"ثورة جياع" تقترب من مناطق النظام السوري.. هل يشعلها رغيف الخبز؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة غليان كبيرة تشهدها مناطق سيطرة النظام السوري جراء استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لا سيما بعدما أعلنت وزارة التجارة التابعة للنظام رفع أسعار الخبز، تزامنا مع نفاد مخزونها من الطحين وتوقف أفران عدة عن العمل بالعاصمة دمشق.

وكالة "سانا" ذكرت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن "وزارة التجارة رفعت سعر مادة الخبز، وحددت سعر بيع كيلو جرام الخبز المدعوم من دون كيس بمبلغ 75 ليرة سورية (2510 ليرة = دولارا واحدا)، وسعر الربطة 1100 جرام ضمن كيس نايلون بـ 100 ليرة".

وبررت وزارة التجارة بحكومة نظام بشار الأسد رفع سعر الخبز نظرا للصعوبات التي تواجهها في توفير الطحين وارتفاع قيمته وتكاليف شحنه، إضافة إلى حالة الحرب وحصار جائر (قانون قيصر الأميركي) منعها من توفير القمح والدقيق، على حد قولها.

"ثورة جياع"

خطوة النظام الأخيرة في رفع أسعار الخبز، دقت جرس الإنذار بقرب اندلاع "ثورة جياع" في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات بشار الأسد، فقد كتب العضو السابق في مجلس الشعب التابع للنظام، نبيل صالح على "فيسبوك" قائلا: "السلطات قد خسرت آخر أوراق التوت، وبانت عورتها كما لم يحصل من قبل، فاحذروا غضب الجياع".

من جهته، أكد الكاتب والصحفي السوري قتيبة ياسين في حديث لـ"الاستقلال" حالة الغليان والتذمر الشعبي في مناطق سيطرة النظام، بالقول: "كل ما ينقل عبر وسائل التواصل ما هو إلا رأس الهرم الجليدي، ففي سوريا لا أحد يصور أو ينقل- أي لا يجرؤ- ولو كان هناك حرية لرأيتم العجب العجاب".

وأوضح ياسين أن "كل ما يصلنا هو من إعلام النظام، فلتخيل حقيقة الأوضاع في الداخل السوري علينا ضربها بعشر أضعافها، وأن هناك أشياء فظيعة تحدث لا يجري نقلها لعدم توفر المصادر الكافية".

‏وتساءل الكاتب السوري، قائلا: "هل تعرف ماذا يعني أن يكون الخبز وتأمينه موضوع نقاش المواطن؟ ‏يعني أن الحديث عن الدجاج أو اللحوم ضرب من الرفاهية التي يملكها عدد محدود".

وأكد ياسين أنه "‏إذا استمر الأمر لشهور، ومع قدوم فصل الشتاء الذي سيزيد من قساوة الجوع، أتوقع أننا سنرى ما لم نكن نتخيله"، لافتا إلى أن "هذا النظام لا حاضنة له ‏إلا النسبة الأقل، وأن الأغلبية في مناطق سيطرة النظام هم من الصامتين".

من جهته، رأى المحلل الاقتصادي الدكتور زكريا ملاحفجي خلال حديث صحفي في 31 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020 أن "النظام يلقي اللوم على الخارج، بهدف رفع العقوبات والحصول على مساعدات بذريعة أزمات الاحتياجات الغذائية التي هي أصلا معفاة من قوانين العقوبات المفروضة. فكل ذلك مناورات قذرة وعبث بمقدرات البلد وقوت الناس من أجل بقائه في الحكم، وهو أصل كل البلاء والكوارث، ويتحدث النظام عن نفاد الطحين في بلد أصلا ينبغي أنه محقق الاكتفاء الذاتي الغذائي".

وأضاف: "النظام بدأ الحديث عن نفاد مادة الطحين عقب أزمة الخبز وأزمة الوقود لا سيما بعد نفاد العملة الصعبة من المصرف المركزي وصرف كل الموارد باتجاه الحرب وتسليم وبيع الثروات والمعابر المائية لحلفائه ثم المتاجرة السياسية بقوت الناس، وبينما يرفض الروس بيع القمح للنظام، فإنه يزج بالموارد للحروب ويصرح عن قرب النفاد ويطلب رفع العقوبات فيضحي بالمواطن عبر نهب قدرات البلد للحرب".

دعوات للتظاهر

وبخصوص تداعيات رفع أسعار الخبز على مناطق سيطرة النظام، أكد الكاتب قتيبة ياسين أن "هناك دعوات في السويداء للخروج تحت شعار بدنا نعيش، وأن ‏هذه الدعوات تجد تأييدا ‏ممن كان يرفضها"، مشيرا إلى أن "‏الجوع لا يعرف مؤيدا ومعارضا ورماديا. من يجوع سيخرج ليأكل".

وتناقلت صفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات أطلقها ناشطون وأهالي محافظة السويداء (التي تسكنها غالبية درزية) للخروج بمظاهرات سلمية بالمدينة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تنديدا بالوضع المعيشي وارتفاع الأسعار.

وجاء في نص الدعوة: "بعد رفع أسعار كثير من المواد ظل الشعب ساکتا على أساس نحن بوجه مؤامرة ولازم نصمد لتظل البلد صامدة بس اليوم وصلت القصة للقمة عيشنا وبحجة الحصار ونحن شبعنا سكوت عن الذل إذا ما طلبت حقك بتموت وما حدا بطلع فيك".

