3 سنوات من الاحتجاجات.. كم خسرت تونس بتأخير حل أزمة تطاوين؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عقب 3 سنوات من الصمود، وتحديدا مساء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية عن التوصل لاتفاق نهائي مع محتجي تطاوين أكبر المحافظات التونسية مساحة والواقعة جنوب البلاد، بعد تحقيق مطالبهم.

فعلى بُعد 160 كم عن مركز مدينة تطاوين، هناك، في مدخل بوابة منطقة صحراوية خاضعة للرقابة العسكرية تحتوي على أهم الحقول النفطية، كان يتجمهر عشرات المحتجين في تحد للظروف الجوية الصعبة، وكلهم عزم على انتزاع حقوقهم ونصيبهم من الذهب الأسود. 

وكان يرى شباب ولاية تطاوين كبقية الأهالي أن نصيبهم من التنمية وإنشاء بنية تحتية من طرق ومنشآت بالإضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية شبه منعدم في الولاية منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي في العام 1956، وأن الثروات التي تخرج من أرضهم يتم الاستفادة من عائداتها في المركز والمدن الساحلية.

ومنذ يونيو/ حزيران 2017، وبالتزامن مع شهر رمضان، أقام المئات من شباب جهة تطاوين اعتصاما بالقرب من صمام حقل البترول بالكامور بعد أن تم إغلاقه وإيقاف ضخ النفط عبره.

وبعد أشهر من المفاوضات والمظاهرات اتسمت بالصدام مع الحكومة، وتحت شعار "الرخ لا" أي "لا تراجع"، حافظ الشباب على تحركهم رغم سقوط قتيل في محاولة فض الاعتصام بالقوة من قبل قوات الأمن.

إنجاز كبير 

وانطلق بالفعل بداية من يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تنفيذ الاتفاق النهائي بين الحكومة وتنسيقية الكامور وذلك من خلال التسريع في توفير اعتمادات خلاص أجور عمال وإطارات شركة البيئة والغراسات والبستنة بالنسبة إلى الأشهر الثلاثة المنقضية.

ويأتي هذا كمقدمة لجملة من القرارات التي اتخذتها الحكومة بعد جلسات من الحوار متعددة بين ممثلي المعتصمين في الكامور والحكومات المتعاقبة منذ حكومة الحبيب الصيد في العام 2017. 

وأعلنت الحكومة عن التزامها أيضا، بمنح 80 مليون دينار سنويا (قرابة 30 مليون دولار) لصندوق التنمية والاستثمار بولاية تطاوين، وتوفير ما لا يقل عن 1000 قرض لمشاريع تقام في الجهة بالإضافة إلى انتداب 215 شخصا بالشركات البترولية قبل نهاية العام 2020، وتشغيل مئات آخرين على مراحل ابتداء من العام القادم.

كما تم الاتفاق على إنشاء 5 شركات جهوية قبل نهاية 2021، وأن تتعهد الشركة الإيطالية التونسية لاستغلال النفط بتكليف مكتب دراسات لدعم المشاريع المدعومة في الجهة.  

وتوصل ممثلو المحتجين مع الحكومة إلى اتفاق يقضي برصد 18 مليار (6 مليارات دولار) ضمن برنامج المسؤولية المجتمعية للشركات البترولية العاملة في جهة تطاوين (جنوب البلاد ) وتخصيص 1.2 مليون دينار للجمعيات التنموية و 2,6 مليون دينار لبلديات الجهة وكذلك 1.2 مليون دينار لجمعية اتحاد تطاوين. 

في المقابل، تم استئناف النشاط بالنسبة للشركات العاملة بالمجال الطاقي بالجهة، بصورة طبيعية.

وثمن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي "المجهودات الكبيرة لكافة المتدخلين لحل هذه الأزمة عبر الحوار والتشاور وقطع الطريق أمام كل الدعوات للعنف والفوضى"، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ويرى متابعون أن أهمية هذا الاتفاق تأتي من خلال أنه أنهى بالفعل أزمة شهدت منعرجات خطيرة كادت أن تهدد السلم الأهلي في تونس التي لا تزال تتلمس طريقها في إنجاح تجربتها الديمقراطية. 

انتقاد للاتفاق

وأخذت الأزمة في مدينة تطاوين منعرجا خطيرا على خلفية فض قوات الأمن لاعتصام شباب عاطلين عن العمل في منطقة الكامور بالقوة، مما أدى إلى اندلاع مواجهات في مختلف مناطق المحافظة.

وقد أدت هذه المواجهات لسقوط قتيل والعديد من المصابين، وحرق المحتجين الغاضبين لمقرات قوات الحرس (الدرك) والشرطة، فيما تولى الجيش تأمين بقية المناطق الحيوية بالمحافظة.

 ولقي الشاب أنور السكرافي مصرعه بدهس سيارة أمن له أثناء المطاردات يوم 22 مايو/أيار 2020، فيما أفادت وزارة الداخلية بإصابة 20 من أفراد الأمن، وحرق أكثر من 20 سيارة أمنية. 

ورغم نهاية هذه الأحداث والاتفاق على الحل، عبرت أطراف سياسية في تونس عن عدم مساندتها لا للمفاوضات أو الاتفاق مع محتجي الكامور.

