قتلت قيادات.. ماذا وراء هجمات واشنطن على "تحرير الشام" في إدلب؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

الهجوم الأميركي على تنظيم "هيئة تحرير الشام" الذي يسيطر على معظم مدينة إدلب السورية، أثار تساؤلات عن دوافع وتوقيت واشنطن في شن هذه الضربة، التي أوقعت عددا من قادة التنظيم، وهل ثمة ربط بين الهجوم الأخير وقصف آخر استهدف تنظيم "حراس الدين"؟.

اللافت أيضا أن الهجمات على "تحرير الشام" و"حراس الدين" جاءت بعد الكشف عن زيارة مبعوث أميركي إلى دمشق ولقائه برئيس النظام بشار الأسد، فهل ثمة علاقة للتصعيد الأميركي الأخير بالزيارة التي بحثت موضوع الإفراج عن عدد من الرهائن الأميركيين؟.

غارة جوية

في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن 17 عنصرا بينهم 6 قياديين قتلوا بغارة جوية أميركية، فيما أوضحت القيادة الأميركية المركزية (سنتكوم) في بيان أن الغارة "استهدفت مجموعة من كبار مسؤولي تنظيم القاعدة في سوريا، كانوا مجتمعين بالقرب من إدلب".

وأضافت: أن "القضاء على هؤلاء القياديين في تنظيم القاعدة في سوريا سيقلل من قدرة التنظيم الإرهابي على تخطيط وتنفيذ هجمات تهدد المواطنين الأميركيين وشركائنا والمدنيين الأبرياء".

أما مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن (مقره بريطانيا)، فقال: "القصف نفذته طائرة مسيرة، واستهدف مأدبة عشاء في قرية جكارة بريف سلقين قرب الحدود السورية - التركية".

ووفقا للمرصد السوري، فإن الغارة الأميركية استهدفت "اجتماعا ضم قادة من هيئة تحرير الشام مع جهاديين آخرين في إحدى المزارع بقرية جكارة".

وفي سياق ذي صلة، قالت "شبكة إباء" الناطقة باسم "هيئة تحرير الشام": "غارة جوية لطيران مسير استهدفت خيمة تابعة لأحد الوجهاء في بلدة جكارة بريف إدلب الغربي، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى"، لم تحدد عددهم.

وبعد ذلك، نعت "هيئة تحرير الشام" على مواقعها الرسمية من وصفتهم بـ"الإخوة القادة" أبي طلحة الحديدي "أمير قطاع البادية سابقا" و"الشيخ حمود سحارة أمير قطاع حلب سابقا" اللذان قتلا ضمن 11 سقطا بين قتيل وجريح في الغارة الأميركية.

وأدانت "الهيئة" الاستهداف "دون بينة واضحة ولا محاكم عادلة"، معتبرة أن "ما يجري إجراء غير مسؤول يعرقل خطوات استقرار المنطقة وسلامة أهلها". ولفتت إلى أن "التجمع كان وليمة عشاء لمناسبة اجتماعية حضرها بعض وجهاء العشائر والقيادات العسكرية المستقلة والمدنية من عموم المجتمع المحلي في الشمال السوري".

تفكيك وإضعاف

ورغم نعي "هيئة تحرير الشام" بعض القيادات التي استهدفتها الضربة، لكن خبراء في الشأن السوري تباينت تفسيراتهم حول الأشخاص المستهدفين في الغارة الأميركية، والهدف من وراء استهدافهم.

وقال الخبير العسكري السوري أحمد حماد لـ"الاستقلال": "التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نفذ هجمات عدة ضد تنظيم (حراس الدين)، والجماعات المرتبطة بالقاعدة، والاستهداف الأخير في قرية جكارة طال شخصيات عدة انشقت عن (هيئة تحرير الشام) واقتربت من (حراس الدين)".

ولفت حماد أن هذه الجماعات التي استهدفتها الغارة الأميركية تعارض الاتفاق التركي الروسي حول طريق "إم 4"، لافتا إلى أن التحالف الدولي يسعى من خلال الاستهدافات المتدرجة، إلى "تفكيك وإضعاف" هذه الجماعات، في حين أن "الهيئة" تبدي مواقف أكثر براغماتية.

وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن السوري أحمد أبا زيد عبر سلسلة تغريدات على حسابه بـ"تويتر": إن طائرة درونز (مسيرة) استهدفت اجتماعا في قرية جكارة غرب سلقين يضم مجموعة من الجهاديين والمرتبطين بـ"حراس الدين" و"هيئة تحرير الشام"، قيل إن بعضهم انشق عن الأخيرة من فترة قريبة وانضموا للأول، ثم أسسوا مجموعة تسمى "كتائب الفتح".

وأوضح أن "الضربة استهدفت خيمة ضمن مزرعة سامر سعاد، وهو شخص عمل في الجناح الأمني والاقتصادي للهيئة مع أبي أحمد حدود ونشط في ملفات التهريب مع إخوانه، ومن بين القتلى: سامر سعاد، وأخويه عامر وإبراهيم، وأيضا قتل حمود السحارة ومرافقه، وأبو طلحة الحديدي".

وأشار إلى أن "حمود محمد كني السحارة، هو من بلدة السحارة بريف حلب الغربي، وكان معتقلا عند النظام بعد عودته من العراق وأفرج عنه بعد الثورة، وأنه من الصف القيادي الأول والمؤسس لجبهة النصرة، ثم قائد للنصرة في حلب سابقا، ومن قادة الجهاز الأمني، وأنه أعلن خروجه من الهيئة سابقا، لكن ثمة تشكيك أنه انشقاق تمويه".

ولفت أبا زيد إلى أن حمود السحارة متهم بالعديد من عمليات الاغتيال ضد الثوار وخصوم النصرة في الشمال، وشارك في معظم حملات جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام، ضد فصائل الجيش الحر، إضافة إلى خطف صحفيين أجانب، وأنه أسس قبل أشهر مع أبي طلحة الحديدي -كان في النصرة- "كتائب الفتح"، وكلاهما يحتمل أنه بقي ضمن هيئة تحرير الشام رغم إعلان خروجه.

صفقة محتملة

تزامن الهجمات الأميركية ضد التنظيمات السورية في إدلب، مع الكشف عن زيارة لمبعوث أميركي إلى دمشق ولقائه برئيس النظام، زاد من التكهنات بخصوص وجود صفقة بين الولايات المتحدة وبشار الأسد، مقابل الإفراج عن رهائن أميركيين يحتفظ بهم الأخير.

لكن الخبير في الشأن السوري أحمد حماد استبعد في حديثه لـ"الاستقلال" وجود أي ربط بين الموضوعين، بالقول: "لا أتوقع وجود علاقة بين زيارة المبعوث الأميركي والاستهداف، لأن هذا الاستهداف ليس بالأمر الجديد، فقد سبقه استهدافات عدة طالت هيئة تحرير الشام، وجماعات أخرى".

وكان مسؤول بالإدارة الأميركية، قد قال خلال تصريحات صحفية في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن مسؤولا بالبيت الأبيض سافر إلى دمشق في وقت سابق من العام الحالي لعقد اجتماعات سرية مع الحكومة السورية سعيا للإفراج عن مواطنين أميركيين اثنين، على الأقل، تعتقد واشنطن أن نظام الأسد يحتجزهم.

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه: إن كاش باتل، نائب أحد مساعدي الرئيس دونالد ترامب أكبر مسؤول عن مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، هو الذي زار دمشق.

وأضاف المسؤول، في معرض تأكيده لتقرير بهذا الشأن نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال": أن "هذا يرمز إلى أي مدى يجعل الرئيس ترامب إعادة الأميركيين المحتجزين في الخارج أولوية كبرى".

وقالت الصحيفة خلال تقرير لها في 19 أكتوبر/ تشرين الأول2020، نقلا عن مسؤولين في إدارة ترامب، وآخرين مطلعين على المفاوضات: إن رحلة باتل كانت أول مناسبة يلتقي فيها مسؤول أميركي كبير بمسؤولين بحكومة دمشق في سوريا خلال أكثر من 10 سنوات.

