الصندوق السيادي.. هل ينقذ اقتصاد المغرب من تبعات جائحة كورونا؟

12

طباعة

مشاركة

في خطابه الجمعة 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية الخامسة للبرلمان، قال العاهل المغربي الملك محمد السادس: إن الأزمة الصحية أبانت عن مجموعة من الاختلالات ومظاهر العجز، إضافة إلى تأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني والتشغيل.

الملك أعلن في خطابه عن خطة لإنعاش الاقتصاد ترتكز على صندوق الاستثمار الإستراتيجي، الذي دعا إلى إحداثه وأطلق عليه اسم "صندوق محمد السادس للاستثمار".

وعبّر الملك عن تطلعه لأن يقوم الصندوق "بدور ريادي في النهوض بالاستثمار والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص".

وأمر الملك برصد 15 مليار درهم من ميزانية الدولة (1.5 مليار دولار)، لهذا الغرض، فهل ينجح الصندوق السيادي في إنقاذ الاقتصاد المغربي من تبعات الجائحة؟ وكيف سيؤثر إنشاؤه على الميزانية العامة للدولة؟.

ركائز أربعة

الخطاب الذي وصفه البعض بـ"المشروع الوطني الكبير غير مسبوق"، يرتكز على 4 مكونات أساسية، أولها تعميم التغطية الصحية الإجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج.

وثانيها تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب 7 ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها 3 ملايين أسرة، ثم توسيع الانخراط في نظام التقاعد لحوالي 5 ملايين من المغاربة الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من معاش.

أما رابع هذه الركائز التي تحدث عنها الخطاب الملكي فتمثل في تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على وظائف عمل حكومية أو خاصة مستقرة.

وشدد الملك على أن "نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة (حسن التدبير والتسيير) الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة". وزاد أنه "يجب أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها".

الصندوق ليس الأول الذي أُنشئ بالمغرب في زمن الجائحة، ففي 17 مارس/ آذار 2020، صدر قرار حكومي نشرته الجريدة الرسمية، تم بموجبه إحداث صندوق مالي بمبلغ مليار دولار، لـ"التكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة".

وفي أبريل/ نيسان 2020، وصلت الموارد التي تم ضخها بـ"الصندوق الخاص"، حوالي 32 مليار درهم (3.25 مليارات دولار)، بحسب تصريح لوزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون في البرلمان، وهو رقم كبير، يعادل 3 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي.


مستوى النفقات

وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2020، أفاد ابن شعبون، أمام البرلمان بأن عجز الموازنة تجاوز 55.5 مليار درهم (حوالي 6 مليارات دولار) بارتفاع بلغ 25 بالمئة مقارنة مع السنة الماضية، فيما يتوقع أن ينخفض الناتج الداخلي الخام بنسبة 5 بالمئة.

وتأثرت الموازنة بالتراجع الكبير الذي عرفته مداخيل الضرائب والقطاعات الحيوية بالنسبة للاقتصاد المغربي، نتيجة الوباء وتعاقب سنتين من الجفاف، في مقابل ارتفاع كبير على مستوى النفقات لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، للأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا.

لكن بالتزامن مع انتشار الجائحة، عرفت المملكة "عجزا في سقوط الأمطار بلغت نسبته 46 بالمئة، مقارنة بالمعدلات المسجلة خلال 30 سنة الماضية"، بحسب وزير الفلاحة عزيز أخنوش، في اجتماع لجنة برلمانية.

وأخذت الحالة الاقتصادية بالمغرب منحى سيئا، خاصة حين تزامن الوضع مع حالة الجفاف التي أصابت البلاد، ومن المنتظر أن يبلغ المحصول هذا العام 30 مليون طن، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ سنوات، ما سيعمق من الأزمة الاقتصادية.

في يونيو/ حزيران 2020، أفاد بيان للمصرف المركزي في المغرب، أن ركودا اقتصاديا بمعدل 5.2 بالمئة يتوقع أن يسجل في البلاد هذا العام، وهو الأشد منذ 24 سنة، وربط البيان أسباب الركود بالتأثير المزدوج للجفاف والقيود المفروضة للحد من انتشار وباء كوفيد-19.

وتوقع المصرف أن يستعيد الاقتصاد عافيته العام المقبل بمعدل نمو 4.2 بالمئة، لكنه نبه إلى أن "التطور السريع والغامض للوضع" يجعل هذا التوقع "محاطا بكثير من الشكوك"، مرجحا أن يكون الركود "أكثر عمقا" في حالة "انتعاش بطيء للنشاط أو استمرار ضعف الطلب الخارجي واختلال سلاسل التموين".

ممر صناعي

وفي ورقة بحثية نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، في يونيو/ حزيران 2020، أفاد بأن الجائحة لم تؤثر في جميع القطاعات بشكل سلبي، لا سيما تلك التي يكون فيها التفاعل المباشر (وجها لوجه) محدودا مثل قطاعات الاتصالات والخدمات المالية والأنشطة الرئيسية الأخرى مثل الصناعات التعدينية والأعمال التجارية الفلاحية والمواد الكيميائية.

وتوقع الباحث، بأن الصدمة ستستمر على المدى القصير حتى بعد رفع إجراءات الإغلاق، وبالفعل فإن القطاعات الأكثر تأثرا ولا سيما الخدمات هي التي ستواجه صعوبة كبرى في استئناف نشاطها الطبيعي.

