معاشات برلمانيي المغرب.. كيف أنهى مجلس النواب 3 سنوات من الجدل؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من الجدل، يخطو مجلس النواب (البرلمان) المغربي أولى خطواته نحو إلغاء معاشات النواب، في ظل جدل وانقسام بين الأحزاب الممثلة في البرلمان، ونقاش شعبي محتدم على مواقع التواصل الاجتماعي.

يحصل البرلمانيون في المغرب بموجب القانون من صندوق الإيداع والتدبير على تعويض شهري 35 ألف درهم (نحو 3500 دولار) طيلة عضويتهم التي تمتد لخمس سنوات، وبعد مغادرة البرلمان يصرفون معاشات مدى الحياة، بقيمة 5 آلاف درهم شهريا (نحو 500 دولار).

وتُجمَع اشتراكات نظام معاشات البرلمانيين بموجب اقتطاعات من مرتباتهم الشهرية خلال فترة العضوية بحوالي 2500 درهم، فيما تؤدي الدولة النصيب نفسه كمساهمة منها في هذا النظام.

حصول البرلمانيين (بالغرفتين الأولى في مجلس النواب والثانية بمجلس المستشاريين) والوزراء على معاشات بعد انتهاء مدة ولايتهم، يعد محط رفض شعبي منذ سنوات طويلة ويصفه المنتقدون بـ"الريع السياسي" ويطالبون بإلغائه.

الملف أثار العديد من النقاشات أكثر من مرة داخل البرلمان والحكومة، وكان من المفترض أن يتفق البرلمانيون قبل حوالي 3 سنوات على صيغة لمعالجة الموضوع إلا أن الأمر تأجل بسبب خلافات سياسية، رغم الانتقادات الواسعة التي تعرض لها شعبيا.

اتفاق تصفية

بعد أكثر من 3 سنوات من الجدل حول معاشات البرلمانيين، أعلن مكتب لجنة المالية بمجلس النواب، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أنه توصل إلى اتفاق لتصفية نظام معاشات أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بعدما فشلت جهود إصلاحه.

وقال النائب عبد الله بوانو، رئيس لجنة المالية، في نفس اليوم خلال ترؤسه اجتماع اللجنة: إن مكتب اللجنة الذي تمثل فيه كل الفرق البرلمانية، اتفق بالإجماع على تصفية هذا النظام، والتخلي عن خطة إصلاحه.

بوانو أكد أن رئيس مجلس النواب لحبيب المالكي موافق على خطة التصفية، وأن استشارات تجري مع وزارة الاقتصاد المالية حول كيفية تصفيته.

وأيد نواب من أعضاء اللجنة هذا التوجه، لكن بعضهم أثار قضية أوضاع برلمانيين سابقين ممن يعيشون ظروفا مادية صعبة، ودعوا إلى الحفاظ على كرامتهم.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وخلال اجتماع لرئيس المجلس ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية بحضور مسؤولين عن صندوق الإيداع والتدبير، أعلن البرلمان الشروع في بدء اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتصفية نظام المعاشات نهائيا بتعاون وتنسيق مع أجهزة المجلس المختلفة والعمل على صياغة الإطار القانوني لتحقيق هذه الغاية.

رئيس الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي شقران إمام، أيد التوجه لتصفية نظام المعاشات، كما أيد حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، قرار التصفية، رافضا مقترحات إصلاحه عبر ضخ أموال من موازنة الدولة.

كذلك أكد حزب العدالة والتنمية (الحاكم) على أن فريقه يدعم تصفية نظام المعاشات البرلمانية، رغم انتقاده لما اعتبره خطابات شعبوية تهاجم البرلمانيين.

جدل قديم

معاشات مجلس النواب كانت مثار جدل قبل 3 سنوات عندما عجزت موارد الصندوق عن تغطية تقاعد البرلمانيين، وتوقف صرف معاشات البرلمانيين منذ 2017، بسبب عجز الصندوق الخاص بهم، وفي حالة عدم إلغاء معاشات البرلمانيين، فإن الحكومة ملزمة بصرف معاشات جميع النواب منذ تاريخ توقف صرف المعاشات.

حينها أحال فريق حزب العدالة والتنمية بالغرفة الأولى للبرلمان، بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2018 مقترح قانون بشكل رسمي إلى مكتب المجلس يقضي بـ"تحديد شروط وكيفية تصفية نظام معاشات أعضاء البرلمان"، في سياق الجدل الذي أثير حول هذه المعاشات، بالتزامن مع توقف صرفها للنواب.

مقابل ذلك، وضعت الفرق البرلمانية مجتمعة بمجلس النواب، باستثناء فريق العدالة والتنمية، مقترح قانون يقضي بإنقاذ معاشات "ممثلي الأمة"، بعدما قرر الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، التابع لصندوق الإيداع والتدبير، عدم دفع معاشات النواب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017 بسبب الإفلاس.

كما تقدم النائبان عن "فيدرالية اليسار الديمقراطي"، عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، في 2018، بمقترح قانون لـ"إلغاء نظام معاشات أعضاء البرلمان". 

وأكد النائبان خلال  تقديم مشروع القانون أن "العضوية في مجلسي البرلمان تعد مهمة وطنية تتمثل في تمثيل الأمة وبالتالي فهي ليست مهنة كباقي المهن أو علاقة تعاقدية أو نظامية تستوجب تقاضي راتب والاستفادة من معاش".

من جهته اعتبر المحلل السياسي المغربي بلال التليدي في حديث للإستقلال أن " المهمة البرلمانية مهمة انتدابية لمدّة محددة والمعاشات مرتبطة بعمر محدد أي التقاعد ، لذلك يوجد هذا الكم الكبير من المعارضة لها ، حتى من طرف عدد من الأحزاب السياسية لأن ذلك يعتبر ريعا سياسيا ، إذ أن مهمة البرلماني تنتهي في زمن محدد بخمس سنوات كدورة برلمانية لمن لم يتم التجديد لهم لدورة ثانية وخلال هذه المدة يتقاضى النائب تعويضا مناسبا مقابل المهام التي يقوم بها "  . 
وأضاف التليدي " ليس هنالك معنى لأن يكافئ البرلماني ويبقى يتقاضى معاشا طوال عمره ، لذلك يعتبر ريعا سياسيا ولا يمثل صورة مشرفة للديمقراطية في المغرب، كما أنّي لا أتصور أن يكون هنالك أثر سلبي على أدائهم ، بل بالعكس هذا القرار سيحررهم ، وبالفعل النواب من 3 سنوات لم يتقاضوا معاشات بسبب إفلاس الصندوق ، وعليه فإن قرار تصفيته اصبح أمرا ضروريا وهذا القرار هو قرار شجاع سينهي الجدل المفتوح منذ سنوات وسيرفع منسوب الثقة الممنوحة للبرلمانيين من قبل الشعب " . 

وضع اعتباري

يرى مغاربة أن صندوق معاشات البرلمانيين يمثل تجسيدا للتمييز بين أبناء الوطن الواحد وتناقضا في تكريس مفهوم المواطنة في ظل تقنين ممارسات التمييز، ويرى آخرون أن هذه المسألة تمثل اختبارا حقيقيا للفاعلين السياسيين في تطبيق قيم المساواة في الحقوق والواجبات.

ويؤكد متابعون للشأن البرلماني المغربي صعوبة تكريس الديمقراطية وتنزيل المبادئ الدستورية كممارسة عملية في المملكة، في ظل تواصل محاولات البرلمانيين "تدبير الريع بدل إسقاطه"، وهو ما يحول البرلمان إلى مؤسسة لا تخدم عموم المواطنين، بل تخدم السياسيين فقط.

لكن يرى جزء آخر خاصة من السياسيين أن ما يعتبره البعض ريعا هو حق للبرلمانيين من أجل التفرغ للقيام بمهامهم النيابية وحفظ كرامتهم واعتبارهم، وتحصين لهم من الوقوع في الفساد بحجة الاحتياج.

وسبق أن دافع رئيس مجلس النواب لحبيب المالكي عن شرعية المعاشات التقاعدية للبرلمانيين، معتبرا دعوات إلغائها "حملة شعبوية تخريبية للمؤسسات".

وقال في مؤتمر صحفي يوم 13 فبراير/شباط شباط 2020: "لا زلت أؤمن بشرعية ما تسمونه بتقاعد البرلمانيين، خلافا لبعض المطالب الشعبوية، التي تهدف إلى التقليل من أهمية المؤسسات".

وتابع المالكي مقدما مبرراته للدفاع على معاشات البرلمانيين: "النائب له وضع اعتباري وانتخبه الآلاف وعشرات الآلاف، إنهم يمثلون جزءا من شعبنا، وتمثيلية جزء من شعبنا تقتضي حدا أدنى من الاحترام، وعلينا أن نجعل البرلماني خلال الفترة التي يمارس فيها مسؤوليته في وضع اعتباري".

هذا الموقف عبّر عنه كذلك رئيس الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية في البرلمان إدريس الأزمي خلال مناقشة موضوع معاشات البرلمانيين يوم 14 أكتوبر /تشرين الأول 2020، في اجتماع للجنة المالية والتنمية الاقتصادية.

الأزمي انتقد "الشعبوية التي انجرف خلفها بعض النواب"، متسائلا عن "سبب الهالة التي مكنت مؤثرين، كانت وظيفتهم الأساسية كتابة تدوينات التضليل، من تبخيس دور المؤسسات".

وتساءل الأزمي "هل تريدون البرلمان والحكومة والعمال ورؤساء الأقسام يشتغلون دون أجر؟"، قائلا: "هذه شعبوية يجب التصدي لها دون خوف من الهجوم ممن يطلقون على أنفسهم اسم المؤثرين الذين يكتفون بكتابة تدوينات التشويش والمغالطات في الوقت الذي يقوم فيه البرلماني بمجهود جبار كي يجمع الأصوات الانتخابية".