ودعا القائمون على دعوة التظاهر، أبناء الشعب إلى الثورة للحصول على الحقوق، وعدم الركوع، بالقول: "أيها الساجدون على عتبات الجوع ثوروا، فالخبز لا يأتي بالركوع".

وعلى خلفية هذه الدعوات، نقلت مواقع معارضة عن مصادر محلية في محافظة السويداء، أن مدينة السويداء شهدت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، استنفارا أمنيا كبيرا لقوات النظام السوري وأجهزته الأمنية أمام مبنى المحافظة (مكان المظاهرات).

وسارع فرع الأمن العسكري بنشر عناصره مدججين بالسلاح الخفيف والمتوسط، في عدة مناطق بالمحافظة وقطع الطرقات والمدخل الشمالي والجنوبي لمدينة السويداء، الأمر الذي حال دون خروج تظاهرات شعبية ضد الوضع المعيشي المتدهور.

وفي وقت سابق، نشرت صحيفة "الوطن" الموالية لنظام الأسد، أن عددا كبيرا من المواطنين في محافظة حماة اشتكوا من اشتداد الأزمة في المدينة، وأن بعضهم اشترى ربطة (كيس) الخبز الواحدة بـ3 آلاف ليرة في ساحة العاصي.

ويأتي رفع سعر الخبز في مناطق النظام، بعد يومين من تأكيد رئيس حكومة الأسد حسين عرنوس "قرارنا أن الرغيف خط أحمر، ولن يمس إلا في الحدود البسيطة"، مؤكدا أن حكومته "ملزمة باتخاذ قرارات قاسية لها وليست سعيدة بذلك".

وذكر عرنوس أن حكومته اشترت 690 ألف طن من القمح منها 300 ألف طن في الحسكة، بسعر 280 دولارا للطن الواحد، لافتا إلى أن كميات القمح التي اشترتها حكومته مؤخرا "لا تكفي سوى شهر ونصف لإنتاج الخبز".

أقفاص حديد

على ضوء أزمة الخبز التي تعصف بمناطق سيطرة النظام السوري، والزخم البشري أمام المخابز، لجأت حكومة الأسد إلى إجراءات مهينة للسوريين، بوضع أقفاص حديدية أمام أحد الأفران الحكومية في العاصمة دمشق "لتنظيم طوابير الخبز".

وصرح مدير مخابز دمشق، نائل اسمندر، لوسائل إعلام محلية، بأن هذه الطريقة استخدمت "لتنظيم الأدوار فقط، وللفصل بين الرجال والنساء وجنود الجيش". كما أضاف: أن "ثقافة الدور (الطوابير) غير موجودة في سوريا".

وأثارت الصورة التي تداولها سوريون بشكل واسع، موجة واسعة من الغضب والاستنكار، إذ اعتبرها البعض "طريقة جديدة لإذلال الشعب"، كما أعادت الجدل حول الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وصعوبة الحصول على المستلزمات اليومية ولقمة العيش التي باتت عصية وبعيدة عن متناول يد غالبية السوريين.

ووجه معارضو النظام السوري اللائمة على الحكومة وعلى ما وصفوه بـ"العقلية الأمنية التي تنظم حياة المواطن بالسجون والأقفاص"، في إشارة إلى لجوء الأسد إلى القمع والسجن للتخلص من الأزمات.

وفي صورة أخرى زادت من الغليان الشعبي ضد نظام الأسد، هو ما تعرض له رجل مسن يبلغ من العمر 83 عاما للضرب من أفراد وصفهم ناشطون بأنهم "شبيحة الأسد"، وذلك أثناء وقوفه في الطابور للحصول على الخبز.

وقال ذكي أليكسان، ابن الرجل المسن في تصريحات صحفية: إن "شخصا ضخما عمره نحو 55 عاما ويرتدي زيا مدنيا دفع والدي الذي وقع أرضا ليأخذ الخبز دون أن يأبه بالناس ويغادر المكان عبر سيارته المركونة في رأس الحارة دون أن يتمكن أحد من الحصول على نمرتها".

وأضاف ذكي: "أحد جيراننا أسعف والدي، الذي ينزف الدم من رأسه، إلى مشفى سلوم الذي أخاط له الجرح قبل نقله إلى البيت"، مؤكدا: "أريد معرفة من اعتدى على والدي ليس لأرفع دعوى عليه، لأن الله سيحاسبه، بل لأنها قضية رأي عام وهكذا بني آدم يجب ألا يتطاول على أحد".

وتفاقمت أزمات سوريا الاقتصادية في الآونة الأخيرة إثر العقوبات الأميركية وقانون "قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020، والذي قامت الحكومة السورية على إثره برفع أسعار البنزين والمازوت، وسط تفاقم أزمة شح المحروقات وانخفاض مستمر لقيمة الليرة.

ولجأت الحكومة السورية إلى سياسة تقنين في توزيع الخبز، ليصبح شراؤه عن طريق "البطاقة الذكية"، إذ تبرر حكومة نظام الأسد الواقع المعيشي المتدني بـ"الحصار الجائر والعقوبات الغربية وقانون قيصر" وتتخذها ذريعة لرفع الأسعار.