"ليتها سكتت".. كيف دافعت أنظمة عربية عن هجوم ماكرون على الإسلام؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابا هاجم فيه الإسلام، وقال: إنه يعيش أزمة في كل مكان في العالم، في تصريح أثار غضب ملايين المسلمين.

الغريب والمدهش أن زعماء عرب يتجاهلون الحملات المعادية للإسلام والمسلمين التي يشنها قادة غربيون، وآخرها تصريحات ماكرون، ويتنصلون من دورهم في الرد على تلك الحملات.

حملة ماكرون ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، وهي تسفر في العادة عن تغذية الكراهية ضد المسلمين، وتقود لارتكاب جرائم إرهابية بحقهم كان آخرها وأبرزها في نفس الوقت هجوما "كرايستشيرس" في نيوزيلندا، اللذين وقعا في 15 مارس/آذار 2019، في مسجد النور ومركز لينود الإسلامي وأسفرا عن مقتل 51 مصليا من المسلمين بالإضافة إلى إصابة نحو 47 آخرين.

ومع التبعات الكارثية التي تتسبب بها هذه الحملات الخبيثة إلا أن الأنظمة العربية بما فيها قادة وزعماء وهيئات تواصل غض الطرف عن دورها المفترض في الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

تبرير وتضليل

لم يتوقف الأمر عند تنصل هذه الأنظمة عن دورها، بل إن وسائل إعلام وقنوات تلفزيونية تعمل لصالح هذه الأنظمة قامت بالتبرير لتلك الهجمات، حيث بررت قناة "العربية" السعودية، هجوم ماكرون على الإسلام، بالقول: إنه "يحاول حماية المسلمين من التطرف"، في محاولة منها لتضليل المشاهدين.

وجاء في التقرير الذي نشرته القناة في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020: "دائما هناك عبارة تثير الجدل في فرنسا: إسلام فرنسا، الفرنسيون يقصدون بها تجنيب مسلمي فرنسا التأثيرات الخارجية عبر التمويل وبعض التيارات المتطرفة، وهي تقول إنه يوجد إسلام واحد ولا يمكن تفصيل إسلام على قياس أي بلد".

ياسر الزعاترة رد على تقرير قناة العربية بتغريدة على تويتر قال فيها: "حتى تصريحات ماكرون عن الإسلام التي استفزت كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وجدت لها قناة العربية تبريرا. السبب بالطبع هو تصدي أردوغان لغطرسة الرجل. خلل الأولويات مُدمِّر، وهو فاضح قبل ذلك".

وغرد المغربي رشيد غلام قائلا: "ما زالت ترفل في قاع الضحالة والوحل، في نظر القناة يريد حماية المسلمين من التطرف وأردوغان يستغل الجدل #عيال_زايد و #مبس أفسدوا الإعلام العربي وما زالوا يفسدون".

الإسلام الراديكالي

من جانبها نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مقالا للباحث السياسي اللبناني ميشال أبو نجم بعنوان "ماكرون يدعو إلى فهم أفضل للإسلام"، يدافع فيه عن ماكرون.

أبو نجم قال: "حرص ماكرون على التنبيه أن المستهدف ليس المسلمين، بل من يستغل الإسلام للترويج لمشروع سياسي، وهو ما يسميه الإسلام السياسي أو الإسلام الراديكالي المتطرف، وكلاهما يسعى لإقامة مجتمع بديل، مستفيدا غالبا من غياب الدولة والخدمات العامة وبؤس الشباب وغيرها من النواقص التي تعتري هذه الشرائح المجتمعية".

وفي تضليل واضح استعرض أبو نجم "الوهابية" كسبب من أسباب الأزمة، مع الإشارة إلى أنها هي الرافعة التي قامت عليها المملكة العربية السعودية أثناء تأسيسها، كما أنها تمد النظام السعودي بالشرعية الدينية والسياسية.

