خداع وقمع.. كيف ترمي فرنسا العبء على إيطاليا بملف المهاجرين؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع ''إنسايد أوفر'' الإيطالي تقريرا، تطرق فيه إلى ما وصفه بالغموض الفرنسي في معالجة مشكل الهجرة غير النظامية، منتقدا سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون الصارمة والقاسية تجاه المهاجرين غير الشرعيين.

اعتبر الموقع أن النهج الذي تبنته فرنسا بشأن ظاهرة الهجرة لا يبدو واضحا تماما، فرغم دعوة باريس من ناحية إلى الترحيب وفتح الموانئ، إلا أن رفض طلب منظمة غير حكومية استخدام أراضيها، كان كافيا لإثبات تملصها من المسؤوليات وتحميلها إلى إيطاليا.

وأضاف: طالما شكلت إدارة الظاهرة غالبا موضوعا لتبادل التهم بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الداخلية الأسبق ماتيو سالفيني. وكثيرا ما اتهم الأول الأخير بتبني نهج متشدد في إدارة ظاهرة الهجرة، في حين رد نائب رئيس الوزراء السابق بانتقاد سياسات فرنسا الصارمة تجاه المهاجرين.

"آلان كردي"

الموقع الإيطالي، قال: إن حادثة سفينة  ''آلان كردي''، التي ترفع العلم الألماني والتابعة إلى المنظمة غير الحكومية "سي آي"،  تؤكد تردد فرنسا في فتح موانئها أمام المنظمات غير الحكومية. ووقع الحادث في سبتمبر/أيلول 2020، إثر إنقاذ 125 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا، طلبت السفينة الرسو في ميناء آمن لينبثق عن ذلك "صدام" بين فرنسا وإيطاليا. 

وكان خفر السواحل الإيطالي قد رفض طلب سفينة ''آلان كردي''  التي كانت قريبة من الحدود الإيطالية وتحديدا من  جزيرة صقلية، بالرسو ودعاها إلى التوجه إلى الدولة التي تحمل علمها أي إلى ألمانيا. لكن السفينة الألمانية قررت الإبحار إلى مرسيليا، ومن هنا جاء رد فعل فرنسا التي دعت إيطاليا إلى  فتح موانئها.

وجاء في نص البيان الصادر عن باريس أنه "منذ عامين كنا دائما في صف إيطاليا في آلية التضامن لإدارة عمليات الإنزال، نطلب منكم الاستجابة لطلب المنظمة غير الحكومية بالرسو في أقرب ميناء آمن".

واستجابت إيطاليا على الفور لـ"الدعوة" بفتح ميناء أرباتاكس وسط شرق سردينيا. ومرة أخرى، كان لدى الحكومة الفرنسية القدرة على إلقاء اللوم على إيطاليا، بحسب الموقع الإيطالي.

نهج صارم

أشار الموقع إلى أن فرنسا شرعت منذ ما يقرب من عام في اتباع مسار مباشر لإصلاح نظام الهجرة. وخططت لحوالي عشرين تدبيرا يظهر نية الرئيس ماكرون اتباع نهج صارم أكثر تجاه الحقوق الممنوحة حتى الآن للمهاجرين على الأراضي الفرنسية. 

ومن بين هذه الإصلاحات الأكثر إثارة للجدل، هي الإصلاح الذي يتعين على كل طالب لجوء بموجبه الانتظار ثلاثة أشهر قبل أن يتمكن من التمتع بالتغطية الصحية الكاملة التي يحق للمواطنين الفرنسيين الحصول عليها والتي كانت مضمونة دائما بصفة فورية لمن يطالب بالحصول على أي شكل من أشكال الحماية، بحسب الموقع.

وتابع: من المتوقع أيضا تقليص فترة التغطية  إلى سنة و6 أشهر لطالبي اللجوء الذين لم يتم قبول طلبهم. وهو إجراء، كما أوضحت الحكومة الفرنسية نفسها، يهدف إلى ثني المهاجرين من الذهاب إلى فرنسا للقيام "بالسياحة الصحية" من خلال تلقي العلاج الذي لا يمكنهم الحصول عليه في بلدانهم.

