"مآرب أخرى".. لماذا افتتحت الإمارات قنصلية في الصحراء المغربية؟

الرباط ــ الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بيان للقصر الملكي المغربي، أكد أن الإمارات العربية المتحدة، ستكون أول دولة عربية تفتتح قنصلية لها في الصحراء الغربية، المنطقة المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو.

وأشار البيان الصادر في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إلى أن القنصلية ستكون في مدينة العيون، أكبر مدن الصحراء الغربية، وأن القرار جاء بعد اتصال هاتفي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

في نفس اليوم، أعلنت وزارة الخارجية المغربية، أن زامبيا ومملكة إسواتيني افتتحتا قنصليتين بمدينة العيون (كبرى مدن إقليم الصحراء)، ليرتفع إجمالي القنصليات بالإقليم إلى 15.

ولي عهد الإمارات، أجرى اتصالا بملك المغرب اتفقا فيه على فتح القنصلية، وعبّرت الرباط عن شكرها وتقديرها للخطوة، واعتبرتها "قرارا تاريخيا هاما يدعم الوحدة الترابية للمملكة على هذا الجزء من ترابها"، وفق بيان الديوان الملكي.

تعتبر الإمارات أول دولة عربية تفتح قنصلية عامة بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو اعتراف بمغربية الصحراء المتنازع عليها منذ أن تحررت من الاستعمار الإسباني في العام 1975.

كما جرى حديث عن فتح البحرين قنصلية في العيون، وأعلن عن الخبر مدير مكتب وكالة أنباء الإمارات، الصحفي المغربي محمد واموسي، في تدوينة عبر صفحته بموقع فيسبوك.

هدنة بعد توتر

اعتراف الإمارات بمغربية الصحراء في هذا التوقيت تحديدا، خصوصا وأن علاقاتها بالمغرب وطيدة منذ زمن بعيد، أثار الكثير من الشكوك، فهل تشترط الإمارات الاعتراف بمغربية الصحراء مقابل موافقة الرباط على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لتلحق بأبوظبي والمنامة والخرطوم؟.

يسعى المغرب بشكل مستمر إلى الحصول على الدعم الدولي في أهم قضاياه وأكثرها تعقيدا، قد يتمثل الدعم في الاعتراف بمغربية المناطق المتنازع عليها. 

يقف ملف "الصحراء الغربية" بمنطوق الانفصاليين أو "الصحراء المغربية" بالمسمى الذي تطلقه الرباط على الجزء الجنوبي من أراضيها، وراء العديد من الشراكات والاتفاقيات الاقتصادية الدولية التي يعقدها المغرب مع شركاء خارجيين. 

تعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والإمارات لسنة 1972 في عهدي الراحلَيْن الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كان المغرب من أوائل الدول التي دعَّمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية.

منذ ذلك الحين شهدت العلاقات تطورًا متزايدًا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والإعلامية والقضائية والعلمية والسياحية والثقافية، لكنها لم تصل إلى الدعم الصريح للمغرب في قضيته الأهم "الصحراء".

في يوليو/ تموز 2020 عين العاهل المغربي سفيرا جديدا للمملكة في الإمارات، وكان ذلك إعلانا صريحا للهدنة بعد توتر شديد عرفته العلاقات الثنائية بين البلدين وصل إلى حد سحب السفراء. 

في مايو/ أيار من السنة نفسها، شنت الإمارات حملة إلكترونية هاجمت فيها المملكة وكانت إحدى معارك "حربها ضد المغرب" بسبب مواقف الرباط السياسية من ملفات عربية، أبرزها حصار قطر وحربي اليمن وليبيا.

وتصاعد الموقف الإماراتي المعادي للمغرب حين احتضن الأخير مفاوضات اتفاق الصخيرات الدولي بشأن الحل السياسي في ليبيا، واعترافه بحكومة الوفاق المنبثقة عنه كحكومة شرعية وحيدة هناك.

تكرر الأمر حين رفض المغرب مسايرة خطط المحاصرين لقطر، وقدم المغرب مساعدات للشعب القطري المحاصر، وأجرى الملك محمد السادس زيارة إلى الدوحة لاحقا، ثم عمل الملك على مراجعة علاقته مع "التحالف السعودي الإماراتي"، بعد أن تيقن بأنه تحالف لتدمير اليمن وليس لتحريره.

حاولت الإمارات توظيف قضية الصحراء في الأمر، بعد شروع المغرب في تقييم مشاركته في حرب اليمن، إلى درجة تجاوزت فيها الخطوط الحمراء.

في فبراير/شباط 2019، بثت قناة العربية السعودية (مقرها دبي) تقريرا تحدث عن أن "المغرب قام بغزو الصحراء بعد انتهاء الاستعمار الإسباني"، وأكثر من ذلك، سمحت باستضافة زعيم جبهة بوليساريو على قناة الحرة (مقرها الإمارات)، للإعلان عن عزم الجبهة العودة إلى العمل المسلح ضد الرباط.

وفي نهاية شهر أبريل/نيسان 2020، كشف موقع "مغرب أنتلجنس" المقرب من السلطة المغربية، أن الرباط سحبت سفيرها من الإمارات محمد آيت وعلي، بعدما ظل في منصبه أكثر من 9 سنوات، كما تم استدعاء القنصلَين المغربيين في دبي وأبوظبي.

لاعب أساسي

في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، وقعت الإمارات والبحرين، اتفاقين للتطبيع مع إسرائيل، في مراسم ترأسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحديقة البيت الأبيض.

