إعادة فتح حقول النفط.. هل تعوض ليبيا خسارة 10 مليارات دولار؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشهد الاقتصاد الليبي خسائر ضخمة نتيجة توقف حقول النفط الرئيسية في البلاد عن الإنتاج عدة شهور، حيث تسهم عائدات الذهب الأسود التي تمثل نحو 96% من إجمالي الصادرات الكلية للاقتصاد الليبي، في الإيرادات المالية للميزانية العامة للدولة بنسبة تقارب 70%. 

وأظهرت بيانات صادرة عن مصرف ليبيا المركزي في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن خسائر البلاد جراء توقف إنتاج النفط الخام وتصديره، بلغت 10 مليارات دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام.

وذكر المصرف المركزي في بيان الميزانية حتى نهاية سبتمبر/ أيلول، أن إجمالي الإيرادات النفطية الفعلية خلال 2020، بلغ 2.38 مليار دينار (1.74 مليار دولار)، منها 48 مليون دينار (35 مليون دولار) فقط عن شهر سبتمبر/أيلول.

يأتي ذلك نتيجة إغلاق موالين للواء المنقلب خليفة حفتر في 17 يناير/ كانون الثاني 2020، ميناء الزويتينة النفطي، بدعوى أن أموال بيع النفط تستخدمها حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، "في تمويل المجهود العسكري".

كما أغلقوا موانئ وحقولا أخرى، ما دفع بمؤسسة النفط إلى إعلان حالة "القوة القاهرة" فيها، ليتراجع إجمالي إنتاج الخام إلى متوسط 90 ألف برميل يوميا، مقارنة بـ 1.6 مليون في الوضع الطبيعي.

إلا أن قوات حفتر أعلنت يوم 18 سبتمبر/ أيلول، عن استئناف إنتاج وتصدير النفط في البلاد، بموجب اتفاق تم التوصل إليه خلال مفاوضات بين حفتر، ونائب رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها أمميا، أحمد معيتيق.

وقررت المؤسسة الوطنية للنفط لاحقا رفع حالة "القوة القاهرة" عن الحقول والموانئ النفطية الآمنة الخالية من وجود جماعات مسلحة.

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول كشف مصدر في قطاع النفط الليبي لوكالة "رويترز" أن إنتاج النفط في البلاد ارتفع إلى مستوى 270 ألف برميل يوميا، في حين قالت وكالة بلومبرج الأميركية يوم 16 من ذات الشهر: إن حجم الإنتاج بلغ نحو 500 ألف برميل أي نحو 41% من حجم الإنتاج الطبيعي.

وكان المركزي الليبي يتوقع إيرادات نفطية خلال الشهور التسعة الأولى من العام، وفق حالة الطوارئ التي تشهدها الحقول النفطية، بمقدار 4.5 مليارات دينار (3.28 مليارات دولار).

جريمة اقتصادية

وقال محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير: إن خسائر الدولة الليبية من الإيقاف التعسفي للنفط منذ عام 2013 إلى أكثر من 180 مليار دولار "هو بمنزلة رصاصة في الرأس".

وأوضح الكبير في جلسة استماع بمجلس النواب في طرابلس، أن إيرادات النفط انخفضت بشكل غير مسبوق وقياسي من 53.2 مليار دولار عام 2012 إلى 4.8 مليارات دولار عام 2016 واقتربت من الصفر في عام 2020.

وتابع المحافظ أن ذلك أجهض إنجازات المعالجات الاقتصادية عامي 2018-2019 وأن الإيقاف التعسفي للنفط خلال الأعوام 2013-2020 كان هو الحدث الأهم والأبرز، منوها أن "الاستمرار في ذلك له نتائج كارثية".

وبحسب الباحث الاقتصادي، حازم ساسي، فإن توقف إنتاج النفط انعكس سلبا على الناتج المحلي الإجمالي والذي بدوره أثر على ميزان المدفوعات سلبا.

وأضاف ساسي، لـ"الاستقلال"، أنه على الرغم من أن البعض يعتبر انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا لا يمكن الاعتماد على نتائجه بشكل مستقل لقياس مستوى المعيشة، فإنه يرى أن هذا الانخفاض انعكس بشكل كبير على حال المواطن الليبي وخصوصا الطبقة المتوسطة والفقيرة.

