حقائق مغيبة.. ما دلالات ضلوع الموساد في هجمات على محال يهودية بفرنسا؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وسط تصاعد موجة الاتهامات السائدة بحق المسلمين في فرنسا ووصمهم بالإرهاب؛ تكشفت بعض الحقائق حول تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، في الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو"، ومحلات "هايبر كاشير" اليهودية، والتي وقعت في باريس قبل 5 سنوات، إثر نشر رسوم مسيئة للنبي الكريم.

ورغم أن الهجوم وقع في 7 و8 و9 يناير/ كانون الثاني 2015، فإن تقارير صحفية فرنسية وبلجيكية متتابعة؛ أكدت أن أحد الضالعين في الهجوم وهو "إيبامينونداس تساتسيس"، يحمل الجنسية اليونانية والإسرائيلية، وأنه اعترف في التحقيقات بأنه عميل لـ"الموساد"، وأن دوره كان تهريب الأسلحة من بروكسل للمتهم بالهجوم على المتجر "أحمدي كوليبالي".

وشهدت فرنسا في 7 يناير/ كانون الثاني 2015، إطلاق الشقيقين سعيد وشريف كواشي النار في مكاتب "شارلي إيبدو"، ما خلف 12 قتيلا.

وفي اليوم التالي قتل "أحمدي كوليبالي"، وهو قريب "شريف كواشي"، ضابطة شرطة فرنسية، وفي اليوم الثالث، قتل "كوليبالي" 4 أشخاص بالمتجر اليهودي شرق باريس.

الحديث عن تورط الموساد في تفجير المتجر اليهودي، يأتي في الوقت الذي بدأت فيه السلطات القضائية الفرنسية في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2020، بباريس، محاكمة 14 متهما بالهجمات على "شارلي إيبدو" ومحلات "هايبر كاشير"، فيما تستمر المحاكمة حتى 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

"الاستقلال"، اطلعت على بعض أجزاء ملف فرنسي نشر في 2 سبتمبر/ أيلول 2020، ويوثق التحقيقات التي جرت بالقضية، حيث ورد في صفحته (21)، اسم اليوناني "إيبامينونداس تساتسيس"، كأحد الضالعين بالقضية، في الفقرة الثانية والثالثة فقط، ودون الإشارة إلى أنه إسرائيلي الجنسية، أو أن له علاقة بالموساد.

  

متورطون في الحوادث

بداية القصة، كشف بعض ملامحها موقع "sudinfo"، البلجيكي، في 27 فبراير/ شباط 2015، حين قال: إن "أحمدي كوليبالي"، المتهم الرئيسي في حادث "هايبر كاشير" بباريس، زار مدينة "شارلروا" البلجيكية عدة مرات لبيع سيارة "ميني كوبر" ملك زوجته "حياة بومدين".

وأضاف الموقع الناطق بالفرنسية: أن زيارة "أحمدي كوليبالي"، للمدينة البلجيكية "ربما تكون أيضا للحصول على أسلحة".

وأوضح "sudinfo"، أن تواصل "أحمدي كوليبالي"، مع عميل الموساد "إيبامينونداس تساتسيس" بدأ في خريف العام 2014، عبر الكردي المقيم بباريس "علي رضا".

ورضا هو صديق "كوليبالي"، وزار مدينة "شارلروا" للقاء شخص اسمه "متين كاراسولار" مؤسس شركة بيع وشراء السيارات المستعملة وشريك اليوناني "إيبامينونداس تساتسيس".

وبين الموقع البلجيكي، أن الكردي "علي رضا"، أراد بيع سيارة زوجة صديقه "حياة بومدين"، وأن الأمر استغرق بضعة أسابيع واصل خلالها السفر بين باريس وشارلروا، مع "أحمدي كوليبالي".

والتقى علي رضا العميل اليوناني "إيبامينونداس تساتسيس"، بمدينة شارلروا مرتين على الأقل، كما أن الأخير زار باريس عدة مرات.

وبعد نحو 4 أشهر، نشرت "Liberation" الفرنسية، في 7 يونيو/ حزيران 2015، تقريرا عن شركاء "أحمدي كوليبالي"، حيث تحدثت اليومية الباريسية، عن دور الكردي "علي رضا"، كاشفة أنه ذهب عدة مرات إلى معرض سيارات في شارلروا ببلجيكا، مع "كوليبالي"، موضحة أن الرحلة الأخيرة لهما تمت في 3 يناير/ كانون الثاني 2015، قبل أربعة أيام من حادث شارلي إيبدو.

"Liberation"، كشفت أيضا، أن "علي رضا"، أكد للمحققين حينها أن الهدف من زيارتهما لبلجيكا كان بيع سيارة زوجة "أحمدي كوليبالي"، الميني كوبر، فيما لفتت إلى أن التحقيقات كشفت أن السيارة حديثة ولا مبرر لبيعها كمستعملة.

