نيويورك تايمز: لولا الحشيش لما وجدت القرى الزراعية في لبنان

12

طباعة

مشاركة

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن الصعوبات التي يواجهها مزارعو الحشيش (القنب) في لبنان، بسبب الأزمة الاقتصادية وتراجع العملة وتعطل خطوط تهريب القنب عبر سوريا. 

وأوضح تقرير للصحيفة الأميركية، أن القنب ينمو في كل أرجاء قرية زراعية لبنانية ذات تربة صخرية وفيلات حجرية ضخمة، إذ تملأ هذه النبتة الحقول المحيطة بقرية "اليمونة" وخطوط الطرق المجاورة، حيث يقيم الجيش نقاط التفتيش.

كما يوجد محصول من الحشيش بالقرب من المسجد، وعلى الطريق حيث يعلق علم أصفر ضخم لـ"حزب الله"، الجماعة المسلحة والحزب السياسي الذي يحظر قادته استخدامه (القنب) لأسباب دينية.

"شجيرة مباركة"

وأشاد جمال شريف، مختار ورئيس قرية اليمونة، بالقنب باعتباره "شجيرة مباركة" بسبب خصائصه العديدة وسهولة زراعته. وأضاف: "هناك شيء مقدس فيه، الله يجعله ينمو"، وفق تعبيره.

لكن للمرة الأولى منذ أن بدأ زراعة القنب قبل عقدين من الزمان، لم يزرع شريف الحشيش هذا العام لأن سلسلة من الأحداث قضت على معظم الأرباح التي كانت تأتي من بيع هذا المنتج الرئيسي للقرية، وقرر بدلا من ذلك التركيز على زراعة التفاح.

ويلقي شريف باللوم في المشاكل التي تعاني منها القرية ولبنان بشكل عام، على القوى الكونية، بما في ذلك الأجانب، والمسيح الدجال ومثلث برمودا - وهو تفسير يبدو أنه مستوحى من العقار نفسه، وفق التقرير.

وبعيدا عن تصريحات مختار القرية، فقدت الليرة اللبنانية 80 ٪ من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ الخريف الماضي، وهو ما ساهم في تضرر المزارعين. 

وارتفعت تكاليف الوقود والأسمدة المستوردة اللازمة لزراعة المحصول، في حين أن قيمة الليرة اللبنانية التي يكسبها المزارعون من بيع الحشيش أقل وأقل.

كما أدت الأزمة المالية في لبنان إلى تقويض السوق المحلية للمخدرات، وأدت الحرب في سوريا إلى تعقيد طرق التهريب، مما جعل من الصعب على الوسطاء الوصول إلى الأسواق الخارجية.

وأدى ذلك إلى اتخاذ خيارات مؤلمة في اليمونة، وهي قرية صغيرة خلابة في إقليم مهمل من لبنان حيث تلتقي المخدرات والفقر والدين والجمال الطبيعي المذهل بطرق غير متوقعة.

ويشير التقرير إلى أن كل سكان القرية يؤكدون أن الدورة السنوية في اليمونة مدفوعة بزراعة القنب.

وقد ساعد الحشيش المستخرج من النبتة وبيعه للمهربين الذين يصدرونه خارج البلاد أكثر من أي محصول آخر، سكان القرية على الخروج من الفقر المدقع، حيث وفر دخلا موثوقا لا توفره محاصيلهم القانونية الأكثر تقلبا، مثل التفاح والبطاطس.

أما الآن، لا يكسب المزارعون إلا القليل لدرجة أن بعضهم يشك في أن الحشيش لا يزال يستحق الإنتاج، ومن بينهم شريف الذي أكد "لقد انتهى أمر زراعة الحشيش الآن".

ثالث أكبر مورد

في سياق متصل يشير التقرير إلى أن إنتاج الحشيش في هذه القرية وقرى أخرى جعل لبنان ثالث أكبر مورد له في العالم، بعد المغرب وأفغانستان، وفقا للأمم المتحدة. 

وعلى الرغم من أن الحشيش وهو عقار يحتوي على مستويات عالية من THC، غير قانوني من ناحية الإنتاج والحيازة والبيع في لبنان، أصدرت الحكومة في وقت سابق من العام 2020 قانونا يشرع زراعة القنب للأغراض الطبية. 

لم يتم تطبيق القانون بعد، ولا يزال القنب المزروع في اليمونة غير قانوني بسبب محتواه العالي من رباعي هيدروكانابينول. لكن الأزمة الاقتصادية في لبنان وجهود الحكومة لمكافحة المخدرات تهدد الآن بخفض إنتاج الحشيش.

وبينما يتذكر المزارعون باعتزاز الأيام التي كان فيها كيلوغرام الحشيش يجلب بسهولة ما بين 500 و800 دولار - والسنوات القليلة التي ارتفع فيها السعر فوق 1000 دولار - فإنهم لا يخفون خشيتهم من انخفاض أرباح محصول هذا العام إلى حوالي 100 دولار للكيلو، أو حوالي 45 دولارا للرطل.