وقالت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في تعليقها على غلق وحدة الضخ الرئيسية للبترول "الفانا" بمنطقة الكامور: إنه من غير المعقول أن تواصل الدولة التفاوض في هذا الملف و"الفانا" مغلقة.

ودعت في حوار على قناة التاسعة مساء يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إلى مواجهة المحتجين بالقوة، مشيرة إلى أن تطبيق القانون لا يعتبر ديكتاتورية. 

وبدوره، أكد عضو تنسيقية  اعتصام الكامور نور الدين درزة أن إغلاق مضخة النفط لم يكن هدفا في حد ذاته ولم يكن أحد يرغب بأن يصل إليه إلا أن إخلال الدولة بتعهداتها تجاه مواطنيها هو الذي دفعهم للقيام بمثل هذه الخطوة باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتاحة للضغط عليها ودفعها لتنفيذ وعودها والاتفاقات الموقعة منذ العام 2017 . 

وأضاف درزة في حديث لـ"الاستقلال": "هذا الاتفاق قوبل باستبشار كبير من قبل أهالي الجهة الذين عانوا لسنوات من التهميش و "الحقرة" (الاحتقار)، رغم أن ما تحقق هو شيء بسيط من حقوق الأهالي، حيث تم تقديم تنازلات كبيرة من قبل التنسيقية مراعاة للوضع المالي الذي تعيشه البلاد في ظل جائحة كورونا وكذلك العجز المسجل في ميزانية الدولة". 

واستغرب عضو التنسيقية من الهجمة التي يتعرض لها أهالي تطاوين وشباب الاعتصام من قبل بعض المنابر الإعلامية والأحزاب السياسية قائلا: "لن نرد على هذه الأطراف التي لا تعلم بالفعل الوضع الحقيقي في تطاوين، وأن اعتصام الكامور لم يحقق مطالب تنموية للجهة فقط بل استرجع السيادة على جزء من أراضي البلاد".

وأوضح أن الاعتصام "كشف حقيقة ما تقوم به شركات النفط في الصحراء التونسية والتي لم تكن ترفع حتى الراية الوطنية فوق آبار النفط كما يمنع دخول الأهالي إلى المناطق التي تنشط فيها هذه الشركات، وتم توجيه النظر نحو التدقيق والتثبت في الطاقة المستخرجة وكميتها". 

  

خسائر ضخمة  

وسبق وأن اعتبر شباب الكامور أن حديث المسؤولين في الدولة التونسية عن وجود خسائر ضخمة نتيجة إيقاف ضخ النفط من منطقتهم دليل إضافي على شرعية مطالبهم وحقيقة وجود موارد يمكن الاعتماد عليه لتنمية الجهة المهمشة. 

إذ قال رئيس الحكومة هشام المشيشي يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020: إن غلق "فانة الكامور" (مضخة النفط) يكلف الدولة 800 مليون دينار ما يقابل 290 مليون  دولار، مشيرا أنه "لا يمكن الاستمرار في هذا الوضع لمدة أطول".

وسبّب اعتصام الكامور ووقف العمل في 4 شركات بترول كبرى، في عدم ضخ نحو نصف الإنتاج النفطي في البلاد. 

وفي 15 مايو/أيار 2017 صرح وزير التشغيل (العمل) في ذلك الوقت عماد الحمامي المكلف بملف الكامور بأن إيقاف ضخ النفط التونسي في ولاية تطاوين لمدة أسبوع تسبب بخسائر قيمتها 400 مليون دينار تونسي (145 مليون دولار)، بسبب العقوبات التي تم تسديدها لعدم قدرة الشركات البترولية على التعهد بالتزاماتها نحو حرفائها.

وسبّب هذا التصريح موجة من الانتقادات والتعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن 400 مليون رقم كبير يعكس أن تونس دولة نفطية، لأن القاعدة الدولية تقول: إن الخطايا لا تفوق نسبة 10 % من الإنتاج الإجمالي، ولذلك يظهر أن المنتوج في تونس عشرة أضعاف مما تعلن وتصرح به الحكومة.

من جهتها قالت وزيرة الطاقة والمناجم هالة شيخ روحو في حديثها لإحدى الإذاعات الخاصة: إن مبيعات تونس من النفط والغاز تراجعت بقيمة حوالي 9 ملايين يورو أسبوعيا بعد توقف الإنتاج في تطاوين وقبلي جنوب غرب البلاد . 

ومنذ أغسطس/ آب 2020، أخطرت المؤسسات النفطية العاملة في محافظة تطاوين السلطات التونسية، بنيتها إحالة آلاف العمال والموظفين إلى البطالة الفنية لعدم قدرتها على دفع الأجور، بسبب توقف العمل وهبوط أسعار النفط في السوق العالمية.

وتوقع صندوق النقد الدولي، يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن ينمو الاقتصاد التونسي سلبيا خلال كامل سنة 2020 بنسبة 7 في المئة على أن يتعافى سنة 2021 ليصعد إلى 4 في المئة ويبلغ 3 في المئة خلال سنة 2025.