صفحات "إسرائيل بالعربية".. ما مدى نجاحها في تسويق التطبيع شعبيا؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عندما هتفت الشعوب العربية خلال اندلاع ثورات الربيع العربي، وقالت: "الشعب يريد إسقاط النظام"، بدءا من تونس يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، ومن ثم القاهرة وسوريا وليبيا واليمن، أحدثت شرخا في جدار الأنظمة المستبدة، وخلقت واقعا جديدا لدى العرب، يرمي إلى الحرية والتغيير، والاستقلال الكامل عن واقع الديكتاتورية والهيمنة. 

وفي خضم تلك الأحداث المستعرة لم تكن إسرائيل، بعيدة عن أعين الثائرين وهي التي لطالما دعمت تلك الأنظمة الحليفة، حيث برزت رغبة عربية شعبية في كبح جماح دولة الاحتلال ووقف جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وإيقاف عدوانها المتكرر على غزة. 

وبداية من ذلك التوقيت دشنت إسرائيل عبر حكومتها أو مؤسسات تابعة لها عشرات الصفحات باللغة العربية، على مواقع التواصل الاجتماعي، لمخاطبة الشعوب، وخلق حالة من التفاعل معها، وإقناعها بالتطبيع أو بقبول "تل أبيب" كأمر واقع في المنطقة، ومسح تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من ذاكرة الأجيال.

ورغم أن تلك الصفحات تسعى إلى التفاعل، لكنها أيضا عبرت عن مدى كراهية الشعوب العربية للاحتلال، وهو ما ظهر من خلال التعليقات لكثير من الشباب العربي الذين آثروا أن يعبروا لحكومة إسرائيل أنه لا سبيل للتطبيع معهم، وأنهم سيظلون بمثابة الجدار العازل بين تل أبيب وأحلام التطبيع. 

إسرائيل بالعربية 

من هذه الحسابات، صفحة "إسرائيل بالعربية"، والتي انطلقت عبر تويتر في يناير/ كانون الثاني 2011، ويصل عدد متابعيها إلى نحو 400 ألف.

عند الدخول إليها ستجد مكتوبا يقول: "مرحبا بكم في حساب تويتر الرسمي بالعربية لدولة إسرائيل"، تحرص من خلاله على نقل المحتوى الخاص بالمسألة العربية الإسرائيلية، وتروج بقوة للتطبيع الشعبي، وتتحدث عن أفواج السياح الإسرائيليين الذين يذهبون إلى بعض الدول العربية.

وتجد هذه الصفحة مجابهة قوية من الرافضين للتطبيع، الذين يردون بقوة على تلك الأخبار، ويعلنون أن الشعوب ستظل رافضة للعلاقات مع المحتل، وإن انصاعت الأنظمة في لحظات ضعف.

وقد احتفلت الصفحة يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بأحد الأعياد العبرية، حيث كتبت "نحيي في إسرائيل هذه الأيام أسبوع الشمل اليهودي في أرض إسرائيل التاريخية للتركيز على أهمية الوافدين اليهود من كل دول العالم في بناء نواة دولة إسرائيل وتطورها كمجتمع متعدد الثقافات وإشارة إلى دخول بني إسرائيل إلى أرض الميعاد عبر نهر الأردن، وفقا للرواية التوراتية". 

لترد عليها ناشطة عربية قائلة: "قريبا سيشتت الله جمعكم بقوته وجبروته كما كنتم سببا في تشتيت أهل فلسطين".

وتعتبر صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" على موقع "فيسبوك" من أكثر الصفحات الرسمية العبرية انتشارا، بعدد متابعين يصل إلى قرابة 2 مليون و800 ألف متابع.

وما يميز هذه الصفحة أنها تابعة بشكل رسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وتحرص على تقديم محتواها في قالب من الأخبار اليومية عن المعالم والآثار، التي تدعي زورا وبهتانا أنها من التاريخ الإسرائيلي، خاصة الأكلات العربية الأصيلة مثل "الفلافل والشكشوكة، وغيرها"، وهو ما يستفز قطاعا من الشباب العربي، الذي يرد تلك الأحاجي الباطلة.

