هاشم تاجي.. رئيس ناضل لاستقلال كوسوفو تحول إلى متهم بـ"جرائم حرب"

سام أبو المجد | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم تكن هناك سوى ساعات تفصل بين استقالة واعتقال رئيس كوسوفو هاشم تاجي، المتهم بارتكاب جرائم حرب في التسعينيات.

قدم تاجي استقالته من منصبه يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، ليتم القبض عليه في نفس اليوم، ثم نقله إلى مركز الاحتجاز الخاص بمحكمة كوسوفو في لاهاي بهولندا.

كان الرئيس المستقيل قد علم مسبقا بأن محكمة كوسوفو المتخصصة، وهي محكمة دولية تنظر في جرائم الحرب، قد وافقت على اتهامه وأدرجت اسمه مع 3 قادة آخرين في لائحة المتهمين بارتكاب هذا النوع من الجرائم، تمهيدا لإلقاء القبض عليه.

ووفق ما قال تاجي، فإنه لم يرغب بأن يحدث اعتقاله (الذي كان حتميا من وجهة نظره) فراغا سياسيا في مؤسسات الدولة، لهذا فقد بادر بإعلان الاستقالة والخضوع للاعتقال، من أجل حماية سلامة وأمن البلاد، نافيا في ذات الوقت أن يكون قد ارتكب أي جرائم حرب أو انتهاكات ضد الإنسانية.

وقال تاجي في مؤتمر صحفي صباح 5 نوفمبر/تشرين الثاني، بمدينة بريشتينا عاصمة كوسوفو في نص الاستقالة: "أبلغتني مصادري الخاصة بأن محكمة كوسوفو المتخصصة وافقت على لائحة الاتهام الموجهة لي، لهذا فأنا أستقيل من منصبي كرئيس اعتبارا من اليوم، وذلك لحماية سلامة البلاد".

وبحسب وكالة رويترز، فقد تم اعتقاله في نفس يوم تقديم استقالته، وجرى التحفظ عليه من قبل محكمة كوسوفو المتخصصة، ثم نقله بعد ظهر اليوم التالي إلى مطار بريشتينا العسكري، ومن هناك نُقل عبر الطائرة إلى لاهاي.

وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مثل تاجي، لأول مرة أمام المحكمة الخاصة بكوسوفو في لاهاي، على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب بين عامي 1998 - 1999.

وقالت وكالة الأناضول، إن "المحكمة قرأت في جلسة الاستماع على تاجي، لائحة الاتهام، وحقوقه خلال عملية محاكمته"، مشيرة إلى أن "تاجي رفض جميع التهم الموجهة إليه"، معتبرا أنها "لا أساس لها على الإطلاق".

وكانت الحرب التي اندلعت بين ألبان كوسوفو والقوات الصربية، عقب مطالبة أبناء إقليم كوسوفو بالاستقلال قد أسفرت عن ارتكاب جرائم حرب من الجانبين، بحسب لوائح الاتهام.

حكاية الاستقلال

كانت كوسوفو إقليما تابعا لصربيا يتمتع بحكم ذاتي، وفي 7 سبتمبر/أيلول 1990 أعلنت الأغلبية البرلمانية في برلمان كوسوفو استقلال عدد من مؤسساتها السيادية عن الحكومة المركزية في صربيا، غير أن الأخيرة اعتبرت هذا انفصالا وإعلان تمرد، في حين لم يعترف بإعلان الاستقلال سوى ألبانيا.

اندلعت عقب ذلك، حرب بين المطالبين بالاستقلال والقوات الصربية استمرت لنحو 10 سنوات، حتى تدخلت الأمم المتحدة ورعت اتفاقا بين الجانبين سمى اتفاق كومانوفو، تم التوقيع عليه في مدينة كومانفو في مقدونيا في 9 يونيو/حزيران 1999.

قضى الاتفاق بانسحاب القوات الصربية، وحل حركة "جيش تحرير كوسوفو"، والإشراف الدولي على ضمان تطبيق الاتفاق، ونشر قوات دولية لحفظ السلام.

سياسيا لم يتغير شكل الدولة في كوسوفو، وظلت كما هي إقليما تابعا لصربيا، حتى إعلان استقلالها مرة أخرى بشكل كامل في 17 فبراير/شباط 2008، من قبل برلمان كوسوفو.

غير أنه هذه المرة تم الاعتراف باستقلالها من قبل 114 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوروبية، إلا أن روسيا والصين وبطبيعة الحال صربيا لم تعترف باستقلالها.

والجدير بالذكر هنا أن فترة حرب الاستقلال ارتبطت باسم هاشم تاجي الملقب بـ"الثعبان" أثناء الحرب.

ولد الرجل في 1968 في قرية بروتشنا وسط كوسوفو، وبدأ حياته كناشط في المقاومة السلمية مطلع التسعينيات قبل أن يتحول إلى زعيم لحركة جيش تحرير كوسوفو، ثم أول رئيس للوزراء في عام 2008، وبعدها رئيسا منتخبا عام 2016 لمدة خمس سنوات.