وأفادت بأن مسؤولين أميركيين عبروا عن أملهم في إبرام اتفاق مع الأسد، يسمح بإطلاق سراح أوستن تايس الصحفي الحر الضابط السابق بمشاة البحرية الذي اختفى خلال عمله بسوريا عام 2012، وماجد كمالماز الطبيب السوري - الأميركي الذي اختفى أيضا بعدما أوقفته السلطات عند نقطة تفتيش تابعة للحكومة عام 2017.

وأضافت الصحيفة أن السلطات الأميركية تعتقد أن الحكومة السورية تحتجز 4 أميركيين آخرين، على الأقل، لكنها أوضحت أنه لا يُعرف عنهم سوى القليل. وذكرت أن ترامب بعث برسالة خاصة إلى الأسد في مارس/ آذار 2020، يعرض فيها "حوارا مباشرا" بشأن تايس.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن اللواء عباس إبراهيم، مدير الأمن العام اللبناني، التقى بمستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين في البيت الأبيض، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لبحث قضية الأميركيين المحتجزين في سوريا.

وأوضحت "وول ستريت جورنال"، نقلا عن المصادر ذاتها، أن المحادثات لم تحرز تقدما يذكر، مشيرة إلى أن دمشق طالبت واشنطن مرارا بسحب كل قواتها من البلاد.

شروط الأسد

وعلى الصعيد ذاته، نقلت صحيفة "الوطن" المقربة من نظام الأسد أن "مصادر سورية واسعة الاطلاع أكدت ما نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال)، من أن مسؤولَين أميركيين رفيعين زارا العاصمة دمشق منذ فترة قريبة، بهدف البحث في عدة ملفات، منها ملف ما يسمى (المخطوفين) الأميركيين، والعقوبات الأميركية على سوريا".

وكشفت المصادر أن كلا من روجر كارستينس المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المخطوفين، وكاش باتل مساعد الرئيس الأميركي مدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، قد زارا دمشق في أغسطس/ آب 2020، واجتمعا باللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، في مكتبه بدمشق، و"ناقشا سلة واسعة من المسائل، حملت جملة من العروض والطلبات".

وأضافت الصحيفة السورية: "هذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين بهذا المستوى الرفيع، وسبقتها 3 زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية".

وحسب المعلومات، فإن المسؤولَين الأميركيين "فوجئا بالموقف السوري ذاته الذي يقوم على مبدأ أنه لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن قبل بحث ملف انسحاب القوات الأميركية المحتلة من شرق سوريا، وظهور بوادر حقيقية لهذا الانسحاب على الأرض، وأن دمشق رفضت مناقشة العقوبات الأميركية على سوريا قبل مناقشة ملف الانسحاب".

وأشارت الصحيفة إلى أن "دمشق حذرة من نمط هذه الزيارات الأميركية، لجهة أنها لا تثق بها أو بنتائجها المحتملة، لا سيما أن القيادة السورية (النظام) تدرك تأثير اللوبيات الأميركية على الرؤساء الأميركيين وقراراتهم وسياساتهم العامة".

وكشفت تقارير صحفية في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أن الاتصالات الجارية بين إدارة ترامب ومسؤولين في النظام السوري، تجري بتنسيق مباشر مع إيران لعقد صفقة موحدة للإفراج عن الرهائن الأميركيين.

وأضافت التقارير أن دمشق خففت على ما يبدو من "شروطها" التي كانت قد أبلغتها للموفد الأميركي البارز كاش باتل المسؤول عن ملف مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، الذي زارها في وقت سابق هذا العام.

وذكرت أن النظام أبلغ باتل بشروط رفضتها واشنطن، إذ طالب برفع أو على الأقل تخفيف العقوبات التي فرضها "قانون قيصر"، بالاستناد إلى نص وارد فيه، يقول: "يسمح للرئيس بناء على تقديرات تخدم الأمن القومي الأميركي برفعها لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها".