أي طريق للتداول على المستوى العربي، حيث تبقى محاولات حلها على ما يبدو في غرف مغلقة، تديرها في غالب الأحيان دول غربية باحثة عن مصالحها الإستراتيجية بمنطقة الخليج.

الملف السوري

تضمّن البيان الختامي للقمة الـ30 في تونس، الحديث عن الوضع السوري المتأزّم، حيث جدد الحرص على "ضرورة التوصّل إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة القائمة في سوريا، استنادا إلى مسار جنيف، وبيانات مجموعة الدعم الدولية لسوريا، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وأكّد البيان الختامي "رفضه للتصعيد العسكري"، لكن في المقابل لم تحّدد القمّة أي دور عملي للعرب في الشأن السوري الذي لازال مرتهنا لمباحثات إيرانية تركية روسية، في ظل تدخل أمريكي وغربي وانتهاكات إسرائيلية متكرّرة.

منذ العام 2011، وبعد قيام النظام السوري بمواجهة الاحتجاجات الشعبية الداعية لإسقاطه بالرصاص، وارتكابه عددا من المجازر بحق المدنيين، قررت الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا، ولكن بعد مرور 7 سنوات ورغم سقوط مئات آلاف الضحايا وتهجير الملايين من سوريا، بدأت دول عربية بإعادة علاقاتها مع النظام وفتح سفارتها من جديد، ما جعل من المنتظر اتخاذ قرار بعودة ممثل النظام لحضور أشغال القمّة، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث.

وبخصوص الموضوع ذاته، قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والذي لازالت بلاده تقطع علاقاتها مع النظام السوري، إن "قرار غياب سوريا عن القمة العربية بيد الجامعة العربية وهو قرار ليس جديدا وليس بيد تونس"، كما عبر عن آماله بعودة سوريا للمحافل العربية، معتبرا أن الأشخاص تموت وتبقى الدول، في رده على سؤال مذيعة  "قناة العربية"، التي حاورته قبيل القمة حول إمكانية حضور بشار الأسد ممثلا عن سوريا مستقبلا.

حصار غزّة

لم يغب ذكر فلسطين ومركزية قضيتها عن جلّ الكلمات التي ألقيت خلال القمّة العربية، فعلى الرغم من تجديد الإدانة والشجب للسياسيات الإسرائيلية، إلاّ أنّ القمّة لم تتطرّق لجزء مهم من القضيّة الفلسطينية، حيث لا يزال قطاع غزّة تحت حصار منذ عقد من الزمن، كما تشهد الأيام الأخيرة تصعيدا متبادلا بين فصائل المقاومة والجيش الإسرائيلي في ظل نذر حرب قد تكون وشيكة.

وتزامنت القمّة مع إحياء الفلسطينيين للذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرات العودة في 30 مارس/آذار 2018، كما أنّ الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، والذي فاقم من أزمة الحصار لم يجد طريقا للحل، ولم تسجّل القمّة دعما للجهود المصرية التي تعمل على جمع الفلسطينيين على طاولة الحوار، حيث وجّهت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية رسالة إلى القمة، دعت فيها القادة العرب إلى "إنهاء الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وتعزيز صمود المواطنين في القدس والضفة والتصدي لسياسة الاحتلال العنصرية ضد الصامدين في الأرض المحتلة 48".

حراك السودان والجزائر

هذه القمّة الجديدة التي جمعت القادة العرب في تونس، منطلق الربيع العربي، مع أنظمة عربية لا تخفي عداءها المطلق لكل محاولات التغيير بالمنطقة، جعلت الأحداث الجارية في السودان والجزائر لم تلق أي تداول بين القادة العرب، على الرغم من حجم هذه الدول وتأثيرها على محيطها الإقليمي.

واستبق المندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية وسفير تونس لدى القاهرة نجيب منيف، القمة العربية بإعلانه، أنّ "التطورات الأخيرة في الجزائر ليست مطروحة على جدول أعمال القمة".