اعتقال رئيس "الإعلام الليبية".. لهذا فرح الثوار وأدانت الأمم المتحدة

زياد المزغني | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور أقل من شهر على تعيينه من قبل رئيس الحكومة فائز السراج، ألقت كتيبة "ثوار طرابلس" التابعة لوزارة الداخلية لحكومة الوفاق الليبية القبض على رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو ونجليه.

توقيف "بعيو" جاء بعد ساعات قليلة من تصريحات وقرارات أثارت غضبا واسعا وسط الليبيين واعتبرت مسيئة لثورة 17 فبراير /شباط 2011 وشهدائها.

وقوبل اعتقال بعيو بانتقادات من قبل عدد من السياسيين والمؤسسات الحقوقية وكذلك الجهات الدولية وفي مقدمتها بعثة الأمم المتحدة، إلا أنها قوبلت بإشادة واسعة خاصة من قبل كتائب الثوار الذين أكدوا تمسكهم بتحصين ثورتهم من أي اختراق أو تراجع للوراء.

تصريحات استفزازية

مساء 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020 وصف بعيو، عدوان اللواء الانقلابي خليفة حفتر على العاصمة طرابلس بـ"الحرب الأهلية"، وأمر بإزالة شعار بركان الغضب (العملية العسكرية التي أطلقتها حكومة الوفاق لصد مليشيات حفتر) من القنوات الرسمية.

كما أصدر بعيو قرارا بتعيين إعلامية مؤيدة لحفتر مديرة للبرامج والإنتاج المرئي بقناة "ليبيا الوطنية" المملوكة للدولة، وهو ما اعتبره عسكريون وساسة في الغرب الليبي إهانة لهم.

وشدد بعيو في مراسلته لوكالة الأنباء الليبية الرسمية، على التوقف نهائيا عن بث ونشر كل ما يتعلق بالعدوان على طرابلس أو ما يصفه هو بـ"الحرب الأهلية"، مؤكدا أن "مؤسسة الإعلام ستراقب مدى الالتزام بهذه التعليمات الواردة في مراسلته".

وتوعد بعيو مديري القنوات والإذاعات باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم في حال عدم الالتزام بتوجيهاته بشأن الامتناع عن تناول العدوان على طرابلس.

الرد السريع

لم يتأخر الرد طويلا على قرارات بعيو، حيث رفضت جهات عدة سياسية وعسكرية بما فيها عضوان بالرئاسي وجهات مثل مجلس الدولة إلى جانب قادة بـ"بركان الغضب"، لقرارات بعيو وسلوكه ضد "بركان الغضب" وتضحيات صد العدوان على طرابلس.

بعد أن طالب آمر غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة، إبراهيم بيت المال، المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق" بسحب قرار بعيو الذي عمّمه على وسائل الإعلام، وصف نائبا رئيس المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق" محمد العماري وعبد السلام كجمان قرار السراج تعيين بعيو رئيسا للمؤسسة الليبية للإعلام بـ"غير الشرعي".

وفيما لم يصدر عن المجلس الرئاسي أي موقف رسمي، قال عضو المجلس الرئاسي محمد عماري زايد، في بيان له: إنه بصدد اتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة للطعن في قرار المجلس الرئاسي بتكليف بعيو برئاسة المؤسسة الليبية للإعلام، واصفا القرار بـ"غير الشرعي".

وفي تصريح للعماري، نقلته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، أكد أن "وصف جريمة العدوان على طرابلس بالحرب الأهلية هو تزوير للحقائق وطعن في شرعية المعركة التي خاضتها حكومة الوفاق، وإهانة قياداتنا العسكرية وشهدائنا الأبرار".

أما على الأرض فتحركت مجموعة تابعة لكتيبة ثوار طرابلس المكلفة بحماية العاصمة الليبية وألقت القبض على بعيو، قبل أن تلقي بيانا في الساحة المقابلة لمقر التلفزيون الرسمي الليبي. 

وبعد هذا التحرك بوقت قصير، أعادت قناة ليبيا الرسمية رفع شعار عملية بركان الغضب على شاشتها بعد أن أمر محمد بعيو بإزالته، ولم يمض وقت حتى لحقتها قناة "ليبيا الوطنية" ورفعت على شاشتها شعار عملية البركان.

وأدانت المنظمة الليبية لرعاية أسر الشهداء والمفقودين والجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة ممارسات بعيو وقالت في بيان لها: إن المنظمة "تقف بشدة وبكل قوة مع الثوار الذين اعتقلوا رئيس مؤسسة الإعلام محمد بعيو". 

خطأ متبادل

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 عن أسفها لـ"الاعتقال خارج إطار القانون" لرئيس المؤسسة الليبية للإعلام، داعية إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عنه.