وكان قد كشف مدير مركز الدراسات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة الوفاق، علي فرحات، أن أعداد الفقراء في ليبيا، بلغت معدلات قياسية خلال الأعوام الأخيرة، إذ أصبح نحو 45% من الليبيين يعيشون تحت خط الفقر، وسط ظروف سياسية ومعيشية صعبة.

من جانبه قال أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية، الدكتور عمر زرموح: إن إغلاق موانئ النفط جريمة اقتصادية من الناحية القانونية، لما له من تداعيات كبيرة منها أنه خلق سوقا سوداء في النقد الأجنبي نتيجة عدم كفاية المعروض من النقد الأجنبي في سوق يعتمد على الاستيراد.

وأشار زرموح، لـ"الاستقلال"، إلى أن التراجع في النقد الأجنبي أدى إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي، وبالتالي أصبحت جميع أسعار السلع المستوردة مرتفعة مما يعني مزيدا من التضخم الذي يؤدي بدوره إلى ضعف الدخل الحقيقي للفرد وإلى انخفاض القيمة الحقيقية للممتلكات من الأصول المالية بوجه عام، وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة.

وتوقعت وزارة المالية انكماش الاقتصاد الحقيقي بنسبة 55% مع نهاية العام الجاري، كما انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 66.6%.

وتأتي عودة إنتاج بعض حقول النفط في ليبيا في وقت تشهد فيه أسعار النفط تراجعا مرة أخرى وسط مخاوف من زيادة المعروض الليبي في السوق.

ويرى ساسي، أن ارتفاع إنتاج النفط لن يؤثر على اقتصاد ليبيا في الوقت القريب، في حين أن الاستفادة الأكبر منه في الوقت الراهن ستكون سياسية، والذي بدوره سيؤثر على بعض الجوانب الاقتصادية كزيادة ثقة المستثمر الأجنبي. 

وتوقع أن يعزز هذا الارتفاع اقتصاد ليبيا بصورة عامة على المدى الطويل، مشيرا إلى ضرورة استمرار رفع الإنتاجية حتى يصل إلى كامل طاقته جنبا إلى جنب مع تحسن أسعار النفط الخام أو على أقل تقدير حدوث ثبات في أسعارها.

تفاقم الدين

وارتفع حجم الدين العام الكلي إلى ما يزيد عن 270% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي وهو معدل قياسي غير قابل للاستدامة ويؤدي إلى انهيار الاستقرار المالي والنقدي للدولة، وارتفع معدل التضخم بمقدار 4%، مقابل معدل انخفاض سالب (-2%) خلال نفس الفترة من العام 2019، وفق محافظ مصرف ليبيا المركزي.

وأخفقت وزارة المالية في تحصيل الإيرادات السيادية غير النفطية من جمارك وضرائب ورسوم خدمات واتصالات وغيرها، حيث بلغ العجز فيها حوالي 51% مقابل عجز بنسبة 45% عام 2019 وبنسبة 58% عام 2018 .

وبلغ إجمالي الإنفاق في فترة حكومة الوفاق خلال الأعوام 2016-2020 حوالي 241 مليار دينار (175.9 مليار دولار)، مقابل إيرادات نفطية بلغت 96 مليار دينار (70 مليار دولار).

ولفت ساسي، إلى أن الاقتراض ليس مشكلة في حد ذاته، مشيرا إلى أن معظم دول العالم عليها ديون سواء خارجية أو داخلية، ولكن الأهم هو كيفية استخدام هذا الدين.

بمعنى، إذا ما استخدمته ليبيا في تنمية الاقتصاد وفق خطط مدروسة يعد هذا أمرا مقبولا، ولكن ما يحدث هو أن البلاد تستدين لسد التزامات كدفع المرتبات وغيرها من التزامات أخرى، والغريب أن طريقة الاستدانة وآلية عملها وسدادها عليها الكثير من الشوائب، وهذا محله الفساد، موضحا أنه على الرغم من ذلك لم تلجأ ليبيا إلى الدين الخارجي بعد.

ويمثل الإنفاق الاستهلاكي نسبة 99% من إجمالي الإنفاق العام بينما الإنفاق على التنمية 1% فقط خلال عام 2020 .

