مساعٍ إسرائيلية.. هل يتحقق التطبيع بين تل أبيب وبغداد؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من النفي الرسمي العراقي لوجود علاقات تطبيع مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة ما انفكت تصدر التقرير تلو الآخر تزعم فيه تطور العلاقات الشعبية والسياسية بين بغداد وتل أبيب.

وكان آخر ما نشرته الخارجية الإسرائيلية، هو استطلاع رأي أجرته في نهاية ٢٠١٨ تدّعي فيه تصدر العراقيين شعوب الشرق الأوسط الراغبة بالتطبيع، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول حقيقة العلاقات بين تل أبيب وبغداد.

وقبل ذلك، أطلقت خارجية إسرائيل مطلع مايو/أيار 2018 صفحة على "فيسبوك" باسم "إسرائيل باللهجة العراقية". وقالت في تغريدة على "تويتر" إن "هذه الخطوة تهدف لخلق تواصل وحوار مثمر بين الشعبين الإسرائيلي والعراقي وإظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل".

وكتبت في صفحتها على "فيسبوك" أن "هناك تاريخا حافلا يجمع اليهود ببلاد الرافدين بعد أن عاشوا فيها أكثر من 2500 عام، إذ إن المتحدرين من بلاد الرافدين لا يزالون يحملون ذكرياتهم ومساهماتهم في بناء العراق الحديث".

تاريخ العلاقات

نزح يهود العراق بشكل جماعي بعد قيام "دولة إسرائيل" عام 1948، مما دفع الحكومة العراقية إلى إقرار قانون إسقاط الجنسية عمّن غادر دون تنسيق مع الحكومة، كما صدر قانون آخر يقضي بتجميد أموال المغادرين.

وكان العراق من الدول العربية التي شاركت في الحرب ضد إسرائيل دفاعا عن أرض فلسطين عام 1948، حيث لا زالت تحتفظ أرض فلسطين بـ"مقبرة الشهداء" للجنود العراقيين في محافظة جنين.

أما في حرب 1967، شارك العراق مع مصر الحرب ضد إسرائيل، بعدما نقل الفوج الأول من لواء المشاة الأول إلى مصر بـ 5 طائرات نقل اليوشن، واستقبلهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وكان العراق أحد الدول العربية المشاركة في حربي مارس/ آذار وأكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، ضد إسرائيل، ويعد الجيش العراقي ثالث أكبر الجيوش العربية التي شاركت في الحرب بعد مصر وسوريا.

وفي عام 1981، قصفت إسرائيل "مفاعل تموز1" النووي العراقي، اشتركت فيها ثماني طائرات دمرت المفاعل تدميرا كاملا في أول هجوم ضد منشأة نووية بالعالم. وقد بررت إسرائيل هجومها بإحباط محاولة العراق استغلال هذا المفاعل لإنتاج أسلحة نووية يستخدمها ضدها.

ويفيد قائد سلاح الجو الإسرائيلي خلال عملية قصف المفاعل العراقي الجنرال ديفد عبري، بأن الحديث عن التهديد النووي العراقي بدأ 1976 لكن لم يُتخذ قرار إسرائيلي للتخلص منه إلا 1981، وذلك بعد استكمال معلومات أمنية واستخبارية وصلت من داخل العراق عن المفاعل والمراحل التكنولوجية التي وصل إليها، عبر تجنيد عملاء بعضهم خبراء أجانب عملوا في المفاعل العراقي.

وساد التوتر سابقا بين العراق تحت حكم الرئيس الراحل صدام حسين وإسرائيل، فقد قصفت بغداد في يناير/كانون الثاني 1991، تل أبيب بـ 39 صاروخا نوع "سكود"، ردا على الحملات الجوية التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عملية "تحرير الكويت"، التي استمرت لأكثر من شهر إلى أن انتهت في 25 شباط/فبراير من العام ذاته.  

وبعيدا عن بغداد، فإن النشاط والعلاقات الإسرائيلية مع إقليم كردستان العراق تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث شهدت هذه العلاقات حالة من المد والجزر والانقطاع في بعض الفترات.

لكن بعد الغزو الأمريكي للعراق يرى الجانبان أن الأوضاع في المنطقة تغيرت لتخرج هذه العلاقات للعلن في العام 2015 حين أعلن عن إقدام إسرائيل على استيراد 19 مليون برميل نفط سنويا من الإقليم.

وعمدت إسرائيل إلى مساعدة الأكراد سرا، خاصة في المجال العسكري، كما دربت قوات البشمركة (التابعة لحكومة الإقليم) وزودتها بالسلاح، بالمقابل حصلت تل أبيب على مساعدات استخباراتية عن العراق وإيران وعلى هجرة اليهود الذين عاشوا في العراق.

وكذلك، إسرائيل هي الوحيدة التي دعمت استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستان العراقي في سبتمبر/أيلول 2017، رغم معارضة الجوار العراقي والولايات المتحدة لهذه الخطوة.

ورفع العلم الإسرائيلي، عقب انتهاء الاستفتاء وخروج المواطنين في الإقليم للاحتفاء بتحقيق نسبة عالية في تأييد الانفصال عن العراق.

"شيعة مع التطبيع"

نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تقريرا للكاتب الإسرائيلي جاكي خوجي، قال فيه إن الشيعة في العراق بات لديهم تأييد وتعاطف مع إسرائيل، لأنهم يذكرون أن الفلسطينيين كانوا من مؤيدي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ولذلك باتوا يبحثون عن اتصالات تجمعهم بإسرائيل.

وأضاف خوجي، محرر الشؤون العربية بإذاعة الجيش الإسرائيلي، أن غالبية الجمهور العراقي غير منشغل كثيرا بـالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ورغم أن بعضهم ينظر باشمئزاز لإسرائيل، والبعض الآخر من بقايا عهد صدام، فقد نشأت فئة ثالثة بين العراقيين تدعو لتجديد الاتصالات مع اليهود.

وأوضح أن بغداد باتت تشهد لوبي إسرائيليا، ونقل عن بعض المثقفين والكتاب العراقيين قولهم لوسائل إعلام أميركية إن معاداة إسرائيل ليست من مصلحة الشيعة، وعلى الشيعة واليهود التوصل لتفاهمات مشتركة تعمل على حفظ الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.

ورأى خوجي: إذا نجح اليهود والشيعة بتحييد أجندة إيران، وبقايا إرث حزب البعث العراقي، فإنهما لن يجدا سببا منطقيا لإبقاء العداء تجاه إسرائيل، لأن غالبية الدول العربية، ومن بينها الدولة الفلسطينية ذاتها، لديها علاقات مع تل أبيب.

وختم بالقول: في حال طرحت الحكومة العراقية موضوع إجراء اتصالات مع إسرائيل للنقاش العام، فإنها ستواجه بمعارضة كبيرة من اللوبي الإيراني ببغداد، لكن الرأي العام الشيعي لا يجد نفسه معاديا لإسرائيل بالضرورة، كما كان في السابق.

محاولات إسرائيلية

يبدو أن أحلام خوجي هذه صدقتها إسرائيل لوحدها، فقد أعلن وزير المالية موشيه كحلون في يناير/ كانون الثاني الماضي، شطب العراق من قائمة "دول العدو" (التي تشمل لبنان وسوريا والسعودية واليمن وإيران)، حيث وقع مرسوما يجيز التبادل التجاري مع بغداد.

وينص المرسوم على أن العراق ليس دولة معادية، إذ كتب الوزير الإسرائيلي في نص التصريح "بموجب سلطتي وفقا للمادة 3 من الأمر التجاري رقم 1، أمنح المصادقة للإسرائيليين للتداول التجاري مع العراق حتى نهاية مارس/آذار 2019".

وسبق أن كشفت إسرائيل النقاب عن زيارات سرية قامت بها ثلاثة وفود عراقية إلى تل أبيب، إلا أنها لم تفصح عن أهداف وتفاصيل الزيارات، واكتفت بالقول إن "الوفود ضمت 15 شخصية سنية وشيعية، وزعماء عشائر وقيادات محلية لها تأثيرها بالعراق".

وقالت الخارجية الإسرائيلية، إن الشخصيات العراقية زارت متحف "ياد فاشيم" لتخليد ذكرى المحرقة، بيد أن الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان" أوضحت أن الهدف من الزيارات هو فحص الأسس للعلاقات المستقبلية بين إسرائيل والعراق.

كما قالت، إن الوفود العراقية اجتمعت مع شخصيات أكاديمية وبعض المسؤولين السياسيين الرسميين، لكن دون الإعلان عن هوية المسؤولين الإسرائيليين والجهة التي يمثلونها، فيما كشفت شخصيات إسرائيلية عن أسباب الزيارة.

وقال الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين، عبر "تويتر" في يناير/ كانون الثاني الماضي، إن "الحكومة العراقية أرسلتها للتفاوض مع  إسرائيل بشأن الانسحاب الإيراني من جنوبي سوريا، مقابل وقف القصف الإسرائيلي للأراضي السورية".

وزعم كوهين أن "الوفود فاوضت أيضا، بشأن حل الأحزاب الشيعية في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج، وأن تعلن جميعها التطبيع مع إسرائيل".

أما مراسل الشؤون الفلسطينية والعربية بالقناة الثانية الإسرائيلية أوهاد حيمو، فقد قال إن زيارات الوفود العراقية التي تمت بسرية، كانت ذات طابع اجتماعي وثقافي، حيث اجتمع أعضاء الوفود العراقية بمسؤولين إسرائيليين مرتبطين باليهود العراقيين.

ورأى أن التكتم على الزيارات يعود إلى وجود العديد من القوات الإيرانية في العراق، ويقول حيمو "لأنه بالمقارنة مع الفضاء العربي المعادي، فإن العراق لديه مواقف إيجابية ومتعاطفة نسبيا تجاه إسرائيل".