ذكر الموقع أن هناك أرخبيلا بين موزمبيق ومدغشقر يتجلى فيه غموض باريس بشأن سياسة الهجرة بشكل أكثر وضوحا.  وتتكون مايوت من جزيرتين انفصلتا في عام 1974 عن جزر القمر المجاورة، وهي مقاطعة فرنسية تقع وراء البحار، تسري فيها جميع القوانين المطبقة على الأراضي الفرنسية ما عدا قانونا واحدا وهو حق المواطنة بالولادة.

وأشار إلى أنه بالنظر إلى أن جزيرة مايوت هي "ضلع" صغير من فرنسا بالقرب من إفريقيا، تبين على مر السنين أن الكثير من الوافدين من البلدان المجاورة دخلوا الأرخبيل لغاية للإنجاب داخله وبالتالي اكتساب الجنسية الفرنسية.

ولهذا السبب، صدر في نهاية عام 2018 قانون جديد بشأن حق الإقليم صالح فقط لهذه الجزيرة وينص بأنه "يمكن فقط للأطفال المولودين في مايوت لوالد واحد على الأقل كان موجودا في المنطقة، بشكل منتظم، لمدة ثلاثة أشهر على الأقل" أن يتمتعوا بالجنسية الفرنسية.

وأوضح الموقع الإيطالي أن مشكلة عمليات الإنزال والوافدين غير النظاميين بات مقلقا لدرجة دفعت ماكرون نفسه أن يعد بقمع تدفقات الهجرة. وبينما تعرضت الإجراءات التي اتخذتها إيطاليا في عهد الحكومة الإيطالية السابقة إلى الإدانة، كان الإليزيه في نفس الأشهر يعد خطة تهدف إلى اتباع نهج صارم للغاية بشأن المهاجرين في مايوت. 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، أدى الرئيس الفرنسي زيارة إلى الأرخبيل لتقديم مقترحات تهدف إلى ترحيل 25000 مهاجر في غضون بضعة أشهر وفرض إجراءات صارمة على المهاجرين غير الشرعيين.

وفي هذه النقطة، اعتبر ماتيو غيزألبرتي، الكاتب في صحيفة ''لا فيريتا'' الإيطالية أن هذه الخطة تبدو أقسى بكثير من خطط سالفيني أو الرئيس المجري فيكتور أوربان، والتي غالبا ما تنتقدها فرنسا.

ترضية فرنسية

 وأكد الموقع أنه إذا ألقت باريس، من ناحية، باللوم في كثير من الأحيان على تعامل الدول الأوروبية الأخرى (وخاصة إيطاليا) مع المهاجرين، فمن ناحية أخرى، بدت سياساتها في السنوات الأخيرة في بعض الحالات أكثر قسوة.

كما يظهر الغموض الفرنسي المتعلق بمسالة الهجرة أيضا من إعلان ماكرون مرارا وتكرارا عن أهمية معالجة ظاهرة الهجرة على المستوى الأوروبي، لكن لم تكن لديه أبدا نية مساعدة البلدان الأكثر تعرضا للتدفقات، وتثبت حادثة "آلان كردي" ذلك. بالإضافة إلى عمليات الترحيل الممنهجة التي تنفذها السلطات الفرنسية على طول الحدود مع إيطاليا، حيث تتم إعادة مئات المهاجرين إلى إيطاليا كل شهر.

وذكر الموقع أن النقطة الوحيدة التي اتفقت حولها كل من باريس وروما بشأن هذه المسألة، تتعلق بسياسات إعادة التوطين. وتدفع إيطاليا نحو إعادة توزيع المهاجرين، على الأقل أولئك الذين وصلوا بسفن عسكرية أو منظمات غير حكومية، في جميع أنحاء أوروبا.

وبيّن ''إنسايد أوفر'' أن فرنسا أبدت في كثير من الأحيان استعدادها لتحمل مسؤولية الأشخاص الذين نزلوا على طول السواحل الإيطالية، لكنها تظهر، بالنظر عن كثب إلى الأرقام، وكأنها تقدم نوع من "الترضية" الصغيرة إلى إيطاليا. فعلى سبيل المثال، من 25 يونيو/تموز إلى 13 أغسطس/آب، نُقل 62 مهاجرا إلى فرنسا، وبمجموع 369 منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2019. في المقابل، رفضت فرنسا وطردت أعدادا أكبر بكثير.