بعد دعم البابا للشذوذ.. ماذا تبقى من العقائد الدينية لدى الكنيسة؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دوي هائل أحدثه مقطع مصور لبابا الفاتيكان البابا فرانسيس، دعم فيه زواج الشواذ جنسيا وقال: إنهم "أبناء الرب ولهم الحق في تكوين أسرة"، وذلك في موقف يخالف ما أصدره من تصريحات سابقة على مدار سنوات بشأن الشذوذ الجنسي كونه محرما في جميع الشرائع السماوية، ومخالفا للفطرة الطبيعية.

21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، هو يوم إعلان موقف البابا الجديد، والذي قد يكون يوما فارقا في تاريخ أديان الغرب؛ بعد أن سيطرت عليها أفكار المادية، وتوجهات العلمانية، وتكاد تعاليمها الأخلاقية تندثر بمواجهة مد الإباحية والشذوذ المغلفة بدعاوى الحرية الشخصية.

وفي ذلك اليوم، عُرض فيلم وثائقي بمهرجان روما للأفلام عن حياة البابا فرنسيس، تضمن مقطعا له يشجع رجلين شاذين على زيارة الكنيسة برفقة أولادهما الثلاثة؛ فيما بدا البابا مدافعا عن حق المثليين في تكوين أسرة، قائلا: إنهم "أبناء الرب"، ومؤكدا أنه "لا ينبغي طرد أحد أو تحويله إلى بائس بسبب ذلك".

حديث البابا؛ هو الأول في تاريخ الفاتيكان، ولطالما اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية أن المثلية الجنسية غير مقبولة، كما أنه أول دعم واضح وصريح من بابا الفاتيكان للمثليين، بل إن فرانسيس، ذهب لأبعد من ذلك داعيا إلى ابتكار "قانون اتحادي مدني" للزواج لتغطية المثليين بشكل قانوني.

تأييد ورفض وصمت

موقف فرانسيس، أثار ضجة عالمية، بين مؤيد له من كنائس وشخصيات دينية في الغرب ومثمن لدوره في تقنين حياة الشواذ، وبين صمت تام من الكنيسة الأرثوذكسية في الشرق، ولكن الرفض لتوجه بابا الفاتيكان غلب على مواقف المنطقة العربية والإسلامية. 

ومن ردود الفعل الغربية، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، عن القس جيمس مارتن، قوله: "هي المرة الأولى التي يصدر فيها البابا هذا التصريح الواضح"، معتبرا أنها "خطوة للأمام، والبابا يضع ثقله وراء الاعتراف القانوني بالزيجات المدنية من نفس الجنس".

حتى كتابة هذه السطور، لم تصدر ردود فعل من الكنيسة الأرثوذوكسية على تصريحات بابا الفاتيكان، إلا أن الموقف الثابت والمعروف لدى الكنيسة المصرية هو الرفض التام لهذا الأمر. 

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية في 27 سبتمبر/ أيلول 2017، عن بابا الإسكندرية تواضروس الثاني، رفض الكنيسة زواج المثليين، وتأكيده أن الزواج له شكل واحد بين الرجل والمرأة منذ بدء الخليقة.

وقال تواضروس، حينها في عظته الأسبوعية: "إن الفلسفة تصل بالإنسان للإلحاد وإنكار وجود الله والأفكار الشاذة"، مبينا أن "المثلية الجنسية مخالفة للشرائع السماوية والفطرة الطبيعية".

في نفس التوقيت، أعلنت بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية، تنظيم مؤتمر بعنوان "بركان الشذوذ الجنسي"، فيما رفض رؤساء الكنائس المسيحية بمصر، برئاسة البابا شنودة الثالث، في وقت سابق بالعام 2003، محاولات كنائس بالغرب، تقنين المثلية الجنسية.

وللمؤسسات الدينية الإسلامية موقف ثابت، حيث حرمت الشذوذ تحريما قطعيا.

ففي 16 يونيو/ حزيران 2020، أكدت دار الإفتاء المصرية حرمة "الشذوذ الجنسي تحريما قطعيا؛ لما يترتب عليه من المفاسد الكبيرة"، موصية من كان عنده ميل لهذه "الفعلة الشنيعة" بالعلاج الطبي من "الداء القبيح".

