"تاريخ أسود".. مركز دراسات إيطالي: هذا ما تسعى إليه ألمانيا بإفريقيا

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع مركز الدراسات الجيوسياسية الإيطالي، تقريرا تناول فيه مظاهر وأهداف اهتمام ألمانيا المتجدد بالقارة الإفريقية بعدما خلف استعمارها جروحا عميقة في المنطقة، وأضعف علاقاتها مع البلدان، رغم أنه كان أقل نفوذا من استعمار الإنجليز وفرنسا.

وقال الموقع: إن ألمانيا حاولت في السنوات الأخيرة إعادة تلميع صورتها كإمبراطورية استعمارية سابقة في إفريقيا، واختارت في كثير من الأحيان متابعة مصالحها من خلال المنظمات الدولية وتقدم نفسها كلاعب "صامت" ولكن إستراتيجي في سياسة القارة السمراء.

وأشار المركز إلى أن لدى ألمانيا ماضيا استعماريا مهما في إفريقيا نشأ منذ "مرغريفية براندنبورغ" (إمارة للإمبراطورية الألمانية) وينتهي بمعاهدة فرساي في عام 1919 على الرغم من المحاولات العديدة  لاستعادة الإمبراطورية الاستعمارية من قبل النازية.

وذكر الموقع أنه "طالما كانت تجربة الاستعمار الألماني قليلة الحضور في النقاشات العامة وتم تجاهلها في المسائل المتعلقة بإنهاء الاستعمار، وهي صفحة شبه منسية في تاريخ وطني محرج". 

لكن الإرث الاجتماعي والاقتصادي لتلك الفترة واضح للعيان، بوجود نحو مليون ألماني من أصل إفريقي، وفي ناميبيا غيرت الإبادة الجماعية إلى الأبد الحمض النووي للبلاد. لذلك تتحمل ألمانيا مسؤولية  ما يسمى بالإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين بإبادة أكثر من 80 بالمئة من قبيلة هيريرو ونحو 50 بالمئة من قبيلة ناما، وفقا للموقع.

تاريخ أسود

وأوضح المركز الإيطالي أنه "لسنوات عديدة، رفضت برلين الاعتراف بالفظائع المرتكبة، على الرغم من الأدلة الدامغة التي تؤكد عمليات الترحيل إلى صحراء كالاهاري، وتسميم الآبار، والعمل القسري في معسكرات الاعتقال، والاغتصاب والقتل الجماعي. فضلا عن العديد من تجارب تحسين النسل على السجناء، وذهب العديد من العلماء إلى حد اعتبار هذه الحلقة من الجرائم بمثابة بروفة للهولوكوست". 

وأردف: فقط في عام 2015، بعد أكثر من مائة عام من الحدث، وافق وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير على الإشارة إلى تلك الحقبة بعبارة "جرائم الحرب والإبادة الجماعية"، وإن كان ينفي إمكانية التعويض ماديا لأحفاد الضحايا. وحتى اليوم، يتمسك أحفاد هيريرو مع الجماعات العرقية الأخرى ضحايا الإبادة الجماعية بطلب الاعتراف بالمسؤولية عن الجرائم المرتكبة. 

وفي هذا الشأن،  أعلنت تنزانيا أيضا في عام 2017 عن استعدادها لتقديم طلب تعويض عن الفظائع التي ارتكبها الجيش الألماني خلال ثورة ماجي ماجي. وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف قتلوا بالرشاشات وأن نحو 250 ألف شخص ماتوا من الجوع جراء الانتقام من السكان الأصليين. 

وبدورها، أطلقت بوروندي لجنة هذا الصيف لتقدير الأضرار من الحقبة الاستعمارية الألمانية (والبلجيكية). وحتى الآن، لم تعتذر ألمانيا رسميا عن الفظائع المرتكبة، خوفا من أن تؤدي هذه البادرة إلى مطالبات بالتعويض. 

اهتمام إستراتيجي

ولفت الموقع إلى أن الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، أحدثت جدلا جديدا في ألمانيا حول ماضيها الاستعماري، الأمر الذي أدى إلى خلق مناخ من وعي أكبر ليس فقط بالخيارات التاريخية للبلاد ولكن أيضا بتداعياتها الحالية.

وعلى سبيل المثال، يضيف الموقع، أنه بعد سنوات من النضال، سيتم تغيير اسم شارع "مورين شتراسه''، ذي المعنى السلبي للغاية في اللغة الألمانية، ليحمل اسم أنطون ويلهلم أمو، الفيلسوف الألماني من أصل إفريقي، الأول من القارة السمراء الذي التحق بجامعة مسيحية في أوروبا في  القرن الثامن عشر.

