"مقالع الرمال" بالمغرب.. كيف يستفيد منها المهربون وتتضرر الدولة؟

سلمان الراشدي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"مقالع الرمال" تجارة في المغرب تدر أرباحا طائلة غير مشروعة عبر استغلال عشوائي يهدد بكوارث بيئية، بل وإنسانية من خلال تهجير مواطنين قسرا، أمام صمت "غريب" من قبل السلطات المحلية يشي بأن هناك تواطؤا مع المستغلين لهذه المحاجر. 

هذا الصمت، دفع المتضررين ومعهم المتضامنين للاحتجاج باستمرار عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؛ للضغط على الجهات المعنية لفرض القانون على الشركات المستغلة للمقالع والتأكد من احترامها للشروط.

وفي عام 2012 نشرت وزارة النقل لوائح المستفيدين من رخص "النقل العمومي" والمقالع، تلاها إصدار قانون منظم للمقالع في 2015، وأخيرا تشكيل لجنة برلمانية استطلاعية.

بالموازاة مع ذلك تعالت صرخات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية لإيقاف هذا الزحف الخطير لمستغلي محاجر الرمال، لكن دون إجراء جذري أو وضع نقطة نهاية لخروقات المستغلين، ما طرح سؤالا لدى المتابع، هل هناك "مافيا" خفية فوق قانون الدولة؟

تواطؤ مشترك 

وفي تصريح لـ"الاستقلال" قال رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام (منظمة غير حكومية) محمد المسكاوي: إن "مقالع الرمال تعد محركا أساسيا لمجموعة من الأشغال في قطاع البناء والبنية التحتية، وهو مجال مغر للعديد من الفاعلين الاقتصاديين أو الشركات".

وأضاف المسكاوي: "فيما يخص اقتصاد الريع بالمغرب فإن المقالع تدخل ضمن هذا الإطار، ويستفيد منها بعض المحظوظين على حساب أصحاب الأرض والقبائل والقرى والبيئة ومنابع المياه وأيضا المناظر الطبيعية للبلاد".

وأوضح أنه "أمام الضجة حول هذا الموضوع سابقا وارتباطا بحراك 20 فبراير/شباط (عام 2011) الذي كان ضد الاستبداد والفساد، فقد قامت حكومة عبد الإله بنكيران عام 2015 تحت ضغط الشارع والمجتمع المدني، بإصدار قانون يتعلق بالمقالع في 9 يونيو/حزيران 2015".

وأشار إلى أن "القانون اعترف في ديباجته بالاختلالات التي كانت تهم استغلال تلك المقالع وتنامي العشوائية منها، ونهب رمال الكثبان الساحلية والشاطئية، وعدم نجاح المراقبة، ما نتج عنه انعكاسات سلبية على السكان والبيئة والبنية التحتية والعائدات المالية للدولة".

وأضاف: "أصبحنا في المغرب نتوفر على قانون خاص بالمقالع، على الأقل يمكن التحاجج به أمام ناهبي الرمال والمحتكرين والمستغلين خارج الإطار القانوني، خاصة أن القانون حدد نسبة الاستغلال القصوى لتلك المقالع، وأيضا العقوبات".  

واستدرك المسكاوي "لكن مع الأسف لا نزال نلاحظ تنامي ظاهرة المقالع العشوائية، وعدم التصريح بالكميات المحملة، وأيضا عدم استفادة خزينة الدولة من أي دراهم، وبالتالي الموضوع يحتاج إلى إرادة حقيقية في تفعيل القانون ومراقبة الشركات أو الأشخاص المستفيدين من تلك الرخص".

وأكد رئيس "الشبكة المغربية لحماية المال العام" أنه أمام هذه المعطيات "هناك تواطؤا بين الجهات المكلفة والمعنية بمراقبة تلك الأراضي والمقالع من جهة والمستفيدين من جهة ثانية".

 جشع مفرط

بعد تحذيرات منظمات وهيئات محلية من خطر "جشع" المستغلين والمستفيدين من مقالع الرمال، دخلت منظمة الأمم المتحدة على الخط ونبهت أيضا إلى الأضرار متعددة الأبعاد على الإنسان والطبيعة والحيوان.

ونقلت وسائل إعلام محلية تقريرا صادرا عن منظمة الأمم المتحدة، حذرت فيه من تدمير "مافيا" المقالع للرمال المغربية، عن طريق الاستغلال المفرط وغير المشروع لموارد الرمال.

وأوضح برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، في تقرير له، أن الزيادة في الطلب على الرمال تبلغ ثلاثة أضعاف على مدار العشرين عاما الماضية، وسط تزايد عدد السكان والتوسع الحضري وأعمال البناء؛ وهو ما ساهم في تآكل الشواطئ والفيضانات والجفاف.

وأدرج التقرير الأممي المغرب ضمن البلدان التي تعاني من استخراج الرمال الساحلية بطرق غير قانونية، مشيرا إلى أن نصف رمال المملكة (حوالي 10 ملايين متر مكعب في السنة) تأتي عن طريق استخراج الرمال الساحلية غير القانونية. 

وفي هذا السياق، لفت المسكاوي إلى أن "هناك مجموعة من المقالع أحدثت سابقا تشوهات في المجال البيئي خاصة ضرب الأحواض المائية الباطنية وتسميمها، وقتل النباتات وتأثيرها على صحة المواطنين المقيمين بجانب تلك المقالع وتحديدا في الدواوير (قرى صغيرة)".

