ديون مقلقلة.. كيف يمكن لاقتصاد المغرب التعافي من آثار كورونا المدمرة؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

توقع بنك المغرب أن يشهد اقتصاد البلاد حالة من التراجع الشديد في العديد من القطاعات والتي يعد أبرزها قطاعي الزراعة والسياحة، مما سيؤدي لانكماش قد يصل إلى 6.3% خلال عام 2020، متأثرا بتداعيات تفشي فيروس كورونا.

وأوضح البنك في بيان خلال العام 2020 أنه "من المتوقع أن تتراجع القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 5.3 %، والقيمة المضافة غير الفلاحية بنسبة 6.3 %".

وشهد المغرب منحى تصاعديا في وتيرة انتشار وباء كوفيد-19 بحصيلة تفوق ألف إصابة جديدة يوميا منذ مطلع أغسطس/ آب 2020، ما أدى إلى تقييد التنقل من وإلى عدة مدن، بينها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء وطنجة (ثاني قطب اقتصادي بالمملكة)، والعاصمة السياحية مراكش.

وسجلت الصادرات المغربية حسب نشاط الحاويات انخفاضا بنسبة 5.7% خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2020 لتصل إلى 339.926 وحدة. كما سجلت الواردات انخفاضا بنسبة 8% مقارنة مع الثمانية أشهر الأولى من العام 2019، لتصل إلى 334.116 وحدة.

ويرتقب البنك المركزي أن يقفز دين الخزانة من 65 ٪ من الناتج الإجمالي المحلي في العام 2019، إلى 76 ٪ في العام الحالي و75.9 ٪ في العام 2021.

صعوبات اقتصادية

وقال البنك المركزي: إن العجز في الموازنة العامة سيرتفع إلى 7.9% في 2020 مقارنة مع 4.1% العام 2019، بسبب انخفاض إيرادات الضرائب.

ويستمر إغلاق الحدود في وجه المسافرين الأجانب منذ مارس/آذار ما سبب أزمة خانقة للقطاع السياحي الحيوي لاقتصاد البلاد، بالإضافة إلى تراجع مداخيل السياحة خلال الأشهر السبعة الماضية بنسبة 44.1%، بما يعادل أكثر من 1.8 مليار دولار.

وبحسب الباحث بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، عبد الخالق التهامي، فإن سنة 2020 خلقت أزمات اقتصادية كبيرة نظرا لجائحة كورونا وتوقف الأجهزة الاقتصادية في جميع القطاعات ما أدى إلى تراجع نسب النمو وارتفاع نسبة البطالة والمديونية.

وأشار التهامي، في حديث لـ"الاستقلال"، إلى أن الوضعية الاقتصادية بالمغرب صعبة للغاية كما هو الحال في بلدان أخرى، بل من المتوقع أنها لن تعود لما كانت عليه قبل جائحة كورونا.

وأشار بنك المغرب إلى أن نسبة البطالة "تزايدت من 8.1% إلى 12.3% إجمالا". بينما أفادت تقديرات رسمية في وقت سابق أن التداعيات الاقتصادية للجائحة تهدد نحو مليون مغربي بالوقوع في الفقر. 

من جانبه توقع الخبير الاقتصادي، المهدي لحلو، أن يتراجع الإنتاج الداخلي بنسبة تتراوح بين 12% و 15%، مما سيؤدي إلى زيادة عجز الموازنة بنسبة ما بين 9% إلى 11%، مشيرا إلى أن تقديراته تأتي نتيجة ارتباط السوق المغربي بدول الاتحاد الأوروبي التي انخفض إنتاجها بنحو 8% إلى 11%.

وأضاف لحلو، لـ"الاستقلال": أنه بعد انتهاء الحجر الصحي بالمغرب الذي دام لـ20 يوما لم يعاود الاقتصاد حيويته كما كان في السابق، بل حدث توقف أو شبه توقف للإنتاج بشكل كبير.

وقال وزير المالية المغربي، محمد بنشعبون، في منتصف شهر مايو/أيار 2020: إن بلاده تخسر عن كل يوم بسبب الحجر الصحي وتبعاته الاقتصادية الناتج عن تفشي كورونا، ما قيمته مليار درهم (101 مليون دولار)، مشيرا إلى أن شهرين من الحجر الصحي سيكبدان الاقتصاد 6 نقاط من نمو الناتج الداخلي الإجمالي خلال 2020.

