التوتر المستمر بين المغرب والجزائر.. كيف يؤجل حل الأزمة الليبية؟

طرابلس - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أنه "لا بديل عن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات لحل الأزمة الليبية"، مؤكدا أن هذا الاتفاق يشكل مرجعا في هذا الصدد.

وقال بوريطة خلال ندوة صحفية مشتركة مع رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، عقب مباحثات أجرياها في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بالرباط: إن اتفاق الصخيرات يشكل "الأرضية التي لا يمكن تغييبها في البحث عن أي حل، فلا بديل عن هذا الاتفاق الذي يمكن أن يطور وأن يكيف مع الواقع".

وفي الأسبوع الثاني من الشهر نفسه، قال بوريطة في حوار مع صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية: إنه دعا الليبيين خلال المشاورات التي جرت في مدينة بوزنيقة، "ألا يهدروا طاقتهم في إيجاد وسطاء أو شخصيات أخرى، ولكن عليهم أن ينكبوا على إيجاد حلول للمشاكل".

التصريح الأخير اعتبرته صحيفة "الشروق" الجزائرية المقربة من النظام تعبيرا من المغرب عن "انزعاجه من جهود الجزائر في ليبيا"، وظل الموقف حديث الصحافة دون أن تعبر الجزائر رسميا عن انزعاجها من تصريحات بوريطة، الذي لم يصرح بدوره من المقصود من كلامه.

لكن الرد جاء في صيغة تصريح للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عندما رحب باستضافة تونس لملتقى الحوار السياسي الليبي الشامل، والمرتقب تنظيمه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

السباق نحو استضافة الأطراف الليبية يبدو واضحا في التصريحات الرسمية لكلا البلدين المغرب والجزائر، وإن لم يكن معلنا فهو يكشف عن فصل جديد من توتر العلاقات بينهما وهو ما يضر بالملف الليبي. فهل تتخذ الجزائر والمغرب من الأزمة الليبية مجالا لفرض السيطرة إقليميا ومحاولة الظهور في الصورة؟.

ثوابت دبلوماسية

الرئيس الجزائري تبون أجرى مكالمة هاتفية في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، مع نظيره التونسي قيس سعيد، عبّر من خلالها عن ترحيبه بالحوار الليبي - الليبي، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، والذي سيلتئم بداية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في تونس.

تبون أكد على أن "الجزائر تقف دائما إلى جانب تونس"، فيما أكد سعيد على "امتنانه للموقف الجزائري، وعلى تقديره لمواقف الجزائر الثابتة"، وأضاف: أن "التنسيق مع الأشقاء الجزائريين هو من ثوابت الدبلوماسية التونسية".

وخلال لقاء جمع وزير الخارجية الليبي محمد سيالة، والسفير الجزائري في طرابلس كمال عبد القادر، أعلن المتحدث باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي، أن الجزائر أبدت رغبتها بـ"المشاركة في الحوار الليبي الجاري حاليا".

وسبق للرئيس الجزائري تبون، أن صرح عقب مؤتمر برلين، أن "الحل الوحيد للأزمة الليبية يكمن في انتخابات تشريعية يشارك فيها كل الشعب الليبي".

وصرحت الجزائر في أكثر من مناسبة على لسان مسؤوليها أنها "تتمتع بوضعية مناسبة لرعاية الحل في ليبيا"، وأكدت باستمرار أنها لا تنحاز لطرف على حساب آخر.

المغرب من جانبه يدعم دور المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبيين باعتبارهما هيأتين ضروريتين لأي نجاح لحل الأزمة، ويعتبر أنهما تشكلان "النواة الأساسية التي يمكن من خلالها الوصول إلى حل لأنهما تمثلان الشرعية، وتعتبران ركيزتين في الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات ولهما امتدادات في التراب الليبي ولدى الشعب الليبي".

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020، توصل طرفا الحوار الليبي إلى تفاهمات، في المغرب، بشأن معايير شغل المناصب السيادية في ليبيا، انتهت إلى اتفاق شامل حول المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية في المؤسسات الرقابية.

ووقع المجلس الأعلى للدولة الليبي وبرلمان طبرق، بمدينة بوزنيقة المغربية، على المسودة النهائية للاتفاق حول آلية تولي المناصب السيادية.

جهود مغاربية

إضافة إلى جهود تبذلها كل من الجزائر وتونس، الجارتان الغربيتان لليبيا، التحق المغرب بالمساعي الدولية، فيما تبدي موريتانيا قلقها من تأثير التدهور الأمني في ليبيا سلبا على استقرار دول الساحل الإفريقي، وهي: موريتانيا، بوركينا فاسو، مالي، تشاد والنيجر.

وتشترك دول المغرب العربي جميعا في ضرورة التوصل إلى حل سياسي، ورفض الحل العسكري في ليبيا، والاعتراف بشرعية الحكومة في طرابلس.

لكن رؤى هذه الدول للحل تختلف، فإن كانت الجزائر وتونس تنسقان موقفهما ضمن دول جوار ليبيا، فإن المغرب متمسك بالحوار في إطار تعديل اتفاق الصخيرات، بينما تتحدث موريتانيا من منبر دول الساحل.

وحتى الآن لم يتبلور أي تنسيق بين تلك الدول في إطار اتحاد المغرب العربي، الذي تأسس عام 1989، ويضم كلا من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا.

الأستاذ بقسم العلوم السياسية جامعة عنابة بالجزائر، مراد بن قيطة عبّر عن أسفه من تشتيت الجهود المغاربية بشكل عام نحو احتواء الأزمة الليبية والسماح لأطراف من خارج المنطقة بالإمساك بخيوط الملف الليبي.

ذهب ابن قيطة في حديث مع "الاستقلال"، إلى حد القول: بأن "التوتر والاختلاف بين المغرب والجزائر يؤجل الحل في ليبيا"، واعتبر أن العلاقات بين البلدين لو كانت في مستوى منخفض من التوتر، مع وجود حد أدنى من التنسيق بينهما في هذا الإطار كان بالإمكان تحقيق مكاسب كبيرة جدا فيما يتعلق بالملف الليبي تحديدا.

هدر للطاقات

وتابع: مؤكدا أن "جوهر المقاربتين المغربية والجزائرية، إيجابي جدا ويختلف عن باقي المقاربات من خارج المنطقة سواء بعض الأطراف الإقليمية، كتركيا، إيطاليا، فرنسا، وحتى بعض البلدان الخليجية".

وأضاف: "بالتالي هناك هدر للطاقات والجهود وللفرص أيضا على الليبيين وعلى كل المنطقة المغاربية من أجل التسوية السريعة، واحتواء تداعيات الأزمة التي يمكن أن تكون خطيرة للغاية".

رأى المتخصص أنه من الصعب اتحاد الطرفين المغربي والجزائري، فالصور النمطية السائدة في العلاقات ما بين الدولتين وهاجس التنافس الجهوي ما بينهما يحول دون التوصل لعمل مشترك.

السبب أيضا راجع، بحسب المتحدث، للمنطق السائد في العلاقة ما بين الطرفين منذ 3 عقود من الزمن، وإدراك صناع القرار في البلدين لا زال يصور الطرف الآخر على أنه منافس جهوي يهدد مصالحه.

واستدرك قائلا: "لكن الواقع أن الأزمة الليبية هي المهدد الوحيد، ومعها المنطقة بأكملها والأمن القومي المغربي والجزائري معا، فالأمن القومي المغاربي وحدة لا يمكن أن تتجزأ، فالمنطقة تشكل في النهاية مركبا أمنيا، وزعزعة الاستقرار في ليبيا يؤدي إلى زعزعته في باقي دول المنطقة".

وتمنى المتخصص في العلاقات الدولية، أن يدرك صناع القرار في البلدين هذا الأمر، ويتحركوا باتجاه العمل المشترك.

"حوار الطرشان"

جزم ابن قيطة بأن "السياق المتأزم في العلاقات الثنائية دائما ما يفعل فعلته في أي مناكفات إعلامية بين الطرفين، حتى وإن لم تكن مقصودة، وبالتالي لا أعتقد أن هناك حقيقة تنافس معلن في هذا الإطار، ربما هي محاولة لأخذ مواقع متقدمة فيما يتعلق بالملف الليبي لمحاولة استقطاب الأطراف الليبية من الطرفين".

وتسعى الجزائر والمغرب إلى إعادة تفعيل رؤاهما لحل الأزمة الليبية، قد يكون هذا مؤشر على غياب التواصل الدبلوماسي أو تنسيق فعلي ما بين الطرفين لأن هناك إمكانية لتنسيق مغربي جزائري فعلي يستطيع أن يحلحل الأزمة الليبية ويقود إلى بلورة وتدبير مبادرة مغاربية مشتركة يكون أضلاعها الجزائر تونس المغرب.

يعتقد الأستاذ الجامعي أن "حوار الطرشان أو العلاقات المتوترة بين الطرفين تساهم بشكل كبير جدا في عدم حدوث نوع من التقارب على أرض الواقع".

من وجهة نظره، يرى خبير العلاقات الدولية تقاطعات كبيرة بين المقاربتين المغربية والجزائرية، وإمكانية العمل المشترك وبلورة رؤية مشتركة واردة جدا وممكنة، وستكون واقعية إلى أبعد حد لأن المغرب كان ربما سباقا في ظل الفترة التي مرت بها الدبلوماسية الجزائرية بأزمة بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

استطاع المغرب في ذلك الوقت، يقول المتحدث: "أن يصل إلى أرضية تفاهم أولية سنة 2015 عن طريق اتفاق الصخيرات، وهذا كان منجزا مهما جدا في سياق الحرب التي كانت دائرة آنذاك".

وبعد عودة الجزائر دبلوماسيا إلى الملف الليبي، فإنها بعلاقتها مع مختلف الأطراف ومقاربتها التي تتشابه مع المقاربة المغربية إلى حد كبير، إذ تنبني المقاربتين على مبدأ الحياد الإيجابي تجاه الأزمة الليبية، وفق ابن قيطة.

مضيفا: "فكلا الطرفين لا يرغبان بتصعيد الموقف الميداني في ليبيا، بل على العكس من ذلك يريدان الوقف الفوري للاقتتال ما بين الأشقاء في ليبيا، ويدفعان باتجاه التسوية السياسية، وقطع الإمداد بالأسلحة والتدخلات السلبية التي تزيد الوضع العسكري والميداني سوءا ما بين الأشقاء الليبيين".          

وتابع الأستاذ الجامعي: "لكن السياق الأزموي يحول دون التوصل إلى عمل مشترك لحل الأزمة في ليبيا ويقود إلى تصعيدات كلامية وإعلامية نشهدها هنا وهناك".

يرى الطرفان، حسب ابن قيطة، أن "العلاقة بينهما على أنها لعبة صفرية، وبالتالي ما تحققه الجزائر يعتبر خسارة للمغرب والعكس صحيح، لكن الواقع شيء آخر، فهناك فرصة واقعية لتقديم مبادرة مشتركة تكون لها فعالية كبيرة، على خلاف المبادرات الفردية من الطرفين".

وختم الباحث بالقول: "إجماع مغاربي تقوده الجزائر والمغرب، مهم جدا لقطع الطريق على كل الأطراف التي تريد أن تأخذ ليبيا باتجاه تقسيم البلد والمجتمع".