وأوضح الموقع أن النقاش الداخلي بشأن المسؤوليات الاستعمارية للبلاد، رافقه اهتمام إستراتيجي متجدد بالقارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، مدفوعا بكل من الحوافز الاقتصادية وحاجة ألمانيا إلى تعزيز صورتها الجديدة كقوة مهيمنة إقليمية ومدنية وخيرة. وفي هذا الإطار، جاء اقتراح خطة مارشال لإفريقيا الموقعة من ألمانيا، من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي للقارة.

وإذا كانت برلين تحاول من ناحية أن تصبح لاعبا أكثر حزما، فإنها من ناحية أخرى تفعل ذلك بطريقة أكثر عزلة من الجهات الفاعلة الأخرى، على سبيل المثال فرنسا، وذلك للحفاظ على صورة أكثر حيادية في القضايا الشائكة للقارة، وفقا للموقع.

وتابع: أن ألمانيا تدرج أهدافها الإستراتيجية في خطة أوروبية بدلا من خطة وطنية من خلال محاولة دفع أجندتها عبر الاتحاد بدلا من كونها طرفا واحدا. وتتمتع برلين بميزتين في نقل سياستها الخارجية بالتناغم تقريبا مع الاتحاد الأوروبي، إذ لا يقلل هذا من انكشاف البلاد في مواقفها السياسية الدولية فحسب، بل إنه يعزز أيضا صورة الاتحاد كجهة فاعلة، ذات أهمية خاصة لألمانيا لأنها تستفيد (واستفادت) إلى حد كبير من التعددية. 

مشروع "باكت"

وأضاف المركز الإيطالي أن مشروع "باكت'' يعتبر أحدث مثال على التوافق بين السياسة الخارجية الألمانية والعلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهو شراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي لمساعدة البلدان الإفريقية على تحسين قدراتها في الكشف عن الحالات المصابة بفيروس كورونا وإدارة الفحوص، وتلعب ألمانيا دورا رائدا في توزيع اختبارات الفحص.

 وفي 1 سبتمبر/أيلول 2020، تم نقل 500 ألف اختبار للكشف عن كوفيد 19 إلى إفريقيا عبر جسر جوي للاتحاد الأوروبي ضمن خطة برلين لدعم القارة الإفريقية، والتي تتضمن حزمة مساعدات بقيمة 10 ملايين يورو لدعم الأنظمة الصحية المحلية. 

وخلال فترة رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2017، أثبتت ألمانيا مرة أخرى استعدادها لإثارة العلاقات "الأفرو-ألمانية" في النقاش الدولي من خلال طرح قضية تنمية القارة الإفريقية على طاولة المفاوضات لأول مرة. وفي العام نفسه، طورت برلين أيضا خطة مارشال لإفريقيا.

وأكد الموقع الإيطالي أن إفريقيا لم تكن تاريخيا أولوية إستراتيجية بالنسبة لألمانيا، التي حددت تقليديا مجال نفوذها الأساسي في وسط أوروبا. لكن لا يمكن إنكار اهتمام برلين المتزايد بشؤون المنطقة والزخم الجديد لسياسة تعاونها مع الدول الإفريقية.

مشاريع ألمانية

ويعتبر الاهتمام الإستراتيجي السياسي المتجدد، مُكملا للارتباط الاقتصادي طويل الأمد مع المنطقة، حيث طورت ألمانيا علاقات تجارية مهمة مع المنطقة على مر السنين (خاصة مع جنوب إفريقيا).

 وعلى سبيل المثال، كثفت شركة فولكس فاجن جهودها لتوسيع أنشطتها في إفريقيا ببدء الإنتاج في كينيا في عام 2016، وافتتحت شركة "باير" رسميا فرعها الجديد في لاجوس في عام 2015، وقد أبرم كل من البنك الاتحادي الألماني والبنك الاحتياطي لجنوب إفريقيا اتفاقية لاستضافة تمثيل للبنك الألماني في جنوب إفريقيا، وأطلقت شركة لوفتهانزا للطيران رحلة مباشرة جديدة بين فرانكفورت وكيب تاون، لتوسيع وجودها في المنطقة. 

كما انعقد منتدى الأعمال الألماني الإفريقي الثاني في 24 سبتمبر/أيلول 2020 بصفة افتراضية، وتم خلاله الإعلان عن توقيع البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد على مذكرة تفاهم مع مصنعي السيارات الألمان بهدف إنشاء إستراتيجية صناعية  لإنتاج السيارات على الطراز الإفريقي.

وذكر المركز أن التعاون بين ألمانيا وإفريقيا شمل مجال الطاقة أيضا، وعلى سبيل المثال وظفت غينيا الاستوائية مقاولين ألمانيين لبناء أول مصنع لتخزين وإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال في غرب إفريقيا. 

وختم تقرير مركز الدراسات الإيطالي تقريره، بقول: إن "ألمانيا أضحت لاعبا متناميا في إفريقيا، على الرغم من أن سياساتها غالبا لا تحدث ضجة كبيرة في وسائل الإعلام".