ديون مقلقة

وفي خضم ذلك، توقعت المندوبية السامية للتخطيط أن يقفز الدين العمومي، الذي يأخذ بعين الاعتبار مديونية المؤسسات والشركات الحكومية، من 80.5 ٪ إلى 91.5 ٪ في العام 2020، قبل أن يصل إلى 91.1 ٪ في العام 2021.

وأكد التهامي أن مستوى الدين بالنسبة للقطاع العام كان مرتفعا من قبل الجائحة ليزداد ارتفاعا بعدها، مشيرا إلى أن عجز الموازنة لسنة 2020 كان يتوقع أن يكون نحو 3.4% إلا أنه أصبح 7.8% مما أرغم الحكومة على الاستدانة لتمويل نفقاتها العادية والاستثنائية خصوصا مع تراجع إيرادات الضرائب لسنة 2020 بحوالي 40 مليار دينار (4.3 مليار دولار) وزيادة نفقات قطاع الصحة.

ويفترض أن تساعد المديونية على سد عجز الموازنة العادي والاستثنائي الناجم عن الجائحة، والذي سيقفز إلى 7.9 ٪، في الوقت نفسه الذي ستساعد المملكة على تأمين رصيد النقد الأجنبي.

وعين المغرب، أربعة مصارف دولية، لترتيب قرض من السوق الدولية، مفضلا الابتعاد عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي، تجنبا لاشتراطات تطاول الدعم وخفض قيمة العملة.

واعتبر التهامي، أن المغرب بلغ حدا مقلقا نسبيا فيما يتعلق بالدين، مشيرا إلى أنه قد لا تتحسن الأمور بسرعة في العام المقبل 2021.

لكنه قال: إن المغرب قادر على سداد تلك الديون خلال السنوات المقبلة في حال تحسنت الأوضاع، أما في حال استمرت الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه الآن فيتوجب على المغرب التفكير في حلول أكثر راديكالية وهيكلية للسيطرة على ارتفاع هذا الدين.

وتابع: "هناك إشكالية في معادلة الدين أصبحت مطروحة بشكل واضح، وقد لا تتمكن الحكومة خلال عام 2021 أو عام 2022 على قضاء الديون بل إنه سيتراكم وقد نصل في السنوات المقبلة إلى نسبة دين مرتفعة تفوق الـ90% و95%.

وأصدر المغرب، في الـ 25 سبتمبر/ أيلول 2020، سندات دولية بقيمة مليار يورو، وهو الاقتراض الذي يفترض أن يستجيب لجزء من الحاجات التمويلية للخزانة ويدعم رصيد المملكة من النقد الأجنبي تحصينا لمالية المملكة في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.

ويعتبر هذا ثاني لجوء للسوق الدولية بعدما أصدرت المملكة، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2019، سندات في السوق المالية الدولية بمبلغ مليار يورو لمدة  12 عاما وبسعر فائدة في حدود 1.5 ٪.

فيما يرى لحلو، أن الخطورة ليست كبيرة نظرا لضآلة سعر الفائدة وطول فترة السداد المسموحة، مستبعدا تكرار أزمة الثمانينيات التي دفعت المغرب إلى عمل برامج تقويم هيكلية.

وأوضح، أن مدى قدرة المغرب على سداد الديون مستقبلا تتوقف على التخلص من فيروس كورونا خلال 6 أو 8 أشهر القادمة.

وأضاف أنه من أجل عودة الاقتصاد الوطني لمستوياته في 2018 و2019 يجب سلك سياسة اقتصادية مختلفة خصوصا في مجال النفقات العامة بحيث يكون هناك ربط ما بين الدين العمومي سواء الداخلي والخارجي والنفقات الاستثمارية وليس فقط النفقات الاستهلاكية أو مشاريع الطرق والسكك الحديدة.