وأثناء مراسم استقباله وفود إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض لتوقيع اتفاق التطبيع المثير الجدل، أعلن ترامب، أن 5 أو 6 دول (لم يسمها) غير الإمارات والبحرين قريبة من تطبيع العلاقات مع تل أبيب.

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أي بعد يوم واحد من إعلان الإمارات فتح قنصلية في منطقة العيون الصحراوية بالمغرب أعلن ترامب، أن 5 دول عربية مستعدة للتطبيع مع إسرائيل غير الـ5 المطبعة معها بالفعل، في إشارة إلى مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان.

وأضاف: "لدينا 5 (مطبعة مع إسرائيل)، لكن فعليا لدينا ربما 9 أو 10 دول، وسيكون لدينا الكثير، وأعتقد أنه في نهاية المطاف سيطبعون جميعهم".

وتابع أن "ذلك سيكون بعد الانتخابات الأمريكية. نحن نقوم بالكثير من العمل الآن، وأنا ضالع في جميع تلك الصفقات".

وفق مراقبين، فإن الإمارات هي من تقوم بدور الوساطة نيابة عن إسرائيل لعقد اتفاقيات تطبيع مع المغرب مقابل مكاسب ومزايا تحصل عليها الدول المطبعة، مثلما حدث مع السودان التي رفعت واشنطن اسمها من قوائم الدول الراعية للإرهاب، كما حصلت الخرطوم على ملايين الدولارات.

موافقة السودان على التطبيع، أظهر أن الإمارات تعد لاعبا أساسيا وفاعلا لإسرائيل في المنطقة، فيما اعتبرت صحيفة "هارتز" الإسرائيلية أن الصفقة الحقيقية لتل أبيب وأبوظبي هي تجارة الأسلحة.

المصلحة الإسرائيلية تكمن أيضا في أن مصالحها وسياساتها الإقليمية تتطابق مع المصالح والسياسات الإماراتية، واتحاد الطرفين يمنحهما قدرة أكبر وتنسيقا أشمل في تحقيق مآربهما في المنطقة.

فاتحادهما في وجه النفوذ الإيراني يعطيهما أدوات جديدة في مواجهة ذلك النفوذ، كون إسرائيل استطاعت الوصول إلى اتفاق مع أحد جيران إيران الأقوياء، وكون الإمارات حازت على دعم خصم إيران القوي المدعوم أميركيا.

علاوة على النفوذ الإيراني، يبدو أن هناك همًّا آخر يدور في مخيلة قادة البلدين وعزز من رغبتهما في إعلان التطبيع، وهو النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة، في ظل العلاقات الهشة والمتوترة بين تركيا وإسرائيل خلال السنوات الأخيرة، وكذلك في ظل تقاطع المصالح الإقليمية بين تركيا والإمارات في شتى القضايا.

اعتبارات أخرى

الكاتب والمحلل السياسي المغربي بلال التليدي، يرى أن فتح الإمارات قنصلية عامة في العيون، يندرج ضمن فك عزلتها ومحاولة إصلاح العلاقة مع المغرب بعد حملات من التضييق أو الإساءة والاستهداف للمصالح المغربية.

واعتبر التليدي في حديث لصحيفة "الاستقلال"، أن الإمارات بهذه الخطوة تريد أن تخفف من التوتر الذي نشأ في العلاقات المغربية الإماراتية، وهي تعلم أن مدخل إصلاح هذه العلاقة هو قضية الصحراء، وأن تصحح الأخطاء التي ارتكبتها من خلال بث تقارير معادية للوحدة الترابية المغربية في عدد من قنواتها وشبكاتها الإعلامية. 

واستبعد المحلل السياسي فكرة "الاعتراف مقابل التطبيع"، وقال إن الموقف المغربي تحدده اعتبارات أخرى في موضوع التطبيع، وأنه لا يمكن أن يُختصر في المكسب الذي يمكن أن يحصله من جراء تغير الموقف الأميركي من الصحراء، وإعطائه ضمانات سياسية بأنها ستقوم بدعم حله، لفائدة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، لمجرد توقيع المغرب على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

وأضاف موضحا: ثمة ثابتان يؤطران موقف المغرب من الصراع العربي الإسرائيلي، ومن أي مبادرة سلام تعرض لحله، أولهما أن المغرب لا يمكن له أن يكون بديلا عن الفلسطينيين فيما يخص حقوقهم المشروعة وثوابتهم، بالمعنى الذي يفيد بأن المغرب لا يمكن أن يقبل ما يرفضه الفلسطينيون، ولا يمكنه أن يرفض ما يقبله الفلسطينيون.

والثابت الثاني، بحسب التليدي، يخص حساسية القدس والمسجد الأقصى، فملك المغرب يحتل موقعاً رمزياً مهماً، كونه يشغل مهمة رئيس لجنة القدس، وهي مهمة تأخذ مستندها الشرعي من صفته كأمير للمؤمنين داخل المغرب، ذلك المستند الذي يقيد الملك بجملة ضوابط تؤطر أي موقف تجاه أي مبادرة سلام معروضة، تحدد وضع القدس والمقدسات والأوقاف الإسلامية بها.

وخلص المحلل السياسي إلى أن القضية فوق كونها سياسية تأخذ طابعاً دينياً، يصعب معه أن يخطو المغرب أي خطوة في اتجاه التطبيع، دون مراعاة موقف الفلسطينيين من جهة، ومراعاة وضع القدس والمسجد الأقصى من جهة ثانية، والاحتفاظ بالدور الأردني في الوصاية على المقدسات والأوقاف بها.