رفع الخيام وفتح الطرق.. كيف نجح الكاظمي في تغيير مسار حراك العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطوة غير متوقعة، أقدم ناشطو الحراك الشعبي في العراق على رفع خيمهم التي نصبت قبل عام كامل في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وأصبحت فيما بعد أكبر وأطول احتجاجات في تاريخ البلاد الحديث.

رفع الخيم وإعادة فتح ساحة التحرير وجسري السنك والجمهورية، أمام حركة المرور نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أثار علامات استفهام عن خيارات الحراك الذي انطلق مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وهل تواطأت الحكومة مع القوى الراغبة بإنهاء المظاهرات قبل الانتخابات المبكرة؟.

في 31 يوليو/ تموز 2020، أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تحديد 6 يونيو/ حزيران 2021 موعدا لإجراء الانتخابات، متعهدا بحماية جميع القوى المتنافسة في الانتخابات، بعيدا عن تأثير السلاح المنفلت.

تفكيك الحراك

الباحث في الشأن العراقي لطيف المهداوي قال لـ"الاستقلال": "الحراك في بغداد سيطر عليه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وتمكن من شق صف الناشطين،  وبالتالي تم رفع الخيم من ساحة التحرير، التي تعتبر أيقونة ثورة تشرين".

ولفت إلى أن "الجماهير التي خرجت في الذكرى الأولى للحراك يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كانت فيها مجاميع قريبة من رئيس الحكومة، وأخرى تابعة لقوى ومليشيات موالية لإيران، حرفت مسار التظاهرات وأحدثت فوضى في ساحة التحرير".

وحسب المهداوي، فإن "الكاظمي أصبح قادرا على استخدام ورقة المظاهرات في الضغط السياسي على القوى والأحزاب، فإذا أراد أن يخرج مظاهرات بساحة التحرير يستطيع عبر عدد من الناشطين الذين تربطهم علاقة بمستشاريه".

وأكد الباحث أن "الكاظمي أسس كيانات وأحزابا من ناشطين في مختلف المحافظات لخوض الانتخابات المقبلة، وكلها مدعومة من شخص رئيس الوزراء، إذ تدار العملية كلها من مستشاريه المقربين".

وفي المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي باسل الكاظمي، خلال تصريحات صحفية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن "الشعب كسر كل القيود وأصبح حرا الآن"، مضيفا: "الشعب العراقي مخيّر وليس مسيرا، وجميع المؤشرات والمعطيات تفيد بأن الشارع لم يتوقف لحظة عن الثورة".

وأشار إلى أن "مظاهرات ستخرج كل يوم، لأن هناك تراكمات كثيرة نتيجة تردي الوضع الخدمي والأمني والسياسي، إضافة إلى وجود أزمات على جميع الأصعدة، كلها تؤهل لأن يخرج الشارع في احتجاجات جديدة".

ولفت المحلل إلى أن "عمليات اختطاف ناشطين وإعلاميين ومحللين، تأتي عندما يتعالى صوت أي شخص رافض للتدخلات والإملاءات الخارجية وعلى رأسها إيران، حيث إن البعض لا يقبل مثل هذه الولاءات لإيران كما أن طهران لا تقبل بمعارضين لها، لذلك من السهولة حدوث عمليات خطف واغتيالات".

وأردف: "ولاء بعض الأطراف لإيران يجعل السلاح منفلتا ويظهر مجاميع مسلحة، وكذلك الأمر بالنسبة للأطراف التي لا تريد بناء دولة حقيقية وفرض القانون، بل تريد أن يكون العراق عبارة عن حلبة صراعات دولية، وكأن العراق حديقة خلفية لإيران".

وسائل جديدة

وبخصوص خيارات الحراك الشعبي بعد إنهاء وجوده في بغداد، قال الناشط المدني إكرام وصفي خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "الحرة" الأميركية في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن "الحراك لم يفقد زخمه المعهود، لكنه قرر إنهاء الاعتصام، والذي يُعد إحدى وسائل التغيير المنشود".

وأضاف وصفي: "بعد إنهاء الاعتصام في ساحة التحرير، لدينا وسائل أخرى اتجهنا نحوها في الوقت الحالي، وهي تسيير المسيرات السلمية والاحتجاج أمام أسوار المنطقة الخضراء (مقر الحكومة في بغداد)".

وأكد الناشط المدني رفض الحراك الشعبي المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، وعلل ذلك بالقول: "حتى اللحظة لم يخط رئيس الحكومة أي خطوة جادة من أجل توفير بيئة آمنة لإجراء هذه الانتخابات، فكيف يعقل المشاركة فيها".

وعن ذهاب بعض الناشطين إلى تشكيل كيانات للمشاركة بالانتخابات، قال وصفي: "للأسف البعض انجرف جراء إغرائهم بالأموال، ووعودهم بالمناصب، لكن ثوار تشرين الحقيقيين لن يخوضوا الانتخابات إلا بتوفير بيئة آمنة، وإجرائها تحت إشراف دولي وأممي".

