الأمازيغية لغة رسمية بالدستور الجديد.. لماذا يرفض إسلاميو الجزائر؟

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أجمعت الأحزاب الإسلامية في الجزائر على رفض المادة 4 من الدستور الجديد، الذي من المقرر الاستفتاء بشأنه مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

تنص المادة على أن الأمازيغية تظل لغة وطنية ورسمية، وهي مكانة تتمتع بها بالفعل في الدستور المعتمد من نظام بوتفليقة في عام 2016، لكن المادة 223 تحمي هذا النظام الأساسي من أي تعديل مستقبلي.

تمت المصادقة على مسودة الدستور الجديد، في انتظار الاستفتاء الشعبي حوله، ويرتكز خيار إسلاميي الجزائر التصويت ضد الوثيقة على دوافع هوياتية وسياسية مرتبطة بنظام الحكم تحديدا.

كثيرة هي تحفظات الأحزاب الثلاثة (حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية)، لكن أبرزها، التحفظ على "التوجهات العلمانية التغريبية لمشروع تعديل الدستور".

ورأى متخصصون أن ﺩﺳﺘﺮﺓ الأمازيغية بشكلها ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﺮﺽ ﻟﻬﺠﺔ ﻫﺠﻴﻨﺔ ﻭﻫﻲ "ﺍﻟﻘﺒﺎﻳﻠﻴﺔ" ﺩﻭﻥ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻠﻬﺠﺎﺕ ﺍﻟﺠﻬﻮﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ، إذ إن الأمازيغية المنطوقة في بعض جهات الجزائر ليست واحدة في لهجاتها ولا تكاد تلتقي إلا في بعض الكلمات.

واعتبرت الأصوات المعارضة للمادة أﻥ ﺃﻣﺔ ﺑﻠﻐﺘﻴﻦ ﻭﺭﺍﻳﺘﻴﻦ ﻫﻲ ﺃﻣﺔ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻟﻐﺔ ﺗﻮﺍﻓﻘﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ "ﻏﻨﻴﻤﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ"، ﺃﻣﺎ ﻃﺮﺡ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻴﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻓﻬو ﺗﻔﺮﻳﻖ ﻟﻠﺠﺰﺍﺋﺮﻳﻴﻦ ﻻ ﺗﺠﻤﻴﻊ ﻟﻬﻢ.

قنابل موقوتة

الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم (الإسلامي) برئاسة عبد الرزاق مقري، والتي تضم 33 نائبا، قاطعت الجلسة المخصصة لإقرار تعديل الدستور.

مقري، أحد قادة التمرد ضد هذا البند الجديد الذي يعزز مكانة الأمازيغية، يدعو إلى الاعتراف بالأمازيغية "في إطارها العربي الإسلامي".

لطالما عارض التيار الإسلامي الجزائري نسخ الأمازيغية بأحرف لاتينية، كما هو شائع، ويعتبر أنه من الأنسب استخدام الأحرف العربية.

ولم يتم استبعاد جبهة العدالة والتنمية من الجدل، وبالنسبة لرئيسها عبد الله جاب الله، فإن السؤال حساس للغاية لدرجة أنه يعتبر تعزيز مكانة الأمازيغية بمثابة "خطر على اللغة العربية والإسلام" و"هجوم على ثوابت الأمة".

بالنسبة لجاب الله، فإن "الهوية الجزائرية لا تقبل أن تكون العربية مثل النوميدية (في إشارة إلى نوميديا ​​وهي مملكة أمازيغية قديمة كانت في الجزائر قبل الإسلام)، وقال جاب الله: إن هذا الشكل لا يتناسب مع تصوره لجزائر عربية إسلامية.

أما حزب حركة البناء الوطني بزعامة عبد القادر بن قرينة، الذي حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ أيلول 2019، فاتخذ موقفا أقل تشددا، ودعا إلى التصويت لصالح مشروع المراجعة الدستورية.

لكنه عارض أيضا الإبقاء على المادة 4، والتي تعززها المادة 223، والتي يبدو أنها تمنح وضعا متساويا للغة العربية والأمازيغية، حيث يرى حزب حركة البناء الوطني أن "الجزائر والأمة الجزائرية واحدة متحدة بتاريخها ومصيرها وحدودها وعلمها ودينها ولغتها لغة القرآن".

جمعية العلماء المسلمين، ورغم كونها مقربة من السلطة، لكنها صوتت ضد المادة 4، وبشكل عام ضد كل ما تراه ينتقص من الهوية الوطنية ومكانة الإسلام وحرية العبادة والوحدة الوطنية ومسألة اللغة.

وذهبت الجمعية إلى حد وصف هذه التعديلات بمثابة "قنابل موقوتة تهدد الهوية الوطنية ومكانة الإسلام". وتلخيصا لموقفها، تأسف الجمعية لعدم اعتبار الإسلام "مصدرا للتشريع".

هاجس الانقسام

قبل وفاته في كانون الأول/ ديسمبر 2019، أطلق رئيس أركان الجيش السابق أحمد قايد صالح، مطاردة حقيقية ضد حاملي علم الأمازيغ خلال المظاهرات في الحراك الشعبي، واعتقلت الأجهزة الأمنية العشرات من حاملي العلم الأمازيغي وحكم عليهم بالسجن بعد انتهاء زخم الحراك.

وهكذا بدا أن قايد صالح يشجع الهجمات غير المقيدة على نحو متزايد ضد الهوية الأمازيغية. بل تشكل تيار أيديولوجي معاد صريح للأمازيغ يعرف باسم "باديسيا-نوفمبريا"، في إشارة إلى المفكر عبد الحميد بن باديس (1889-1940) الذي أقام العروبة والولاء للإسلام كأعمدة للهوية الجزائرية.

وتنسب التسمية في شقها الثاني (نوفمبري) إلى مبادئ ثورة الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 التحريرية.

وحققت قضية اللغة والهوية والثقافة الأمازيغية تقدما كبيرا منذ الانفتاح الديمقراطي عام 1988، إذ فتحت أقسام للغة والثقافة الأمازيغية في الجامعة، وتعليم اللغة في الحلقات الدراسية الثلاث، وإنشاء مفوضية عليا للأمازيغ، وإطلاق الإعلام باللغة الأمازيغية، ثم الاعتراف الرسمي بالبعد الأمازيغي في دستور 2016 ومنح مكانة اللغة الوطنية والرسمية.

يبلغ عدد الناطقين باللغة الأمازيغية في الجزائر عدة ملايين، وتأتي دائما أخبار الاشتباكات والمواجهات الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الجزائري في عدد من المدن، خاصة في مناطق القبائل "الأمازيغ".

الربيع الأمازيغي

وشهدت الجزائر تكرار حوادث المواجهات المذهبية بين الأمازيغ والعرب، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول إمكانية واحدة من أكبر البلاد العربية والإفريقية، مع وجود مشاريع التقسيم والفوضي الخلاقة بالمنطقة.

كشفت المظاهرات التي شهدتها منطقة القبائل بمناسبة الذكرى الـ35 لأحداث الربيع الأمازيغي سنة 2015، في منطقة القبائل عن اتساع رقعة حركة الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل، التي ترفع مطالب الانفصال، وسط تراجع الأحزاب التقليدية التي تمثل منطقة القبائل، وهو وضع يقلق كل المتابعين، خاصة وأن ذلك يتزامن مع احتقان عام في البلاد.

سعت جماعات أمازيغية جزائرية في منطقة القبائل للانفصال عن الدولة الأم وتأسيس دولة خاصة للأمازيغ، بحسب وسائل إعلام محلية، وسط تخوفات من أن تذهب ثنائية العرق والمذهب بالجزائر إلى التقسيم.

شمال إفريقيا

يطلق لقب "الأمازيغ" على من يتكلم "الأمازيغية"، وهم السكان الأصليون في شمال إفريقيا، وينتشرون في مساحة تمتد من برقة وواحة سيوة على مشارف مصر شرقا، حتى المحيط الأطلسي غربا، وعلى امتداد الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي حتى مالي والنيجر جنوبا.