وأشارت الصحيفة الفرنسية، إلى أن المحققين اشتبهوا في أن يكون "علي رضا"، أحد الوسطاء الذين سمحوا لـ"أحمدي كوليبالي"، بالاتصال بشبكة واسعة تقوم بتهريب الأسلحة وتضم اليوناني "إيبامينونداس تساتسيس"، والكردية "متين ك"، والتركية "سيجكين د"، والبلجيكي "ميشيل". 

 موقع قناة ''أر تي إل'' البلجيكية، من جانبه، قال في 7 يناير/ كانون الثاني 2020: إن "اليوناني، "إيبامينونداس تساتسيس"، الذي أخذ تذكرة سفر إلى اليونان في اليوم التالي لهجوم شارلي إيبدو، اتصل بالمحققين البلجيكيين وأخبرهم أنه سيشرح موقفه عند عودته".

وأوضح الموقع أن "تساتسيس"، أخبر المحققين أن لديه هوية أخرى غير اليونانية ووثائق هوية صادرة عن إسرائيل، وأنه يحمل الجنسيتين اليونانية والإسرائيلية، ويعترف بأنه عمل في "تل أبيب".

في الأثناء، كتب موقع "panamza"، الفرنسي، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عن تورط جهاز المخابرات الإسرائيلي بالهجمات، تحت عنوان: "أمر لا يصدق: الموساد متورط في قضية شارلي إيبدو".

وكشف الموقع الناطق بالفرنسية، عن علاقة الضالع الرئيسي في الهجوم على متجر "هايبر كاشير"، "أحمدي كوليبالي"؛ الوثيقة الصلة بأحد أعضاء الموساد، اليوناني الإسرائيلي "إيبامينونداس تساتسيس".

وأشار، "panamza"، إلى أنه وفي يناير/ كانون الثاني 2020، نقل معلومات من الصحافة البلجيكية عن القصة، وأن الصحافة الفرنسية تجاهلتها ودأبت على إخفاء ذكر دورالعميل الإسرائيلي "إيبامينونداس تساتسيس"، في الواقعة.

ونقل "panamza"، عن "Sudinfo"، البلجيكيي، اعتراف المتهم "إيبامينونداس تساتسيس"، بأنه يحمل الجنسية اليونانية والإسرائيلية، وأنه عميل للموساد، ووثيق الصلة بالشبكات الصهيونية، وأنه هرب الأسلحة من بلجيكا للمتهم الرئيسي في حادث المتجر اليهودي "أحمدي كوليبالي".

وبين أن الصحفي البلجيكي "بنيامين سمين"، ظل يبحث الأمر نحو 5 سنوات حتى تمكن من اكتشاف جنسية ومهنة "إيبامينونداس تساتسيس"، الحقيقية، ودوره في القيام بما أسماها "عميلة مزدوجة لدولة إسرائيل"، وأنه "لعب دورا رئيسيا في نقل الأسلحة إلى "أحمدي كوليبالي"، من بلجيكا إلى فرنسا".

وأكد الموقع الفرنسي، أنه في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020، تم استدعاء "إيبامينونداس تساتسيس"، للمحكمة، وأنه تفاخر بجنسيته المزدوجة، ولوح بجواز سفره -اليوناني والإسرائيلي- في المحكمة.

ولفت "panamza" إلى أن المتهم "متين كاراسولار"، قال في شهادته للمحكمة: إن "إيبامينونداس تساتسيس"، بائع سيارات يوناني إسرائيلي يشتري المركبات المستعملة ويبيعها بأوروبا الشرقية؛ وأنه عميل لـ"الموساد"، ومتورط أيضا في "الوفاة المشبوهة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات".

حقائق مدفونة

وفي تقرير ثان لـ"panamza"، تحت عنوان "العودة إلى الوطن"، نشر الموقع الناطق بالفرنسية في 9 يناير/ كانون الثاني 2020، مقطع فيديو للمتهم "أحمدي كوليبالي" وهو حر طليق، رغم أنه من المفترض أن يكون خاضعا للرقابة، مشيرا إلى مرور 5 سنوات من الأكاذيب الإعلامية والسياسية بملف قضية تفجير المتجر الفرنسي.

وإلى جانب تجاهل الإعلام الفرنسي ذكر اسم العميل الإسرائيلي المتورط في الهجوم "إيبامينونداس تساتسيس"، قال "panamza": إنه كشف في نهاية عام 2018، كيف أن "فرانس 2"، و"فرنسا 5"، بعد "فرانس 3"، واصلت في العام 2015، فرض الرقابة على المقطع الرئيسي لإطلاق سراح "أحمدي كوليبالي".

 

وأكد أنه في 30 يناير/ كانون الثاني 2015، كشف عن معلومات مزعجة تتعلق بالهجمات الإرهابية الغامضة في فرنسا تجاهلتها الصحافة الفرنسية بأن متجر "هايبر كاشير"، قام مالكه ببيعه قبل يوم واحد من هجوم "أحمدي كوليبالي".

