تجريم الاعتداء على رجال الأمن.. هل تعود "دولة البوليس" إلى تونس؟

زياد المزغني | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعيش تونس منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، على وقع جدل مفتوح انتقل من أروقة مجلس نواب الشعب (البرلمان) إلى مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يقرر عدد من الناشطين التحرك في الشارع قبالة البرلمان للتعبير عن رفضهم لقانون "زجر (تجريم) الاعتداء على الأمنيين".

كان من المتوقع عرض هذا القانون على الجلسة العامة للبرلمان يوم 8 أكتوبر /تشرين الأول 2020، إلا أنه تم تأجيله لموعد غير محدد.

مؤيدو القانون يرون أنه ينص على حماية عناصر القوات الأمنية من الاعتداءات التي تهدد سلامتهم الجسدية وحياتهم، وإلى زجر الاعتداء على المقرات والمنشآت والتجهيزات الأمنية.

أما معارضوه فيعتبرون فيه تقنينا للإفلات من المسؤولية الجزائية في حال تجاوز رجال الأمن للقانون وممارسة العنف المفرط ضد المواطنين، بالإضافة إلى وجود تهم فضفاضة قد تستعمل من أجل تكميم الأفواه وتقييد حرية التعبير.

طرح هذا القانون كشف مجددا العلاقة المتوترة بين الأجهزة الأمنية وطيف واسع من الشعب رغم مرور قرابة 10 سنوات على ثورة الحرية والكرامة وتكرار الحديث من قبل الوزراء المتعاقبين على وزارة الداخلية بقيامهم بإصلاحات في صلب المؤسسة الأمنية.

كما كشف القانون عن خلافات عديدة بين الكتل النيابية التي لم تعبر غالبتها عن موقف نهائي من القانون الذي تمت المصادقة عليه داخل لجان البرلمان، ويتبقى فقط إقراره في الجلسة العامة.

رفض واسع

في 2 يوليو/تموز 2020، صادقت لجنة التشريع العام بالبرلمان والتي تترأسها النائبة والقيادية بحزب التيار الديمقراطي سامية عبو، وبإجماع أعضائها على مشروع قانون زجر الاعتداءات على رجال القوات المسلحة والشرطة بعد تغيير عنوانه إلى "مشروع قانون أساسي يتعلق بحماية قوات الأمن الداخلي والديوانة"، وتعديل عدد من فصوله.

ومنذ ذلك الحين تصاعدت مخاوف جمعيات ومنظمات حقوقية محلية ودولية من تكريس هذا المشروع لإفلات قوات الأمن من العقاب، واستباحة المس من حقوق الإنسان والحريات، خاصة في ظل تتالي اعتداءات بعض أفراد الأمن التي تكشفها شهادات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى، عدا عن "انفلاتات" النقابات الأمنية.

وفي جلسة أمام البرلمان بتاريخ 25 فبراير/شباط 2020، اعتبر الخبير في القانون، عبد الله الأحمدي وحمادي الزريبي، أن مشروع القانون "مخالف للدستور" بما يمس الحق في الحياة، وكرامة الذات والنفس البشرية، وحرية الاجتماع والتظاهر إضافة لحريات أخرى، وكذا مخالفة مبدأين دستوريين وهما مبدأ وضوح الأحكام الجزائية ومبدأ قاعدة التناسب بين الفعل الإجرامي والعقوبة المستوجبة.

 كما أكد الخبيران أن المشروع هو "نص غريب باعتباره يقلب الموازين ويحمي الأمني من المواطن في حين أن رجل الأمن هو من يملك القوة والسلطة"، وفق تقرير اللجنة التشريعية.

منظمة العفو الدولية "أمنستي" قالت: إنه يجب على أعضاء البرلمان التونسي رفض مشروع قانون من شأنه أن يعزز إفلات قوات الأمن من العقاب، ويحميها من أي مسؤولية جنائية عن استخدام القوة المميتة لحماية المنشآت الأمنية.

وقالت آمنة القلالي، نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة الدولية: "رغم التعديلات الإيجابية على مشروع القانون المقترح - التي أزالت الانتهاكات المروعة على الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، التي كانت موجودة في المسودات السابقة - لا يزال مشروع القانون يحتوي على أحكام من شأنها أن تعيق المساءلة عن الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان".

وفي بيانها الصادر يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أكدت المنظمة أن "قوات الأمن التونسية تمتعت منذ فترة طويلة بالإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثل الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين السلميين في تطاوين (جنوبا)، في يونيو/حزيران 2020، والتدخلات الأمنية التي أدت إلى وفاة عمر العبيدي، وأيمن عثماني، في 2018".

وأضاف البيان: أن "ممارسات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي يتعرض لها المحتجزون أثناء عمليات مكافحة الإرهاب ما زالت مستمرة، فضلا عن الممارسات التعسفية أثناء عمليات الاعتقال دون محاسبة".