واعتبرت البعثة أن هذه الاعتقالات "تعسفية"، وأنها سلطت الضوء على المخاطر الشخصية التي يتعرض لها الصحفيون خلال دفاعهم عن الحق في حرية التعبير في ليبيا.

ودعت البعثة إلى ضرورة احترام سيادة القانون مؤكدة من جديد أن الحرية الإعلامية أمر بالغ الأهمية لعملية الانتقال الديمقراطي في ليبيا، وشددت على وجوب ضمان الحق في حرية التعبير وحماية الصحفيين والإعلاميين.

بيان بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، جاء وسط موجة من الإدانات من قبل عدد من السفارات الأجنبية في طرابلس في مقدمتهم السفارة الأميركية، حيث أعربت عن إدانتها لاعتقال بعيو، وشددت السفارة، في تغريدة نشرتها عبر تويتر، على أن الولايات المتحدة تدعم سيادة القانون في ليبيا وحماية الصحفيين وجميع الليبيين في حقهم في حرية التعبير.

بعض الليبيين عبروا عن تحفظهم على تحرك كتيبة ثوار طرابلس دون سند قانوني من أجل اعتقال بعيو وأفراد من أسرته، واعتبروه "اعتقالا خارج القانون لا يقبله كل من يتطلع ويدعو إلى دولة القانون والمؤسسات"، إلا أنهم حملوا المسؤولية الأولى على من عينه بطريقة ارتجالية واستفزازية وأحد نتائج القرارات الفردية التي اتخذها السراج.

الباحث والخبير في الشأن الليبي بشير الجويني اعتبر أن "وجود محمد بعيو في منصبه منذ البداية رافقه شيء كبير من الخلاف والتشكيك في شرعية القرار وسط حديث على انفراد رئيس حكومة الوفاق فائز السراج بالقرار في تعيينه، بالإضافة إلى رمزيته باعتباره جزءا من نظام معمر القذافي".

الجويني قال: "تعيين بعيو خلق صراعا مفتوحا مع ثوار 17 فبراير قبل توليه منصبه وبعد، لكن كل ذلك لا يبرر تحرك كتيبة لاعتقاله خارج القانون ودون إذن قضائي، فالخطأ متبادل من الجهتين من قام بالتعيين ومن قام بالاعتقال ولكن القضية اليوم هي كيف ستنتهي هذه الأزمة". 

وأضاف الجويني لـ"الاستقلال": "هذه القضية فتحت التساؤل من جديد عن قضيتين أولها مسألة المصالحة مع عناصر محسوبة على النظام القديم، ويبدو أن هذا الملف في تقدم نسبي حيث لا يوجد رفض إلا لعدد من الأسماء الخلافية وقيادات الصف الأول في نظام القذافي".

وتابع: "نجحت شخصيات عملت مع النظام القديم من العمل مع حكومات ما بعد 17 فبراير مثل وزير الاقتصاد السابق علي العيساوي، أما المسألة الثانية والأهم هي علاقة الكتائب المسلحة بالدولة والتي يوجد هنالك اتفاق بين مختلف الأطراف على ضرورة إدماجها في الدولة، إلا أن هذا الخيار يصطدم بتصنيفات إقليمية ودولية، بين كتائب مقبولة دوليا وأخرى مرفوضة ويجب حلها، حتى يتم احتكار السلاح فقط في يد الدولة الليبية".

غضب واسع

في 10 أيلول/ سبتمبر 2020، أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، فائز السراج، قرارا بتعيين الصحفي محمد عمر بعيو، رئيسا للمؤسسة الليبية للإعلام التي حلت محل الهيئة العامة للإعلام.

تعيين بعيو رافقه غضب واسع نظرا لتاريخه باعتباره قياديا سابقا باللجان الثورية وناطقا رسميا باسم آخر حكومات نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

بعيو، الذي سبق وتولى مهمة المستشار الإعلامي السابق لمحافظ مصرف ليبيا المركزي، أسند إليه السراج مهمة الإشراف الكامل على جميع القنوات والصحف الليبية المملوكة للدولة.

هذا التعيين فتح الباب على مصراعيه بين القوى المساندة لثورة 17 فبراير، للتعبير عن مخاوفها من الوقوع في أي تراجع عن مكتسبات الثورة التي لا تزال بنادق الثوار تدافع عن أهدافها في إقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

وجاءت أول المواقف الرافضة لهذا التعيين من داخل المؤسسات الرسمية للدولة، حيث وصف عضو المجلس الرئاسي محمد عماري زايد القرار بالمسيء إلى ليبيا وثورتها، مبديا رفضه لقرار السراج، داعيا رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي إلى اجتماع عاجل لإعادة النظر في القرار.