أطماع روسيا وعقبة "فاغنر".. هذه أبرز معوقات وقف إطلاق النار في ليبيا

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أخيرا نجح الفرقاء الليبيون في التوصل لاتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار في كامل الأراضي الليبية، معلنين عن نهاية "رسمية" للحرب التي شنها اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر منذ 2014، بهدف الاستيلاء على السلطة، وأطلق عليها "عملية الكرامة" بدعم إماراتي مصري سعودي فرنسي.

تعددت الأصوات المرحبة بالاتفاق الذي وقع في جنيف 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بين قوات حكومة الوفاق ومليشيات حفتر "الجيش الوطني الليبي"، غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يبد تفائلا بالاتفاق، فيما أرجعت روسيا تحقيق الاتفاق إلى جهودها.

الاتفاق الموقع لا يزال مجرد حبر على ورق، ورهينا بالتزام كافة الأطراف الموقعة عليه، حيث إنه لم يقتصر فقط على وقف المعارك، بل ألزم حفتر بسحب مليشياته من مدينة سرت ومحافظة الجفرة (وسطا)، ومرتزقة شركة "فاغنر" الروسية من ليبيا كلها في غضون 90 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.

تفاصيل الاتفاق

يأتي الاتفاق بعد 4 جولات من المفاوضات التي عقدت منذ شباط / فبراير 2020، وفي أعقاب اجتماع شارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رئاسته مع وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، مما ساعد على حشد جهود المجتمع الدولي لدعم ليبيا.

أخيرا أثمرت محادثات اللجنة العسكرية المشتركة "5 + 5" عن هدفها المحدد، وهي اللجنة التي تم الاتفاق عليها فى مؤتمر برلين حول ليبيا فى 19 يناير/كانون الثاني 2020.

وبموجب الاتفاق تم اختيار "5 عسكريين من قوات مليشيا حفتر، و5 عسكريين آخرين من قوات حكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دوليا بقيادة فايز السراج"، لتثبيت وقف إطلاق النار فى طرابلس وغرب ليبيا، والذى سبق وأعلن عنه بعد مؤتمر برلين إلا أنه فشل سريعا.

وبالإضافة إلى دعوة الاتفاق لوقف فوري لإطلاق النار يسري من لحظة التوقيع، فإنه ألزم أيضا الموقعين على ضرورة إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة وإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها 3 أشهر من تاريخ التوقيع.

كما دعا الاتفاق إلى تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها، وتكفل الغرفة الأمنية المشكلة بموجب هذا الاتفاق باقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة.

أطماع روسية

ورغم أن الاتفاق هذه المرة ليبي ليبي، فإن الواقع على الأرض لا يتحكم فيه الليبيون بمفردهم، حيث راهنت أطراف دولية وإقليمية على مغامرات حفتر المتتالية من أجل السيطرة على حكم ليبيا منفردا وبناء نظام عسكري استبدادي شبيه بذلك الذي أسقطه الليبيون عام 2011.

وحسب دراسة صادرة عن مركز كارنيغي في فبراير/شباط 2020، بعنوان رقعة شطرنج ثلاثية الأبعاد، فإن حفتر الذي بدأ بتلقي الأسلحة من روسيا عام  2016، وعد بالسماح بإنشاء قواعد روسية في بنغازي وطبرق بمجرد انتهاء الصراع مقابل ذلك.

وأضافت الدراسة أنه في ذلك الوقت أو بعد ذلك بقليل، بدأ مرتزقة من مجموعة فاغنر ومن شركة تعاقدات عسكرية ثانية يسيطر عليها الكرملين، وهي شركة RSB، في تعزيز قوات حفتر، والتزم 300 من المرتزقة في مجموعة فاغنر بتأمين موانئ طبرق ودرنة للأسطول الروسي والسيطرة على تدفق النفط الليبي.

ورغم إشادة موسكو بتوقيع الاتفاق برعاية الأمم المتحدة، فإن الشكوك قائمة حول إمكانية تنازل روسيا عن مشروعها لإقامة وجود عسكري دائم في جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي "الناتو" من الجنوب، ردا على درعه الصاروخي قبالة حدودها الغربية.

عقبة "الفاغنر"

انسحاب مرتزقة فاغنر من ليبيا، يبدو أمرا مستبعدا جدا، لأن لديها أجندتها الخاصة، وثمة من يشكك بقدرة حفتر على إجبار "فاغنر" على الخروج من ليبيا إن قرر ذلك.

سبق وصرح الناطق باسم قوات حكومة الوفاق العقيد محمد قنونو، أن وحدة المخابرة وتحليل المعلومات التابعة لقيادة العمليات رصدت "قيام مجموعة فاغنر بتحصين قاعدة الجفرة الجوية بأكثر من 31 موقعا".