فمثلا عندما نشرت الصفحة صورة لأكلة "الشكشوكة" بالخبز، ومعها مبان أثرية، على أنها من المعالم الإسرائيلية، رد شاب عربي يدعى عبد الله السيابي قائلا: "كانت تُسمى فلسطين وعاصمتها القدس، فأصبحت فلسطين وعاصمتها القدس، وستبقى فلسطين وعاصمتها القدس.اتركوا ما سرقتموه واذهبوا، يوما ما سينتصر الحق على الباطل". 

أما أشهر تلك الصفحات على الإطلاق، والتي تسعى بشهرة كبيرة، وفي نفس الوقت سخرية واسعة أيضا، هي صفحة "أفيخاي أدرعي" المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، والذي بدأ تدشين صفحته ونشاطه، منذ يونيو/ حزيران 2011، في ذروة الربيع العربي.

وهو يحرص دائما في أسلوبه على الحديث بالآيات القرآنية وتهنئة المسلمين بالأعياد والمناسبات، بطريقة لا تنطلي على الشباب العربي، الذين دائما ما يذكرونه في التعليقات بجرائم إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، في سلوك منافي لخطابات السلام المدعية، التي يروجها من حين إلى آخر، ويتخذون من كلماته محورا للسخرية والاستهزاء.

ومن الصفحات الخاصة أيضا، صفحة رسمية على موقع "تويتر" تم تدشينها باسم "إسرائيل في الخليج"، حيث وصفت نفسها بأنها "الحساب الرسمي للسفارة الافتراضية لإسرائيل في دول الخليج مكرسة لتعزيز الحوار مع شعوب هذه الدول". 

وبدأت هذه الصفحة نشاطها في يوليو/ تموز 2013، ووصل عدد متابعيها إلى 69 ألفا، على "تويتر" الذي يجتذب الشباب الخليجي على نطاق واسع.

وكبقية الصفحات العبرية الأخرى، تتناول هذه الصفحة أخبار إسرائيل، وتوجه خطابا معسولا للشباب الخليجي، وتحرص على التفاعل معهم، بينما يوجه الشباب رسائل لاذعة إلى الدولة العبرية من خلال الصفحة أيضا، ويذكرونهم بأطماع إسرائيل في الدول العربية، لا سيما السعودية، بحجة أن أجدادهم كانوا يعيشون في خيبر والمدينة المنورة. 

سلاح موجه 

في 25 أغسطس/ آب 2020، نشر موقع إذاعة "مونت كارلو الدولية" الفرنسية، تقريرا عن الصفحات الإسرائيلية، قال فيه: "تمتلك جميع المؤسسات العسكرية الإسرائيلية، دون استثناء، وحدات خاصة تتعامل مع جميع شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها الموساد (جهاز الأمن الخاص) للترويج له ونشر طلبات العمل وتجميل وجه الجهاز الاستخباراتي".

وأضاف: "وهو ما يقوم به أيضا جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، الذي يعتبر أصغر الأجهزة الاستخبارية، فهذا الجهاز، بالإضافة لاهتمامه بالشأن الأمني الداخلي، متخصص في محاربة المنظمات الفلسطينية".

وأورد: "هناك شعبة الاستخبارات العسكرية التي تعرف اختصارا باسم -أمان-،  كما توجد صفحة باللغة العربية للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وصفحة بالعربية أيضا للناطق باسم رئيس الوزراء، وصفحة عامة تحمل اسم -إسرائيل تتكلم العربية-، وصفحة المنسق المخصصة للفلسطينيين فقط، عدا عن الصفحات الجانبية الأخرى".

وقال: إن "المهمة المشتركة لجميع هذه الصفحات هي الترويج لـ(إسرائيل الديمقراطية) وتقبلها كدولة طبيعية مثل بقية الدول لا كدولة احتلت أراضي عربية".

ظهر ذلك الأمر بوضوح بوجود صفحة مثل "إسرائيل في مصر"، والتي يصل عدد المعجبين بها إلى أكثر من 200 ألف، وذكرت في التعريف الخاص بها أنها "صفحة الفيسبوك الرسمية للسفارة الإسرائيلية في مصر، مكرسة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والنمو الاقتصادي والصداقة بين الجانبين".

وتهتم الصفحة بنشر الأخبار الرسمية الصادرة عن حكومة تل أبيب، وبعض أنشطة السياح الإسرائيليين في القاهرة، فيما يتبع القائمون عليها منهجية الترويج للتعايش السلمي بين العرب وإسرائيل، بخاصة مصر التي تمثل التعداد السكاني الأكبر بقرابة 100 مليون مواطن والأكثر تأثيرا بين العرب. 