وقد أشار المؤرخ الجزائري عبد الرحمن الجيلاني في كتابه "تاريخ الجزائر العام" إلى أن أول من عرف في التاريخ المسجل من سكان هذا الوطن، إنما هم الأمازيغ الذين ينتشرون بصورة خاصة، في بلدان المغرب والجزائر وتونس وليبيا حتى مصر.  

لا تتوفر حتى اليوم إحصائيات دقيقة حول عدد الأمازيغ، وقُدر عدد الأمازيغ عام 1984 بأكثر من 14 مليون نسمة، إضافة إلى مليونين خارج المغرب العربي. أما اليوم فيقدر عددهم بحدود 26 مليون نسمة، منهم حوالي 10 ملايين في الجزائر وحوالي 7 ملايين في المغرب.

وتشكل القبائل مجموعة أمازيغية كبيرة في الجزائر، وتتمركز في شمال وشرق الجزائر. ومنطقة القبائل صغيرة جغرافيا بالمقارنة مع نسبة سكانها الكبيرة، وأهم مدنها "تيزي وزو".

وتتميز مجموعة القبائل الأمازيغية بانخراطها الواسع في العمل السياسي من خلال الأحزاب السياسية ذات البعد الثقافي الأمازيغي المطالبة بالمزيد من الحقوق للأمازيغ.

وتعرف منطقة القبائل في الجزائر توترا كبيرا في علاقتها مع السلطة وصلت أحيانا إلى المواجهات الدامية، كما حدث سنة 2001 في ما سمي "ربيع البربر". 

نصف قرن

وتقع منطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة وتضم 6 ولايات، هي تيزي وزو وبجاية وبومرداس والبويرة وسطيف وبرج بوعريريج، وكانت معقلا لعدد من الثورات.

توجد الأمازيغ في منطقة ولاية باتنة إحدى ولايات الشرق الجزائري لأوراس، وهي في اتجاه الشرق قريبا من الحدود التونسية حيث جبال الأوراس. وتعد مدينة "باتنا" أهم مدن الأوراس، وهي منطقة ضعيفة اقتصاديا، ومعظم الذين يقطنون الأوراس من "الإنشواين" الأمازيغ.

وتوجد أمازيغ "تقارقرانت" بالقرب من ورقلة وتوقرت ونقوسة، كما توجد بالجزائر الكثير من المناطق الأمازيغية المعربة، حيث تستعمل هذه المناطق الكثير من الكلمات الأمازيغية، مثلما هو الحال في ولاية جيجل وسكيدة وحتى بعض المناطق بغليزان.

ويوجد بولاية البليدة أمازيغ "بني صالح وبني ميصرة وبني مسعود"، وأمازيغ "الشلحة" وهم موجودون بولاية تلمسان ولاية البيض على الحدود الجزائرية المغربية مستعملة ببني بوسعيد.

يبلغ عدد المتحدثين بها حوالي 13 ألف نسمة وأصل أمازيغ المنطقة من قبيلة زناتة، وأمازيغ الشناوية: يوجد استعمال هذه اللهجة بجبال الشنوة بولاية تيبازة التي يبلغ تعدادها حوالي 600 ألف نسمة. 

وبعد نضال لأكثر من نصف قرن، أصبحت الأمازيغية لغة رسمية في الجزائر 7 فبراير/ شباط 2016، لكن العربية ما زالت تتقدم عليها بصفتها لغة الدولة.

وتبنى البرلمان الجزائري بغالبية ساحقة مراجعة دستورية تنص على اعتبار الأمازيغية "لغة وطنية ورسمية" في البلاد، فيما اللغة العربية هي "اللغة الوطنية والرسمية" و"تبقى اللغة الرسمية للدولة".

ولاحظ النواب أن الأمازيغية بفروعها المتنوعة تستعمل من قبل 10 ملايين شخص، أي ربع سكان دول شمال إفريقيا.