تهدد تركيا.. كيف أصبحت قبرص مركزا لاستخبارات إسرائيل السيبرانية؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تراجع كبير تشهده العلاقات بين أنقرة وتل أبيب منذ اعتراض البحرية الإسرائيلية  لأسطول الحرية التركي "مافي مرمرة" عام 2010، ما أدى إلى مقتل 11 متطوعا كانوا في طريقهم لكسر الحصار على قطاع غزة.

منذ ذلك الحين، تحولت إستراتيجية إسرائيل نحو دعم خصوم تركيا الرئيسيين لا سيما قبرص "الرومية"، في محاولة لإضعاف أنقرة، وخلق اضطرابات مستمرة في محيطها الإقليمي.

التقارب بين إسرائيل وقبرص الرومية في المجالات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية تعاظم في السنوات الأخيرة، كما ساهم اكتشاف الغاز في البحر المتوسط، في خلق فرص جديدة للتعاون بين إسرائيل وقبرص واليونان، في مواجهة تركيا التي تسعى للحفاظ على مصالحها شرقي المتوسط.

لكن الجديد في هذا الملف يتمثل في أن دعم إسرائيل لقبرص الرومية بدأ في أخذ منحى استخباراتي واسع النطاق، في محاولة لجعل الجزيرة المقابلة للأراضي التركية، بؤرة تجسس عالية المستوى.

بؤرة تجسس

في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا تحت عنوان "معهد بافوس يعزز العلاقة السيبرانية بين إسرائيل وقبرص (الرومية)".

المجلة ذكرت أن افتتاح معهد بافوس للابتكار "PPI" في العام الدراسي 2021-2022، يمثل خطوة جديدة فيما يتعلق بالتعاون السيبراني بين إسرائيل وقبرص (الرومية).

ومن بين خيارات أخرى، سيقدم المعهد، دورة استخبارات سيبرانية احترافية مدتها 3 أيام يقودها الجاسوس السيبراني الإسرائيلي السابق جاي كليسمان، مؤسس ورئيس شركة بلو هوك سي آي جروب (Bluehawk CI Group) الإسرائيلية.

وأضافت: "تم تأسيس معهد بافوس للابتكار من قبل أوريل رايشمان، مؤسس معهد (آي دي سي هرتسليا IDC Herzliya)، وهو معهد مرجعي للاستخبارات السيبرانية يقع في مكان مثالي في العاصمة السيبرانية لإسرائيل".

وأشارت المجلة إلى أن "قبرص أصبحت في السنوات الأخيرة مركزا رئيسيا لشركات الاستخبارات السيبرانية الإسرائيلية التي ترغب في اقتحام الأسواق التي قد يكون الدخول إليها محظورا إذا كانت مقرات تلك الشركات تقع في تل أبيب". 

وأوردت: "من جهته، سيوفر معهد بافوس، لقبرص مجموعة جاهزة من القوى العاملة المدربة".

تطور العلاقات 

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قالت صحيفة "معاريف" العبرية: "لأول مرة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وقبرص، قامت الحكومة القبرصية بتعيين ملحق عسكري في سفارتها في تل أبيب".

وأضافت: "سوف يعمل الملحق العسكري على الدفع بالعلاقات العسكرية والتعاون الاستخباراتي، الذي تطور كثيرا بين البلدين على ضوء الأزمات المتصاعدة التي عصفت بالعلاقات بين إسرائيل وتركيا في السنوات الأخيرة". 

وتابعت: "تسعى كل من اليونان وقبرص إلى أن تكون أراضيهما بديلا لتركيا في تمرير أنبوب الغاز المسال المتوجه من إسرائيل إلى أوروبا عبر إيطاليا، كمسار بديل لخط الغاز الذي كان يفترض مده عبر مياه المتوسط من إسرائيل إلى تركيا ومن هناك إلى الدول الأوروبية، على أن يمر في المياه الاقتصادية لقبرص".