وقال "panamza"، عبر صفحته بـ"تويتر" في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019: "هناك العديد من المناطق الرمادية في هجمات شارلي إيبدو والمتجر اليهودي، بالإضافة إلى قضايا التجسس الإسرائيلي بفرنسا والتي قابلها مكتب المدعي العام في باريس بالصمت".

 

"panamza"، كشف أيضا، عن ارتباط ثان للموساد بـ"دينة إيمسالم"، زوجة أحد مهاجمي شارلي إيبدو، "ميشال إسلام".

ولفت إلى أنه في عام 2017، كشف النقاب عن معلومات مقلقة بشأن زوجة "ميشال إسلام"، "دينة إيمسالم"، المرتبطة أيضا بالشبكات الصهيونية وبرجل وكالة المخابرات المركزية الذي بدأ التسليح السري للمتطرفين "إيبامينونداس تساتسيس".

وحول دلالات ضلوع الموساد في هجمات فرنسا 2015، وتأجيج الصراع بين المسلمين في أوروبا وبين الحكومات والشعوب الغربية، يقول الباحث والمحلل السياسي المصري، عزت النمر: "من المعلوم أن الكيان الصهيوني هو دولة الخوف، وتاريخ اليهود الأزلي أنهم ينشئوون قوتهم ويحمون وجودهم بصناعة المكائد وإنشاء الصراعات والنفخ فيها".

النمر، يضيف في حديثه لـ"الاستقلال": أن "الحركة الصهيونية تعلم أن تمكنها وسيطرتها فضلا عن حماية نفسها يكون بإيقاد الفتن، لذا فهم معنيون بتقسيم المجتمعات والدول والأعراق والأجناس، ولما كان الإسلام هو العدو الأكبر للحركة الصهيونية ولليهود ودولة الاغتصاب التي زُرعت في فلسطين، فإنهم لا يألون جهدا في معاداة كل عربي وإسلامي".

ويعتقد أنه "لطبيعة اليهود الجبانة والخوانة؛ فإنهم يستخدمون الدسائس لتأليب العالم على العرب والمسلمين، والقيام ببعض الأعمال وتحميلها لهم وللإسلام ذاته، وربما قاموا بإنشاء كيانات تشوه الإسلام والعروبة مثلما أنشأت (تنظيم الدولة) وغيرها، وربما فعلوا أشياء بأيديهم هم أو باستغلال بعض العاطفيين السذج من المنتمين للإسلام".

ويلفت إلى أن ذلك "يشوه الوجه الإسلامي والعربي ويضعه دوما بخانة الإرهابي أو القاتل أو الهمجي، وما أحداث (11 سبتمبر) ببعيد، ولعل الحوادث الإرهابية التي نعيشها بواقعنا المعاصر يقف الصهاينة فيها وراء الفعل ورد الفعل وهم المستفيد الأوحد منها".

"ثمة حقيقة أخرى تتمثل بالجانب الاقتصادي؛ إذ إن الحركة الصهيونية معنية أيضا باستنزاف الأموال والقدرات خاصة في عالمنا العربي، ومثل هذه الصراعات يستفيد منها تجار الحروب والأسلحة، وتصب في النهاية المليارات بجيوبهم، وتستهلك اقتصاديات العرب المنهكة، وتصبح إسرائيل الكتلة الصلبة الوحيدة بمنطقة تعمها الصراعات والفوضى"، يوضح النمر.

ولكن؛ هل تكشف الواقعة اختراق بعض الجماعات المنتسبة للإسلاميين في أوروبا؟ 

الباحث والمحلل المصري يقول: "من المؤسف أن نقول إن الحركة الصهيونية والموساد اخترقا كثيرا من الواقع العربي، وما الهرولة العربية للتطبيع؛ إلا ثمرة لهذه الاختراقات، حتى رأينا أنظمة وحكومات عربية ومؤسسات ربما سيادية تتحرك بأجندة إسرائيل ويسارعون فيها".

ويضيف: "ومن نافلة القول إن الاختراقات يمكن أن تطال المراكز الإسلامية في الغرب وغيرها خاصة تلك التي تنشأ مرتبطة بأنظمة دولنا العربية وتأتمر بأوامرها".

وفي ربطه بين تلك الوقعة وبين ما يحدث في فرنسا الآن من تصعيد ضد المسلمين، يعتقد النمر، أنه "ليس جديدا، ربما الجديد فقط هو السفور والصراحة والتعبئة ضد كل ما هو إسلامي؛ ولعل هذه الصرعة نمت وزادت بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وغيره، من صرعات اليمين الشعبوي التي وصمت العالم بالعقد الحالي".

ويرى أنها "تنم عن أحقاد وعصبية ضد كل ما هو إسلامي؛ فضلا عن أنها تحاول استغلال تلك العداوة والتهييج فيها، إما للتغطية على فشل النظم بدولها أو الحصول على مكتسبات سياسية وانتخابية بهذه التعبئة القذرة".