أزمة العملة في إيران.. إلى أين يتجه السوق المحاصر بالعقوبات؟

12

طباعة

مشاركة

تحدث موقع "بي بي سي" البريطاني - النسخة الفارسية عن أزمة العملة في إيران، متسائلا: إلى أي قيمة سيرتفع سعر الدولار؟ وكيف سيكون مستقبل سوق العملة؟

وعلى الرغم من أن إيجاد إجابات مؤكدة على هذه التساؤلات مستحيل، فإنه كلما تم الوصول إلى إجابات أقرب وأدق كلما تمت الإفادة، وكذلك يسهل اتخاذ القرارات والاستثمارات القادمة بالنسبة للناشطين الاقتصاديين. 

قفزة سريعة

وقال الكاتب الصحفي الإيراني "آرش حسن نيا": إن "العديد من المساعي للرد على هذه الأسئلة المهمة ليس سيئا، فلنلقي نظرة على مسير سوق العملة خلال الأربعة عقود السابقة".

وذكر الكاتب أن بداية هذا المسير كانت في عام 1988 حيث كان سعر الدولار 7 تومان (ريال)، واستغرق ثلاثين عاما كي يصل إلى ألف تومان في سوق العملة الحر.

شوهد الارتفاع والهبوط الكثير خلال الثلاثين عاما، وصاحب ذلك السياسات المؤقتة العجيبة والغريبة للبنك المركزي والحكومات المختلفة.

لكن لم ينتظر الدولار كثيرا كي يقفز من ألف إلى 10 آلاف تومان في السوق الحر، واستغرق في هذا العبور ثلث المدة السابقة.

وقال: إن "تشديد الاختلافات بين إيران والمجتمع الدولي حول الملف النووي الإيراني أدى في النهاية إلى العقوبات الاقتصادية على إيران من قبل واشنطن، التي زادت قيمة الدولار في العشر سنوات الأخيرة".

وبحسب حسن نيا، فإن سرعة فتح حدود قيمة الدولار تستمر في سوق العملة وتزداد حركتها.

وأضاف: "لم يحتج سعر الدولار هذه المرة للعبور من حد 10 آلاف إلى 20 ألف تومان سوى عامين، والمدة المطلوبة لهذا العبور في السعر، هي خمس المدة في العبور السابق، حيث تخطى الدولار عتبة العشرين ألف تومان وحقق رقما جديدا ووصل إلى 30 ألف تومان، ولم يلزمه سوى أربعة أشهر".

وأردف الكاتب: "لا ننسى أنه خلال هذه الفترات، كان هناك قيم أخرى لسعر الدولار يتم الإعلان عنها، إلا أنه لا مجال لذكرها هنا".

وواصل أن العقوبات الأميركية التي تتبع إستراتيجية "الضغط لأقصى حد" من أجل منع صادرات البترول الإيرانية وسد جميع الطرق التي توصل إيران إلى الدخول الخاصة بالعملة والتبادلات البنكية، هي واحدة من أهم أسباب هذا النمو المضطرب.

العرض والطلب

وذكر الكاتب أنه من ناحية طلب السوق، فإن أهم العوامل المؤثرة على سوق العملة هي البنك المركزي الإيراني. وسيكون لهذا العامل قدرة محدودة على خلق دور فعال في السوق في ظل زيادة التقييدات الناتجة عن العقوبات في الفترة الجديدة من تطبيق التقييدات. 

تسبب هذا التقييد -الذي اعترض طريق دخول العملة الأجنبية، وسد الطريق أمام عودتها إلى الاقتصاد الإيراني- في تحمل البنك المركزي التكلفة وعرض العملات لديه بصعوبة وبحيطة بالغة فقط من أجل تعديل الأسعار في سوق العملة.

وبتابع حسن نيا في مقاله: "تغيرت إستراتيجية البنك المركزي التي استمرت لشهور حيث أصبحت زيادة القيمة الرسمية عن طريق مكاتب الصرافة الدولية بدلا من عرض العملة من أجل تعديل السعر".

وواصل: "كانت هذه الإستراتيجية بصدد تقليل الفجوة بين قيمة العملة في السوق الحر والمعدل الرسمي في الصراف الدولي الإيراني؛ كي تقلل من جاذبيات المضاربة والتذبذب في سوق العملة، وعلى أي حال فالبنك المركزي ومكتب الصرافة البنكي الإيراني اتبعا هذا الأمر مع بعض الخوف والتردد".

جرب البنك المركزي مسارا آخر ناحية العرض وهي تفرقة الطلبات في سوق العملة، وإنشاء نظام نيما (يشبه تقريبا شركات تحويل الأموال) من أجل تعارض العرض والطلب الخاص بالعملة.

ويلفت الكاتب إلى أنه لم يعمل نظام (نيما) بشكل صحيح لأسباب متعددة، إذ كان المنطق الاقتصادي للمصدرين أهم عامل للإخفاق في هذا النظام، في الوقت الذي ارتفع فيه معدل سعر العملة في السوق الحر عنه في هذا السوق ولا يزال يرتفع.

وأشار عبد الناصر همتي المدير العام للبنك المركزي كما يشير بعد كل أزمة في القيمة، إلى أن جزءا من مساعي البنك المركزي هي التأثير البسيط على العرض في السوق الذي فقد أداؤه. 

التضخم والعقوبات

وأردف آرش بالقول: لكن في ناحية الطلب الخاص بسوق العملة، يعود أهم عامل في تكثيف الطلب لشراء العملة لعوامل مركبة. التضخم ذو الرقمين، انتظار التضخم وعدم الأمان بشأن المستقبل كان أقوى عوامل هذه الجهة ولا يزال".