وفي نفس السياق، اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المشروع "تمييزيا"، عدا عن معارضته كليا لمبادئ حقوق الإنسان بما سيزيد من انتهاكات الأمنيين في تونس، فيما عبّرت منظمة العفو عن استغرابها من تمسك الحكومة بالمشروع رغم كثرة الأصوات الداعية إلى سحبه.

في المقابل تراوحت مواقف الأحزاب بين الصمت، والإعلان عن معارضتها، مثلما عبّر ائتلاف الكرامة وحزب التيار الديمقراطي، إلا أن كتلة الحزب الدستوري الحر التي تتزعمها النائبة عبير موسي أعلنت مساندتها للقانون، وتقدمت بعدد من مقترحات التعديل، سيتم عرضها على الجلسة العامة للتصويت.

من بين مقترحات التعديل نص إضافي يقضي بمعاقبة كل من تعمد المس من كرامة وسمعة قوات الأمن الداخلي والديوانة بهتك شرفها أو اعتبارها قصد تحطيم معنوياتها بالقول أو الإشارة أو الصورة أو الكتابة والترويج لذلك بأي وسيلة نشر أو توزيع أو عرض مهما كان محملها، بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات".

فصول خلافية

القانون المقترح من قبل حكومة الحبيب الصيد عام 2015، يضم 15 فصلا مقسمة على 5 أبواب، من أجل حماية قوات الأمن أثناء أدائهم مهامهم وتعويضهم في حالة إصابتهم، وكذلك توفير الحماية لعائلاتهم من أي تهديد وتشديد العقوبات على من يرتكبها في حق الأمنيين أو ذويهم.

النسخة النهائية لمشروع القانون تخلت عن عدة  فصول من المشروع الأصلي لمعارضتها لأحكام الدستور ومسها بالحقوق والحريات وتعارضها مع مبادئ حقوق الإنسان.

تم التخلي عن جريمة المس من سمعة الأمن قصد تحطيم معنوياته، والاعتداء على أسرار الأمن الوطني، واشتراط الترخيص المسبق للتصوير في مناطق العمليات الأمنية والتي يُعاقب عليها بالسجن حال المخالفة، كما تم حذف الفصل الذي كان يعاقب بالسجن لمدة 3 سنوات "كل من يعطل السير العادي للمصالح والمؤسسات والمنشآت التابعة للقوات المسلحة".

المشروع الأصلي للقانون كان يعاقب بالسجن لمدة سنتين "كل من يقوم بتحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام"، وهو فصل تم التخلي عنه لتضمنه عبارة فضفاضة وهي "التحقير" بما يشرّع للمس من حرية التعبير.

إلا أن 3 فصول من هذا القانون لا تزال محل خلاف قائم ومستمر بين مؤيدي القانون ورافضيه، وهي الفصل السابع الذي ينص على عنصر الأمن "لا يكون مسؤولا جزائيا عند قيامه بمهمات أو تدخلات أثناء أدائه لوظائفه أو في علاقة بصفته".

كذلك الفصل التاسع، الذي ينص على مضاعفة العقوبة المستوجبة للجريمة إذا تعرض ضابط الأمن إلى اعتداء، وهو ما اعتبره معارضو القانون ضربا لمبدأ المساواة في الدستور.

بالإضافة إلى الفصل 13 الذي يعتبر تقييدا لحرية الصحافة ووسائل الإعلام، و"منعها من التعامل مع الأجهزة الأمنية بنفس الطريقة التي يتم التعامل مع بقية مؤسسات الدولة".

وتتصاعد المخاوف، إجمالا، أن يؤدي القانون، بعد المصادقة عليه، إلى مزيد من تفشي ظاهرة إفلات الأمنيين من العقاب، خاصة مع استمرار الانتهاكات المُعاينة من قبل المواطنين والمنظمات الحقوقية، سواء عبر التسجيلات المصورة على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر البيانات الرسمية.

علاقة متصدعة

قرابة 10 سنوات مرت على سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي كان يوصف بالنظام البوليسي، بسبب اعتماده على قوات الأمن كأداة للقمع ومحاصرة المعارضين وملاحقة كل الأصوات الحرة.

وخلال ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، عبّر شعب تونس عن غضبه  الكبير من قوات البوليس، من خلال تعدد المواجهات الدامية بينهم بالإضافة إلى قيام المحتجين في تلك الأحداث التي امتدت إلى نهاية فبراير/شباط 2011، بحرق عدد من المقار الأمنية وعربات الشرطة.

مع ذلك، لا تزال المنظمات الحقوقية في تونس تؤكد تواصل التجاوزات والانتهاكات في صفوف الأمنيين مع تعطل مسار إصلاح وزارة الداخلية والانفلاتات في أنشطة النقابات الأمنية.

أيضا هناك غياب للمتابعة الإدارية التأديبية من الوزارة، إضافة لتعطل المحاسبة القضائية، بما يكرس الإفلات من العقاب واستمرار الانتهاكات ضد المواطنين، وهو ما قد يتعزز الآن، مع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين.