يني شفق: ماكرون غاضب من تركيا عموما لا أردوغان.. وهذا السبب

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "يني شفق" التركية أن الحداثة الموجودة في البلاد مردها إلى فرنسا، الدولة التي عرفها العثمانيون وتعاونوا معها في أوروبا.

ولذلك، يعتقد الكاتب إيرغون يلديرم أن تركيا تعرفت على الحداثة من خلال البلد الذي عرفته وعملت معه ووثقت به أكثر من أي دولة أخرى.

بداية التأثير الفرنجي

ويضيف في مقال له: "في واقع الأمر، استفادت الدولة العثمانية من الضباط والمهندسين الفرنسيين في بداية تحضرها، حتى أن نابليون تقدم بطلب ليصبح ضابطا عثمانيا وقد تم قبوله، لكن جنرالا صديقه أثناه عما عزم عليه في اللحظة الأخيرة".

وبحسب الكاتب، تعد الدولة العثمانية من أوائل الدول التي اعترفت بالثورة الفرنسية في العالم، حيث كانت الحداثة والتحضر يعني أن يصبح المرء فرنسيا بالنسبة للمفكرين العثمانيين. 

ولهذا فإن مفهوم الفرنجة هو رمز مهم في هذا الصدد، حيث إنه المفهوم الذي أدى إلى حصر معنى الحداثة والتحضر بشكل الحداثة الفرنسية.

وتابع: "لقد كانت الحياة الفرنجية تعني تحديث الحياة اليومية وإضفاء طابع عصري عليها من خلال الثقافة الفرنسية، كما كان الحال في القصر العثماني. كذلك الاحتفالات ووسائل الترفيه في قصور الباشوات والملابس والحياة الفنية كانت فرنجية أيضا".

ويلفت الكاتب إلى أن المثقفين كانوا يتعلمون اللغة الفرنسية، وكان جالاتا سلطانيسي (أول مدرسة افتتحت للمرحلة الثانوية للتدريس بالفكر الغربي خلال العهد العثماني) يقوم بتعليم هؤلاء المثقفين تحت سيطرة الثقافة الفرنسية".

 وهكذا كانت تتشكل أذواق المثقفين وملابسهم ومواقفهم وفقا لهذه الثقافة، ليصبح المثقفون غريبين على مجتمعاتهم التي جاؤوا منها بعاداتهم الفرنسية التي اكتسبوها في هذه المدارس، وفق الكاتب.

الحداثة في الجمهورية

واستطرد يلديرم قائلا: "من ناحية أخرى يمكننا القول إن حداثة الجمهورية أيضا كانت فرنسية، وكانت الأيديولوجية الرئيسية لها هي الفلسفة الوضعية التي أنتجها كونت ورينان في باريس، حيث تندمج لغة وعقل النخبة في تركيا مع إعجابهم بفرنسا، وهنا حيث ولدت السياسة العلمانية التي تعبد العلم وتعارض الدين".

وعلى الرغم من استخدامها للمراجع الإسلامية في نقاشات تأسيس الجمهورية إلا أن الجمهورية كانت فرنسية في روحها، فقد كانت تقلد الجمهورية الفرنسية في علمانيتها الصارمة وموقفها الذي يستبعد الكنيسة، بحسب الكاتب.

 فيما كانت البنية البيروقراطية الموروثة من الإمبراطورية العثمانية والتي تتكون من السيفية (البيروقراطية العسكرية) والعلمية (الدين والتعليم والبيروقراطية القانونية) والقلمية (البيروقراطية المدنية)، تعمل على تصفية العلماء لتكمل مسيرها.

كما أشار إلى أن حداثة الجمهورية كانت مدفوعة بالفلسفة الوضعية السياسية لفرنسا والتي تم إنشاء الجمهورية فيها بإلغاء القصر والكنيسة والأرستقراطية للنظام الفرنسي القديم من هذا المنطلق. 

وهذا ما حدث في تركيا أيضا فقد أزالت قصر "السلطنة والخلافة" كما تم تصفية العلماء لنفس السبب، وبهذا الشكل تمت عملية سيطرة الوعي الفرنسي على الأتراك.

وأضاف أن سياسة التتريك أيضا كانت جزءا من عمليات تقليد تركيا فرنسا، حيث إنها كانت مستوحاة من باريس التي اخترعت الدولة القومية بأكثر الطرق دموية وكفاءة. تماما مثل الممارسة الفرنسية للاستعمار تحت اسم الحضارة، فقد تم العمل على تنفيذ البرامج التي تستعمر شعبها (تركيا) بطريقة الاستعمار الذاتي، بحسب تعبير الكاتب.

محاولات الخلاص

ويعتبر يلديرم أن تركيا، التي تحاول أن تتخلص من الاستعمار الذاتي، تلغي فعليا الهيمنة العميقة للوعي الفرنسي، حيث إنها تحرر من الروح السياسية الفرنسية، والعقل الذي يفكر بالفلسفة الوضعية، والسياسة الدينية العلمانية، والأسلوب اليعقوبي في الجمهورية.

ويضيف قائلا: "فإذا كانت الإمبريالية الأميركية توجد في الجسم السياسي لتركيا، فإن الإمبريالية الفرنسية موجودة على الصعيد النفسي. لهذا فإن أكثر من ينزعج من محاولات تركيا التحرر من الإمبريالية الجسدية والنفسية هما الولايات المتحدة وفرنسا".

ويوضح ذلك بالقول: "كلما تساءلت تركيا عن الوعي والواقع المفروضين عليها والمتوقعين منها في عشق وتعظيم من نصبوا أنفسهم أسيادا عليها، يتم تهديدها".

 وقد كان المتحدثون المحليون في الماضي، يعبرون بهلع عن هذه التهديدات قائلين: "الارتجاع (الأصوليون) يعود والعلمانية في طريقها إلى الضياع". أما الآن فتغيرت هذه الكلمات إلى قولهم: ـ بنفس الهلع ـ "الإسلاميون في الحكم".

وبينما تقول فرنسا: إن هناك انتشارا لخطر الإسلاموفوبيا، يرافقها المتحدثون المحليون من خلال إلقاء الخطب المعادية للإسلام بإطلاق أوصاف من مثل "إسلاميين، ديكتاتوريين، أعداء العلمانية". 

ويعلق الكاتب: "إن الذين تضامنوا مع فرنسا نفسيا لا يدركون أنهم يستخدمون لغة خطابها حتى ويعتقدون أنهم يقومون بمعارضة السلطة في تركيا".

نموذج يقتدى به

ويرى الكاتب التركي أن أكبر مشكلة تثير استياء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليست بشأن نظيره التركي رجب طيب أردوغان ولا بشأن حكومة حزب العدالة والتنمية ولا لأجل الديمقراطية، "بل إنها بسبب شجاعة الأتراك لترك الروح والوعي الفرنسي".

ويتابع: "إنهم يتخلون عن العلمانية الصارمة لفرنسا، والجمهورية الفرنسية المعادية للدين، والوعي الذاتي الاستعماري، حيث يريد الأتراك الآن أن يعيشوا بأنفسهم، تاركين الحداثة التي شكلتها الإدارة الفرنسية لمدة قرنين من الزمان".

ويلفت إلى أنهم في نفس الوقت، يتركون حراسة الحداثة الفرنسية في العالم الإسلامي بموقفهم هذا، مشجعين دول العالم الإسلامي على ذلك من ناحية أخرى. وهذا ما حدث بالفعل في تونس ومصر وليبيا، وما يحدث أيضا بمحاولات وجود تركيا في البحر الأبيض المتوسط.

وأردف: "لقد تم استعمار الإمبراطورية العثمانية لأول مرة من قبل الفرنسيين في شمال إفريقيا، والآن هناك محاولات للتحرر من الروح الفرنسية في هذه المنطقة أيضا، فهي تقتدي بتركيا، وهذا ما يثير استياء ماكرون ويغضبه".

ويختم يلديرم مقاله قائلا: إن عاصفة الحداثة القادمة من باريس قد انتهت الآن، فالعلمانية في أزمة كبيرة، بينما تحبس فرنسا أولئك الذين يقاومون حلم الحداثة هذا في أحياء مغلقة ويتم التشهير بهم باسم الإسلاموفوبيا".

وواصل: "فرنسا تحاول التغلب على أزمة العلمانية والجمهورية في الحداثة الفرنسية من خلال خلق أعداء لها. كما خسر حرس الحداثة الفرنسية سلطتهم في تركيا سواء كانت السياسية أو الإعلامية أو البيروقراطية".

وقال: "لقد سقطت هيمنة وصاية الحداثة الفرنسية، وهذا هو سبب صوت ماكرون الذي يعلو بغضب في وجه تركيا".