تهدئة مشروطة.. لماذا أوقفت مليشيات إيران استهداف الأميركيين بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في تطور جديد على الساحة العراقية، أعلنت عدد من المليشيات الشيعية الموالية لإيران، وقف الهجمات التي تستهدف الوجود الأميركي في خطوة أطلق عليها "تهدئة مشروطة"، مشيرة إلى أنها لإتاحة الوقت للحكومة العراقية لطرح جدول زمني لانسحاب واشنطن.

في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال المتحدث باسم "حزب الله" العراقي محمد محيي، لـ"رويترز": إن مجموعة تضم جميع فصائل ما وصفها بـ"المقاومة المناهضة للولايات المتحدة" قد اتفقت فيما بينها على وقف الهجمات التي تستهدف السفارات والمعسكرات والقوات الأميركية.

وعن تبرير الخطوة التي اعتزمت الفصائل المسلحة اتخاذها، أشار المتحدث إلى أن التهديدات الأميركية بإغلاق سفارتها بشكل كامل في العراق جعلت الأمور "معقدة جدا"، واستدعت تهدئة التوترات، لافتا إلى أن الفصائل "ستستخدم كل الأسلحة المتاحة لها" إذا بقيت القوات الأميركية لأجل غير مسمى".

دليل قوة

تباينت تفسيرات المحللين السياسيين والخبراء الأميين بخصوص إعلان "التهدئة المشروطة، ففي وقت اعتبرها البعض أنها تعبر عن اعتراف بقوة المليشيات العراقية على الأرض ومحاولة سماعها، فقد وصفها آخرون أنها مؤشر على استشعار هذه المجاميع بخطر داهم يهدد وجدوها.

المحلل السياسي وائل الركابي قال لـ"الاستقلال": "البيان الذي صدر عن الفصائل هو دليل على قوتها، وأن الأميركيين قد حسوا بقيمة ووجود هذه القوات وتأثيرها عليهم وعلى جميع وجودهم العسكري، لذلك لجؤوا إلى هذا التفاوض الذي أصبح يمثل الندية التامة".

ورأى الركابي أن "التهدئة تدل على إقرار واعتراف بوجود هذه الفصائل في العراق، إضافة إلى أنها تمثل حالة قوة وإرادة شعبية، فضلا عن أنها تصب  أيضا لصالح الولايات المتحدة أكثر منها للعراق، لأن الاستهدافات التي تطالهم ستتوقف".

وبخصوص الحديث عن أن التهدئة جاءت بقرار إيراني، قال الركابي: "لا أتصور أن ثمة فرقا إذا كان الإيرانيون هم من ضغطوا باتجاه هذه التهدئة أم أن القرار نابع من الفصائل العراقية، وهذا الأمر لن يؤثر على الموضوع، وأعتقد بشكل عام أن الهدنة تصب في صالح الجميع سواء إيران والعراق، وحتى أميركا التي من الممكن أن يستثمرها ترامب في انتخاباته".

وفيما إذا كانت التهدئة قابلة للتطبيق على أرض الواقع من عدمه، أوضح الركابي: "الفصائل العراقية ملتزمة من الناحية القانونية لمدة شهرين حتى تقدم الحكومة جدولا زمنيا واضحا يحدد زمن انسحاب القوات الأميركية من مدة 10 أشهر إلى سنة".

وتابع: "خلال مدة الشهرين لن توجه الفصائل أي استهداف للوجود الأميركي، لكن إذا لم تلتزم الولايات المتحدة بالتهدئة وغدرت، بالعمل على خرقها واستهداف أي رمز ينتمي لهذه الفصائل أو غيره، فستكون الأخيرة في حل من أمرها للرد".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق وأكد خلال لقائه مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض، في أغسطس/ آب 2020، أن الولايات المتحدة ملتزمة بخروج سريع لقوات التحالف الدولي من العراق خلال 3 سنوات.

استشعار الخطر

وفي المقابل، رأى الخبير الأمني مؤيد الجحيشي خلال تصريحات صحفية في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن "إعلان التهدئة يعد اعترافا كاملا من طرف الفصائل، بأنهم هم من كانوا يقصفون السفارة، ويستهدفون البعثات الدبلوماسية، وفي رقبتهم دماء المدنيين والعسكريين العراقيين الذين قتلوا بسببها".

وأكد الجحيشي أن "الاعتراف يعد إدانة لهم، بأنهم منذ عام ونصف كانوا هم من يستهدف مطار بغداد والمعسكرات التي يوجد فيها جنود عراقيون، وأن إعلان التهدئة يثبت الكلام السابق لزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، بأن رؤساء الحكومات السابقة كانوا يغضون الطرف عنهم".

وأشار إلى أن "المليشيات تعلم أن هذه الفترة حرجة بسبب الانتخابات الأميركية، فهم يناورون ويستشعرون بخطر يهدد وجودهم، فإذا أقدموا على أي فعل في هذا الوقت، فإن أميركا سترد بقوة، والأمر حينها سيرفع من رصيد ترامب، وهم يعولون على خسارة الأخير".

وحسب رأي الجحيشي، فإن "ترامب إذا فاز بولاية ثانية، فإنه سيضيق الخناق عليهم وعلى إيران التي ترعاهم، لكنه لن يشن حربا"، مضيفا: "أعتقد أن إيران هي من وجهتهم بإعطاء مجال، لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية".

وبشأن حديث الفصائل عن تعقيد المشهد بسبب نية واشنطن غلق سفارتها، قال الجحيشي: إنهم "يعلمون أن هذا الموضوع أكبر منهم، ولا طاقة حتى للحكومة نفسها به، لأن نحو 18 سفارة ستلتحق بواشنطن، وبذلك يبقى العراق من دون غطاء دولي".

هذه المستجدات تأتي بعد رسالة تهديد شديدة اللهجة بعثت بها الولايات المتحدة إلى حكومة بغداد والقوى والمليشيات الشيعية، على خلفية استمرار الهجمات الصاروخية واستهداف البعثات الدبلوماسية.

"الرسالة" أرسلت عبر وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الرئيس العراقي برهم صالح، الذي أوصلها بدوره لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، والأخير أبلغ بها القوى الشيعية في اجتماع عقد أواخر أيلول/ سبتمبر 2020، حسبما أفادت وسائل إعلام عراقية.

بدوره، قال الكاظمي للقادة الشيعة: إن بومبيو أبلغ الرئيس صالح بأن واشنطن ستُغلق سفارتها في بغداد، وتنتقم من فصائل شيعية، على اعتبار أنها "أهداف مشروعة" إذا لم توقفوا الهجمات على البعثات الدبلوماسية، وطالبهم بالإدانة والتخلي عن تلك الأفعال علنا.

إنذار جديد

وفي هذا الصدد، قال أنطون مارداسوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والباحث في معهد "الشرق الأوسط" بواشنطن: "التناقض بين عدد من فصائل الحشد الشعبي وإيران يرجع إلى حقيقة أن المليشيات لم تكن ترغب في وجود حكومة مركزية قوية في بغداد، على عكس إيران التي رأت أنه من الأفضل للحفاظ على مصالحها في العراق أن تتعاون مباشرة مع الحكومة وأن تنضوي كل الفصائل تحت رايتها".

ونقلت صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية عن مارداسوف في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قوله: "مقتل سليماني والمهندس في يناير/ كانون الثاني 2020 أدى إلى نتيجتين بارزتين: أولهما أن الحكومة العراقية تبنت ظاهريا شعارات الفصائل الشيعية لكنها عرقلتها على أرض الواقع".

الأمر الثاني، بحسب الخبير الروسي، هو أن "الضغط زاد على الولايات المتحدة في العراق من خلال تصاعد الهجمات على السفارات والقوافل العسكرية، في وقت كانت فيه واشنطن تخطط منذ مدة لنقل قواتها تدريجيا نحو إقليم كردستان شمالي العراق".

وأعرب مارداسوف عن اعتقاده بأن "الكاظمي في موقف صعب، حيث عمل طيلة الفترة الماضية على الحد من نفوذ المليشيات وتعزيز قدرات قوات الأمن المركزية، لكن إدارة ترامب لم تقدم له الدعم الكافي، فهي تدعوه من جهة لزيارة واشنطن، وتهدد من جهة أخرى بإغلاق سفارتها في بغداد، وتقلص مدة السماح باستيراد الطاقة من إيران".

وحسب مارداسوف، فإن "وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه الفصائل الموالية لإيران، والذي تم بمشاركة رئيس الوزراء، يبدو بمثابة إنذار جديد من كتائب حزب الله إلى واشنطن".

وأكد الخبير الروسي في ختام تصريحاته أن "هذا الإعلان سيؤثر بشكل مباشر على موقف الكاظمي، وسيدعم وجهة النظر التي تقول: إن إيران تفوقت على الولايات المتحدة في العراق".

تهديد بالتصعيد

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 قالت "الهيئة التنسيقية" للفصائل الشيعية الموالية لإيران: "في العراق رجال لن يوافقوا على بقاء قوات أجنبية تدنس أرضهم الطاهرة".

وأعلنت الهيئة، في بيان نقلته قناة "الميادين" اللبنانية حول الوجود الأجنبي، أنها "ستعطي فرصة مشروطة للقوات الأجنبية لوضع جدول زمني محدود ومحدد للخروج من البلاد"، محذرة الإدارة واشنطن من المراوغة والمماطلة والتسويف في تحقيق مطلب الشعب الأول.

واعتبرت الهيئة التنسيقية، أن "المماطلة ستضطرنا للانتقال إلى مرحلة قتالية متقدمة وستدفعون الثمن مضاعفا"، مؤكدة أن الفرصة المشروطة جاءت احتراما للجهود الطيبة التي قام بها بعض الشخصيات الوطنية والسياسية.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2020، وخلال جلسة استثنائية بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي صادق البرلمان على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأرض.

وتأتي مطالبات إخراج القوات الأميركية من البلاد على خلفية غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي، أسفرت عن مقتل رئيس فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، مع ثمانية آخرين.