في حين تحدث شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، من جانبه، عن تلك الأزمة من جانب آخر، وهو استهداف الغرب للمسلمين بهذه الدعوات؛ حيث أكد في المؤتمر العالمي لدار الإفتاء 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بأن "الإسلام مستهدف بالكثير من الحملات المغرضة، التي تتزامن مع المطالبات الجماعية لإباحة الشذوذ".

وأوضح أن "تزامن ذلك مع دعوات مساواة الرجل والمرأة في الميراث، وجواز زواج المسلمة من غير المسلم، هو فصل جديد من فصول (اتفاقية السيداو) يراد للعرب والمسلمين الآن أن يلتزموا به".

 

شيخ الأزهر واصل تحذيراته من تبعات اتباع أفكار الغرب، بقوله في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2019، خلال لقاء مع البابا تواضروس: "ينبغي أن ننتبه إلى كل ما يأتي إلينا من الغرب، فهناك سعي غربي لهدم الأديان، واتفاقيات عالمية تريد أن تهدم الأطر المعروفة في المجتمع خاصة فيما يخص المرأة، وحرية المثلية الجنسية".

وطالب شيخ الأزهر بتعاون الأزهر والكنيسة للقضاء على هذه "الأفكار الهدامة"، التي انتشرت مؤخرا.

ومن ذلك، رفع علم المثليين في سبتمبر/ أيلول 2017، بالقاهرة لأول مرة خلال حفل لفريق غنائي باسم "مشروع ليلى"، وهي الواقعة التي سبقتها بالعام 2001، في عهد حسني مبارك، أول قضايا للشذوذ في مصر، بتوقيف 52 منهم بقضية هزت الرأي العام، في حين كانت واقعة العام 2014، بزواج شابين كأشد إيلاما للشارع المصري.

نهاية مسيحية الغرب

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثار مقطع البابا فرانسيس، جدلا واسعا، حيث يرى الكاتب الصحفي خالد ضوى، بحديثه عبر "فيسبوك"، أنه "تم القضاء تماما على المسيحية في الغرب".

ويؤكد أن "هذا ما فعلته العلمانية بالدين هناك، وفرغته تدريجيا من كل مقوماته وعقائده وشرائعه باسم التحضر والرقي والمدنية والعلم، حتى لفظت المسيحية آخر أنفاسها في الغرب، لذا لا تصدقوا أن الغرب مسيحي كاثوليكي أو بروتستانتي، فتلك الدينية يستخدمونها فقط سياسيا".

تصريحات بابا الفاتيكان المدافعة عن حقوق الشواذ ، تؤكد أنه تم القضاء تماما على المسيحية فى الغرب وهذا مافعلته العلمانية...

Posted by ‎خالد ضوى‎ on Wednesday, October 21, 2020 

من جانبه يرصد الكاتب والباحث أحمد سالم، تراجع البابا فرانسيس عن أفكاره السابقة، بمعارضة زواج الشواذ، ويشير إلى أنه "في عام 2013، قال بكتابه "في الجنة وعلى الأرض": إن "المساواة من الناحية القانونية بين العلاقات الشاذة والزواج بين الجنسين ستكون بمثابة تراجع للإنسانية". 

وقال في منشور له عبر فيسبوك: إن البابا لطالما كان يؤكد أن السماح للأزواج الشواذ بالتبني قد يؤثر على الأطفال، وأن "كل شخص بحاجة إلى أب ذكر وأم أنثى لمساعدتهم على تشكيل هويتهم"، مؤيدا في ذلك موقف الكنيسة التي يعتبر أفعال الشواذ خطيئة، بل إن البابا  في 2018، عبر عن قلقه من المثلية في صفوف الكنيسة، واصفا الأمر بـ"الخطير".

ويعتبر سالم، أن "تراجع بابا الفاتيكان يمثل الحلقة قبل الأخيرة في انصراف المسيحيين في الغرب عن الكنيسة، واتساع موجة الإلحاد، التي تقترن بالشذوذ الجنسي والأفكار المعززة لذلك التوجه".

حول الرأي الشرعي في مثل هذا التوجه لدى رأس الكنيسة في الغرب، يقول وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق، الشيخ سالم عبدالجليل: "جاء الدين الذي أُهبط به آدم إلى الأرض واستمر إلى يوم الناس هذا، حتى وإن غاب في بعض الأوقات يأتي الأنبياء والرسل واحدا تلو الآخر؛ ليحيي الدين بقلوب الناس".

أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، يضيف بحديثه لـ"الاستقلال": "هذا الدين يتألف من اعتقادات تثمر أخلاقا، وقيما تحافظ على الكرامة الإنسانية والوجود البشري، ثم شعائر تعبدية تريح الروح وتزكي النفس والأخلاق، ثم التزام بالتشريعات من حلال وحرام بالمعاملات والسلوكيات".

وتابع: "يوم أن يخالف الإنسان هذا المنهج الإلهي الذي أُهبط به آدم وجاء الأنبياء يحيونه من نوح من بعد آدم، وحتى إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، عليهم جميعا الصلاة والسلام؛ يعيش في ضنك وتكون التعاسة بديل السعادة"، بحسب رأيه.

وأبدى عبد الجليل وهو مؤسس "أكاديمية سالم الدينية" في مصر، أسفه وتخوفه من أن "تنحرف بعض رسالات السماء على أيدي القادة الدينيين الذين من المفترض أن يدافعوا عنها ويجددوها بما يحمي إطارها الصحيح، ويبعدها عن كل انحراف بشري لمصالح ونزوات وأهواء".

ويؤكد أنه "مما أجمعت عليه الأمة والعقلاء وأصحاب الفطر السليمة، أن الله تعالى خلق الناس ذكرانا وإناثا وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}".

وأردف: "الذكر خلقت منه الأنثى التي تحن إلى الأصل، وهو الذكر الذي يحنو على الأنثى، التي هي فرعه، ويكون هنا التناسل الفطري الطبيعي، وتكون المودة والرحمة؛ وعندما ينقلب هذا الحال نتيجة الشهوات والإغواءات الشيطانية يكون اسمه الشذوذ".

ويؤكد أن "الله تعالى، أرسل نبيا أجمعت كل الأمم على وجوده وهو لوط عليه السلام، برسالة واضحة محددة قيمية أخلاقية لينهى عن الشذوذ، وعندما رفض الناس كلامه كانت النتيجة عقاب الله تعالى الأليم لهم بالدينا والآخرة".

وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق، يعرب عن أسفه للتصريحات والدعوات التي "تصدر عن ساسة لهم مصالح سياسية واقتصادية"، مستنكرا صدورها "عن قادة دينيين وعلى رأسهم بابا الفاتيكان، الذي من المفترض أن يحمي القيم والأخلاق".

ويعتقد الشيخ، بأن هذه "التصريحات المؤسفة هي شهادة وفاة حقيقية للقيم والأخلاق التي يدعو لها المجتمع الغربي باسم الدين المسيحي الغربي الذي يدعو للتسامح والمحبة؛ لكن أي تسامح ومحبة مع تصريح لقنابل الشذوذ الأخطر من القنابل النووية والتي تنفجر بوجوه الناس وتنسف الأخلاق والقيم". 

عبد الجليل، تمنى، "من كل عاقل بأرض الله، مسلم، مسيحي، يهودي، وحتى لا ديني؛ أن يقف أمام هذه الدعوات، التي نرفضها لأنها تفتك بالإنسانية والبشرية، ولا نسميها حرية، فالشذوذ فيه ضرر كبير، ويكفي أن الله تعالى أرسل نبيا يحاربه ويمنعه ولما لم يمتنع الناس أهلكهم كأنهم جراثيم لا يجوز أن تبقى في البشرية فتهلكها بأسرها".

ويعتقد الداعية الإسلامي، أن "الأمة الشرقية بغض النظر عن مسلميها ومسيحييها ترفض هذا بالكلية، ولا يمكن إطلاقا أن تستجيب لمثل هذا، ولا يعد هذا من باب تجديد الخطاب الديني ولا الاجتماعي".

ويرى أن "الكنيسة الشرقية سيكون لها ردفعل رافض بوضوح، وإذا لم تفعل فأدعوهم لمصلحتهم أن يعلنوا الرفض؛ لأن المجتمع الشرقي يرفض هذا ولا يمكن إطلاق القبول في مجتمعاتنا بدعاوى الشذوذ وحرية المثليين لا باسم الدين ولا باسم الاجتماع لأن هذا تخريب للبشرية والإنسانية وتدمير للأخلاق".