كما توجد صفحة مشابهة تسمى "إسرائيل في الأردن"، تهتم بنقل أخبار إسرائيل، والعلاقات مع الدولة العربية، وتشهد هذه الصفحة هجمات وحملات ضد تل أبيب بشكل دائم، يظهر في التعليقات الرافضة لمثل ذلك الأمر. 

ويظل السؤال الذي يطرح نفسه، هل الهدف من تلك الصفحات مجرد التفاعل، وإغراء الشباب العربي بالتطبيع مع إسرائيل، أو الاعتراف بوجودها كأمر واقع، أم هناك أبعاد استخباراتية أخرى ترمي إلى قياس وتحليل الرأي العام العربي تجاه إسرائيل بين الشرائح العمرية المختلفة، وخاصة الشباب؟

سم مدسوس

الباحث السياسي المصري محمد ماهر، يرى أن "إستراتيجية إسرائيل لجر الشعوب العربية تجاه التطبيع قديمة بقدم تأسيس دولة الاحتلال نفسها، وهناك كثير من الحوادث التاريخية التي تؤكد تلك المنهجية، وكان هناك من الكتاب والمثقفين العرب من روجوا لفكرة الاعتراف بدولة الاحتلال والتعايش معها، مثل الأديب المصري الراحل يوسف السباعي، وكانوا بذلك بمثابة صوت لتطبيع الشعوب". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "أما وجود صفحات إسرائيلية تابعة للحكومة أو لمنظمات صهيونية باللغة العربية تغازل الشعوب وتتحدث معهم وتثير التفاعلات مع الأفراد، فهي بمثابة سم مدسوس، وهذه قصة أخطر وأشد، لأنها تخلق بؤرا منفردة من المطبعين يصلون إلى الآلاف، يروجون جميعهم لفكرة الاعتراف والتعايش، بل ويصل الأمر إلى الدفاع عن ممارسات إسرائيل والإعجاب بها، وبتجاربها العلمية والاقتصادية". 

وذكر: "إسرائيل في هذه المرحلة باتت تدرك تماما أن الخطر المحدق عليها من الشعوب العربية والإسلامية، وليست الأنظمة العسكرية المستبدة، وقد رأينا ما حدث مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وتحديدا ثورة 25 يناير في مصر، والتي اعتبرتها تل أبيب مهددة لها".

وأردف: "في تلك الأعوام رفع الجيش الإسرائيلي ميزانيته، وأنفقت الحكومة أموالا طائلة على التسليح، وكان ذلك بالتزامن مع صعود الرئيس الراحل محمد مرسي إلى رئاسة مصر".

وبين أنه "لا يمكن أن نغفل عن العدوان الإسرائيلي على غزة في 2012، وكيف وقفت القاهرة بقوة أمام ذلك العدوان في لحظات تاريخية لا تنسى، وهو الأمر الذي مثل رسالة إلى إسرائيل أن الحكومات المنتخبة الديمقراطية، لا يمكن أن تتوافق معها أو تؤيدها". 

وواصل الباحث المصري: "بعد الانقلاب العسكري، وكسر شوكة الربيع العربي في كثير من الدول، دعمت إسرائيل الانقلابات والأنظمة المستبدة، وأقدمت على موجات التطبيع مع بقية الأنظمة، كما حدث في الإمارات والبحرين والسودان أخيرا، وذلك بالتوازي مع توجيه رسائل وخطابات باللغة العربية إلى الجماهير، لتبارك التطبيع، وتتجه نحوه".

وأوضح أنهم "في ذلك لهم نظرة مستقبلية، نحو أجيال تتقبل إسرائيل وتقيم معها العلاقات كدولة اعتيادية مثل بقية الدول".

وختم ماهر بالقول: "لذلك لا بد من منهجية مضادة لإسرائيل في ذلك الأمر، وإنشاء مؤسسات بحثية ومراكز إعلامية، ومنصات موسعة ومؤثرة تستطيع مجابهة الخطاب والإستراتيجية الإسرائيلية، وتخلق لدى الأجيال القادمة حالة وعي بطبيعة المعركة، وترد عنهم محاولات اللبس والتشويش والخداع".