وأوضح قنونو، في تصريح نشرته عملية بركان الغضب على صفحتها الرسمية بفيسبوك يوم 29 أيلول/سبتمبر 2020، أن مواقع فاغنر حول قاعدة الجفرة الواسعة جنوب طرابلس بنحو 650 كيلو مترا، "أُنشئت في سبتمبر/أيلول 2020 داخل القاعدة ومحيطها، بدائرة قطرها 25 كيلومترا، وتحصين مواقع أخرى بجانب مدرج الطائرات".

وفي سلسلة تغريدات جديدة، يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، ركز قنونو حديثه حول الاتفاق على ملف المرتزقة، قائلا: "لا نثق في قدرة مليشيا حفتر في إخراج أكثر من 5 آلاف مرتزق من عناصر فاغنر ومثلهم من المرتزقة القادمين من سورية والسودان وتشاد".

مضيفا: أن سرت والجفرة "أصبحت بؤر تجمع للمرتزقة الأجانب التابعين لفاغنر من روسيا وسوريا والعصابات الإجرامية المحلية المتهمة بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية". 

ويرى مراقبون للوضع الليبي أنه لا توجد  ضمانات كافية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، حيث قال الصحفي الليبي محمد الخلاب: "إن سارت الأمور في مجراها الطبيعي فهذا يعني أن الانسحاب سيتم خلال الفترة المحددة في اتفاق جنيف وهي 90 يوما".

مضيفا في حديثه مع "الاستقلال": "لا توجد مؤشرات عن تشكيل الحكومة واعتمادها وتسليمها مهامها خلال هذه الفترة، لكن ما أوصل الأمور في ليبيا لهذه الدرجة هو غياب رؤية إستراتيجية لدى الحكومة في طرابلس للتواصل والعلاقات مع روسيا، وقد أخفقت في ذلك تماما وتركت المجال لحفتر في توطيد علاقته بموسكو"، مؤكدا أن التحاور مع الدول الفاعلة في المشهد الليبي "أمر مهم".

وتابع الخلاب: "لا أعتقد أن هناك ضمانات حقيقية لانسحاب المرتزقة من ليبيا، قد يكون الأمر مختلفا لو تم إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يلزم الأطراف بذلك وهذا مرهون بأمرين أيضا، الأول صعوبة استصدار قرار كهذا من مجلس الأمن خاصة وأن روسيا تتمتع بحق الفيتو وهي معنية بشكل مباشر بملف المرتزقة (مرتزقة فاغنر)". 

أما الثاني فهو "مدى احترام الأطراف لقرارات مجلس الأمن والالتزام بها خاصة حفتر، الذي أثبتت التجربة في ليبيا عكس ذلك، مثلما حدث من قبل مع اتفاق الصخيرات حيث تم إصدار قرار من مجلس الأمن بكون الاتفاق هو الحاكم للعملية السياسية في ليبيا، لكن الكل يعرف أن حفتر هاجم طرابلس وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يجري فيها مؤتمرا صحفيا".

توجس تركي

من جهة أخرى، يرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن بلاده وتركيا لهما الفضل المطلق في إنجاح التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا وإيقاف سنوات من المعارك الدامية.

لافروف قال في تصريحات لوكالة أنباء "أثينا ومقدونيا": إن موسكو وأنقرة مستمرتان في العمل على تقريب مواقف أطراف النزاع في ليبيا من أجل بدء عملية التسوية السياسية في البلاد.

وأشار لافروف إلى أن الخبراء الروس والأتراك يساهمون في الوقت الحاضر في المصالحة بين الأطراف الليبية، وأكد أنهم مستمرون في العمل من أجل ما سماه "إطلاق تحولات سياسية بناء على قرارات مجلس الأمن ومخرجات برلين".

إلا أن الأتراك كان لهم رأي مخالف للترحيب الدولي الواسع بالاتفاق، حيث اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وقعت بلاده مع حكومة الوفاق اتفاقا عسكريا ساهم في تغيير مسار الحرب في محيط طرابلس، أن "الاتفاق ضعيف المصداقية وستظهر الأيام مدى صموده".

وقال أردوغان: "الاتفاق تم على مستوى مندوبين أحدهما يمثل حفتر، والآخر قائد عسكري من مصراتة يمثل حكومة الوفاق، وليس اتفاقا على أعلى مستوى"، متمنيا أن يتم الالتزام بهذا القرار لوقف إطلاق النار.

وتسعى أطراف ليبية مقربة من حفتر على اعتبار أن اتفاق وقف إطلاق النار ينص على ضرورة إيقاف العمل بالاتفاق العسكري بين حكومة الوفاق وتركيا وإيقاف جميع عمليات تدريب القوات الليبية. 

في المقابل اعتبر المجلس الأعلى للدولة، في بيانه يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن الاتفاق لا يشمل ما أبرمته السلطة التنفيذية -أي حكومة الوفاق- من اتفاقات شرعية مع تركيا.