هذا التضخم المزمن والمستمر في الاقتصاد الإيراني ناتج عن نمو السيولة والحركة المتزايدة للقاعدة النقدية حيث يقع بشكل رئيسي تحت تأثير عجز ميزانية الحكومة وعدم انضباطها المالي.

القلق حول مستقبل الاقتصاد الإيراني يتلخص في احتمالية إجبار أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والكبيرة على تحويل عملة بلدهم إلى أصول أخرى من ضمنها العملة الأجنبية، لكي تبقى استثماراتهم في مأمن من أضرار التضخم، حيث تحول هذا الطلب الاحتياطي إلى جانب طلبات المضاربة في البورصة لكسب الربح والتذبذب إلى أهم عامل لزيادة قيمة الدولار وباقي العملات الأجنبية.

البنك المركزي لم يكن قد أعلن حجم هذه الطلبات في السوق حتى الآن لكن تشير الإحصائيات إلى أن حجم هذا السوق يبلغ سنويا من 4 إلى 8 مليار دولار. 

وأعلن البنك المركزي في بيانه الذي نشر في شهر سبتمبر/أيلول عام 2020 أن حجم الطلب اليومي للعملة النقدية يتراوح بين 5 إلى 8 ملايين دولار.

ويقول الكاتب: "ولو اعتبرنا أن طلب العملة النقدية هو المعتاد فهذا يعني أن الطلب الأسبوعي في السوق الحر يتراوح بين 30 إلى 48 مليون دولار، حيث تجعل القيمة السنوية لهذا السوق تصل إلى 1.5 إلى 2.5 مليار دولار والتي تعد أقل من الإحصائيات الحقيقية".

ووسط الأخبار السلبية في مجال السياسة الخارجية، يعتبر تشديد العقوبات العامل المؤثر على نمو الطلب الاحتياطي.

كما أن ردود فعل السوق على إعادة فرض العقوبات الأميركية على 18 بنكا ومؤسسة مالية باعتبارهم آخر الحلقات الباقية من العلاقات المالية والبنكية الإيرانية مع النظام البنكي العالمي، تعتبر من بين العوامل المؤثرة على الأسعار في سوق العملة التي يمكن فهرستها في صف طويل لهذه الأخبار وردود الأفعال في السنوات الأخيرة.

اقتراب قيمة الدولار من 32 ألف تومان من العوامل المؤثرة على هذه الأخبار في السوق، تراجعوا بمجرد صدور بيان البنك المركزي وغير البنك سياسته الخاصة بالأسعار من هذا التقييد.

كم سيستمر التراجع؟ 

وتابع حسن نيا قائلا: تعقب البنك المركزي عدة أهداف في هذا البيان، أولا أنه أكد مرة أخرى على دور صناع السوق وتعديل الأسعار باستغلال أداة العرض، ثانيا كان قد أعلن للمرة الأولى رقما معروفا لدخوله في السوق.

وعلى أساس هذا البيان فمن المقرر عرض 50 مليون دولار يوميا في السوق، وكان البنك قد أعلن أن هذا الرقم من ستة إلى عشرة أضعاف باعتبارها الطلب اليومي للعملة النقدية.

ويضيف الكاتب أنه ضمن ذلك في هذا البيان، ارتفع حد الشراء اليومي لمكاتب الصرافة والبنوك في السوق الخاص بالعملة إلى 500 ألف دولار. 

وأن هذا الجزء من البيان يمكن اعتباره الخطوة الأولى من أجل تشكيل سوق خاص بالعملة، حيث توجد الكثير من العوامل المؤثرة وأصحاب الأدوار الأكثر فاعلية من البنك المركزي والبنوك وشبكات الصرافة الافتراضية، والتي يمكنها أن تضع قيمة العملة في السوق.

رد فعل السوق على هذا البيان الخاص بالبنك المركزي هو توقف زيادة الأسعار، وانخفاضها بالنحو القليل، ولكن هذا ليس كل شيء. من الآن فصاعدا ستوضح جولة السوق امتحانا صعبا بين كافة العوامل المؤثرة.

فإلى أي وقت سيقدر البنك المركزي على الإيفاء بالوعود التي قطعها، ويجب أولا أن نذكر احتمالات المسألة وما حولها.

وتابع الكاتب: "الوفاء بهذا العهد يحتاج إلى 303 ملايين دولار أسبوعيا، حيث تبلغ حاجة البنك المركزي من العملة لإجراء هذا البيان حوالي 7 مليار دولار حتى نهاية العام".

وذكر أن النقطة الثانية هي معدل السعر المطلوب أو السعر المحدد من البنك المركزي لعملة الدولار، وهذا سيؤثر على التقدير المطلوب للعملة من أجل إجراء هذا البيان.

ناشطو سوق العملة من الطالبين الاحتياطيين للسوق يسلمون أنفسهم إلى أخبار رئاسة الجمهورية والتحولات السياسية الأخرى كي يتكون لديهم تصور عن مستقبل سوق العملة.

واختتم الكاتب: "في الوقت نفسه بالنظر إلى السوق دون الانتباه إلى عجز ميزانية الحكومة والأساليب البديلة غير ممكنة، وفي النهاية تلعب القوى المختلفة دورا فعالا في السوق والتحليل، ويمكن للمحللين الاقتصاديين توقع قدرة العملة وتحليل البنك المركزي الخاص بمستقبل سوق العملة".