وقال أحد المزارعين شريطة عدم الكشف عن هويته مثل الآخرين لتجنب المخاطر القانونية: "إذا استمر الوضع على هذا النحو فلن نزرع الحشيش مجددا".

لكن التأثيرات الكاملة لتراجع جاذبية الحشيش كمحصول نقدي لم تظهر بعد في القرية، فحتى مع تخلي بعض المزارعين عن زراعة الحشيش، لا يزال آخرون متمسكين بها.

ويعمل العشرات من اللاجئين السوريين ومعظمهم من القصر الذين لا تزيد أعمارهم عن 9 سنوات على حصد نباتات القنب عبر المناجل، وتكديس المحصول في "بالات" كبيرة. 

ويقول معظم هؤلاء إنهم رحبوا بالعمل لأن المخاوف من تفشي فيروس كورونا أغلقت مدارسهم، مؤكدين سعادتهم بجني حوالي 2.5 دولار عن يوم طويل وشاق من العمل. 

وفي جانب آخر من المزرعة يرفع صاحب الأرض، أحيانا بندقية على كتفه لإطلاق النار على الطيور التي تحلق في السماء، قائلا: إن هذا هو أسوأ عام شهده على الإطلاق، مشيرا "لقد ولدنا في مزارع الحشيش، لو لم يكن هناك حشيش، لما رأيت منزلا واحدا في القرية".

تراجع الإنتاج

ويشير التقرير إلى أن مواطني اليمونة البالغ عددهم 5000 أو نحو ذلك، في قاعدة جبل في سهل البقاع، هم من المسلمين الشيعة. ويشترك الجميع تقريبا في نفس الاسم الأخير "شريف"، قبل أن يستقر حوالي 1200 سوري في المنطقة للبحث عن عمل والهروب من جحيم الحرب.

ويقول طلال شريف، رئيس البلدية ورئيس المجلس القروي المنتخب وهو من السكان النادرين الذين لا يزرعون القنب: إن أهمية الحشيش تعود إلى البطالة المزمنة وملاءمة النبات للبيئة المحلية.

وأضاف: "لا مرض يصيبها، الحشرات لا تهاجمها، كما أن نقص المياه لا يؤثر عليها، هنا المحصول مضمون ولهذا السبب ذهب المزارعون في هذا الاتجاه".

وأشار إلى الأيام الخوالي عندما حاولت الحكومة اللبنانية بتمويل من الولايات المتحدة القضاء على الحشيش وأرسلت جنودا لحرق الحقول، مما أدى إلى اشتباكات مع المزارعين المسلحين. وأوضح أن تلك الجهود أدت إلى إهمال رسمي للقرية منذ حوالي عقد من الزمان.

وواصل شريف: "لقد وصلوا إلى إدراك أن المزارعين لجؤوا لزراعة الحشيش بسبب الفقر، فقالوا دعونا نترك هؤلاء الناس وشأنهم ونتصرف وكأننا لا نراهم".

وقبل عامين، عندما انزلقت موارد لبنان المالية نحو الهاوية، أحدثت شركة ماكينزي، عملاق الاستشارات، ضجة وطنية من خلال التأكيد أن زراعة القنب بشكل قانوني يمكن أن تحقق للبلد أرباحا كبيرة.

وقال رائد خوري وزير الاقتصاد في ذلك الوقت: "جودة الحشيش التي نمتلكها هي واحدة من الأفضل في العالم"، مشيرا إلى أنها قد تفرز صناعة تبلغ قيمتها مليار دولار. 

وأضفى لبنان الشرعية على القنب في فبراير/شباط 2020، وهو أول بلد عربي يفعل ذلك، لكن الحكومة لم تحرز أي تقدم منذ ذلك الحين في تطبيق القانون.

وبما أن الحشيش لا يزال غير قانوني، وستكون الحكومة قادرة على فرض ضرائب على سلالات الحشيش القانونية، عارض مزارعو اليمونة الذين اعتادوا العمل خارج القانون، التقنين. 

وتعد الفيلات العديدة المكونة من طابقين وثلاثة طوابق وسيارات الدفع الرباعي باهظة الثمن شاهدا على الأموال النقدية التي يجنيها المزارعون من الحشيش، لكن سكان القرية يقولون: إن الأموال الطائلة كانت تذهب دائما إلى المهربين.

وبينما كان يستقبل مزارعين يعانون خارج منزله، قال العمدة: إنه يتوقع انخفاض إنتاج الحشيش بما يصل إلى النصف في 2020، حيث يكافح المزارعون لتغطية نفقاتهم. 

وأضاف: "إنهم يسألون: لماذا يجب أن أزرع الحشيش إذا كنت سأخسر؟، هم يدخنونه بأنفسهم لكي ينسوا همومهم".