رضا بهلوي.. شاه مستبد كتب نهاية الحكم الملكي في إيران ودفن بمصر

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مثل هذا اليوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1919، ولد شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي وبعد ذلك الحدث بـ 48 عاما، وفي اليوم نفسه عام 1967 توج بهلوي نفسه إمبراطورا على البلاد، التي حكمها بالحديد والنار.

بهلوي الذي لقب نفسه "ملك الملوك"، غادر إيران في 16 يناير/ كانون الثاني 1979 للمرة الأخيرة، بعد ثورة كاسحة عمت أرجاء البلاد، ليكون بذلك آخر شاه لإيران وينهي حكما ملكيا استمر قرابة 2500 عام.

جسد رحيل الشاه إلى المنفى نهاية حكم سلالة بهلوي، الذي استمر  لحوالي 53 عاما، ومهد الطريق لقيام الجمهورية في إيران.

مثلت فترة حكم الشاه تغييرات اجتماعية وسياسية كبيرة، في وقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة، واعتمد الشاه سياسة استبدادية أحادية، أهمها إلغاء الأحزاب السياسية مع الإبقاء على الحزب الحاكم، وأعاد جهاز البوليس السري "سافاك"، الذي بطش بالشعب الإيراني وارتكب جرائم مروعة.

كذلك شهدت فترته الانقلاب على الشخصية الوطنية الإيرانية، رئيس الوزراء محمد مصدق، عام 1951، عندما نجح في تمرير مشروع قانون في البرلمان لتأميم الثروة النفطية الكبيرة التي كانت تسيطر عليها بريطانيا، لينشب خلاف بينه وبين الشاه المدعوم أميركيا، وينتهي المطاف بإحداث انقلاب، كتب في الصفحات السوداء لتاريخ بهلوي.

وأخيرا انتهى حكمه بنجاح الثورة التي اندلعت مطلع عام 1978، وانتهت بإزاحة الشاه الذي مات منفيا مطاردا في العاصمة المصرية القاهرة، بعد أن رفضت معظم دول العالم استقباله، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، الذين دعموه خلال فترة حكمه.

مهد وسلطان

في العاصمة الإيرانية طهران، ولد الشاه محمد رضا بهلوي يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1919، وهو الابن الأكبر لرضا خان بهلوي الذي حكم إيران في الفترة 1925-1941، مؤسسا حكم سلالة بهلوي، الذي استمر حتى سقوط الدولة، وقد نودي بمحمد رضا وريثا للعرش عام 1926. 

تلقى الأمير الصغير آنذاك تعليمه الابتدائي والثانوي في سويسرا، وعاد عام 1935 ليخدم في الأكاديمية العسكرية بطهران، وتخرج منها كضابط، لذلك كان الشاه بهلوي يعتبر نفسه أولا وقبل كل شيء رجلا عسكريا.

أخضع الشاه القوات المسلحة الملكية الإيرانية لسيطرته المطلقة والكاملة، وكان دائما يصف نفسه قائلا: "أنا الجيش"، وكان الضباط والجنود يرددون هتافا صباحيا بشكل دائم كجزء من المراسم اليومية، قائلين: "الله، الشاه، الوطن".

بدأ صعود بهلوي إلى عرش إيران في وسط الحرب العالمية الثانية خلال عام 1941 عندما بدأت ألمانيا النازية العملية "بربروسا" وغزت الاتحاد السوفيتي.

كان لذلك وقع هائل على إيران، التي أعلنت الحياد في النزاع، وفي صيف عام 1941، تبادل الدبلوماسيون السوفيت والبريطانيون العديد من الرسائل يحذرون فيها بعضهم البعض من التهديد الذي يشكله وجود عدد من الألمان في إيران لإدارة السكك الحديدية، بما معناه أنه ما لم يُطرد الألمان من إيران فلا شيء غير الحرب.

وبالفعل احتلت بريطانيا والاتحاد السوفيتي، إيران عام 1941 وأجبرا الشاه رضا بهلوي على الخروج منها، ونفيه إلى جنوب إفريقيا بسبب خوف البلدين من تعاون الشاه مع ألمانيا النازية وتزويده هتلر بالنفط خلال الحرب.

تم تسليم العرش لنجله الأكبر محمد رضا في 16 سبتمبر/أيلول 1941، وهو يبلغ من العمر نحو 22 عاما، ليبدأ حكمه الطويل المتقلب الذي شهد كثيرا من الأحداث والاضطرابات.

الشاه ومصدق

يعتبر رئيس الوزراء الإيراني الراحل محمد مصدق، من أشهر الشخصيات في تاريخ إيران الحديث، فهو الزعيم المتمرد من داخل النظام وأحد أبرز ضحايا التدخلات الأميركية البريطانية في السياسة الإيرانية، وكان مهددا لعرش محمد رضا بهلوي، ويعد المسمار الأول في نعش حكمه بعد ذلك.