وأوضح أنه في زيارات ميدانية أجراها لتلك المقالع، وقف عند حالات ترحيل المواطنين قسرا من تلك القرى، فالمجال البيئي أصبح يأخذ بعين الاعتبار مستوى التزامات المغرب الدولية أو الوطنية".

أما الأضرار المالية للمقالع فوصفها المسكاوي بـ"الخطيرة جدا"، قائلا: "حين نتحدث عن شركات أو أشخاص تقوم باستغلال آلاف الأطنان من الرمال، فمن الضروري أن نتساءل مقابل ذلك ماذا تستفيد خزينة الدولة من العائدات المالية الضريبية السنوية، وكيف يتم دفع أجور العمال، وهل هناك ضمانات العمل في شروط السلامة الصحية الجسدية للعمال".

وتابع: "كلها تبقى أسئلة يجب على السلطة أن تقدم توضيحات بشأنها، على أساس أن يتم التركيز على أن أي ترخيص جديد يجب أن يكون وفق القانون الصادر، وأن يتم استخلاص المبالغ المالية، خاصة وأن المغرب كما بقية دول العالم في ظل جائحة كورونا يعاني تراجعا خطيرا في المداخيل".

وفي 2 يوليو/تموز 2015، نُشر القانون الجديد لاستغلال المقالع رقم 27.13، في الجريدة الرسمية، بعد إعداده من طرف وزارة "التجهيز والنقل واللوجستيك والماء" في إطار مقاربة تشاركية وتوافقية مع المهنيين والقطاعات الوزارية المعنية.

ويستند هذا القانون على 3 مبادئ رئيسية، أولها تبسيط المواد القانونية المتعلقة بتسليم التصريح باستغلال المقالع، وحماية البيئة، وتكثيف المراقبة.

ورغم أن القانون الجديد للمقالع يستند على هذه المبادئ الثلاثة، فإن كتلا برلمانية ترى أن العديد من الاختلالات يشهدها هذا القطاع؛ ومنها ضُعف المداخيل المالية للدولة.

صرخة البرلمان 

المثير في مقالع الرمال، من خلال بحث لصحيفة "الاستقلال"، في أرشيف الموقع الإلكتروني للبرلمان المغربي أن هناك أكثر من 300 سؤال لنواب، يحذرون من كارثة جرف الرمال.

كتل برلمانية، من بينها "التقدم والاشتراكية" (معارض)، قالت: إن "قطاع جرف الرمال يشهد تدبيرا عشوائيا ناتجا عن عدم تطبيق سليم للقانون 27.13 المنظم للمقالع، وتأخر صدور مراسيمه التطبيقية، وتداخل الاختصاصات بين أكثر من قطاع حكومي، وهو ما يؤدي إلى استمرار مظاهر استنزاف الملك البحري العمومي في أكثر من موقع".

وأشارت إلى أن "أحسن مثال على ذلك يوجد في المنطقة البحرية لمدينتي العرائش والمهدية (شمالا)، ولا شك أن الوضع ذاته يوجد في مناطق أخرى من شواطئ المملكة، حيث تظهر للعيان مظاهر استغلال مفرط للجرف البحري". 

وأكدت الكتلة البرلمانية أن "هذه الحالات تشكل إخلالا جسيما للنظام الإيكولوجي البحري، وتخريبا لمعالم الحياة الشاطئية بالجرف البحري، وتغييرا لحركة التيارات البحرية، وتحويلا للسواحل إلى صحارى خالية من الأسماك وغير صالحة للاستجمام، وتمتد أضرارها لتشمل الثروة السمكية وصغار المهنيين العاملين في مجال الصيد البحري".

واعتبرت أن "هذا الوضع المقلق يقتضي إعمالا صارما للقانون واحترام الاختصاص القطاعي في الترخيص والمراقبة، مع مراعاة ملاحظات المختصين والفاعلين المدنيين، وضمان حقوق الجماعات الترابية في استخلاص واجباتها من استغلال المقالع البحرية لجرف الرمال".

وأمام هذه الأسئلة المتواصلة، قرر مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) تشكيل لجنة برلمانية استطلاعية في سبتمبر/أيلول 2020، للنظر فيما يثار من ريع في استغلال أصحاب الرخص لهذه المنشآت، غير أن متابعين يرون أن عمل هذه اللجنة "لن يحقق نتيجة حقيقية". 

المسكاوي اعتبر أن اللجنة تقوم بعمل استقصائي محدود في ظل غياب الإمكانيات وعدم انفتاح الآخر، رغم أن القانون نظم هذه العملية.

 وحسب قرار مكتب مجلس البرلمان فإنه يجري إحالة الملفات (الخروقات) إلى القضاء إذا كان الأمر يقتضي ذلك".

وأضاف: "لكن لا أعتقد أن بإمكان اللجنة البرلمانية أن تقوم بعمل الضابطة القضائية التي لها الإمكانيات والصلاحيات للتحقيق مع المخالفين وإحضار الملفات والمشتبه بهم والتحقيق معهم والوصول إلى الخلاصات الحقيقية، عكس اللجنة البرلمانية التي يمكن القول إن عملها يبقى استطلاعيا فقط، ما يعني أن هذه الجهود تحتاج إلى أمور تقنية يضمنها فقط القانون الجنائي المغربي".

وشدد المسكاوي في ختام تصريحه على أنه "مع وجود قوانين في المغرب سواء كانت ضعيفة أو لا بأس بها في مجال الرقابة، من الضروري توفر إرادة سياسية حقيقية من مختلف مكونات أجهزة الدولة لتنفيذها واحترامها وتفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن في ظل غياب هذا الشرط ستبقى كل  القوانين مجرد حبر على ورق".