العلمانية الفرنسية.. هكذا تحولت إلى أيديولوجيا متطرفة ضد المسلمين

12

طباعة

مشاركة

هزت سلسلة جديدة من الهجمات الإرهابية فرنسا، كان أحدثها، عملية في كنيسة بمدينة نيس، خلفت ثلاثة قتلى، بعد مرور أسبوعين فقط من قطع رأس مدرس في ضواحي باريس بعد عرض رسوم كاريكاتورية للنبي محمد خلال فصله الدراسي. 

والسؤال المطروح: لماذا يتكرر استهداف فرنسا مرارا من قبل المتطرفين العنيفين؟ فقد نُشرت رسوم مشابهة في  ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا وحتى الدنمارك – حيث نُشر أول رسم - لم تشهد عنفا مشابها.

في تقدير فرهاد خسروخافار وهو مدير مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس، فإن السبب بسيط ويعود إلى "الشكل المتطرف للعلمانية الفرنسية وتمسكها بالتجديف، الأمر الذي غذى الراديكالية داخل أقلية من المجتمع".

وتحدث خسروخافار في مقال نشرته صحيفة بوليتيكو الأميركية ثم جرى حذفه، تحت ذريعة أنه غير موافق للسياسة التحريرية للموقع، عن ما أسماه "تطرف العلمانية الفرنسية وتحولها إلى أيديولوجيا متطرفة تساهم في تأزيم الوضع في فرنسا والتضحية بالأبرياء بتبنيها الإساءة إلى الإسلام واستهداف مقدساته".

وقال: "جاءت موجة العنف الأخيرة -على وجه التحديد- في أعقاب القرار الذي اتخذته صحيفة شارلي إيبدو الساخرة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، للاحتفال ببدء محاكمة منفذي الهجوم على مبنى الصحيفة في عام 2015 من خلال إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة والتي تسببت في الهجوم الأول".

ومنذ ذلك الحين أخذ هذا الثنائي - العلمانية المتطرفة والتطرف الديني – في التداعي الحر والاستفزاز المتواصل، وفق الكاتب. 

وواصل: "قديما كانت العلمانية الفرنسية تطلب من الدولة أن تكون محايدة وتدعو إلى احترام الأديان في المجال العام، من أجل تجنب تصاعد التعصب الديني، ولكن في العصر الحديث، تغيرت المعايير وأصبحت الدولة أكثر تطرفا، حيث تم استبدال العلمانية المعتدلة التي سادت حتى السبعينيات بشيء يشبه الدين المدني أو قل الدين العلماني".

ويعرف الكاتب الدين العلماني بأنه "نظام عقائدي له كهنة ( يمثلهم: الوزراء في الحكومة)، والبابا (يمثله رئيس الجمهورية)، وأتباع (مثقفون) وزنادقة (أي شخص يدعو إلى موقف أقل عدائية تجاه الإسلام يكون موقفه مرفوضا ويوصف بأنه إسلامي أو متطرف)".

العلمانية الجديدة

وأردف: أن "إحدى السمات المميزة لهذه العلمانية الجديدة هي الترويج للتجديف الديني - وعلى وجه الخصوص، التعبير المتطرف عنه في شكل رسوم كاريكاتورية تسيء للمقدسات الدينية". 

تجلى هذا التحول في العلمانية بشكل كامل بعد مقتل المعلم الذي أظهر رسوما كاريكاتورية مسيئة للمسلمين في فصوله الدراسية.

حينها أشاد العديد من المثقفين الفرنسيين بعملية الإساءة والتجديف ودافعوا بشكل لا لبس فيه عن الحق في حرية التعبير وعن الحكومة. لقد كان ينبغي عليهم التأمل مليا في كلماتهم، يقول الكاتب.

وأوضح أنه "في أوروبا الغربية، فإن حرية التجديف معترف بها قانونيا، لكن حماية حرية التجديف شيء والحث على التجديف بحماس -كما هو الحال في فرنسا- شيء آخر". 

ويعتبر التجديف، وفق الكاتب، شكل ساخر وغير جدلي من أشكال حرية التعبير. يمكن استخدامه، ولكن باعتدال في بلد يشكل المسلمون  فيه ما بين 6 و8٪ من عامة السكان، وقد جاء معظم آبائهم وأجدادهم من المستعمرات الفرنسية في شمال إفريقيا.

يتذرع كثير من المدافعين عن التجديف بحرية التعبير، لكن ما يفعله التجديف في الواقع، هو حبس فرنسا في حلقة مفرغة من الاستجابة للإرهاب والعنف مما يجعلها أقل حرية وأقل استقلالية، وفق تعبيره. 

ويرى أن "الاستخدام المفرط للرسوم الكاريكاتورية باسم الحق في التجديف يلغي النقاش العام والفضاء المشترك في نهاية المطاف، فهو يوصم ويهين حتى أكثر المسلمين اعتدالا أو حتى علمانية، وكثير منهم لا يفهمون تركيز وهوس العلمانيين الفرنسيين بالإسلام والحجاب والصلاة اليومية والتعاليم الإسلامية".

والنتيجة هي حلقة فارغة إلا من الموت والاستفزاز، والاستفزاز المضاد، وانحدار المجتمع إلى الجحيم. ويؤكد أنه "مع تطرف العلمانية الفرنسية، تضاعف عدد الهجمات الإرهابية في البلاد".

ويختم الكاتب: "يدعي العلمانيون الفرنسيون أنهم يناضلون من أجل حرية التعبير، ولكنهم بذلك يضحون بالأبرياء، بينما يرفض المسلمون في جميع أنحاء العالم العلمانية الفرنسية ويقاطعون منتجات البلاد".

 وفي الداخل يواجه المسلمون الفرنسيون قيودا على حريتهم في التعبير تحت ذريعة إحباط الدعاية الإسلامية. وبذلك، تدفع فرنسا ثمنا باهظا لعلمانيتها الأصولية داخل حدودها وخارجها، بحسب الكاتب.