ومن بين عدد من التوصيات قدمها المعهد، قال الباحث: "على اقتصاد المغرب ما بعد أزمة كوفيد-19 إجراء تحول هيكلي يسمح بالانتقال من القطاعات ذات المرونة المنخفضة في اليد العاملة إلى القطاعات ذات المرونة العالية وتوجيه الاستثمارات العمومية نحو المشاريع التي توفر أكبر عدد من فرص الشغل".

كما أوصى المعهد بأن يصبح المغرب "ممرا صناعيا" من خلال بناء أقطاب اقتصادية متكاملة جديدة على أساس الشراكات الإستراتيجية بين القطاعين العمومي والخاص في سلاسل القيمة. 

وختم الباحث ورقته بالقول: "يبدو أن هناك بعضا من الضوء في نهاية النفق". مضيفا: "كما يبدو أن الثقة في الدولة وفي السلطات قد ازدادت الأمر الذي يمكن أن يكون محركا للمستقبل وضمانا للقيادة القوية وبالتالي التعافي الاقتصادي السريع والمنظم".

صندوق سيادي

وعما إذا كان الصندوق سينقذ الاقتصاد المغربي من تبعات الجائحة، اعتبر الخبير الاقتصادي، المهدي فقير، أن "الصندوق الاستثماري الإستراتيجي، الذي أطلق الملك اسمه عليه، في إشارة قوية إلى أن هذا الصندوق لن يكون فقط صندوقا تمويليا بل سيكون صندوقا سياديا".

وتابع في حديث مع الاستقلال: "في المحصلة لن يكون له غرض ظرفي، وهو مجابهة التبعات الاقتصادية والمجتمعية للجائحة، باعتبار أن هناك حسابا مفتوحا لدى خزينة الدولة لمواجهة آثار كورونا، والذي فتح فيه باب مساهمة تطوعية".

أما هذا الصندوق، وفق الخبير الاقتصادي، "يشكل رافعة لنهوض الاقتصاد المغربي بشكل كيفي قبل أن يكون كمّيا، بالنظر إلى منظومة عمله، التي قال صاحب الجلالة (الملك) إنها ستعتمد على أفضل أعراف الحكامة الجيدة وضوابطها".

وأوضح فقير أن الحديث هنا عن الصفة المعنوية التي أعطيت للصندوق كمؤسسة مصرفية. مضيفا أنه ستكون هناك إدارة جماعية تتعامل بمنطق النتائج وربط المسؤولية بالمحاسبة. وأبرز المحلل أن "توجيهات الملك تدعو إلى التجديد والابتكار في إطار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص". 

واستقرأ الخبير من الخطاب، بالنظر إلى أن الاعتماد المبدئي هو 1.5 مليار دولار، أنه يجب أن يوازن نفس الرقم القطاع الخاص. قبل أن يزيد: "الملك أوضح أن عمل هذا الصندوق سيتم بشراكة بين القطاعين".

وأكمل فقير: "بالتالي سوف يكون الصندوق الرافعة التمويلية التي يعتمد عليها المغرب في المقبل من السنوات، وتنزيله يحتاج إلى قطاع مؤسساتي متكامل الأركان".

وفي الشق المتعلق بالتمويل الإستراتيجي، قال الخبير: "هذا الصندوق له أهمية تاريخية وإستراتيجية رفيعة. في تقديري هذا ما سيصنع الفرق على الجانب التمويلي الذي يحتاج إليه المغرب من أجل الارتكاز عليه وجعله القاعدة".

خطة إنعاش

أفاد فقير أن المبلغ المخصص للصندوق لن يؤثر على الميزانية العامة للدولة، قائلا: "عندما نتحدث عن ميزانية الدولة فهذا المبلغ ليس من النفقات، بل هو مقتطع من نفقات تمويلية واستثمارية، والتي سيتم ضخها لتمويل مشاريع تعود بالنفع على البلد، وبالتالي هي عملية تدوير".

هذا الصندوق الهدف منه إنعاش الاقتصاد وخلق الدينامية وتخفيف الأعباء المتراكمة على الدولة، وفق الخبير الاقتصادي، و"الرفع من العائدات الضريبية وخلق مناصب شغل، وتوفير سبل تطور القطاع الخاص وخلق الظروف الملائمة لتطويره".

أعطى الخبير الاقتصادي نموذجا بتركيا، وقال: إن خطة الحكومة التركية قبل سنوات اختارت ضخ أموال وإحياء قطاع النسيج، وعاد ذلك بنفع كبير على الاقتصاد، إذ أصبحت تركيا اليوم تتوفر على قطاع خاص من العيار الثقيل وقوة ضاربة.

وتابع المتحدث: "بالتالي هذا هو الاستثمار الموجه للقطاع الخاص في المغرب، وهو ما سيساند الدولة بعد ذلك ويخلق لها كل الشروط لضبط الميزانية.

أوضح فقير أنه بفضل دعم الشركات المغربية، ستتمكن هذه الأخيرة من الاستثمار خارج المغرب وبالتالي دعم ميزان الأداءات عن طريق ضخ عائدات من النقد الأجنبي.

وبدعم القطاع الخاص، يزيد المتحدث، "سيرتفع مستوى عيش المواطن، الذي يمكنه التوجه والحصول على خدمات في قطاعي الصحة والتعليم بالقطاع الخاص، وهذا سيخفف العبء على البنى التحتية للدولة، وسيوجهها للقطاعات الأكثر احتياجا".

وختم الخبير الاقتصادي بالقول: "لا ننسى أن القطاع الاقتصادي القوي يعني عائدات ضريبية قوية، لذلك سمي الصندوق بالاستثماري، ومفهوم الاستثمار يجب قراءته بمنطق المؤسسات التي ستستفيد منه".