درس الفلسفة في جامعة بريشتينا، لكن محكمة صربية حكمت غيابيا عليه بالسجن لمدة 22 عاما، لتهم تتعلق بالإرهاب، فلجأ إلى سويسرا، وهناك التحق بجامعة زيورخ، وأكمل دراسته في قسم تاريخ جنوب شرق أوروبا والعلاقات الدولية.

في عام 2011، صدر تقرير لـ"مجلس أوروبا" اعتبره زعيما لمجموعة ارتكبت "جرائم حرب" ضد الصرب خلال حرب كوسوفو.

جرائم حرب

أثناء حرب الاستقلال التي بدأت ملامحها في مطلع التسعينيات واستمرت حتى نهاية عقدها، تشكل جيش "تحرير كوسوفو"، وهي قوات غير نظامية يتألف معظم أعضائها من ألبان كوسوفو المطالبين بالاستقلال.

كان هاشم تاجي يتزعم حركة جيش تحرير كوسوفو، وقد خاض حربا ضد القوات الصربية، قبل أن يتحول عقب ذلك لسياسي ثم رئيسا للبلاد.

في تلك الفترة قاد تاجي هجمات ضد مؤسسات صربية عدة، من بينها محاكم صربية في كوسوفو، وفي يونيو/حزيران 1996 أعلنت الحركة مسؤوليتها عن أعمال تخريب طالت مراكز للشرطة.

استمرت الحركة في أعمال المناوشة ثم الانسحاب، غير أنها تمكنت عقب ذلك من الحصول على السلاح بدعم من ألبانيا وكذلك من مواقع الشرطة والجيش التي هاجمتها، فشنت هجمات احتجزت فيها عناصر من القوات الصربية وآخرين معارضين للحركة المطالبة بالاستقلال.

بحسب لائحة الاتهام من قبل محكمة لاهاي، فإن زعيم الحركة هاشم تاجي أشرف مع 3 قادة آخرين على منشآت احتجاز غير قانونية، وتعرض المعتقلون فيها للتعذيب والقتل والانتهاكات الجسيمة.

أما القوات الصربية، فقد ردت بشكل عنيف، حيث شنت وقتها حملة اعتقالات استهدفت أعضاء من الحركة ومن الموالين لها وقتلت ما بين 1500 و2000 عنصر.

ونفذ الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسفيتش حملة تطهير عرقي، وهو الأمر الذي قاد لاعتقاله في وقت لاحق من عام 2006 من قبل محكمة لاهاي ثم وفاته في السجن أثناء المحاكمة.

زاد سعار القوات الصربية فشنت قصفا جويا، استهدفت فيه جيوب الحركة وأماكن وجود أعضائها، ولم تهدأ تلك الغارات حتى تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقصف مماثل للقوات اليوغسلافية استمر نحو 78 يوما حتى انسحاب الصرب من إقليم كوسوفو.

كانت حصيلة تلك المواجهات سقوط أكثر من 13 ألف قتيل، منهم 11 ألف كوسوفي ونحو ألفي صربي.

وقد وجهت المحكمة المتخصصة في كوسوفو في يوليو/تموز 2020، الاتهام رسميا للرئيس المستقيل هاشم تاجي بارتكابه عشر جرائم أدت لمقتل نحو 100 شخص من المعارضين، فضلا عن الإخفاء القسري والاضطهاد والتعذيب، و هو الأمر الذي ينفيه تاجي. 

اعتقال الرفاق

بالتزامن مع القبض على تاجي، تم اعتقال اثنين من زملائه السابقين في جيش تحرير كوسوفو، وهما قدري فيسيلي، زعيم الحزب الديمقراطي لكوسوفو، ورجب سليمي، نائب في البرلمان، تمهيدا لمثوله أمام القضاء في 9 نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي وقت سابق، كان فيسيلي قد صرح أنه سيسافر طواعية، وذلك لمواجهة "اتهامات غير عادلة"، على حد قوله.

وقبل اعتقال تاجي بيوم واحد، ألقت الشرطة العاملة في بعثة الاتحاد الأوروبي بكوسوفو، القبض على المتحدث السابق باسم جيش تحرير كوسوفو والسياسي الحالي يعقوب كراسنيكي، 69 عاما، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية.

وكانت المحكمة المتخصصة في كوسوفو قد ألقت القبض في 24 سبتمبر/أيلول 2020 على صالح مصطفى، الشريك المحتمل لهاشم تاجي ونقلته إلى مقر المحكمة في لاهاي.

وبالرغم من أن تاجي دعا مواطنيه في خطاب الاستقالة إلى التحلي بالهدوء والتعامل مع الأمر بشكل طبيعي، فإن هذه الخطوة، بحسب وكالة رويترز، من شأنها أن تسبب حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلد الذي تحكمه ديمقراطية ناشئة، حيث أصبح فيها تاجي أول رئيس للوزراء في عام 2008.