النقد الأجنبي

وتابع: "يجب أن يكون هناك استثمارات في القطاعات المنتجة وأن يكون هناك توقف عن هدر المال العام، وأن تتوقف الواردات التي لا حاجة لها خصوصا فيما يتعلق بالواردات الكمالية حتى نتمكن من إعادة الحياة لخزينة البنك المركزي من العملات الصعبة".

وفي منتصف شهر سبتمبر/أيلول، 2020 تنبأ محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، بأن السندات سترفع احتياطيات المغرب من النقد الأجنبي إلى 294.7 مليار درهم (31.8 مليار دولار) في 2020 قبل أن تتراجع (التوقعات) إلى 289 مليار درهم في 2021، وهو ما يكفي لتغطية ستة أشهر و23 يوما من الواردات. 

وفي 22 سبتمبر/ أيلول، من نفس العام أبقى البنك المركزي المغربي على سعر الفائدة القياسي بدون تغيير عند 1.5%، قائلا: إن تكاليف الاقتراض متوافقة مع التوقعات الاقتصادية.

 وخفض البنك سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في يونيو/ حزيران، وقلص نسبة الاحتياطي الإلزامي إلى صفر بالمئة لدعم الاقتصاد أثناء أزمة فيروس كورونا.

وأشار التهامي، إلى أن بنك المغرب خفض نسبة الفائدة مرتين متتاليتين خلال عام 2020، مضيفا بأن نسبة الفائدة الآن تعد هي الأصعب تاريخيا بالنسبة للمؤشر الرئيسي، وأنه لا يمكن تخفيضها أكثر من ذلك.

واعتبر أن المشكلة ليست في السياسة النقدية، وأن إنعاش الاقتصاد الوطني يتطلب وضع خطة عبر قانون المالية لسنة 2021 تهدف إلى جلب الاستثمارات الخارجية.

وكشف البنك الدولي في تقرير نشره في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020، عن انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المغرب بمقدار النصف إلى 1.4 مليار دولار خلال عام 2019.  

وحذر التهامي، من أن تساهم الانتخابات التي من المقرر أن تتم خلال عام 2021، في زيادة ارتفاع الدين مرة أخرى.

ومن المقرر أن يشهد عام 2021 سنة انتخابية بامتياز، سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، وانتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان.

حلول لازمة

وفي دراسة حديثة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات حول كيفية خروج الاقتصاد المغربي من أزمة كوفيد 19، أشار إلى أن استعادة التحكم في النمو الاقتصادي، توجب على الحكومة أن تعمل على واجهتين:

الأولى: استهداف الاستهلاك المحلي قصير المدى والاستثمار. وبالموازاة مع ذلك، إعادة تشغيل الطاقة الإنتاجية في القطاعات التي تأثرت بالأزمة من خلال خطة لدعم الإنفاق العمومي والدين والنقد وتدابير السياسات الاحترازية مثل التمويل المصرفي ودعم الأعمال وما إلى ذلك.

وأوصت الدراسة على المدى القصير، بأنه يتعين على الحكومة أن تواصل دعمها للفئات الأكثر هشاشة، وأن تتبنى قانون السجل الاجتماعي الموحد للتمكن من استهداف الأشخاص الأكثر هشاشة بشكل أفضل. 

ولتعزيز القوة الشرائية للمستهلكين، طالبت الدراسة بضرورة تخفيض الضريبة على القيمة المضافة للمنتجات الغذائية المُصنعة وتخفيض ضريبة الاستهلاك المحلي، ودعم الإنتاج المحلي وتعديل واردات المنتجات المصنعة لتوجيه الاستهلاك نحو المنتجات المحلية.

كما طالبت بعد تخطي أزمة كوفيد 19 بضرورة توجيه اقتصاد المغرب نحو إجراء تحول هيكلي يسمح بالانتقال من القطاعات ذات المرونة المنخفضة في اليد العاملة إلى القطاعات ذات المرونة العالية.

ونوهت بضرورة توجيه الاستثمارات العمومية نحو المشاريع التي توفر أكبر عدد من فرص الشغل، وذلك لأن العائد على الاستثمار في المغرب من حيث خلق الثروة والتشغيل لا يزال منخفضا أيضا مقارنة بالدول الأخرى التي تبذل جهودا استثمارية مماثلة.