ويرى أستاذ الاقتصاد، أن ليبيا ليست بحاجة إلى الاقتراض الخارجي ولا حتى الداخلي إذا تركت المؤسسة الوطنية للنفط تعمل بشكل طبيعي وفق القانون، مطالبا بضرورة أن يكون القطاع النفطي محايدا تماما عن المناكفات السياسية حتى لا تتضخم المشاكل المالية بشكل أكبر.

ويقول: "غلق موانئ النفط بالإضافة إلى الحرب التي تتطلب زيادة في الإنفاق وتزيد من المشاكل الاقتصادية، أدت وتؤدي إلى إفقار الشعب الليبي وتجويعه".

وفي محاولة لتدارك تراجع الإيرادات النفطية، عمل كل من مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة على تخفيض إجمالي الترتيبات المالية لعام 2020 من 51 مليار دينار قدمتها وزارة المالية بعجز قدره 40 مليار دينار، إلى 38.5 مليار دينار، أي بتخفيض قدره حوالي 13 مليار دينار، وبعجز حوالي 27 مليار دينار.

حلول لازمة

وفي خضم ذلك، يرى محافظ البنك المركزي الليبي أن ضمان تحقيق الاستدامة المالية للدولة يتطلب من الجميع العمل فورا على إعادة إنتاج النفط وتصديره، وضرورة رفع الإنتاج إلى 1.7 مليون برميل يوميا لتغطية المصروفات التسييرية الأساسية.

كما طالب بضرورة اعتماد حزمة إنقاذ عاجلة وملحة تبدأ بإنهاء حالة الانقسام السياسي ووضع رؤية وطنية شاملة للدولة الليبية في إطار زمني محدد.

وكان قد أشار وزير المالية في حكومة الوفاق، فرج بومطاري، خلال حواره مع الجزيرة نت، إلى أن ليبيا تتطلع إلى تنويع الدخل الحكومي بعد معاناتها من الاعتماد على المصدر الوحيد للدخل وهو النفط، وضرورة التفكير في مصادر بديلة وإنجاز التغييرات التشريعية اللازمة، لأن دخل الضرائب لا يشكل إلا 2% والدخل من الجمارك لا يشكل أكثر من 0.5%.

ولفت إلى أن كل هذه الأمور تحتاج لتصحيح الوضع الاقتصادي وتنشيطه ودعم القطاع الخاص ثم تفعيل أدوات الجباية.

فيما أوضح ساسي، أنه لا بد من تبني خطط تنموية، فليبيا لم تعتمد خطة تنموية واحدة منذ قرابة 40 عاما ولم تنفذ خطة مشابهة منذ قرابة 60 عاما، والقيام بخطوات جدية تعالج المشاكل التي تواجه الاقتصاد الليبي والتي من ضمنها مكافحة الفساد. وتابع: "في حال استمر الفساد فإن كل إيراد جديد يتم تحقيقه يأكله الفساد".

فمثلا لو نظرنا في بيان مصرف ليبيا المركزي عن الإيراد والإنفاق من الفترة 2020/01/01 حتى 2020/09/30، سنرى أن كل أرقام بنود الإيرادات كانت بالسالب، وهذا يعود إلى عدة عوامل أبرزها الفساد، وبالتالي لا يمكننا تجاهل حجم الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة"، وفق قوله.

وأكد محافظ مصرف ليبيا المركزي، أن إجمالي الإنفاق خلال الفترة 2007-2020، بلغ أكثر من 600 مليار دينار (حوالي 460 مليار دولار)، مشيرا إلى أنه لا يعلم حجم الفساد والهدر الذي اعترى تلك المصروفات.

وتعتبر ليبيا واحدة من أكثر دول العالم فسادا، حيث جاءت في المركز 168 بين 180 دولة، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2019.

بينما أوصى زرموح، بضرورة استغلال النفط بشكل أمثل كونه موردا غير متجدد في خلق بنية أساسية ومشاريع ومصانع ذات جدوى اقتصادية تخلق قيمة مضافة للاقتصاد الليبي، وإذا نجحت ليبيا في ذلك فستكون أكثر قدرة على الإنتاج والتصدير أيضا ويتحقق الرفاه الاقتصادي لشعبها.