لم تكتف قناة العربية بالتبرير لماكرون وتلميع صورته، وتقديمه كما لو كان حريصا على الإسلام وسمعته، بل قامت في ذات الوقت بمهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واتهمته بـ"استغلال" ما سمته "الجدل"، للهجوم على "عدوه الأبرز حاليا".

أردوغان هو أول من رد من زعماء العالم الإسلامي على ماكرون بالقول: "تصريح ماكرون بأن الإسلام متأزم، في مدينة ذات كثافة سكانية مسلمة، استفزاز صريح فضلا عن كونه قلة احترام"، واعتبر أردوغان حديث الرئيس الفرنسي عن إعادة هيكلة الإسلام بأنه "وقاحة"، بحسب وكالة الأناضول.

وأشار الرئيس التركي إلى أن العديد من الدول الغربية أصبحت "راعية للعنصرية ومعاداة الإسلام"، لافتا إلى أن الذين يتهربون من مواجهة العنصرية وكراهية الإسلام "يرتكبون أكبر إساءة لمجتمعاتهم".

تحسين الصورة

الكاتب السياسي والناشط الحقوقي محمد الأحمدي قال: "في حقيقة الأمر، فإن الأنظمة العربية لم تتوقف عند تجاهل الحملات المعادية للإسلام، بل صارت جزءا من تلك الحملات في كثير من الحالات، سمعنا من قبل وزير خارجية الإمارات يتحدث بشكل مستفز، ويحرض على الجاليات المسلمة في الغرب، ويصفها بالإرهاب، وهذا جزء من الحملة المعادية".

يتابع الأحمدي في حديثه لـ"الاستقلال": "تصريحات ماكرون من الواضح أنها مدفوعة بالإسلاموفوبيا، وفي ذات الوقت تكشف جانبا من نفسية بعض القادة الغربيين المسكونة بماضي الاستعمار والحملات الصليبية، وللأسف صارت بعض الأنظمة العربية جزءا من هذه الحملات".

ويضيف الكاتب اليمني: "حتى بالنسبة للنظام في المملكة العربية السعودية في عهدها الجديد، صارت تعتبر الإسلام عبئا ثقيلا عليها، وتحاول التخلص من هذا العبء، من خلال التواطؤ مع حملات تشويه الإسلام والتحريض على الجاليات المسلمة، وللأسف محاولة تجميل الصورة من خلال التنصل عن مسؤولياتها كبلد يحتضن الحرمين الشريفين ومهد الرسالة المحمدية". 

الأحمدي قال: "ومع أنها (الرياض) تقوم بهذا الدور في محاولة التنصل عن دورها في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، فإنه لم يساعدها في محو الصورة النمطية التي ارتبطت بها كمصدرة للتطرف والتشدد، فأصبحت مثل المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".

الناشط الحقوقي أوضح أنه من "المؤسف بطبيعة الحال أن العديد من الأنظمة والمنطقة العربية يضيقون ذرعا حتى من الأصوات المدافعة عن الإسلام والناقدة لخطاب الكراهية ضد المسلمين، بما في ذلك حملات هذه الأنظمة وبعض القيادات العربية ضد الرئيس التركي أردوغان، مع كونه الصوت الوحيد في العالم الإسلامي الذي يرفض خطاب الكراهية ضد المسلمين ويعمل على تعرية ازدواجية الغرب فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا المسلمين". 

مضيفا: "من المؤسف أيضا أن هذه الحملات الناقدة ضد مواقف الرئيس التركي في نقد خطاب الكراهية ضد المسلمين تأتي في الوقت الذي يتم فيه تقويض كل المؤسسات الناطقة باسم العالم الإسلامي كمنظمة التعاون على سبيل المثال".

وختم حديثه بالقول: "الهيئات والمنظمات المعنية بشأن المسلمين في العالم لم يعد لها أي حضور أو دور في مواجهة حملات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، ومع ذلك هذا الصوت المتبقي يتم محاولة تشويهه والإساءة إليه".