ونوه وصفي إلى أن "الحكومة عاجزة حاليا عن الإفراج عن تحرير مختطف واحد من ناشطي الحراك، وكذلك عاجزة عن توفير الحماية للناشطين والإعلاميين، فكيف لها أن توفر بيئة آمنة للأحزاب المدنية الناشئة لخوض الانتخابات؟".

ولفت إلى أن "أكثر من 30 جهازا أمنيا، وما يزيد عن 65 مليشيا مدعومة من إيران واجهوا ثورة تشرين وقمعوها، إضافة إلى الإعلام المزيف والكاذب الذي حاول تشويه سمعتها، ومع ذلك فإن الثورة مستمرة ولا تزال ترعب أحزاب السلطة، التي تماطل في تنفيذ المطالب".

ورغم أفول المظاهرات في العاصمة بغداد، إلا أن مدن جنوب العراق لا تزال تشهد حراكا شعبيا مستمرا، خصوصا في مدينتي الناصرية والبصرة، حيث أصدر الناشطون في هذه المحافظات بيانات حذروا فيها من محاولات فض الاحتجاجات بالقوة من أي جهة كانت.

وطالبت الاحتجاجات الشعبية في العراق التي اندلعت في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بإنهاء الهيمنة الإيرانية على البلاد وإبعاد الطبقة السياسية التي تدير الحكم منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، كونها نهبت ثروات البلد ولم تقدم أي إنجازات تذكر.

تبريرات حكومية

وعلى ضوء إنهاء أي وجود للمظاهرات في بغداد، غرد الكاظمي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على تويتر قائلا: "شبابنا في ساحة التحرير ضربوا أروع الأمثلة الوطنية طوال عام كامل، اليوم يؤكدون شموخهم الوطني بإبداء أقصى درجات التعاون لفتح الساحة أمام حركة السير وإعادة الحياة الطبيعية".

الكاظمي خاطب المحتجين بأن الانتخابات هي موعد التغيير القادم، بالقول: "الانتخابات الحرة النزيهة هي موعد التغيير القادم الذي بدأه الشباب بصدورهم العارية قبل عام، والعراق لن ينسى شبابه".

قبل ذلك، قال أحمد ملا طلال المتحدث باسم الحكومة: "الكاظمي كان يتابع حركة الاحتجاجات عبر شاشات الكاميرات من مركز قيادة العمليات، ويعطي أوامره بعدم المساس بالمتظاهرين السلميين وحمايتهم"، لافتا إلى أن القوات الأمنية صبرت على "هجمات المولوتوف".

وأضاف ملا طلال خلال مؤتمر صحفي في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: أن "تظاهرات 25 تشرين الأول كانت استذكارا وتعزيزا لما قام به الشبان العام الماضي، وتعزيزا لحرية الرأي وقدرة الشبان على التغيير، وتعزيزا لقدرة الحكومة على فرض الأمن وحماية المتظاهرين". 

وأشار إلى أن "يوم الأحد (25 أكتوبر) كان يوما فاصلا في تاريخ التظاهر، وأثبت الشباب إصراره على تغيير الواقع وتعديل مسار العملية السياسية، ونجح بفرض إرادته، بعد أن أسقط حكومة اتهمها بعدم القدرة على حماية المتظاهرين، وأجبر السلطة التشريعية على تغيير مفوضية الانتخابات وإقرار قانون انتخابات جديد، وهو إنجاز كبير للشباب الواعي السلمي".

واستطرد ملا طلال قائلا: "الحكومة تفخر بنجاحها في حماية التظاهرات السلمية، وقد كان اختبارا كبيرا لصبرها تجاه البعض القليل الذين قد يكونون مدفوعين من أطراف معينة، أو قد يكونوا من الشباب المتحمس قليل الخبرة، وقد أثبت القائد العام حنكة كبيرة في التعامل معهم".

وتابع: "الكاظمي كان يتابع حركة الاحتجاجات عبر شاشات الكاميرات من مركز قيادة العمليات، ويعطي أوامره بعدم المساس بالمتظاهرين السلميين وحمايتهم، وعدم المساس أيضا ببعض الشباب المغرر بهم، ونفذت القوات الأمنية تلك الأوامر، وتحملت المتفجرات والقناني الحارقة ولم ترق قطرة دم واحدة".

وحسب قوله: فإن "هذه الحكومة حافظت على قلوب الشباب المتظاهر تنبض، في حين توقف قلب 18 شابا في البصرة عام 2018"، لافتا إلى أن "الرأي العام بات يميز بين أداء هذه الحكومة في حماية الاحتجاجات، وبين أداء الحكومات السابقة". 

وسقط خلال الأشهر الأولى من "مظاهرات تشرين" نحو 600 قتيل من المحتجين، وإصابة 27 ألفا آخرين، وسط اتهامات وجهت لقناصة تابعة لمليشيات شيعية موالية لإيران، إضافة إلى استخدام الأجهزة الأمنية لقنابل غاز تخترق الجماجم.