بسبب شعبية مصدق، وكثرة مؤيديه بين القطاعات السياسية والشعبية الإيرانية، قرر الشاه عام 1951 أن يعين مصدق رئيسا للوزراء بعد أن رشحه البرلمان لهذا المنصب، بأغلبية 79 صوتا مقابل 12 فقط. 

وفي 30 أبريل/ نيسان 1951، بعد يومين فقط من استلامه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيراني، وأقام تحالفا مع كتل اليسار السياسي مثل حزب توده الشيوعي، ليوازن ضغوطات الشاه من الداخل وإنجلترا والولايات المتحدة من الخارج.

كانت إصلاحات مصدق الديمقراطية تضرب في الأساس الشمولي لحكم الشاه، كما أن خطوة  تأميم النفط مثلت ضربة كبيرة لمصالح لندن وواشنطن، لذلك عمل محمد رضا بهلوي، على التخلص من مصدق سريعا، وعقد تحالفات داخلية وخارجية للإطاحة به والانقلاب عليه.

ومع احتدام الصراع بين الرجلين عانت إيران من اضطرابات سياسية واسعة، أدت برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق إلى إرغام الشاه على مغادرة إيران، حيث التجأ إلى بغداد يوم 16 آب/أغسطس 1953 بصحبته زوجته الملكة ثريا ومرافقه الخاص بطائرته الخاصة.

قام الشاه حينها بأداء مراسيم الزيارة في الكاظمية وكربلاء والنجف، في رسالة إلى أبناء أمته أصحاب المذهب الشيعي، ثم غادر متوجها إلى إيطاليا وقبل أن يغادر وقع قرارين: الأول يعزل مصدق، والثاني تعيين الجنرال فضل الله زاهدي مكانه.

بعدها بدأت محاولة الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة في 16 أغسطس/ آب 1953، لكنها أُحبطت بسرعة، بسبب الاعتقالات والمداهمات التي أمر بها مصدق، وفي 19 أغسطس/ آب 1953، وقع الانقلاب الثاني بعد أن احتدم الصراع بين الشاه ومصدق.

قام زاهدي بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران، في حين قام كرميت روزفلت ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي للانقلاب الذي أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه اسما سريا هو العملية أجاكس (Operation Ajax)، بإخراج "تظاهرات معادية" لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية.

بعدها قبض على مصدق، وتمت محاكمته بشكل صوري، واستفاض بعدها محاميه "جليل بزرگمهر" في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية. 

حكم نظام الشاه على مصدق بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقا إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات، ومن ثم إقامة جبرية مدى الحياة في قرية أحمد آباد، الواقعة شمالي إيران حتى وفاته في 5 مارس/ آذار 1967.

بعد الانقلاب على مصدق، عاد محمد رضا بهلوي إلى إيران مرة أخرى، واستعاد عرشه، وبدأ فترة مختلفة من حكمه، برعاية أميركية غربية.

الثورة البيضاء 

أدرك الشاه أن استمراره في الحكم على الطريقة البائدة، سوف يؤدي إلى نهاية حكمه سريعا، وأنه لا بد له من حزمة إصلاحات أمام الشعب، لتجاوز حالة الاحتقان والغضب التي خلفها عزل مصدق والتنكيل به وبأنصاره.

هنا شرع بهلوي وبمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ برنامج تنمية وطني على نطاق واسع، أطلق عليه اسم "الثورة البيضاء"، وشمل بناء شبكة طرق برية وسكك حديدية، ومطارات وسدودا ومشاريع ري، وعمل على القضاء على أمراض مثل الملاريا، وتشجيع ودعم التنمية الصناعية، واستصلاح الأراضي الزراعية.

ورغم أن الثورة البيضاء، عززت إلى حد ما شعبية الشاه في الداخل، لكنه واجه معارضة، من قبل أولئك الذين رأوا أن الإصلاحات التي قام بها لم تكن كافية، ومن قبل رجال الدين، وعلى رأسهم آية الله الخميني، والحوزات الشيعية، الذين كانوا يرون أن الإصلاحات تسير بالبلاد على خطى الغرب وتنافي الإسلام.

واجه حكم الشاه معارضة قوية بسبب طبيعة حكمه الاستبدادية والفساد، والتوزيع غير العادل للثروة النفطية، وفرض قيم غربية، وقمع جهاز السافاك (الشرطة السرية) للشعب حيث ارتكب جرائم شائنة واغتيالات مريعة.

تجلت سلبيات حكم الشاه بشكل ملحوظ بعد أن بدأت إيران في جني عائدات أكبر من صادراتها النفطية، حيث بدأت مظاهر الإنفاق والبذخ تظهر في قصوره وحفلاته وطريقة معيشته، على حساب الشعب الذي يرزح تحت خط الفقر والعوز.

حفل أسطوري

في أكتوبر/ تشرين الأول 1971 قرر شاه إيران، محمد رضا بهلوي، تدوين اسمه في التاريخ من خلال إقامة حفل لم يشهد العالم مثله من قبل، مستغلا ذكرى مرور 2500 عام على إنشاء مملكة فارس، ودعا رؤساء وملوك العالم والأمراء لزيارة مدينة "برسبولس" الإيرانية، التي شهدت الحفل.

الشاه أراده حينئذ أن يكون الأكبر على الأرض والأعظم في تاريخ البشرية، وبالفعل كان له ما أراد، لكنه لم يدرك أن ذلك الحفل الصاخب الباذخ سيكون سببا في إسقاطه بعد سنوات، وإنهاء حقبة حكم العائلة الشاهنشاهية من إيران إلى الأبد.

كرس الشاه الملايين للحفل، وتفرغت المملكة بكاملها لإنجاحه، فجلب أفخر المأكولات والشراب والحلويات من فرنسا، وعلى مدى أشهر كانت الطائرات تنقل الخيم المخصصة لسكن القادة إلى العاصمة القديمة.

ضم الحفل عددا كبيرا من كبار الشخصيات على مستوى العالم، من رؤساء وملوك وأباطرة وأمراء وشيوخ، وفنانيين ودبلوماسيين، ما أثار حفيظة أعداء نظام الشاه وأوغر صدورهم، فتوجهوا بالنقد اللاذع للحفل وبذخه المفرط.

شعبيا كانت الحريات مقيدة، والاعتقالات مستمرة، وأغلقت الشرطة الجامعات وزج بآلاف المعارضين في السجون ومنع الناس من التظاهر، وعلى عكس ما أراد الشاه، فتح الحفل نافذة في جدار إيران سمحت للعالم بالنظر من خلالها لما يجري فيها على المستوى السياسي والاجتماعي، وكانت من أولى بشائر الثورة. 

مظاهرات عارمة

سياسات الشاه وحدت جميع طوائف الشعب ضده، بداية من اليسار إلى رجال الدين والطلبة والساسة، فخرجت مظاهرات عارمة تندد بالنظام وتدعو إلى الثورة عليه، والإطاحة به.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1977، بدأت المظاهرات في المدن والأقاليم، وتطورت إلى حملة مقاومة واسعة، ضد أجهزة الأمن وخاصة "السافاك، وتحركت الجموع التي تشمل كلا من العناصر العلمانية والدينية، ثم وصلت الثورة إلى ذروتها واشتدت في يناير/ كانون الثاني 1978.

بدأت موجات الإضرابات والمظاهرات، تحدث شللا في البلاد، وتوقفت الحياة العامة، وارتفعت الأصوات مطالبة برحيل الشاه وعائلته ونظام الحكم برمته. 

وفي 8 سبتمبر/ أيلول 1978، وقعت واقعة الجمعة السوداء، التي كانت بمثابة نقطة اللاعودة بين الشاه وشعب إيران، حيث احتشد الآلاف في ساحة جاليه بطهران، رغم إعلان الحكومة الأحكام العرفية.

طلب الجنود من الحشود التفرق، لكنهم تجاهلوا الأمر وبدأت مذبحة مروعة في جموع المتظاهرين، وتذكر وسائل الإعلام المحلية والغربية أن عدد القتلى بلغ الآلاف.

وفي 16 يناير/كانون الثاني 1979، أدرك الشاه أنه لا مجال للعودة والحكم، وآثر أن يفر إلى خارج البلاد. حاول الشاه أن يجد له موطيء قدم في بلاد العالم الواسعة، لا سيما الولايات المتحدة ودول الغرب التي دعمته كثيرا خلال فترة حكمه، ودان لها بالولاء، لكنهم جميعا رفضوا استقباله.

الوحيد الذي استقبله آنذاك رئيس الجمهورية المصرية الراحل محمد أنور السادات، واستقر الشاه بمصر في رحلته الأخيرة. وفي 27 يونيو/حزيران 1980، توفي الشاه محمد رضا بهلوي، عن عمر يناهز 60 عاما، وأقيمت له جنازة عسكرية حضرها السادات وجرى دفنه في مسجد الرفاعي بالقاهرة.

وفي طهران أعلنت الإذاعة الإيرانية في نبأ مقتضب وفاة الشاه، وفي اليوم التالي تصدرت وفاته عناوين الصحف الإيرانية، وكتبت صحيفة ازابيغان عن موت الشاه "وفاة الفرعون"، بينما عنونت صحيفة طهران تايمز "مصاص دماء القرن رحل". 

وأعلن رئيس مجلس الشورى (آنذاك) آية الله هاشمي رفسنجاني المسؤول الوحيد الذي علق على وفاة الشاه "بالنسبة لنا وفاة الشاه مشكلة صغيرة لا أهمية لها".