المجلة كشفت أن إسرائيل عملت في السنوات الأخيرة، على "توظيف الخلافات بين تركيا وقبرص (الرومية) التاريخية للتقرب من قبرص، وبناء مصالح مشتركة وصولا إلى تشكيل تحالف مع بعض دول الحوض الأبيض المتوسط مثل اليونان ومصر، ضد تركيا".

مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تم عقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية بين إسرائيل وقبرص واليونان، في العاصمة اليونانية أثينا، تم خلاله الاتفاق على توسيع نطاق التعاون بين هذه الدول.

وشمل الاتفاق بين الدول الثلاث تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري، إضافة إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة للأسلحة الجوية والبحرية القبرصية والإسرائيلية، كما تجري إسرائيل تدريبات جوية في اليونان.

وفي 21 مايو/ آيار 2020، ذكرت صحيفة "أتلايار" الإسبانية في تقرير للكاتبة أنا رودريغيز، أن "التعاون العسكري والاستخباراتي الثلاثي بين اليونان وإسرائيل وقبرص، سيكون له دور حاسم على المدى الطويل في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط".

وفي 23 يونيو/ حزيران 2020، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، خلال مؤتمر صحفي، أن "إسرائيل وقبرص (الرومية) تشتركان في العديد من المصالح الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة".

وأضاف مرحبا بزيارة وزير خارجية قبرص إلى إسرائيل: "هذه الزيارة تعزز من العلاقات والشراكة المهمتين في الشرق المتوسط. يسعدني جدا أن الوزير كريستودوليدس اختار دولة إسرائيل كأول دولة يقوم بزيارة رسمية لها في ظل كورونا، ما يشير إلى الصداقة القوية والتضامن بين البلدين التي تميز هذه العلاقة التي استمرت 60 عاما".

شرق المتوسط

تصاعد التعاون العسكري والاستخباراتي بين إسرائيل وقبرص (الرومية)، جاء بالتزامن مع زيادة التوتر في شرق المتوسط، بين قبرص واليونان من جهة، وتركيا من جهة أخرى.

ونشرت وكالة الأنباء القبرصية الرسمية في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، أن "اليونان وقبرص وإسرائيل، وقعوا برنامجا للتعاون العسكري الثلاثي، يبدأ في 2021".

كما أشار بيان لهيئة الأركان اليونانية إلى أن "البرنامج الثلاثي للتعاون العسكري لرفع مستوى التقارب بين القوات المسلحة في اليونان وقبرص وإسرائيل، سيكون من خلال التدريبات العسكرية، والأنشطة العملية والمعلوماتية المشتركة".

وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، غرد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على تويتر، قائلا: "اجتماع جرى بين رئيس هيئة التخطيط في القوات الإسرائيلية الجنرال أمير أبو العافية، ورئيس هيئة التخطيط في الجيش اليوناني، وقائد لواء المدرعات القبرصي".

ونشر أدرعي صورة من الاجتماع، دون الإشارة إلى مكان انعقاده، قائلا: "هذا اللقاء هو الثاني من نوعه تحدث فيه القادة عن التحديات المشتركة في المنطقة، والحاجة للاستقرار فيها"، لافتا إلى أن "المشاركين في المحادثات "فحصوا إمكانيات التعاون في هذا الإطار".

ورأى متابعون أن الاجتماع جاء ردا على تركيا، التي بدأت أنشطة التنقيب عن الغاز في مياه البحر الأبيض المتوسط، وسط توتر وانزعاج من إسرائيل وقبرص واليونان ومصر. 

تركيا تحذر 

وقتها هددت أنقرة بأن أي إجراء عدائي من قبل قبرص (الرومية) يتجاهل الحقوق التركية، أو حقوق قبرص التركية، سيقابل برد مناسب يضمن حقوقها ومصالحها.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في فبراير/ شباط 2019: "نحذر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة (في إشارة إلى اليونان) وقبرص ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية، إن حقوقنا في الدفاع عن الأمن القومي في عفرين هي نفسها في بحر إيجة وقبرص".

وفي 27 فبراير/ شباط 2019، انطلقت للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، أضخم مناورات عسكرية تحت اسم "الوطن الأزرق 2019"، ممتدة في البحار الثلاثة التي تحيط بتركيا، البحر الأسود وإيجة والمتوسط.

المناورات التي أدرجت على أجندة هيئة الأركان التركية، جاءت أهميتها من حيث التوقيت، في كونها، أعقبت إرسال أنقرة سفينة تنقيب عن النفط في منطقة شرق المتوسط، محمية بقطع عسكرية، منعا من محاولات الهيمنة اليونانية والقبرصية والمصرية، بدعم من إسرائيل على الحوض الغني بالغاز الطبيعي، ومصادر الطاقة.

وشاركت في المناورات 103 سفن، بالإضافة إلى وحدات من القوات البرية والبحرية التركية، بهدف رفع الجاهزية القتالية للوحدات المشاركة من السفن والطائرات التابعة لقيادة القوات التركية.

وفي المؤتمر الافتتاحي للمناورات، أعلن رئيس العمليات البحرية، العميد البحري يانكي باغجي أوغلو، مشاركة 103 سفن مختلفة، في المناورات، وأوضح أن الهدف من المناورات هو زيادة مستوى استعداد وقدرات القوات البحرية، والمركبات والسفن التابعة لها.

وأضاف باغجي أوغلو، أن المناورات تتضمن تدريبات واستعدادات للعمليات البحرية العسكرية، لا سيما سيناريوهات الدفاع الجوي بحرا وآخر عبر الغواصات، وسيناريوهات الأزمة والحرب، وسيناريوهات الحرب الإلكترونية والألغام، وعمليات المراقبة البحرية، وإطلاق النار الفعلي لأهداف متحركة عالية السرعة، وغيرها.

دمج إسرائيل

في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشرت مجلة "فوربس" الأميركية، تقريرا بعنوان "صراع الغاز يعزل تركيا ويدمج إسرائيل في شرق المتوسط".

التقرير قال: "لأجيال، كانت تمتلئ المنطقة المحيطة بشرق البحر الأبيض المتوسط ​​بالاضطرابات، والنزاعات بداية من الصراع العربي الإسرائيلي، إلى جزيرة قبرص المقسمة، والتي تسببت في عداء شديد بين اليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة أخرى، ما جعل من مشاكل هذه المنطقة مستعصية على الحل".

التقرير أكد أن "المناورات البحرية التي أجرتها أنقرة بمشاركة البحرية الباكستانية، هي رسالة واضحة من الأتراك الغاضبين بشدة من تعزيز التحالف بين اليونان وإسرائيل وقبرص ومصر حول مشروع الغاز في المتوسط، والذي ينظر إليه على أنه تهديد للأتراك".

وأضاف: "تحالف الغاز الرباعي يتكون من دول تعتبر أردوغان تهديدا عسكريا مستمرا، حيث تعد اليونان وقبرص خصمين تاريخيين لتركيا لا يزالان مهددين، وترى مصر وإسرائيل أن أردوغان يحرض ويدعم جماعات مثيرة للمشاكل، من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومرورا بحركة حماس في غزة إلى الفصيل الشمالي للحركة الإسلامية. ويضاف إلى ذلك أن الأتراك يطورن أنشطتهم في البلدة القديمة بالقدس".

وذكر تقرير المجلة الأميركية أن "رؤية تركيا لنفسها كإمبراطورية شرق أوسطية، ظلت مقصورة على المجال الدبلوماسي فقط، واقتصر استعمال القوة الخشنة على إرسال الجيش لمحاربة الإرهاب فقط على الحدود، لكن بعد القضاء على محاولة الانقلاب، يشعر أردوغان بأنه يمكن تفعيل التدخل العسكري في المستقبل".

كل ما سبق قد دفع إسرائيل إلى تطوير إستراتيجيتها تجاه أشد البلدان عداء وخصومة مع تركيا، وهي قبرص (الرومية)، بحيث أن تطوير آليات التجسس والأسلحة في تلك المنطقة، من شأنه أن يهدد أنقرة بطريقة مباشرة، وهو ما تريده تل أبيب، مفضلة بذلك استخدام خطة دعم الخصوم، فضلا عن المواجهة المباشرة.