وفي تصريح مفاجئ، قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خلال كلمة ألقاها في الجامع الأمريكية بالقاهرة في 10 يناير/ كانون الثاني 2019، إنه "من كان يتوقع أن تقيم إسرائيل علاقات مع السعودية والعراق".

برلمان العراق يرد

على خلفية التقارير التي تحدثت عن زيارات أجرتها وفود عراقية لإسرائيل، أمر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، بتشكيل لجنة للتحقيق بتلك المزاعم.

وقالت الدائرة الإعلامية للبرلمان، إن "رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وجه خلال جلسة اليوم، بتشكيل لجنة من الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية النيابية للتحقيق بمزاعم الزيارة لوفود عراقية إلى إسرائيل".

وكان الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، قد نشر أسماء عدد من أعضاء البرلمان العراقي، زاعما أنهم زاروا إسرائيل وهم: "النواب السنة: أحمد الجبوري، أحمد الجربا، عبد الرحمن اللويزي (نائب سابق)، عبد الرحيم الشمري، خالد المفرجي، وعالية نصيف عن بغداد شيعية".

وعلى الفور رد النواب الواردة أسماهم، بنفي قاطع متهمين الصحفي الإسرائيلي بالسعي مع جهات سياسية خارجية (لم يسمونها) لتشويه سمعتها، لمواقفهم الرافضة للاحتلال، وآخرها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.

ونشر النائب أحمد الجبوري، على حسابه في "تويتر" مقطعا مصورا، لكلمته أثناء انعقاد جلسة طارئة للبرلمان العربي، لبحث تداعيات قرار الرئيس الأمريكي ترامب، بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، والاعتراف بها عاصة لإسرائيل.

كذلك علق النائب السابق عبد الرحمن اللويزي، على إدراج اسمه من ضمن الوفد المتهم بالزيارة، ضمن تغريدة له في موقع تويتر، بإدراج نص لأية كريمة من سورة الإسراء والتي تتحدث عن دخول المسلمين للمسجد الأقصى، مع تفعيل تاغ يحمل اسم إيدي كوهين .

من جهتها، وصفت النائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف، التي وضع اسمها ضمن مجموعة أسماء نواب نشرها الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين أدعى بأنهم زاروا إسرائيل، بأنه مدفوع والنشر لم يكن اعتباطيا.

ونقلت صحيفة "عربي21" عن نصيف قولها إن "ما أظهره المحلل الصهيوني مهزلة، وأثار نوعا من الدعاية دون أن يستند إلى أدلة وأسانيد، ونشر هذه الأسماء لغاية في نفسه بالتزامن مع إعلان الخارجية الإسرائيلية زيارة وفود عراقية إلى إسرائيل".

وأضافت أن "الصحفي الصهيوني استغل إعلان الخارجية الإسرائيلية وذكر أسماء على هواه، قد يكون باتفاق مع الإعلامية الكويتية فجر السعيد لأنها على علاقة وثيقة معه، ولأننا على خلاف معها لكونها تقوم بعمليات التجنيد والتطبيع في بغداد".

وكشفت النائبة أن "كوهين على علاقة مع شخصية سياسية قيادية عراقية يرأس كتلة في البرلمان (لم تذكر اسمه) والتقى به في قبرص وبلاروسيا، وقد يكونان اتفقا على هذه الأسماء".

وأضافت أن "اختيار الأسماء جرى بدقة، لأن عالية نصيف على خلاف مع فجر السعيد ولها مواقف تجاه وحدة واستقلال العراق وضد التطبيع الصهيوني وضد التطبيع مع إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها".

وذكرت عالية نصيف أن "السفير الفلسطيني في بغداد نفى أن تكون هذه الأسماء زارت إسرائيل، وكذلك المتحدث باسم الخارجية العراقية نفى مثل هذه الأنباء، وقال: إسرائيل تعتبر ربما بائع الخضروات هو الوفد السياسي".

وفي عام 2008، زار النائب العراقي مثال الآلوسي تل أبيب، وألتقى كلمة في مؤتمر هرتسليا، طالب فيها بإقامة علاقات بين إسرائيل والعراق. كما طالب بتعاون إستخباري بين دول المنطقة، بينها إسرائيل، وذلك بذريعة "الحرب على الإرهاب".

وعلى إثر ذلك، تحرك البرلمان العراقي لرفع الحصانة عن النائب الآلوسي ومحاسبته في جلسة شهدت سجالا واسعا بين النائب وعدد من أعضاء البرلمان، لكنها باءت بالفشل ولم يحاسب الآلوسي على الزيارة.

وتصل عقوبة الزيارة لإسرائيل إلى الإعدام في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 المعمول به حتى الآن، إذ يجرم من يزور إسرائيل لوجود حظر عليها، لأنها حالة من "التخابر والخيانة".